ad a b
ad ad ad

أبعاد التهديدات الإرهابية لتركمانستان.. «المرجع» يُفكك المشهد الحدودي المعقد

الأحد 16/ديسمبر/2018 - 05:34 م
المرجع
أحمد سامي عبد الفتاح
طباعة

تُعاني تركمانستان دومًا من التهديدات الإرهابيَّة؛ كونها ترتبط بحدود طويلة مع أفغانستان التي تشهد حربًا على الإرهاب منذ الغزو الأمريكي في 2001، وبعد ظهور داعش، ازداد التهديد الإرهابي على تركمانستان؛ بسبب محاولة التنظيم الإرهابي السيطرة على أراضٍ داخل أفغانستان؛ ما تسبب في حروب بينية بين داعش وطالبان؛ ما انعكس بدوره على تركمانستان، التي رأت في سيطرة داعش على مساحات في المناطق القريبة من حدودها تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، أو هو ما دفعها لاتخاذ عددٍ من الخطوات تهدف إلى تحييد هذا التهديد.


ورغم اشتراك تركمانستان بحدود مع كل من إيران وأفغانستان فإن الأعمال الإرهابية، التي وقعت داخل أراضيها تكاد لا تُذكر، وفي هذه الدراسة يتطرق المرجع إلى أبعاد التهديد الإرهابي في دولة تركمانستان، فضلًا عن الأدوات التي مكنت تركمانستان من تقليل أخطار التهديد الإرهابي عليها.

أبعاد التهديدات الإرهابية

أولًا: أبعاد التهديد الإرهابي لدولة تركمانستان

تواجه دولة تركمانستان تهديدًا إرهابيًّا قائمًا من أفغانستان، وفي 2014 حدث العديد من حوادث إطلاق النار المتبادلة -بين حرس الحدود التركماني من جهة، وعناصر من طالبان، وعناصر أخرى محليَّة من جهة أخرى-التي راح ضحيتها العديدُ من الأفراد من الجانبين، وفي أعقاب كل حادثة، كانت تخرج اتهامات مُتبادلة بين الأطراف كافة، فطالبان تتهم تركمانستان بالتعدي على أراضيها وتجاوز الحدود، فيما يرد حرس الحدود التركماني بنفي أي تجاوز للخط الحدودي الفاصل بين الطرفين، وأن عمله قد اقتصر على تأدية واجبه القومي[1].


للمزيد: خريطة التنظيمات الإرهابية في شرق ووسط آسيا (1ـ2)


ويُعدُّ الوجود الإرهابي لتنظيم داعش في دولة أفغانستان تهديدًا جوهريًّا للأمن التركماني، خاصةً أن التنظيم الإرهابي نجحَ في استقطاب العديد من الأفراد من دولة تركمانستان، وفي هذا الشأن، يشيرُ تقرير إلى أن التركمانيين كانوا من أوائل العناصر الأجنبية التي ذهبت تحت مظلة تنظيم داعش إلى سوريا؛ ما يؤشر لقدرة التنظيم على اختراق التركيبة المجتمعية للمجتمع التركماني.


ومنذ عام 2014، بدأت دولة تركمانستان في اتخاذ عدد من الإجراءات هي الأولى من نوعها منذ عام 1991؛ بهدف منع داعش من التمدد إلى أراضيها، أو منع أفراده من التسلل إلى أراضيه، وفي يونيو 2015، أعلنت السلطات التركمانية القبض على 15 فردًا تابعين لتنظيم داعش بعد عبورهم الحدود من إقليم هيرات بأفغانستان[2].

 

وقد صرح مصدرٌ من الشرطة المحلية الذين شاركوا في عملية القبض أن 4 أفراد ممن كانوا من القومية التركمانية[3]، وقد كشفت التحقيقات عن قيام الـ4 أفراد بالذهاب إلى تركيا، ومن ثم الانضمام إلى داعش، قبل أن تتم إعادة إرسالهم إلى أفغانستان مرة أخرى؛ من أجل تدعيم وجود التنظيم في شمال غرب أفغانستان، كما كشفت التحقيقات أن الأفراد الذين عبروا الحدود كانوا في انتظار أفراد آخرين متمركزين على طول الحدود ولكن من الجانب الأفغاني.


وفي يونيو 2015، قبضت تركيا على 4 أفراد من أصول تركمانية يشتبه بارتباطهم بتنظيم داعش، وقامت بترحيلهم إلى دولة تركمانستان مع إرسال المعلومات المُتعلقة بهم[4].


وفقًا لمؤشر الإرهاب العالمي الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام، فإن التهديد الإرهابي الذي يواجه دولة تركمانستان تم تصنيفه على أنه منخفض في عام 2016، أن تركمانستان ترتبط بحدود طويلة مع دولة أفغانستان[5]؛ ويرجع ذلك للعديد من الأسباب، لعل أهمها سياسة الحيادية التي تنتهجها الدولة منذ الاستقلال في 1991، فعلى عكس دول آسيا الوسطى لم تنضم تركمانستان لمنظمة اتفاقية الأمن الجماعي التي وقعتها روسيا مع 5 دول، هما أرمينيا وكازخستان، قيرغيزستان، طاجكستان، وأوزباكستان.


وفي عام 1993، انضمت 3 دول أخرى، وهي أذربيجان وجورجيا وبيلاروسيا، فيما أبقت تركمانستان على حياديتها بعيدًا عن الحلف العسكري الروسي الهادف بشكل رئيسي لإعادة استنساخ حلف وراسو ولكن في إطار أوراسي، ويعد ذلك سببًا رئيسيًّا بالنسبة لدولة تركمانستان التي رأت في ابتعادها عن روسيا وسيلة لحصولها على دعم أمريكي وأوروبي لتحقيق دعم وتنمية مستدامة.


حاولت دولة تركمانستان قدر الإمكان البقاء بمعزل عن كل الأحداث التي تتم في منطقة وسط آسيا؛ اعتقادًا منها أن سياسة الحيادية ستمكنها من كسب التكتلات الإقليمية المختلفة، على غرار سياسة سلطنة عمان، ورغم ذلك حافظت دولة تركمانستان على علاقات قوية مع تركيا لعدد من الأسباب، لعل أهمها الإثنية الواحدة التي تجمعهم، فكلاهما كان جزءًا من الإمبراطورية التركية السلجوقية القديمة، بل إن أتراك تركيا قد جاؤوا بالأساس من وسط آسيا، حينما قامت الإمبراطورية السلجوقية بغزو الأناضول، قبل أن تسمح بحملات هجرة داخلية لعدد من القبائل ذات الإثنية التركية.


زادت تركمانستان من علاقاتها مع واشنطن في أعقاب الاستقلال؛ بسبب حاجتها لدعم اقتصادي يؤمن لها حالة الاستقلالية الوليدة بعيدًا عن موسكو، ورغم ذلك، لم تندرج تركمانستان في أي تحالفات عسكرية مع الولايات المتحدة، حتى عندما بدأت الولايات المتحدة الأمريكية الحرب على الإرهاب في أفغانستان في 2001، لم تنضم تركمانستان للتحالف الدولي، ولكن سمحت للولايات المتحدة وحلف الناتو باستخدام مطاراتها لأسباب إنسانية فقط.


ويقصد من هذه النقطة، استخدام إعادة تزويد الطائرات بالوقود، وتعتبر الولايات المتحدة هذا الأمر حاسمًا في حربها على الإرهاب، وفي مارس 2003، أعلن رئيس تركمانستان السابق نيازوف أنه كان معارضًا للغزو الأمريكي للعراق؛ لأن الأمر لم يتم بموافقة مجلس الأمن الدولي، كما أن العمليات العسكرية لم تتم تحت قيادة الأمم المتحدة، كما كشف عن مخاوفه من أن يؤدي الغزو الأمريكي للعراق إلى التأثير على وضع التركمان العراقيين.


للمزيد: خريطة التنظيمات الإرهابية في شرق ووسط آسيا (2 ـ 2)

أبعاد التهديدات الإرهابية

ثانيًا: أسباب محدودية التهديد الإرهابي

تُعد تركمانستان إحدى دول العالم، التي لا تُعاني من تهديدات إرهابية جوهرية، ويرجع ذلك للعديد من الأسباب على النحو التالي:


- سياسة العزلة: تعتمد دولة تركمانستان سياسة العزلة في السياسة الخارجية كأداة فاعلة لتجنب الصدام مع الدول كافة، وكوسيلة لتجنب دعم بعض الأفراد للأقليات العرقية الموجودة في البلاد، مثل الروس أو التتار، على سبيل المثال. وفي الإطار ذاته، عملت دولة تركمانستان على تقوية علاقاتها الاقتصادية مع دول الجوار كافة، بما في ذلك إيران وأفغانستان التي تربطهما علاقات وثيقة بالإرهاب-الأولي تعد المصدر أو الممول الأول للإرهاب، بينما الثانية تعد الموطن الأول للإرهاب العالمي. حتى فيما يتعلق بالحرب على الإرهاب في أفغانستان، تجنب تركمانستان الدخول فيها كطرف فاعل، واكتفت فقط بالسماح للطائرات العسكرية الأمريكية استخدام مطاراتها العسكرية كوسيلة لتقديم المساعدة الإنسانية فقط. وفي الإطار ذاته، لم تنضم تركمانستان للاتحاد الأورواسي الذي تم تأسيسه في 2010 بهدف تكوين تحالفٍ اقتصادي على غرار الاتحاد الأوروبي بين روسيا ودول ما بعد الاتحاد السوفييتي؛ حيث يتضمن الاتحاد حتى هذه اللحظة روسيا، أرمينيا، بيلاروسيا، كازاخستان وقيرغستان[6].   

  

-       القبضة الأمنية القومية: تُعد القبضة الأمنية القوية أداة فاعلة في مواجهة الإرهاب، وتولي دولة تركمانستان لهذا الأمر عناية فائقة لهذا الأمر، ففي أغسطس 2017، بثت القوات المسلحة التركمانية فيديو عن التدريبات العسكرية التي شارك فيها الرئيس بنفسه؛ بهدف تحفيز الجنود ضد مواجهة الإرهاب، وهو الأمر الذي يؤكد أن تركمانستان تدرك تمامًا أت مواجهة الإرهاب القادم من الحدود الأفغانية أو الإيرانية يتطلب قبضة أمنية قوية.


-       التناغم المجتمعي: ويقصد منه أن الجوانب العرقية لا تشكل إشكالية للعلاقات البينية بين الفئات المجتمعية المختلفة، وفي هذا الشأن يتعين أن نشير إلى أن الأغلبية المطلقة من السكان التركمان هما من المسلمين السُّنة، ومن التركمان الذين تعود أصولهم إلى القبائل التركية القديمة.  وتمثل القبائل التركمانية نسبة تجاوزت 85% في 2012، وفقًا لإحصاءات صادرة عن الأمم المتحدة، في حين مثل الروس 5% والأوزباكستانيين 5.8%، مع العلم أن الروس في تركمانستان قد جاؤوا أثناء الحكم السوفييتي، ونعني من ذلك أن المجتمع التركمانستاني متناسق أثنيا ولا يعاني من صراعات داخلية؛ الأمر الذي لا يحفز على وجود تنظيمات إرهابية على الإطلاق.   


-       القوانين الصارمة فيما يتعلق بالإرهابوفقًا لقانون الإرهاب داخل دولة تركمانستان، فإن الإرهاب هو كل الأفعال التي تتم بغرض السيطرة على السلطة، أو تغيير التركيبة الدستورية للمجتمع، فضلًا عن انتهاك الأمن العام، ترهيب السكان، أو خلق الفوضى أو التأثير على عملية صنع القرار؛ بهدف خدمة مصالح الإرهابيين.


ويتضح من ذلك أن قانون الإرهاب الخاص بدولة تركمانستان لم يقتصر فقط على الأعمال الإرهابية، ولكن امتد أيضًا ليشمل المسؤولين الحكوميين الذي ربما يحاولون بطريقة أو بأخرى أن يساعدوا الإرهابيين بطرق مباشرة، ويكشف ذلك مدى التشديد الأمني داخل دولة تركمانستان فيما يتعلق بالإرهاب.


-  وفي الإطار ذاته، يتوسع قانون الإرهاب ليضمن مجرد الترويج لأفكار متطرفة أو التنظيمات المتطرفة، ويقوم بتضمينها على أنها أنشطة إرهابية، كما يعد التعامل مع إرهابيين عملًا إرهابيًّا؛ لأنه ساعدهم على الفعل الإرهابي، بما في ذلك تأجير الممتلكات أو تدريب أفراد ومجموعات أو تسليح الكثير من الأفراد.[7]


وفي النهاية، يتعين أن نشير إلى أن السياسات التركمانية لمواجهة الإرهاب اتسمت بالفاعلية؛ بسبب عزلتها عن المعارك الدائرة في دول الجوار؛ ولذلك ليس من المتوقع في المستقبل القرب أن يكون للتنظيمات المتطرفة أي وجود في تركمانستان، خاصةً بعد أن تراجع تنظيم داعش وطالبان؛ بسبب الدور الذي يقوم به الحكومة الأفغانية مدعومة من التحالف الدولي.

 


[1] Casey Michel, isis and Turkmenistan border worries, the diplomat https://thediplomat.com/2015/03/isis-and-turkmenistans-border-worries/

 

[2] Bruce Bannier, is there a terror threat in Turkmenistan, Radio free Europe, https://www.rferl.org/a/qishloq-ovozi-turkmenistan-terror-threat-afghanistan-islamic-state/28653368.html

 

[3] IPID

[4] IPID

[6]  The official website of the Eurasians economic Union, http://www.eaeunion.org/?lang=en#about

 

"