الأزمة البيئية بـ«البصرة».. أحدث الجرائم الإيرانية في العراق
الإثنين 19/نوفمبر/2018 - 02:12 م
صورة أرشيفية
محمد الدابولي
سلكت إيران كل السبل للإضرار بالمصالح العراقية؛ فمنذ احتلال العراق عام 2003 دعمت طهران العديد من الجماعات والميليشيات الإرهابية التي عاثت في بلاد الرافدين تخريبًا وفسادًا، ولم يقتصر «تخريب الملالي» على دعم الميليشيات الإرهابية فقط، بل لجأ النظام الإيراني أيضًا إلى سرقة اقتصاد بغداد وإغراق السوق المحلية بالسلع الرديئة في محاولة منه لضرب الصناعة والاقتصاد الوطني العراقي، كما عمل على تأصيل الفتنة المذهبية بين السنة والشيعة.
التخريب الإيراني في العراق، لم يتوقف عند حد إفساد الحياة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية في العراق، بل امتد أيضًا إلى الجانب البيئي، وهو ما اتضح في السياسة التي انتهجتها طهران مؤخرًا بغرض الإضرار بالمصالح البيئية العراقية مثل نقص حصة العراق من المياه.
التهديد المائي
وأوضح تقرير صادر عن مؤسسة راند الأمريكية عام 2014 تحت عنوان «النفوذ الإيراني في أفغانستان: الآثار المترتبة على انسحاب الولايات المتحدة»، أن طهران عملت على توظيف الجماعات الإرهابية من أجل خدمة مصالحها المائية، ففي عام 2011 أكد أحد قادة حركة طالبان أن إيران دفعت 50 ألف دولار أمريكي من أجل تخريب سد «كمال خان» الواقع على نهر هلمند المشترك بين أفغانستان وإيران، كما سعى «نظام الملالي» إلى منع بناء «سد بخش أباد» في «إقليم فارح» الأفغاني، وتعرض «سد سلمي» الذي تم تدشينه عام 2016 لأكثر من عشر عمليات إرهابية منذ إنشائه وحتى اليوم؛ ما أدى لمقتل حراسه، ووجهت الاستخبارات الأفغانية اتهامات متكررة لإيران بالعبث في السدود الأفغانية.
وعلى غرار التجربة الإيرانية في تخريب السدود الأفغانية والتأثير على الأمن المائي والبيئي في أفغانستان، لجأت طهران لاستخدام هذا السلاح ضد العراقيين، ففي أكتوبر 2018 صدرت تصريحات من وزارة الزراعة الإيرانية مفادها أن إيران ستعمل على قطع الإمدادات المائية (7 مليارات متر مكعب) لجنوب العراق، خاصة مدينة البصرة، لأجل ري مئات الآلاف من الهكتارات في مناطق جنوب وغرب إيران مثل خوزستان.
وتنوعت التحليلات وقتها حول دوافع تلك السياسات الإيرانية فأرجعها البعض إلى أنها تأتي في إطار الأزمة الاقتصادية التي باتت مشكلة مزمنة لنظام الملالي ورغبة طهران في الخروج من تلك الأزمة حتى ولو جاء ذلك على حساب الشعب العراقي، في حين أرجعها آخرون إلى أسباب سياسية مثل محاولة الفكاك من أزمة العقوبات الأمريكية على إيران.
وأنكرت السفارة الإيرانية في العراق، التوجه الإيراني للإضرار بالأمن البيئي والمائي العراقي، زاعمة أن تصريحات المسؤول في وزارة الزراعة الإيرانية مختلقة؛ إلا أن وثيقة سربت من وزارة البيئة العراقية مؤخرًا فضحت السياسة الإيرانية الرامية لتعطيش محافظة البصرة العراقية.
تعطيش البصرة
وأفادت الوثيقة الصادرة عن «دائرة حماية وتحسين البيئة» في المنطقة الجنوبية بـ«مديرية بيئة البصرة» والمؤرخة بـ8 نوفمبر 2018، بارتفاع ملوحة المياه بمحافظة البصرة وهو ما أثر بالسلب على التنوع البيولوجي والواقع الزراعي بالمحافظة.
وأفادت فحوى الوثيقة، أن ارتفاع ملوحة المياه أدى إلى هلاك ونفوق العديد من الحيوانات البرية والريفية مثل السلاحف المهددة بالانقراض، كما أدى ارتفاع ملوحة «بركة أبو الزركي» إلى انخفاض أعداد الطيور المهاجرة إلى العراق، ولم تسلم الأقفاص السمكية من ذلك حيث نفقت كميات كبيرة من الأسماك في المحافظة؛ ما يهدد بكارثة غذائية في الجنوب العراقي، وهو ما عبرت عنه الصور الواردة من البصرة، والتي تظهر نفوق مئات الآلاف من الأطنان السمكية في المحافظة.
وأضافت الوثيقة، أن مخاطر ملوحة مياه البصرة أدت إلى هلاك العديد من الزراعات والمواشي، فأشجار النخيل التي تتميز بها العراق هلك الكثير منها، كما تضررت أعداد كبيرة من الجاموس من ارتفاع الملوحة، وأخيرًا أوصت دائرة حماية وتحسين البيئة بضرورة توفير الحصة المائية كمًا ونوعًا من أجل معالجة ملوحة المياه في محافظة البصرة.
استعلاء إيراني
وحملت الوثيقة الأخيرة العديد من الدلالات المهمة لعل أبرزها وأهمها عدم اكتراث إيران بحلفائها التقليديين، فمن الثابت أن مناطق جنوب العراق خاصة البصرة تعد مناطق نفوذ إيرانية خالصة، ومنها خرجت الميليشيات العراقية المسلحة الموالية للحرس الثوري الإيراني، والتي تستخدمها طهران لتنفيذ سياساتها في منطقة الشرق الأوسط، وتتماهى سياسة قطع المياه عن الجنوب العراقي مع الخطاب الاستعلائي الإيراني باتجاه العراق، فصانع القرار في طهران لا يقيم وزنًا للعراق رغم الوحدة المذهبية بينه وبين مناطق جنوب العراق ذي الأغلبية الشيعية.





