ad a b
ad ad ad

السجون الأوروبية.. بيئة مواتية لصناعة الإرهابيين وتفريخ المتطرفين

السبت 24/نوفمبر/2018 - 11:12 ص
المرجع
محمد عبد الغفار
طباعة

جرت العادة على أن تكون السجون مكانًا لإصلاح وتهذيب المجرمين وإعادة تأهيلهم ليخرجوا- بعد قضاء فترة عقوبتهم- مؤهلين وأسوياء يسهل دمجهم في مجتمعاتهم من جديد، لكن أن يدخل المجرم إلى السجن بسلوك منحرف، ثم يخرج منه بسلوك أكثر انحرافًا، فهذا ما يثير التساؤل الجاد حول الأسباب الكامنة وراء ذلك.

السجون الأوروبية..

ولعل أبلغ مثال على ما سبق، أنيس عامري، تونسي الجنسية؛ حيث دخل إلى سجن كاتانيا الإيطالي، بتهمة الاختلاس وإلحاق إصابات بمجموعة من المواطنين، وقضى عقوبة لمدة 4 سنوات، إلا أنه بعد خروجه من هناك، التحق بشبكة من المتطرفين في ألمانيا، وبتاريخ 19 من ديسمبر من عام 2016، نفذ عملية دهس في أحد أسواق برلين، في ذكرى عيد الميلاد، واعترفت وزارة العدل الألمانية أنه أصبح متطرفًا حينما كان داخل السجن.


وهناك أيضًا بنيامين هيرمان، صبي كاثوليكي من ضواحي أمستردام، دخل السجن في عام 2003 بتهمة السرقة والاعتداء على الآخرين، وفي سجن «لانفين» شرقي بلجيكا، تحول إلى متطرف، واستغل فرصة حصوله على إفراج مؤقت لمدة يومين في مايو من عام 2018، ليقتل اثنتين من ضابطات الشرطة في مدينة لياج البلجيكية، ويستخدم الأسلحة الخاصة بهما في قتل سائق إحدى السيارات العابرة أثناء تنفيذ الجريمة.


للمزيد:  «الزواج البيئي».. مصاهرة رفاق السجون لضمان الولاء «الإخواني»


وكذلك كان الحال في سجن «بوكا» بالعراق، الذي أشرفت عليه القوات الأمريكية؛ حيث أمضى أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم داعش الإرهابي، خمس سنوات؛ حيث دخل إلى هناك كفرد في تنظيم ذي تأثير محدود في العراق نشأ بعد الغزو الأمريكي، وهناك تعرف على ثمانية أشخاص، وتبادلوا الأفكار الإرهابية مع بعضهم البعض، ثم أصبحوا فيما بعد من أبرز قيادات داعش، مثل أبو مسلم التركماني، ثاني رجل في التسلسل الهرمي بالتنظيم، وأبو قاسم، قائد المقاتلين الأجانب، والحاج بكر، قيادي عسكري بارز بداعش.([1])


وتشير دراسة للمركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي، بعنوان «ماض إجرامي، مستقبل إرهابي: الجهاديون الأوربيون والروابط الجديدة للجريمة والإرهاب»، إلى أن هناك خمسة آلاف أوروبي اتجهوا إلى الشرق الأوسط للقتال في صفوف مختلف التنظيمات الإرهابية، و57% ممن شملتهم الدراسة كانوا في السجون قبل أن يجنحوا إلى التطرف، بينما 27% منهم جنحوا إلى التطرف أثناء تواجدهم داخل السجن.([2])

السجون الأوروبية..

دوافع التطرف داخل السجون 

تُعد السجون في الدول الغربية حاضنة مناسبة لظهور العنف والتطرف، والإيمان بأفكار وأيديولوجيات إرهابية متطرفة، فعندما يُسجن الأشخاص العاديين بعيدًا عن أسرهم، تتزايد لديهم مشاعر السخط؛ لشعورهم بالظلم، لذا يحاولون الانتقام، ولوجودهم في وسط مجموعة من المتطرفين، الذين يعملون على تجنيد جيل جديد من الشباب، يتم غرس فكرة الانتقام داخلهم، لذا تصبح السجون فرصة ذهبية لتلك الجماعات الثيوقراطية المتطرفة كي تجذب المزيد من الشباب.([3])


ويرى نور الدين فريضي، مؤلف كتاب «طريق مولنبيك الرقة: بلجيكا قاعدة داعش الخلفية»، بأن انخفاض معدل التعليم هو السبب، حيث إن هؤلاء الشباب، من محدودي التعليم، لذا ينخرطون في سلك الانحراف في فترة المراهقة، قبل أن يتم القبض عليهم في قضايا بسيطة ويدخلون إلى السجن، وهناك يتعرفون على الدعاة المتشددين، وبسبب عدم إلمامهم بالقيم الدينية، يكون من السهل التأثير عليهم، وغسل عقولهم بالفكر الإرهابي، وإرسالهم إلى دول القتال مثل سوريا والعراق.([4])


كما أن اكتظاظ السجون بالأفراد يساهم في خلق بيئة مواتية وحاضنة لنمو الفكر الإرهابي ونشره، وهو ما حدث في إيطاليا؛ حيث ارتفعت معدلات الاكتظاظ من 105% إلى 108.8% خلال عامي 2015 و2016، ثم ارتفعت مرة أخرى إلى 112.8% في النصف الأول من عام 2017، لذا ترى وزارة العدل الإيطالية بأن هناك 375 سجينًا معرضًا لخطر تبني الفكر المتطرف، بينما يتم مراقبة 170 سجينًا بصورة دقيقة وكتابة تقارير أمنية عنهم.([5])

السجون الأوروبية..

حلول أوروبية

هناك رأيان رسميان للتعامل مع الإرهابيين داخل الدول الأوروبية؛ حيث يرى مانويل فالس، رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق، أن الحل يكمن في عزل السجناء المتطرفين عن باقي السجناء ممن لم يتم إدانتهم في جرائم سياسية، وهكذا يتم عزل الأفكار الإرهابية عن باقي السجناء، بغض النظر عن حالتهم النفسية.([6])


بينما يوجد اتجاه آخر، عبر عنه مؤتمر حول قضايا التطرف في مؤسسات السجون داخل أوروبا، تم انعقاده في العاصمة البلجيكية بروكسل، في 27 من فبراير من عام 2018، والذي توصل إلى أن عزل السجناء عن بعضهم البعض بالصورة الموجودة حاليًا داخل أوروبا، يعزز من الأفكار المتطرفة للأفراد.([7])


كما تذهب بعض الدول الأوروبية إلى حلول جديدة لحل تلك الأزمة، ومنها ما حدث في ألمانيا؛ حيث انطلقت مبادرة لمشاركة الأئمة والدعاة في عملية مكافحة نشر الأفكار المتطرفة داخل السجون؛ حيث يتم تنظيم زيارات لهم لمقابلة السجناء والحوار معهم في القضايا الفقهية التي يرتكز عليها هؤلاء في نشر أفكارهم.([8])

كما تذهب ألمانيا إلى فكرة أخرى، تتمثل في إطلاق برامج تقوم بالمراقبة الصارمة والدائمة للأفراد الموجودين داخل السجون، وذلك للحيلولة دون ظهور أي محاولات وبرامج لنشر الفكر المتطرف داخل السجون الألمانية، إلا أنها لم تظهر أي مؤشرات تدل على مدى نجاح هذا المشروع.([9])

للمزيد: الطرف الثالث.. «حسم» تعترف بإحراق السجون ومقرات الشرطة المصرية في «25 يناير»

في ورشة عمل حول إدارة السجون بغرض منع التحول إلى العنف، والمقامة من قبل المعهد الدولي للعدالة وسيادة القانون، في ديسمبر من عام 2016، توصل المشاركون إلى أن هناك عدة حلول لهذه القضية، على رأسها إطلاق برامج لإعادة تأهيل ودمج هؤلاء في المجتمع، وذلك ضمن أي منظومة عدالة جنائية.([10])

كما لجأت بعض الدول مثل هولندا والنرويج إلى تنفيذ «قوائم انتظار للسجناء»، وذلك للحد من اكتظاظ السجون، وبالتالي الحد من تأثر قطاع كبير من الأفراد بأفكار المتطرفين، وبدلًا من حبس هؤلاء الأفراد بصورة تفوق قدرة السجون، يتم استبدال أحكام الاحتجام بأحكام وتدابير بديلة، مما يساهم في إعادة الإدماج والتأهيل.

كما تعتمد بلجيكا على فكرة العزل؛ حيث لا يسمح للسجناء المتشددين خصوصًا من جماعات الإسلام الحركي، بالتواصل مع الآخرين سوى في ساعات محددة تخضع لإشراف ومراقبة دقيقة، وترى الحكومة البلجيكية بأنها تقوم بذلك كي تمنعهم من التأثير على الآخرين.([11])

السجون الأوروبية..


[1] - Johnlee Varghese, Abu Bakr Al-Baghdadi and Fellow prisoners formed “ISIS” inside Camp Bucca, Available at https://bit.ly/2S4S4gf.

[2] - السجون ورشات لصناعة المتطرفين في العواصم الأوروبية، متاح على https://bit.ly/2QgYhbE.

[3] - أماندا إريكسون، السجون الأوروبية ملاذات للتطرف.. الزنزانات تحولت خلايا لتفريخ الإرهابيين، الشرق الأوسط، العدد 14487، متاح على https://bit.ly/2K9LTDg.

[4] - مروان سلطان، وكر التطرف في القارة البيضاء.. كيف أصبحت «بلجيكا» القاعدة الخلفية لتنظيم داعش الإرهابي في أوروبا؟، متاح على https://bit.ly/2zn1flz.

[5] - جمانة مناصرة، التطرف واكتظاظ السجون، متاح على https://bit.ly/2OXyxfJ.

[6] - رنيم حنوش، السجون عندما تغدو بؤرًا للتطرف الديني، متاح على https://bit.ly/2TvubA1.

[7] - إبراهيم نمر، صناعة التطرف في السجون: هل تنجح المبادرات الدولية في كبح جماحها؟، مركز المسبار للدراسات والبحوث، متاح على https://bit.ly/2MBmGnh.

[8] - السجون من حاضنة للمتشددين إلى رادعة للتطرف، متاح على https://bit.ly/2qWRrd4.

[9] - أماندا إريكسون، مرجع سابق.

[10] - جهود التصدي للتطرف داخل السجون – اجتماع الخبراء، متاح على https://bit.ly/2QXmMIg.

[11] - مكي معمري مترجمًا عن واشنطن بوست، سجون أوروبا.. بؤر للتطرف وإنتاج أجيال جديدة من الإرهابيين، متاح على https://bit.ly/2OTzEgJ.
"