الانسحاب الأمريكي من سوريا.. هل أبرم «أردوغان» صفقة مع «ترامب»؟
والأهم مما سبق، هل يعني القرار الأمريكي تخلي قوات التحالف الدولي عن دعم وحدات «حماية الشعب» الكردية بالشمال السوري، التي تُعد المكون الرئيسي لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ومن ثَّمَ إفساح الطريق للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، من أجل تنفيذ مخططه الرامي للقضاء على الأكراد وإبادتهم، وأخيرًا هل يعطي قرار «ترامب» قبلة الحياة التي تُعيد تنظيم داعش إلى المشهد من جديد؟
للمزيد: «قسد» تحذر من انتعاشة لداعش عقب قرار الانسحاب الأمريكي من سوريا
ترامب.. يُعلن الأسباب
وتحدث الرئيس الأمريكي الخميس الماضي، عقب يوم واحد من إعلانه قرار سحب قوات بلاده البالغ قوامها 2000 جندي أمريكي بالكامل من سوريا، حول الأسباب التي دفعته لاتخاذ هذا القرار، قائلًا: إنه «يفي بتعهد قطعه خلال حملته الانتخابية».
ونفى «ترامب»، ما يتردد من أن الانسحاب الأمريكي من سوريا «خطوة مفاجئة»، مشيرًا في سلسلة تغريدات كتبها على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، إلى أن «الخروج من سوريا لم يكن مفاجئًا، وأنا أطالب به منذ سنوات، وقبل 6 أشهر عبرت علانية عن رغبتي الشديدة في فعل ذلك».
ومن المتوقع أن يُحدِث قرار سحب القوات الأمريكية تأثيرًا سلبيًّا على جهود المجتمع الدولي في محاربة التنظيمات والجماعات الإرهابية المنتشرة في سوريا، وفي مقدمتها تنظيم داعش، الذي يتحين الفرصة للعودة من جديد، والتمدد داخل الأراضي السورية، خاصة وأن الغطاء الجوي الذي وفرته الولايات المتحدة وباقي دول التحالف، إضافة إلى الضربات العسكرية التي تُشن على مناطق تمركز الإرهابيين كانت عاملًا رئيسيًّا في دحرهم وتزايد فرص القضاء عليهم، وهو الأمر الذي لن يصبح متوفرًا بعد القرار الأمريكي.
شرطي الشرق الأوسط
ولم يعبأ الرئيس الأمريكي بهذه المخاوف، معتبرًا أن من يريدوا تحميل الولايات المتحدة مسؤولية محاربة الإرهاب في سوريا يريدون أن يُضحي الأمريكيون بأرواحهم الغالية وينفقون التريليونات من أجل من وصفهم بـ«آخرين لا يقدرون».
للمزيد: بعد الانسحاب الأمريكي من سوريا.. أوروبا تدين ترامب خوفًا من عودة «داعش»
وتساءل «ترامب»: هل تريدون أن تصبح الولايات المتحدة الأمريكية شرطي الشرق الأوسط وألا تحصل على شيء سوى بذل الأرواح الغالية وإنفاق تريليونات الدولارات لحماية آخرين لا يقدرون؟ هل تريدون أن نظل هناك للأبد؟ حان الوقت أخيرًا لأن يحارب آخرون».
وقد سمى الرئيس الأمريكي، هؤلاء الآخرين الذين حملهم مسؤولية محاربة الإرهاب بالأراضي السورية، وهم: «روسيا وإيران وسوريا وآخرون»، مؤكدًا أنهم «العدو المحلي لتنظيم داعش، والولايات المتحدة كانت تؤدي عملهم؛ لقد حان الوقت للعودة إلى الوطن وإعادة البناء».
الدور التركي والإيراني
وبالرغم من أن «ترامب»، تنصل من مسؤولية بلاده (كعضو في المجتمع الدولي) في محاربة الإرهاب بسوريا؛ فإنه اعتبر دولة مثل إيران، مؤهلة للقيام بهذه المهمة، وهذا ما يثير علامات استفهام كثيرة؛ فكيف يكون النظام الإيراني مؤهلًا للقضاء على الإرهابيين، وهناك الكثير من الوقائع الدامغة التي تكشفت للرأي العام العالمي مؤخرًا، وأثبتت ضلوع «الملالي» في صناعة ودعم التنظيمات والجماعات الإرهابية المنتشرة بكل دول المنطقة؟
للمزيد: «فساد الملالي».. فقراء إيران ينامون جياعًا وثروة «خامنئي» بلغت 95 مليار دولار
وأغفل الرئيس الأمريكي، في سرده للأسباب، التي دفعته لسحب قوات بلاده من سوريا، الحديث عن تركيا، خاصة وأن «أردوغان» له مخططات مشبوهة يرنو إلى تحقيقها في الأراضي السورية، ومن أهمها إعلانه في خطاب بثه التلفزيون التركي، الأربعاء 12 من ديسمبر الجاري، شن عملية عسكرية جديدة ضد الأكراد بالشمال السوري.
وجاء إعلان وزارة الخارجية الأمريكية، أول أمس الأربعاء 19 من ديسمبر، عن موافقة واشنطن بيع صواريخ «باتريوت» لتركيا بقيمة 3,5 مليار يورو، ليزيد من غموض الموقف الأمريكي تجاه المخطط التركي، خاصة وأن هذا الإعلان جاء في اليوم نفسه، الذي أعلن فيه «ترامب» سحب قوات بلاده من سوريا، وهو ما يُعد بمثابة الصفقة التي ربما تكون الولايات المتحدة عقدتها مقابل إفساح المجال أمام «أردوغان» لينفذ مخططه في الأراضي السورية دون معارضة دولية.
تفاهمات «أمريكية - تركية»
ويعزز من احتمالية وجود تفاهمات «أمريكية - تركية» في الشأن السوري، ما ذكره «أردوغان» في كلمة ألقاها الجمعة 21 من سبتمبر الجاري، وبثها التلفزيون التركي، والذي رحب فيه بقرار واشنطن سحب قواتها من الأراضي السورية.
ووفقًا لما نقلته وكالة «رويترز»؛ فإن الرئيس التركي أكد أنه يتفق مع الرئيس الأميركي في العديد من الأمور بشأن سوريا، قائلًا: «إن الدبلوماسية مع أميركا وصلت للمستويات المرغوبة، خاصة مع بدء انسحاب القوات الأميركية من الأراضي السورية».
للمزيد: جرائم «أردوغان».. الرئيس التركي يبدأ مخطط إبادة الأكراد
وأوضح «أردوغان»، أن بلاده «ستطهر سوريا من المسلحين الأكراد، وفلول داعش»، مشيرًا إلى أن أنقرة قررت تأجيل العملية العسكرية التي كانت تنوي شنها خلال الأيام الجارية ضد الأقلية الكردية في الشمال الشرقي لسوريا، والسبب وراء قرار التأجيل هو «مكالمة هاتفية مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، جعلتنا ننتظر قليلا بشأن العملية العسكرية التي ننوي شنها شرقي الفرات، وفترة الانتظار ليست مفتوحة».
ووفقًا لشهود عيان؛ فإن الجيش التركي وفصائل سورية معارضة متحالفة معه يتأهبون في اللحظات الحالية على الحدود «التركية - السورية» الشمالية، لشن عملية عسكرية واسعة ضد الأقلية الكردية.
وأكدت وكالة الأناضول، وصول تعزيزات تركية جديدة يوم الخميس الماضي 20 من ديسمبر الجاري، إلى ولاية غازي عنتاب الجنوبية وسط تدابير أمنية مشددة، وتوجهت منها إلى ولاية هطاي لتعزيز الوحدات المنتشرة على الحدود مع سوريا، وتضم التعزيزات مركبات عسكرية بينها ناقلات جنود مدرعة، وهو ما يعزز احتمالية شن النظام التركي لعملية عسكرية برية ضد الأقلية الكردية في الشمال السوري.
مخطط «أردوغان» المشبوه
وكشف وزير الدفاع التركي، خلوصي آكار، عن مخطط بلاده المشبوه في الأراضي السورية، وذلك حين قال: وفقًا لما نقلته «سكاي نيوز عربية»: «إن المسلحين الأكراد الموجودين شرق الفرات في سوريا، سيدفنون في خنادقهم في الوقت المناسب».
والمخطط التركي المشبوه في الأراضي السورية، لا يقف عند حد القضاء على الأقلية الكردية، وإبادتهم عن بكرة أبيهم فقط، بل يتعدى هذا إلى حد مُضي «أردوغان» قُدمًا وبكل قوة في طريق توفير الدعم الكامل للجماعات والتنظيمات الإرهابية التي تعبث بأمن واستقرار سوريا أولًا، ثم باقي دول المنطقة.
ويزعم «أردوغان»، أن الهدف من وراء العمليات العسكرية التي ستشنها تركيا ضد الأقلية الكردية بالشمال السوري، هو «إخلاء شرق الفرات من الإرهابيين الانفصاليين، وبالأخص المناطق التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب»، وذلك بالرغم من أن هذه الوحدات الكردية تقف حصنًا منيعًا أمام التمدد الداعشي، وسبق وأن ألحقت في العام 2015 هزيمة ساحقة بعناصر «داعش»، في المعركة التي عُرفت بـ«حصار كوباني»، والتي تلقت خلالها دعمًا جويًّا وبريًّا من دول التحالف.
للمزيد: تركيا تُجري تغييرًا ديموغرافيًا شمال سوريا.. هل يحسم تخوفاتها نحو الأكراد؟
أسباب الانسحاب الحقيقية
وجاءت استقالة وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، التي أعلنها الخميس 20 من ديسمبر الجاري، عقب يوم واحد من قرار «ترامب» بسحب القوات الأمريكية من سوريا، بمثابة الخطوة التي أزاحت الستار عن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء القرار المفاجئ للرئيس الأمريكي.
وقال «ماتيس»، في رسالة بعث بها إلى الرئيس الأمريكي، نشرتها «سكاي نيوز عربية»: «نظرتي إلى العالم التي تميل إلى التحالفات التقليدية والتصدي للجهات الخبيثة تتعارض مع وجهات نظر الرئيس، ولأنه من حقك (يقصد ترامب) أن يكون لديك وزير دفاع وجهات نظره تتوافق بشكل أفضل مع وجهات نظرك حول هذه القضايا وغيرها، أعتقد أنه من الصواب بالنسبة إلىَّ أن أتنحى عن منصبي».
وسبق وأن حذر وزير الدفاع الأمريكي المستقيل، من مخاطر الانسحاب المبكر من سوريا، مؤكدًا أنه «سيكون خطأ استراتيجيًّا فادحًا»؛ إلا أن «ترامب» لم يأخذ في اعتباره هذه التحذيرات وأصر على إصدار قرار سحب قوات بلاده بالكامل من الأراضي السورية.
وبحسب ما نقلته صحيفة «واشنطن بوست»؛ فإن قرار ترامب بسحب القوات الأمريكية من سوريا، يُعد توبيخًا واضحًا لـ«ماتيس»، الذي عارض هذا القرار بقوة، قائلًا: «إن مهمة مكافحة الإرهاب في سوريا لم تنته بعد، والوجود الأمريكي الصغير فيها ينبغي أن يظل».
للمزيد: الانسحاب من سوريا.. قرار صائب أم خطأ فادح ستدفع واشنطن ثمنه؟
وحاول وزير الدفاع الأمريكي في وقت سابق، أن يشرح لترامب أنه سيكون هناك المزيد من الفوضى في المنطقة، إضافة إلى مشكلات مستقبلية ستواجهها الولايات المتحدة في حال رحيل القوات الأمريكية عن سوريا، إلا أن الرئيس لم يأخذ بنصيحة وزير دفاعه.
خيانة دماء السوريين
ووفقًا لما نقله المرصد السوري؛ فإن قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، اعتبرت قرار الانسحاب الأمريكي المفاجئ من الأراضي السورية «طعنة في الظهر، وخيانة لدماء آلاف المقاتلين».
وأوضح المتحدث باسم مجلس سوريا الديمقراطية، حكمت حبيب، في تصريحات لـ«سكاي نيوز عربية»، أن السوريين يُعدون العدة حاليًّا لإفشال مخطط تركيا؛ قائلًا: «سنعمل بالوسائل السياسية كافة لمواجهة الخطر التركي، وهناك واجب على الحكومة السورية بالتوجه إلى الأمم المتحدة لمنع التحركات التركية».
وأكد «حبيب»، أن «الوجود الأمريكي على الأرض السورية رمزي أكثر منه عملياتي؛ حيث يقتصر على الدعم اللوجستي، لكن قوات سوريا الديمقراطية هي التي تقوم بالعمل».
وأكدت قيادة قوات «قسد»، استمرارها في معركتها التي تخوضها حاليًّا ضد عناصر تنظيم داعش الإرهابي، بمدينة هجين التابعة لمنطقة البوكمال بمحافظة دير الزور شرقي سوريا، نافية سحب قواتها من المنطقة لحماية المناطق الكردية، ومحذرة في الوقت ذاته من أن مئات الدواعش السجناء لديهم، قد يتمكنوا من الفرار بمجرد مغادرة القوات الأمريكية الأراضي السورية، والسبب في هذا أنهم لن يكونوا قادرين على تأمين أماكن احتجاز نحو 2000 من مقاتلي داعش، إذا ما اضطروا للتصدي لهجوم محتمل تتأهب تركيا لشنه ضدهم.
للمزيد: «تصفية البغدادي».. مؤشرات تفكك «داعش» ودلالات اختفائه القريب





