ad a b
ad ad ad

آلة «داعش» الإعلامية.. قصة الانتشار والانهيار

الأربعاء 21/نوفمبر/2018 - 09:33 م
المرجع
محمد عبد الغفار
طباعة

استندت التنظيمات المتطرفة، في مراحل نشاتها الأولى على أسلوب التواصل المباشر مع الآخرين، واستخدام الأساليب التكنولوجية البسيطة، مثل شرائط «الكاسيت»، والفيديو، والمطبوعات الورقية، التي يتم توزيعها ونشرها بصورة فردية؛ بهدف جذب الراغبين في الانضمام لتلك التنظيمات، وتغير الأمر قليلاً مع صعود تنظيم «القاعدة»، الذي اهتم بالقنوات الفضائية والإنترنت في طورهما الأول باعتبارهما يؤديان نفس الدور الخاص بالوسائل البسيطة.([1])


آلة «داعش» الإعلامية..
إلا أن تنظيم «داعش»، كان الأكثر فاعلية مابين تلك التنظيمات، في استخدام وسائل الإعلام الدولية بمختلف أنواعها، كأدوات غير مباشرة، لكنها فعالة في الترويج لنفسه، وهو يخالف في ذلك تنظيم القاعدة، حيث يعتمد «داعش» على سياسة صارمة في التعامل مع وسائل الإعلام حول العالم، ويحدد بدقة كيف وأين يروج لنفسه.([2])

ويمتلك «داعش» هيكلاً تنظيميًّا إعلاميًّا يدير وسائل الإعلام التابعة له بفاعلية، يطلق البعض عليه وزارة إعلام «داعش»، وهى كيان افتراضي لا يوجد مقر له، لكنه يتواجد بصورة أساسية عبر شبكة الإنترنت، وذلك خشية استهدافه، وخصص أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم، مبلغ مليون دولار تقريبًا كميزانية مبدئية لتأسيس هذه الوزارة، وتتمثل أهميتها في تنظيم ظهور المقاتلين في وسائل الإعلام.([3])

ولا يتوقف الأمر عند حد وسائل الإعلام التقليدية، ولكنه يذهب إلى ما هو أبعد، وخصوصًا وسائل الإعلام الحديثة، إذ يعد «داعش» من الحالات المميزة في استخدام التكنولوجيا؛ لأنه يعمل على تكرار بث رموز رئيسية منتشرة في مواده الدعائية، مثل استخدام الرايات السوداء، والأزياء المميزة لأفراده، وغطاء الوجه، وكلها علامات سيموطيقية (علم يدرس أنساق العلامات والأدلة والرموز، سواء أكانت طبيعية أم صناعية) دالة على التنظيم وأفكاره.([4])

كما يعمل التنظيم على معرفة ماذا يريد الفرد من استخدامه لشبكة الإنترنت، ثم يعمل على تلبيته له، وبهذا يستطيع التحكم في أفكاره ورغباته، فالشخص الذي يحب الشجاعة والإقدام وفرت له ذلك، والشخص الذي يحب السيطرة والتحكم، صورت له المناطق التي تسيطر عليها والخدمات المقدمة عليها.([5])

كما يستخدم التنظيم وسائل الإعلام كشكل من أشكال الحرب النفسية، إذ ينشر بصورة منتظمة صورًا معبرة عن العنف والتدمير؛ كي يزرع الخوف في نفوس أعدائه والمقاتلين بالتنظيمات الأخرى، وقد استطاع «داعش» من خلال هذه الاستراتيجية أن يحقق مكاسب عسكرية ودعائية مهمة في آن واحد.([6])

وعلى الرغم من هذا الاهتمام الكبير والمتزايد من قبل التنظيم تجاه وسائل الإعلام، فإنه لم ينجح في تطبيق رسالته الإعلامية بصورة مستمرة، وهناك عدة دلائل ومؤشرات تدل علي ذلك.

آلة «داعش» الإعلامية..
ويمكن الاستدلال على ذلك بلغة الأرقام، ففي عام 2015، كان تنظيم «داعش» يمتلك ما يصل إلى 38 مكتبًا كاملاً يعمل على إنتاج المواد الإعلامية، يشمل المنطقة الجغرافية من غرب أفريقيا وحتى شرق أفغانستان، ثم في عام 2016 بدأت قدرات التنظيم الإعلامية تتراجع تدريجيًا، وأصبح التركيز على موقع تويتر، إذ تم نشر 200 فعالية خاصة بما تسمي «دولة الخلافة» في أسبوع واحد، لكن بحلول ديسمبر من عام 2017، أصبحت الأذرع الإعلامية للتنظيم تكافح لإنتاج 25 منتجًا إعلاميًا أسبوعيًا فقط.([7])

في الآونة الأخيرة، تعيد المنصات الإعلامية التابعة لتنظيم «داعش» نشر الإصدارات الإعلامية القديمة للتنظيم، سواء كانت مقروءة أو مسموعة أو مرئية، وكلها تشير إلى ضرورة الصبر والثبات في ميادين القتال، مثل إصدارات «اغتنم حياتك قبل موتك» و«جددوا بيعتكم للخليفة البغدادي»، دون أن يبث أية إصدارات جديدة، ما يدل على أن هناك تراجعًا إعلاميًا بالنسبة للتنظيم.([8])

ويحاول التنظيم إنقاذ سمعته الإعلامية عن طريق الكذب، إذ أكدت صحيفة «النبأ» التابعة له، في عددها رقم 156، أن التنظيم نجح في تنفيذ 67 عملية، ما أسفر عن مقتل 205 أشخاص خلال أسبوع واحد، لكن مرصد الإفتاء التابع لدار الإفتاء المصرية أثبت كذب تلك الادعاءات، واستخدام التنظيم لها لتضليل الرأي العام، حيث أكد المرصد أن التنظيم نفذ 3 عمليات فقط!.([9])

ولم يكن الانهيار على مستوى الكم والعدد فقط، لكن شهد التنظيم انهيارًا على مستوى الجودة أيضًا، حيث تراجعت المدة الزمنية الخاصة بالأفلام التي يتم بثها، فقد كان معروفًا عن التنظيم قدرته على إنتاج أفلام تسجيلية كاملة، إلا أنه بدأ يتراجع وينتهج مبدأ إنتاج مقاطع الفيديو قصيرة الحجم.

كما ظهر الانهيار على المستوى التقني أيضًا، فبعد أن كان التنظيم يعتمد على الأساليب «الهوليودية» في إنتاج الإصدارات المرئية الخاصة به، أصبح يعتمد على أساليب غير متطورة في عملية التصوير والتعليق والمونتاج، كما يظهر بوضوح غياب القدرات التكنولوجية التي عرفت عن الإنتاج الفني له، وهو ما يشير إلى التراجع، وكذلك الخسائر الفادحة للتنظيم.

وقد ساهم هذا الانهيار في قلة عدد المتأثرين بتلك الأفلام، لأنها لم تعد تقدم بنفس الكفاءة، لذا لم تعد تستطيع أن تلعب دورها وتظهر مفعولها، لذا من المفهوم اعتماد التنظيم على رسائل الثبات والتماسك، وذلك على أمل أن يستطيع التنظيم إعادة ترتيب صفوفه وأوراقه الداخلية.

وعلى الرغم من الإخفاقات المتتالية التي يتعرض لها في مجال الدعاية الإعلانية، إلا أن ذلك لا يعني أن المجتمع الدولي قد نجح في مواجهة التنظيم في الميدان الإعلامي، ويرجع ذلك إلى عدة أسباب، منها استخدام التنظيم وسائل التواصل الاجتماعي الحديث، التي لا يمكن السيطرة عليها، وبعض الأساليب الحديثة على مستوى لغة الخطاب والبناء الفني للأفلام، ما يدل على ضرورة وجود تكتيك إعلامي عالمي قوي، يسمح للدول المختلفة حول العالم بمواجهة مثل تلك المخاطر مستقبلاً والتعامل معها، خصوصًا وأن ظهور مثل هذا التنظيم مرة أخرى وبصورة أكثر قوة هو أمر وارد.

الكلمات المفتاحية

"