ad a b
ad ad ad

الوجود التركي بالشرق الأوسط.. مصالح ومنافع ودعم للإرهاب

الإثنين 19/نوفمبر/2018 - 08:11 م
المرجع
أحمد سامي عبد الفتاح
طباعة

وفر الربيع العربي الفرصة السانحة لتركيا للتدخل في شؤون المنطقة من خلال دعمها حركات التطرف في عدد من البلدان، خاصة البلدان التي سيطرت عليها حالة من الفوضى مثل سوريا والعراق، الأمر الذي زاد من قدرة تركيا على توفير التمويل المادي والعسكري لهذه الحركات، ما جعلها تشكل تهديدًا للأمن القومي لبلدانها، فضلًا عن دول الجوار. 


الوجود التركي بالشرق

للمزيد: بموافقة «أردوغان».. تجنيد مقاتلين لـ«داعش والقاعدة» تحت غطاء «العمل الخيري» في تركيا


لم تنتهج تركيا سياسة محددة المعالم في تحركاتها في الشرق الأوسط، ففي بعض الدول، كانت حركات الإسلام السياسي هي الوسيلة لترسيخ الوجود التركي، وفي دولٍ أخري، دعمت تركيا الأنظمة الحاكمة فيها بسبب تلاقي التوجهات الفكرية وأهداف السياسة الخارجية الخاصة بكل منهما. 


وبصفة عامة ارتكزت السياسة الخارجية التركية في تحركاتها في الشرق الأوسط على عدد من الأدوات على النحو التالي:  


أولا: الأداة العسكرية


تدرك تركيا جيدًا ارتباطية السياسة الخارجية وقدرتها على التمدد وممارسة النفوذ على غيرها من الدول بالقوة العسكرية، وبعبارة أخرى كلما كانت الدولة قوية عسكريًّا، كلما امتلكت القدرة على توجيه سياساتها الداخلية باستقلالية تامة من أجل التدخل في شؤون غيرها من الدول. 


ولذلك، انتهجت أنقرة سياسة تصنيع عسكري هدفت بالأساس إلى تقليل الواردات من الصناعات الدفاعية، الأمر الذي يصب في صالح استقلالية القرار العسكري التركي.


تدرك تركيا جيدًا أن محاولتها للتمدد في جوارها الإقليمي يرتبط إيجابيًّا بتصاعد قوتها العسكرية، الأمر الذي دفع أنقرة مؤخرًا لانتهاج سياسات تصنيع عسكري محلية، وأشارت عدة تقارير محلية تركيا إلى أن تركيا تنتج 60% من الصناعات الدفاعية محليا[1].


وفي هذا الشأن، مكنّت الأداة العسكرية تركيا من التدخل عسكريًّا في العراق من أجل قتال حزب العمال الكردستاني، كما أقامت تركيا قاعدة عسكرية في معسكر بعشيقة في العراق تحت ذريعة قتال داعش، وتجاهلت مرارًا الطلب العراقي بالانسحاب، مبررة ذلك بأن نشاطها العسكري في الأراضي الواقعة شمال العراق يرتبط بأمنها القومي المهدد من قبل تنظيم داعش.


على صعيد متصل، تدخلت تركيا في الشمال السوري مرات عديدة بشكل مباشر وغير مباشر، فعلى سبيل المثال، دعمت الفصائل السورية بالسلاح في إدلب وساهمت في تشكيل الجبهة الوطنية للتحرير التي تُعد مظلة لعدد من الفصائل التابعة لما يعرف بالجيش السوري الحر، وفي السياق ذاته، تدخلت تركيا بشكل مباشر وشنت حملة عسكرية من أجل تطهير مدينة الباب من داعش في 2016، في عملية عسكرية أطلق عليها درع الفرات.


كما عادت تركيا في بداية 2018 وأطلقت عملية عسكرية أخرى أطلق عليها غصن الزيتون بهدف إحكام السيطرة على مدينة عفرين التي كانت واقعة تحت سيطرة وحدات حماية الشعب الكردية. 


كما مكنت القوة العسكرية تركيا من ممارسة النفوذ على عدد من الفصائل السورية المسلحة، وتشكيل ما أطلق عليه الجيش الوطني السوري في مناطق عملية درع الفرات في مايو 2017.


ولأن التمدد الإقليمي جزءٌ من سياسة تركيا الخارجية، فقد استغلت تركيا الأزمة الخليجية التي اندلعت في 2017 بسبب الدعم القطري للحركات الإرهابية في عدد من البلدان العربية، وقامت بإنشاء قاعدة عسكرية تركيا في قطر لتكون الأولي من نوعها خارج الحدود التركية. 


وتعكس هذه القاعدة رغبة تركيا في خلق مناطق نفوذ لها داخل الخليج العربي، ويتضح ذلك من خلال التصريح التركي الذي قدم عرض على السعودية لإنشاء قاعدة عسكرية تركية على أراضيها.


على صعيد متصل، سعت تركيا لتعميق تواجدها في منطقة القرن الأفريقي لعدد من الأسباب، لعل أهمها إطلال القرن الأفريقي على خط التجارة الأهم في المنطقة، فضلا عن تلاصقه الجغرافي بمنطقة باب المندب، ما يعني أن الوجود التركي في هذه المنطقة يضمن لها نفوذا في حالة اندلاع حروب مستقبلية من أجل السيطرة على خطوط الملاحة البحرية.

استغلت تركيا حالة الفوضى الدائرة في الصومال، وعمدت إلى استغلال حاجة قوات الأمن الصومالية إلى دعم عسكري وتدريبي، وقامت بإنشاء قاعدة عسكرية لهذا الغرض، الأمر الذي منحها ميزة جيو إستراتيجية بوجودها في هذا المكان الجغرافي الهام.


وتعد القاعدة العسكرية في الصومال هي القاعدة العسكرية التركية الأكبر خارج حدودها، وتم افتتاحها في سبتمبر 2017 من أجل تدريب 10 آلاف جندي صومالي، بواسطة 200 جندي تركي.  


على صعيدٍ موازٍ، حاولت تركيا تعميق وجودها في هذه المنطقة الهامة، وتوجهت نحو جزيرة سواكن السودانية. ورغم أن تركيا لم تعلن حتى هذه اللحظة عن رغبتها في إنشاء قاعدة عسكرية في جزيرة سواكن، وقصرت أعمالها على إعادة ترميم الجزيرة، فإنه لا يخفى على أحد أهمية الموقع الاستراتيجي لجزيرة سواكن في تعميق النفوذ التركي في خطوط الملاحة البحرية.

وتعد منطقة شرق البحر المتوسط منطقة مهمة للغاية لتركيا بسبب احتوائها على كميات كبيرة من الغاز الطبيعي، ولهذا السبب عمدت تركيا خلال السنوات الأخيرة إلى زيادة تصنيع السفن الحربية والفرقاطات البحرية بشكل ذاتي من أجل زيادة قدرتها على ممارسة النفوذ على المناطق التابعة لجمهورية قبرص الشمالية التركية التي ترفض الاتفاقيات البحرية التي وقعت بين عدد من الدول التي تشارك حدود هذه المنطقة.

هناك استخدام غير مباشر للأداة العسكرية التركية، وتساهم بشكل أو بآخر في زيادة تمددها في المنطقة، وهي مبيعات السلاح التركي لعدد من دول المنطقة، فعلى سبيل المثال، وقعت تركيا اتفاقية عسكرية مع مسقط في 2015، يتم بموجبها توريد 172 مدرعة تركية إلى سلطنة عمان[2]. كما وقعت عدد من اتفاقيات التعاون الدفاعي المشترك مع الكويت، وفي ديسمبر 2017، وقعت تركيا عدد من الاتفاقات العسكرية مع السودان، وفقا لموقع وزارة الدفاع السودانية[3].


 

الوجود التركي بالشرق

ثانيا: الأداة الاقتصادية


يقصد من الأداة الاقتصادية أن تقدم الدولة على تقديم مجموعة من الإعانات الاقتصادية أو حزم استثمارية من أجل التأثير على التوجهات السياسية للدول الأخرى، أو دفعها لتبني مواقف سياسة تتسق مع توجهات الدولة المانحة، كما تندرج الأنشطة الإغاثية أسفل هذا البند. 


وفي هذا الصدد تمارس تركيا العديد من الأنشطة، فعلى سبيل المثال، تمارس هيئة الإغاثة التركية (تيكا) نشاطًا إغاثيًّا واسعًا في عدد من الدول العربية، منها الصومال والسودان، فضلًا عن سوريا والعراق، وتوفر هيئة الإغاثة مبررًا لتركيا للتمدد وتزويد المجموعات المسلحة الموالية لها بالسلاح تحت غطاء دعم مالي.


إلى جوار ذلك، وقعت تركيا عددًا من الاتفاقيات الاقتصادية بشكل مباشر مع عدد من الدول العربية. فعلى سبيل المثال، وقعت شركة ليماك التركية اتفاقية اقتصادية مع الكويت من أجل إنشاء مطار جديد، وتقدر قيمة العقد بنحو 1.3 مليار دينار كويتي[4]، فضلا عن اتفاقيات مشابهة مع السودان من أجل انشاء عدد مشاريع قومية، وتطوير البينة التحية في البلد الذي مزقته الحرب الأهلية، فضلًا عن إنشاء مطار الخرطوم الجديد، وقد كان ذلك في ديسمبر 2017.[5]  


ثالثًا: الأداة الإعلامية


تحاول تركيا التمدد في المنطقة العربية من خلال تبني خطاب إعلامي يركز على قضايا المنطقة العربية، ويصورها بصفتها قضايا مهمة لأمن تركيا القومي، ولذلك، شرعت تركيا في إنشاء قنوات باللغة العربية لمخاطبة العالم العربي، مثل «تي أر تي» بالعربية، كما تعمل وكالة الأناضول التركية الحكومية على تغطية الأخبار العربية بكثافة، فضلًا عن عدد كبير من المواقع الناطقة باللغة العربية، مثل أخبار تركيا، وغيرها من المواقع الأخرى، كما يتقن العديد من المحللين السياسيين التركيين اللغة العربية، ويشاركون في مداخلات أو لقاءات تلفزيونية ناطقة باللغة العربية، محاولين خلق قوة ناعمة لتركيا بإظهارها جزء من المنطقة العربية.  

للمزيد: بعد مؤتمر «كرمان» ووقفة إسطنبول.. تركيا تدعم تحالف الإخوان والحوثيين باليمن


وتهدف الأداة الإعلامية إلى تقديم تركيا بصفتها القوة الفاعلة في الشرق الأوسط، وايهام الجميع بانها تبذل مجهود كبير ليلا ونهارا من أجل قضاياه، علاوة على ترسيخ فكرة الارتباطية التركية مع المنطقة العربية من منطلق ديني، إذ تدرك تركيا جيدا أن الأداة الدينية وتصوير نفسها بصفتها قائدة للعالم الإسلامي سيمنحها مدخلا لقضايا المنطقة، ووسيلة لخلق نوع من الاصطفاف الشعبي خلف قادة حزب العدالة والتنمية. 

الأداة الدبلوماسية

تعمل الأداة الدبلوماسية بالتزامن مع الأداة الإعلامية من أجل زيادة الحضور التركي في الشرق الأوسط، فعلى سبيل المثال، تركز الخارجية التركية على قضايا منطقة الشرق الأوسط التي تحتل حضورا كبيرا في خطابها الإعلامي، بما في ذلك الازمة السورية والأوضاع في العراق، فضلا عن قضايا الشرق الأوسط.

ولا يجب علينا أن نغفل محاولة الدبلوماسية التركية ترسيخ دورها كقائد لعالم الإسلامي، مستغلة بذلك الإشكاليات الداخلية الأمنية والتي تعاني منها كل دولة، فعلى سبيل المثال، دمرت الحرب كل من سوريا والعراق، ما منح تركيا فرصة لاستغلال غياب الفاعل العربي الطامح لقيادة العالم الإسلامي ككل.

وفي هذا الشأن، يمنح الموقع الجغرافي تركيا ميزة تجعلها تتفوق على باكستان-القوة النووية الإسلامية الوحيدة، وماليزيا ذات التقدم التكنولوجي-حيث يجعل الترابط الجغرافي تركيا جزءا من الإشكاليات في العراق وسوريا.

عندما نتحدث عن قيادة العالم الإسلامي، فلابد أن قضية فلسطين تحتل مكانة جوهرية، كونها القضية الوحيدة التي يتلاقى عليها جميع المسلمين، من ليبراليين، قوميين، يساريين، وإسلاميين. 

واستغلت تركيا التشرذم الذي مرت به القضية الفلسطينية في الفترة الأخيرة، خاصة بعد أن قامت الولايات المتحدة بنقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس، وقامت بدعوة منظمة التعاون الإسلامي للانعقاد في إسطنبول بشكل استثنائي، في محاولة حشد الدول المسلمة ضد القرار الأمريكي.

وشكل اتفاق سوتشي الأخير نقطة انطلاق للدبلوماسية التركية التي شرعت تتباهي بقدرتها على اقناع القوي العسكرية المختلفة بالاتفاق على وقف إطلاق النار في ادلب، حفاظا على دماء المدنيين السوريين.   

وفي النهاية، يجب أن نشير أن تركيا لا تختلف عن باقي القوي الدولية التي تسعي لتعظيم منافعها من خلال سياسة خارجية متعددة الأدوات والأهداف، فتارة تستخدم قضية اللاجئين لتحسين صورتها، وتارة أخري تستخدم التدخل العسكري في دول عربية من أجل تأمين مصالحها، ثم لا تلبث أن تتفاوض مع القوي الدولية من أجل تأمين مصالحها في أي اتفاق سوري بخصوص تسوية الأوضاع.  



[2]  سي ان ان، سلطنة عمان تتسلم أول مدرعه قتالية من تركيا في إطار اتفاق عسكري، https://arabic.cnn.com/middle-east/2017/07/15/turkey-oman-military-convention

 

[4]  رويترز، الكويت توقع عقد مبني مطار جديد قيمة 1.3 مليار ريال مع ليمالك التركية والخرافي ناشيونال، https://ara.reuters.com/article/businessNews/idARAKCN0YL0ER

[5]  موقع النيلين، رئيسا السودان وتركيا يشهدان توقيع اتفاقية لإنشاء مطار الخرطوم الجديد، https://www.alnilin.com/12909691.htm
"