ad a b
ad ad ad

دلالات رفع العقوبات الأممية عن إريتريا وإنهاء عزلة القرن الأفريقي الدولية

السبت 17/نوفمبر/2018 - 07:35 م
الأمم المتحدة
الأمم المتحدة
محمد الدابولي
طباعة

 

في تطور سياسي جديد بمنطقة القرن الأفريقي، قرر مجلس الأمن الدولي، خلال جلسته يوم 14 نوفمبر 2018، برفع العقوبات عن دولة إريتريا لينهي بذلك حالة من العزلة الدولية استمرت لمدة 9 أعوام.

 

تحظى منطقة شرق أفريقيا بتطورات كبرى خلال العام الجاري، أوحت للعديد من المتابعين والمحللين بأن مستقبلًا أكثر أمانًا وازدهارًا في انتظار تلك المنطقة التي عاشت عقودًا من البؤس والاقتتال الداخلي، رغم أن بداية العام الحالي لم تكن مبشرة بذلك، فمشكلات المنطقة بلغت ذروتها في بداية العام على خلفية الأزمة السياسية المتصاعدة في إثيوبيا حينها.

 

حمل ربيع 2018 آمالا جيدة للمنطقة بالتزامن مع التغيير السياسي الذي تم في أديس أبابا مع تولي الزعيم الأورومي «أبي أحمد» رئاسة الوزراء في إثيوبيا، ومثلت الطموحات السياسية لـ«أبي أحمد» دفعة قوية للسلام والاستقرار في المنطقة، ففي خطابه الأول (مارس 2018) أكد ضرورة حل الخلافات الإثيوبية الإريترية وإنهاء حالة الحرب التي دامت بين البلدين طوال عقدين من الزمان.

 

في تطور أكثر جدية من إثيوبيا لإعادة تشكيل المنطقة قام رئيس الوزراء أبي أحمد في يونيو 2018 بالتعهد بتسليم منطقة بادمي الحدودية لإريتريا تنفيذًا لما أقرته محكمة العدل الدولية في «لاهاي» بهولندا بأحقية إريتريا في مثلث بادمي الحدودي، وفي 16 سبتمبر 2018 وقع البلدان في مدينة جدة السعودية اتفاقا للسلام اللذان طالما عانيا من الفقر والتهميش والإرهاب عقودًا طويلة

 

وأخيرًا بدأ يدرك المجتمع الدولي جدية التطورات السياسية في منطقة القرن الأفريقي، ما استدعى تحركًا دوليًّا جماعيًا لمساعدة المنطقة على النهوض بمسئوليتها الدولية وإنهاء حالة الحرب والإرهاب في المنطقة متمثلا في إنهاء العقوبات الأممية المفروضة على إريتريا بحجة دعم الإرهاب والجماعات الإرهابية.

للمزيد: تقارب إريتريا وإثيوبيا.. انعكاسات على إرهاب «القرن الأفريقي»

دلالات رفع العقوبات

لماذا فرضت العقوبات على إريتريا؟

لفهم أبعاد ودلالات القرار الأممي السابق ينبغي أولًا الإطلاع على السياقات التي صدر فيها القرار الأممي عام 2009، فعلى خلفية اتهامات أمريكية متواصلة لإريتريا بدعم الحركات الإرهابية في الصومال كحركة شباب المجاهدين؛ فرض مجلس الأمن عقوبات أممية على إريتريا تتمثل في حظر تصدير السلاح إليها وتجميد أرصدة أعضاء النظام السياسي في الخارج فضلًا عن حظر سفرهم.


اتسمت الملابسات التي فرضت فيها العقوبات السابقة بالمزيد من التعقيدات السياسية التي دارت في الإقليم خلال تلك الفترة، من أبرزها:

Ø     الحرب الإريترية ـ الإثيوبية: منذ استقلال اريتريا عن إثيوبيا عام 1993 لم تكن العلاقات بين البلدين على مايرام حتى اندلعت الحرب بينهما عام 1998 واستمرت حتي عام 2000 على خلفية النزاع الحدودي حول إقليم بادمي الذي حكمت محكمة العدل الدولية بلاهاي بأحقية أسمرة «عاصمة إريتريا» فيه، وظلت أديس أبابا خلال العقدين الماضيين ترفض تسليم الإقليم لأسمرة، وعملت إثيوبيا خلال السنوات الماضية على استغلال ثقلها السياسي الخارجي بوصم إريتريا بالإرهاب ودعم الجماعات الإرهابية في محاولة منها لضعضعة النظام السياسي في إريتريا وقتها.  


Ø     صعود حركة الشباب: شهد عام 2006 تصاعدًا لقوي الإرهاب في المنطقة؛ فخلال هذا العام تمكن «اتحاد المحاكم الإسلامية» المحسوب علي القاعدة من السيطرة على الحكم في مقديشيو مما شكل تهديدًا لدول المنطقة خاصة إثيوبيا التي بادرت بالتدخل عسكريًّا في مقديشيو لإسقاط حكم المحاكم، ودارت خلال تلك الفترة العديد من الاتهامات حول حصول «اتحاد المحاكم» على دعم من إريتريا في إطار المناوشات السياسية بين أسمرة وأديس أبابا.


وفور سقوط اتحاد المحاكم الإسلامية بزغ نجم حركة شباب المجاهدين المنتمية للقاعدة وادعت إثيوبيا حينها أنها مدعومة من إريتريا.


Ø     الحرب العالمية على الإرهاب: بعد أحداث 11 سبتمبر أعلنت واشنطن قيام الحرب العالمية على الإرهاب، ومثلت إثيوبيا ركيزة أساسية في تلك الحرب، فبدورها تولت إثيوبيا مسألة الحرب على التنظيمات الإرهابية في شرق أفريقيا وهو ما لاقي استحسانًا أمريكيًّا استغلته أديس أبابا في الكيل لغريمتها أسمرة بإدعاء دعمها للتنظيمات الإرهابية كحركة الشباب.


Ø     الملف الحقوقي: ملف أخر ساهم في تحقيق عزلة إريتريا عن المجتمع الدولي ألا وهو ملف حقوق الإنسان فخلال العقدين الماضيين تبارت وسائل الإعلام الأمريكية على وصم نظام الرئيس الإريتري «أسياس أفورقي» بالقمعي، ويتشابه بممارساته إلى حد كبير بممارسات النظام السياسي في كوريا الشمالية، وهو ما أوحي للعديد من دوائر صنع السياسة.

    

Ø     تدخلات قطرية _ إيرانية: شهدت منطقة القرن الأفريقي خلال العقد الأول من الألفية الجديدة تدخلات قطرية وإيرانية في شؤون المنطقة، فالدوحة نجحت في إيجاد موطئ قدم لها في المنطقة عندما تدخلت في النزاع بين جيبوتي وإريتريا حول رأس دميرة، وعملت على نشر بعض من قواتها العسكرية في المنطقة أملا في ترسيخ وجودها في القرن الأفريقي.


بالإضافة لقطر لم تدخر إيران وسعًا وجهدًا في تحقيق تغلغها في المنطقة عبر البوابة الإريترية، ففي مايو 2008، وقعت البلدان العديد من الاتفاقيات السياسية والدفاعية والعسكرية وتوثيق العلاقات بين البلدين، وترتب على هذا التقارب وجود عسكري إيراني في أرخبيل دهلك الإريتري حيث استأجرت طهران جزيرتي «فاطمة» و«نهلقة» القريبتين من ميناء عصب وتديرهما في تحقيق مراقبة المدخل الجنوبي للبحر الأحمر.

 

 

دلالات رفع العقوبات

تغيرات إقليمية

أدي تضافر الملابسات السابقة إلي تصنيف إريتريا كدولة راعية للإرهاب في  عام  2009، وخلال الفترة الممتدة من 2009 وحتى 2018 حدثت العديد من الأحداث في المنطقة ساهمت بشكل كبير في إخراج إريتريا من دائرة الدول الراعية لللإرهاب ورفع العقوبات عنها، ومن أبرز تلك الأحداث:


v    وفاة ميليس زيناوي:

 لم تؤثر وفاة  رئيس الوزراء الإثيوبي السابق «ميليس زيناوي» في أغسطس 2012 على الوضع الداخلي في إثيوبيا فحسب بل أيضًا أثرت على الوضع السياسي في القرن الأفريقي، بوفاة زيناوي دخلت إثيوبيا في أزمات سياسية تفجرت عام 2015 واستمرت حتي 2018، حيث أدي غياب الشخصية الكاريزمية لزيناوي وتفشي فساد «جبهة تحرير التيجراي» المسيطرة على الإئتلاف الحاكم في إثيوبيا «الجبهة الثورية الديمقراطية لشعوب إثيوبيا» إلي اندلاع المظاهرات والاضطرابات خاصة في مناطق الأورومو مما أدي إلي إحداث تغييرات جذرية في هيكل القيادة الإثيوبية تمثلت في تصعيد الزعيم الأورومي «أبي أحمد» لسدة الحكم واتخاذه سياسة تصفير المشكلات مع دول الجوار خاصة إريتريا.


كما أدي غياب زيناوي عن المشهد السياسي في إثيوبيا إلى تخفيف التوترات الإقليمية بين إثيوبيا وجيرانها، فخلال فترة حكم زيناوي اشتبك تقريبًا مع العديد من دول الجوار كالصومال وإريتريا والسودان، فتدخل عسكريًّا في الصومال واشتبك عسكريًّا مع إريتريا في حرب راح ضحيتها عشرات الآلاف وأخيرًا ساهم في تحقيق انفصال جنوب السودان عن السودان عام 2011.


ومما يدل على ذلك اتخاذ رئيس الوزراء الإثيوبي السابق «هايلماريام ديسالين» (2012 _ 2018) سياسة الحفاظ  علي الوضع الراهن وعدم تصعيد أو افتعال المشكلات مع دول الجوار والاكتفاء على معالجة مشكلات الوضع الداخلي وتنفيذ المشروعات القومية الكبري كتنفيذ سد النهضة.      


v   تراجع حركة الشباب: شهد عام 2010 انحسارًا ميدانيًّا لحركة الشباب الإرهابية ودفعها بعيدًا عن العاصمة مقديشيو ومناطق وسط الصومال وتمركزها بشكل رئيسي في مناطق الجنوب الصومالي على مقربة من الحدود الكينية، وأدي التراجع الميداني لحركة الشباب إلي تراجع الاتهامات لإريتريا بدعمها.   


v    عاصفة الحزم: في بداية عمليات عاصفة الحزم (مارس 2015) وجهت اتهامات عديدة لإريتريا بتسهيل الخدمات اللوجستية الإيرانية المقدمة ميليشيا الحوثي الانقلابية، إلا أن السياسة الخارجية الإريترية  تغيرت في أبريل 2016 حين بدأت تعزز علاقتها مع دول التحالف العربي خاصة الإمارات والسعودية وسماحها للإمارات باستغلال الموانئ الإريترية، فضلا عن تدشين قاعدة عسكرية إمارتية في مدينة عصب الإريترية، ورويدًا رويدًا أصبحت إريتريا نقطة انطلاق وارتكازمهمة لقوى التحالف العربي في منع تهريب الأسلحة الإيرانية لليمن.


أدي الانفتاح الإريتري على دول التحالف العربي إلي إزالة المزيد من الصورة الذهنية السلبية التي أخذت عن إثيوبيا في الماضي كدولة راعية للتنظيمات الإرهابية.  


v    الانفتاح الإثيوبي: منذ صعود «أبي أحمد» في مارس 2018 واتخاذه سياسة تصفير المشكلات مع دول الجوار خاصة إريتريا، وتدشين عصر جديد من العلاقات بين الدول الجوار قائم على التعاون الاستراتيجي وتوفير الدعم المطلق لتلك الدول لأجل الانطلاق الاقتصادي، تغيرت الكثير من الصور السلبية التي أخذت عن المنطقة كأنها موطن للحروب والمجاعات والقراصنة، وتسود قناعة لدي المجتمع الدولي الآن بأنه بإمكان دول المنطقة تخطي العقبات والتحديات وهو ما اتضح مؤخرا في القرار الأممي برفع العقوبات عن إريتريا.


v    هندسة خليجية: لعبت الإمارات والسعودية دورًا كبيرة في هندسة العلاقات الجديدة بين دول القرن الأفريقية مقدمة الدعم السياسي لها، فمثلا حرصت الإمارات على دعم التقارب الكبير بين إريتريا وإثيوبيا الذي تم خلال شهر يونيو 2018 والذي اتضح في الزيارات المتبادلة بين الدول الثلاث خلال الشهر المذكور، كما احتضنت مدينة جدة السعودية في سبتمبر 2018 اتفاقًا للمصالحة بين إريتريا وإثيوبيا.   


دلالات رفع العقوبات

بعد تناول الأبعاد السياسية التي صدر فيها قرار العقوبات في عام 2009 والأبعاد اللاحقة التي مهدت لرفع العقوبات لم يتبق سوى الكشف عن الدلالات والمؤشرات التي يحملها القرار الأممي الأخير برفع العقوبات عن إريتريا، وفي هذا الإطار أوضح الباحث في الشأن الأفريقي «أحمد عسكر» في تصريحات خاصة لـ«المرجع »  بأن قرار رفع العقوبات عن إريتريا يحمل العديد من الدلالات أهمها أن قطار المصالحة والإصلاح في القرن الأفريقي انطلق ولم يعد بالإمكان ايقافه، وأن قرار المجتمع الدولي برفع العقوبات هو أحد ثمار المصالحة التي انطلقت في يونيو 2018، وعزز رؤية «أديس أبابا» الرامية لتصفير المشكلات في المنطقة.


وعلي مستوى الإرهاب العالمي يؤكد «عسكر» أن المجتمع الدولي في قراره الأخير برفع العقوبات عن «أسمرة» يوجه رسالة إلي الدول التي تمثل تهديدًا للسلم والأمن الدوليين بأن بإمكانهم تفادي العقوبات الدولية وإعادة الانخراط والانفتاح مع العالم مرة أخري.   


أما علي مستوى الترتيبات السياسية والاقتصادية في منطقة القرن الأفريقية فيشير «عسكر» إلى أن القرار الأخير بصدد إعادة رسم المشهد الجيوستراتيجي في المنطقة وإعادة صياغة توازانات القوى فيها تعكس الوزن الإقليمي المتصاعد  لدولتي إريتريا وإثيوبيا، كما أن القرار سيعزز من التوجهات الإقليمية الرامية إلى تحقيق تكامل سياسي واقتصادي بين دول المنطقة.

للمزيد: حركة الشباب الصومالية.. محاولات الحضور ودلالات النشاط


وأخيرًا علي المستوى الأمني سيعمل القرار على تعزيز استقرار الحكومة الإريترية في مواجهة الميليشيات والحركات المسلحة المضادة لها، كما أشار «أحمد عسكر» إلي أن القرار سيفتح المجال أمام جدية التنسيق والتعاون الإقليمي بين دول المنطقة (إثيوبيا-الصومال- إريتريا)، في مواجهة حركة شباب المجاهدين الصومالية، مع إمكانية الاستعانة ببعض القوى الدولية مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يعني تضييق الخناق على تحركات الحركة في الصومال وبعض دول الجوار الجغرافي، والحد من هجماتها الإرهابية في المنطقة.

"