انفراط عقد الدواعش.. «البغدادي» وصل إلى مرحلة اليأس وأتباعه «مهزومون نفسيًّا»
أكد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، أن الخطاب الحالي لتنظيم داعش الإرهابي، يُعتبر «هزيمةً نفسيةً ساحقةً»؛ مشيرًا إلى أن الهزائم المتتالية التي مُني بها التنظيم في سوريا والعراق غيرت نبرة الدواعش المتعالية والمعتزة بنفسها، وظهرت في إصداراتهم المكتوبة والمرئية والمسموعة نبرة جديدة.
وأوضح المرصد، أن داعش أصبح يعرض نفسه من خلال خطابه الحالي على اعتبار أن ما حدث له من انكسار وهزائم متتالية وخسائر فادحة «ابتلاء وتمحيص» لهم ولصدقهم وثباتهم، وبالتالي هم مأجورون في كل الأحوال، والظروف.
للمزيد: «تصفية البغدادي».. مؤشرات تفكك «داعش» ودلالات اختفائه القريب
ادعاءات الدواعش
ويتصادم خطاب داعش الحالي، مع ذلك الخطاب الذي سعى لتصديره في بداية ظهوره؛ فقد دأب عناصر التنظيم خلال السنوات الماضية على الادعاء (كذبًا وزورًا) أنهم حراس العقيدة، وحماة الدين، والمدافعون عن أصوله، والرادون عنه كل كيد، وغير ذلك من الدعاوى العريضة التي كان يروجها الدواعش في خطاباتهم المكتوبة والمرئية والمسموعة.
والسبب في تعمد داعش، الترويج لخطابه المتعجرف والمتعالي والمشتمل على الكثير من الأكاذيب والدعاوى الباطلة، أن التنظيم توهم عقب احتلاله لأجزاء من الأراضي العراقية والسورية أنه سيطر للأبد على هذه المناطق.
وفي بداية نشأة التنظيم، لم يكن إصدارٌ مكتوبٌ أو مرئي، إلا ويشتمل على حديث متغطرس ناشئ من شعور هذه الجماعات المتطرفة بالخيرية والأفضلية على من سواهم، في حين قرر القرآن الكريم الخيرية لكل الأمة في قوله تعالى: «كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ» (آل عمران: 110) دون أن يختص بهذه الخيرية طائفةً أو تيارًا أو جماعة.
الفرقة الناجية
وتابع مرصد الأزهر، أن داعش ومن شابهه من الجماعات والتنظيمات الإرهابية، ظلوا يستخدمون «مفهوم الفرقة الناجية»؛ لجذب الشباب، وتنفيذ عملياتها الإجرامية، ولا يخفى على من عنده مسحة من عقل أن تلك التنظيمات بمناهجها المغلوطة وفهمها السقيم وممارساتها الإجرامية، لهي أبعد ما يكون عن أن تدخل في دائرة الفرقة الناجية من قريب أو بعيد.
للمزيد: «داعش» يهرب لتطبيقات إلكترونية جديدة بديلة لــ«تيليجرام»
وورد مفهوم الفرقة الناجية، في حديث النبي (صلى الله عليه وسلم) الذي قال فيه: «ستفترق هذه الأمة (يعني أمته صلى الله عليه وسلم) على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، فقيل: من هي؟ قال: الجماعة» وفي لفظ: «ما أنا عليه وأصحابي»، إذن الفرقة الناجية هي تلك التي اجتمعت على الحق الذي جاء به الرسول (صلى الله عليه وسلم) واستقامت عليه، وسارت على منهجه صلى الله عليه وسلم ومنهج أصحابه، فنشروا الدين بالحكمة والرحمة والموعظة الحسنة، لا تلك التنظيمات التي سلطت سيوفها على رقاب الناس لفرض باطلٍ يريدون أن يُلبسوه ثوب الحق.
كما يظهر شعور تلك الجماعات بالخيرية والأفضلية من خلال محاولتهم الظهور بصورةٍ قريبة من صورة الجيل الأول من الصحابة من حيث الاصطفاء والاختيار، والتأييد الإلهي لجهادهم، ونجد هذا واضحًا جليًّا حين كتبوا في إصدارٍ من إصداراتهم: «وإننا وجدنا في زمننا هذا كثيرًا من المشاهد المشابهة لحال المسلمين في بدر وحنين، فكم من غزوة خاضها الموحدون وهم قلة ضعفاء ففتح الله عليهم، وكم من غزوة دخلوها بكثرة عدد وعدة، فعادوا منها مكسورين مثقلين بالجراح والهموم، ولنا في غزوة فتح مدينة الموصل مثال حي، إذ فتحها الله على أيدي عدد قليل من الموحدين لا يكفي لفتح حي من أحيائها بالحسابات العسكرية البحتة، فكان مقابل كل فرد من المجاهدين مائة أو يزيدون من جنود الطاغوت، مدججين بالسلاح والدروع، ولكن هزمهم الله ففروا تاركين وراءهم الأرض والمقرات والسلاح والمال، بل وتبعهم جنود الدولة الإسلامية يطاردونهم في المناطق الأخرى حتى فتح الله على أيديهم مساحات عظيمة واسعة لم يحكموا مثلها من قبل».
للمزيد: قراءة في مستقبل «ذئاب داعش المنفردة»... ذبح السائحتين بالمغرب نموذجًا
وبقليلٍ من التأمل في سيرة الصحابة رضوان الله عليهم، نجد فرقًا شاسعًا بين فلسفة الجهاد وحكمته لدى المؤمنين، وبين ما تمارسه التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها داعش وتسميه جهادًا، ويظهر من خلال ذلك أيضًا الفرق الكبير بين تأييد الله تعالى للمؤمنين في جهادهم ضد من اعتدى عليهم، وبين تلك الممارسات الإجرامية التي يقوم بها هذا التنظيم؛ فإنَّ جهاد الصحابة (رضى الله عنهم) لم يكن يومًا لفرض السيطرة، أو تعطشًا للدماء، بل كان جهادًا دفاعيًّا ضد من اعتدى على حياض الإسلام، أو حاول فرض سيطرته على المسلمين، وما أُثِرَ عن المسلمين قتل أعزل أو مسالمٍ لهم، وما أُثرَ عنهم حرق أسير أو ذبحه، وما أُثر عنهم إكراه أحدٍ أو إجباره على اعتناق فكرٍ بعينه، والأمر مختلفٌ تمامًا عند داعش كما لا يخفى.
ئفساد داعش
لقد كان الأمر بالقتال في القرآن والسنة من باب دفع العدوان الذي مارسه المشركون ضد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه؛ بل إن الدارس والمتابع والمطلع على غزوات رسول الله يجد أنها كانت لرد العدوان، ولتأمين الدعوة والمسلمين في أوطانهم، وهو سبب منطقي تتفق العقول على وجاهته، بل هو سبب منطقي لتأمين الديانات السماوية بأسرها، وهذا ما يفهم من قول الله تعالى: «وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا» (الحج:40).
وبهذا يتضح لكل ذي عينين أن ما يقوم به داعش ليس من الجهاد في شيء، بل هو فساد وإفساد، وتخريب ودمار، يدل على جهلهم، وطيشهم، وسفاهة عقولهم، ومن ثم فإن ما عقده المنتمون من مقارنةٍ بينهم وبين الصحابة الكرام ما هو إلا دعوى عريضة ينقضها العقل والواقع، وهو ادعاء كاذب يغني كذبه عن تكذيبه، وبطلانه عن إبطاله.
ومكمن الخطر في تنمية الشعور بالأفضلية والخيرية لدى عناصر داعش، حين يصورون لأنفسهم أنهم محلُّ عناية الله وحفظه، دون غيرهم من غير المنتمين إلى فكرهم والسائرين على منهجهم.
ولقد تهاوت سريعًا، دعوى داعش العنترية عقب أن مُني هذا التنظيم بخسائر فادحة في الأرواح، وفقدانه المناطق التي كان يسيطر عليها، وتغيرت تلك النبرة المتعالية والمعتزة بنفسها، وظهرت في إصداراتهم المكتوبة والمرئية والمسموعة نبرةٌ جديدة، يعرض التنظيم نفسه من خلالها على اعتبار أن ما حدث لهم من انكسار إنما هو من باب الابتلاء والتمحيص لهم ولصدقهم وثباتهم، وبالتالي هم مأجورون في كل الأحوال، والظروف.
لغة المواساة
وتضمن هذه الرسالة بشكل واضح، ذلك المقطع الصوتي المنسوب لأبي بكر البغدادي زعيم داعش، الذي بثته المواقع التابعة للتنظيم ثاني أيام عيد الأضحى الماضي؛ حيث تغيرت لغة القوة والاستعلاء إلى الدعم والمواساة، محاولًا تخفيف وطأة الهزيمة من على كاهل أتباعه، ومدعيًا أن خسارتهم المُرة إنما هي لحكمٍ إلهية عديدة، منها تهذيب نفوسهم وإصلاح اعوجاجهم، وأن النفوس تكتسب من العافية الدائمة والنصر والغنى طغيانًا وركونًا إلى العاجلة.
ويحاول «البغدادي»، أن يؤكد تلك الفكرة الخرافية التي تسيطر على عقلية المتطرف بأنه في كل حالاته من الهزيمة أو النصر أقرب وأحب إلى الله من غيره، وأن له فوق الناس درجة وكرامة؛ فإذا هزم يدعي أنه ابتلاء من الله له، ليمتحن إيمانه وصبره ومدى ثباته على الحق، وإذا انتصر يروج كذبًا أن الله أيده ونصره وأظهر الحق على يديه، وهو ما يجعل الإرهابي يسير في ظلماتٍ بعضها فوق بعض لا يبصر سوى طريق القتل والعنف ولا يفكر أن يعود عن هذه الطريق لإيمانه أنها طريق خلاصه.
للمزيد: مواجهات «داعش» و«الشباب».. الغريمان يقتتلان على أراضي الصومال
وأكد مرصد الأزهر، أن تنظيم داعش يتلاعب بعقول أتباعه حين يبث هذه الروح التي تدعوهم إلى مزيد من الصبر والتحمل بعد ما لحقتهم الخسائر بأشكالها المختلفة، لينقذ ما تبقى من روحهم المعنوية؛ إلا أنه من الواضح جدًا أن خطاب داعش قد بات هزيلًا منكسرًا، بعد ادعاء القوة والغلبة فترة من الزمن، مما يعطي دلالة واضحة لا تقبل الشك أن هذا التنظيم قد انهزم نفسيًّا هزيمة لا تقل عن هزيمته العسكرية، وأكبر دليل على هذا انشقاق الكثير من عناصره وعودتهم إلى أوطانهم بعدما تجلت لهم الحقيقة، وأيضًا إصدار «البغدادي» في أكتوبر 2018، أوامره بإعدام 320 داعشي بتهمة خيانة الأوامر، وتسببهم في إلحاق خسائر بالتنظيم.
وكل هذا يدل دلالةً واضحة على أن توالي الهزائم وفداحة الخسائر التي لحقت بداعش تسببت في إصابته بالوهن، وأن علامات الانهيار الداخلي أصبحت ظاهرة وغير خافية على أحد، وأن التنظيم يعاني الآن من تخبط شديد، قد أوصله إلى حالة من اليأس، وأنه في مأزقٍ حقيقي حتى وإن حاول إثبات العكس، وهذا بدوره يحتم على جميع الجهات المعنية ضرورة الاستمرار في محاربة هذا الفكر المتطرف بكل حسمٍ وقوة وعلى جميع الأصعدة، كلما حاول الظهور، حتى ينتهي وجوده.





