من البالتوك إلى تليجرام.. الإعلام الجديد وتجنيد المتطرفين (2 -2)
تناول المرجع في الجزء الأول من هذه الدراسة ضبط عدد من المفاهيم الخاصة بالإعلام التقليدي والإعلام الجديد؛ حيث توسعت الدراسة في تعريف الإرهاب الإلكتروني، وكيف يتم استغلال الفضاء الإلكتروني الرحب من قِبل الجماعات الإرهابية في عملية تجنيد المتطرفين؛ لذا سنكمل في الجزء الثاني من الدراسة الأهداف التي تسعي التنظيمات الإرهابية لتحقيقها من خلال استخدام الفضاءات الإلكترونية، ولعبة القط والفأر بين إدارات مواقع التواصل والميليشيات الإلكترونية للتنظيمات المتطرفة، وهو ما سيتم تناوله في النقاط التالية:
أولًا- أهداف داعش من استخدام الإنترنت:
صناعة الصورة: من خلال نشر المعلومات
والأفكار بين أنصار التنظيم الحاليين والمحتملين، ومواجهة الدعاية السلبية للعدو،
وذلك بنشر أخبار المعارك وخلق صورة جذابة وهمية لشكل الحياة اليومية في أقاليم
داعش، إضافةً إلى نشر الأفكار التي تستخدم في الدعاية، كتعظيم الرغبة في الشهادة والاحتفاء
بها باعتبارها طريقًا للجنة، وتتوافر معظم هذه المادة الإعلامية باللغتين العربية
والإنجليزية، وكثير منها متوافر بلغات أخرى كالروسية والصينية وغيرهما، كما أصدرت
مجلة دابق التي كانت تصدر باللغة الإنجليزية، إضافةً إلى ذلك، يسعى التنظيم إلى
نشر الخوف بين أعدائه ومعارضيه بنشر الفيديوهات شديدة الوحشية كالفيديو الخاص بحرق
الطيار الأردني معاذ الكساسبة حيًّا، وسيتم شرح تلك النقطة بالتفصيل لاحقًا.
عمليات الاستقطاب: يستخدم التنظيم
التكنولوجيا الرقمية في التجنيد؛ حيث يتم التجنيد في الغرب من خلال إرسال الشخص
بنفسه رسائل إلى حسابات خاصة بالتنظيم على فيسبوك وتويتر، أو يتم التواصل مع الشخص
إلكترونيًّا عبر قريب أو صديق يدعوه للهجرة إليها، ويوفر له التعليمات المطلوبة.
اختراق خطوط العدو: يستهدف التنظيم شن
هجمات إلكترونية، فعلى سبيل المثال في عام 2015، استطاعت مجموعة من قراصنة
الإنترنت التابعين للتنظيم تحت مسمى «الخلافة السيبرية»، السيطرة على مواقع
التواصل الخاصة بالقيادة المركزية الأمريكية التي تتولى العمليات العسكرية في العراق
وسوريا، واستطاعت المجموعة الحصول على معلومات شخصية لمئات من العسكريين
الأمريكيين.
الشبكة السوداء: ترتبط استراتيجية
التنظيم في استخدام الإنترنت باستراتيجيته لإخفاء مصدر أنشطته وبقائه مجهولًا، حتى
يصعب على الحكومات تعقبه، وذلك من خلال تقنيات عديدة تعتمد على الشبكات الخاصة
الافتراضية، وما يُطلق عليها الشبكة السوداء Dark net التي تخفي عنوان برتوكول الإنترنت، الذي من خلاله يمكن تحديد
مكان الشخص، وتنشئ موقعًا افتراضيًّا لا وجود له في الواقع.[1]
ثانيًا-
الصراع بين داعش وبين إدارة مواقع التواصل الاجتماعي:
كان الحضور الأبرز لداعش على موقع «تويتر»
الذي يحتضن المئات من حسابات عناصر التنظيم والمؤيدين له، وسعى داعش لتضليل
البسطاء من المتابعين عبر نشر مواعظ دينية ومقاطع عن جهادهم المزعوم إلى جانب نشر
صور لجرائمهم، كما استغلوا الوسوم (الهاشتاجات) الأكثر تداولًا للانتشار ووضع
رسائلهم عليها.[2]
وقد صرحتْ جينيفر بساكي
وهي الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية والناطقة الرسمية السابقة باسم
الرئيس الأمريكي باراك أوباما، أن هناك أكثر مِن 90000 تغريدة يوميًّا على شبكة
التواصل الاجتماعي تويتر تخص عناصر داعش، وهذا يعكس مدى إدراك تلك العناصر لقوة شبكات
التواصل.
ويستخدم
«داعش» بشكل مثير للدهشة مواقع «تويتر» و«فيسبوك»؛ حيث يخوض حربًا رقمية فعلية مع
إدارة الموقعين اللتين تمنعان نشر نصوص تدعو للجهاد، ولهذا الغرض يُسخر «داعش»
الآلاف من «المجاهدين الرقميين»، مهمتهم فقط هي فتح حسابات جديدة في حال إغلاق الحسابات
الموالية لهم، لقد استطاعت الجماعاتُ المتطرفة الإرهابية تدريب مقاتليها، ليس فقط
على أساليب القتال والدفاع عن النفس، بل على التكنولوجيا الحديثة، وطرق الاتصالات
الجديدة، وكيفية استخدامها الاستخدام الأمثل، وهو ما تعلمته داعش بسرعة.[3]
ولا يقتصر الأمر فقط على
هذا ولكن يوتيوب أيضًا أصبح بمثابة منبر للإرهاب، فبعد العمليات
القتالية أو عمليات سفك الدماء، وبعد تصويرها بتقنيات وأدوات وكاميرات عالية
الجودة تُنشر على اليوتيوب؛ للتهديد والوعيد وبث الرعب في نفوس المسالمين، واستطاع
«داعش» استخدام يوتيوب لإرسال الرسائل التي تريدها إلى الدول في أي وقت تريد، وفي
أمانٍ تام دون تعقب من أي جهة أَمنية، غير أن يوتيوب بات هو الآخر يتتبع هذه
الفيديوهات، ويحذفها بعد فترة قصيرة من نشرها.
بدورها قامت
إدراة كل من تويتر وفيسبوك باتخاذ اجراءات قوية؛ لتتبع الحسابات التابعة لداعش
وغلقها، وأعلنت إدارة تويتر في منتصف عام 2015 أنها أزال 125 ألف حساب؛ لبثِّها
رسائل تهديد أو لترويجها أعمالًا إرهابية، ترتبط بشكل أساسي بالتنظيم المتطرف
داعش، كما اعتبرت مونيكا بكرت، مديرة قسم السياسات العالمية في موقع فيسبوك، أن
«الـ(فيسبوك) لا يسمح لأي عضو تابع لمجموعة أو منظمة إرهابية عنيفة بأن يكون له
حضور على الموقع»، وتابعت: «هذه سياسة شاملة؛ ما يعني أن المستخدمين الذين يشتبه
بانتمائهم إلى هذه الجماعات يمنعون من استخدام الموقع، بغض النظر عمّا يُنشَر على
حسابهم، وبالمثل، عندما تدرك إدارة الـ(فيسبوك) أن الحساب يدعم الإرهاب، تتم إزالة
المستخدم فورًا، ومن ثَم يجري النظر في محتوى الحساب نفسه والحسابات المرتبطة به».
للمزيد: بمعاونة
مسلميها.. فرنسا تُعلن الحرب الإلكترونية على الإرهاب السيبراني
هذه الإجراءات جعلت داعش يوجه تهديدًا
مباشرًا لكلٍّ من الرئيس التنفيذي لشركة تويتر جاك دورسي والرئيس التنفيذي لشركة
فيسبوك مارك زوكربيرغ، عبر عرض صورة لكل منهما في 2016 أطلقت عليها وابل من
الطلقات النارية.
وأقدمت مجموعة أطلقت على نفسها تسمية أولاد جيش الخلافة التابعة لقسم
القرصنة في داعش، على نشر شريط فيديو بعنوان «لهب الأنصار» سخرت فيه من محاولات
مواقع التواصل الاجتماعي إقفال بعض الحسابات؛ لعرضها محتويات اعتبرت إرهابية،
وتؤكد هذه التهديدات أن تنظيم داعش يعتمد اعتمادًا كبيرًا على مواقع التواصل
الاجتماعي، وبالتالي، فإن إزالة حسابات مناصريه يشكل ضربة كبيرة لأنشطته في مجالي
التجنيد والدعاية.[4]
هذه التضييقات جعلت التنظيم يفكر في إنشاء
وسائل تكون خاضعة لإدارته هو، بحيث يهرب عن طريقها من المواجهات الإلكترونية، فقد
طور التنظيم نسخته من الفيسبوك تُسمى (مسلم بوك) أو (خلافة بوك)، وأطلق تطبيقًا
للهاتف المحمول يوفر لمستخدميه أحدث أخبار التنظيم، وأنتج التنظيم أيضًا ألعاب
فيديو، كلعبة باسم (صليل الصوارم)؛ حيث يقوم اللاعب بقتل الجنود الأمريكيين أو نشر
المتفجرات.[5]
وهذا يعكس طبيعة الأعضاء المنضمة لداعش، وأن من بينهم متخصصين
محترفين في مجال السوشيال ميديا ومهندسين برمجة وغير ذلك؛ لأن تلك المجالات تحتاج إلى
المتخصصين.
ثالثًا- حرفية فيديوهات داعش ودعم استراتيجية
التوحش:
استطاع
داعش جذب أنظار العالم إليه من خلال الفيديوهات الوحشية التي صوروها لذبح وجز
الأعناق وحرق الأسرى أحياء وقطع أيديهم ورجمهم، بل وإلقائهم من فوق الأسطح بصورة
تخلو من أي معنى من معاني الإنسانية، هذه الفيديوهات لم تأتِ عبثًا وإنما لأهداف
معينة، فتلك العمليات تثير الرعب وتجعل من اسم التنظيم وحده رعبًا حقيقيًّا يدفع
القرى والمدن المعرضة لخطرها إلى الفرار السريع.
وقد
شكل إعدام الطيار الأردني معاذ الكساسبة امتدادًا للسياسة الدعائية للتنظيم منذ
سيطرته على مناطق في العراق وسوريا؛ حيث نشر تنظيم «داعش» شريط فيديو مروعًا يبين
طريقة إعدام الطيار الأردني معاذ الكساسبة، كان فيديو سينمائيًّا بامتياز تم
تصويره من زوايا مختلفة وبطريقة لا تقل احترافية عن تصوير أي فيلم في أحد استوديوهات
هوليوود الأمريكية، هدفه واضح ترويع وتخويف كل من يقف ضد التنظيم.[6]
ولم
تكن هذه هي المرة الأولى التي ينشر فيها التنظيم فيديو يصور عملية إعدام وحشي، فقد
دأب التنظيم منذ نشأته على توثيق جرائمه بالصوت والصورة، ومنذ الفيديو الأول الذي
يعود لشهر مايو عام 2014 والذي صور فيه «داعش» سيطرته على مناطقَ واسعةٍ في العراق،
استمر التنظيم في نشر فيديوهاته على المنتديات التابعة له بشكل دوري، ومنها عملية
ذبح 25 مصريًّا مسيحيًّا بليبيا.
وأشار تقرير صادر من الأمم
المتحدة إلى أن أهداف التنظيم من إنتاج تلك الفيديوهات يتلخص في سببين رئيسيين،
الأول هو تخويف السكان المدنيين في المناطق الخاضعة للتنظيم، والثاني دعائي محض
لاستقطاب المقاتلين الأجانب، وجلب مزيد من الدعم لخزائن «داعش».
ولم
يقتصر على تصوير فيديوهات عادية بإمكانيات بسيطة، بل شكل ذراعًا إعلامية احترافية،
ودعمها بحضور كبير على شبكات التواصل الاجتماعية، وقدر خبراء أمريكيون كلفة تصوير
فيديو سابق لـ«داعش» يظهر إعدام 22 جنديًّا من الجيش السوري اعتقلهم التنظيم في
محافظة الرقة، تبلغ مدته 16 دقيقة بـ200 ألف دولار، بالنظر للمعدات الاحترافية
وطريقة الإخراج التي اعتمدها التنظيم، كما أكد الخبراء أن بعض الفيديوهات تم
تصويرها في مواقع مختلفة وليس في موقع واحد، مشيرين إلى أن تصوير فيلم من هذا
النوع يتطلب فريق عملٍ محترفًا ومُلمًّا بمهنتي السينما والتواصل.[7]
هذه
الحرفية الهائلة في صنع الفيديوهات تشير دون شك إلى أن هذا التنظيم مدعوم بقوة من
أجهزة مخابرات دول ترعى الإرهاب وتموله، فلم يكن لتنظيم إرهابي عمره لا يتجاوز الـ4
سنوات أن يتمتع بكل تلك الإمكانيات، سواء التقنية أو الماديةـ
وهناك
رسالة أخرى لهذه الفيديوهات تتمثل في محاولة إغراء المراهقين لتقليد منفذي تلك
العمليات، فهذه الفيديوهات عادة ما تتضمن صور المتورط بالفعل الإرهابي، وقد أمسك
ببندقية في يده ومصحفًا في يد أخرى، معلنًا للملأ نية الذهاب في مهمة انتحارية،
وهذه الممارسة لا يقصد بها الدعاية فقط، بل تمثل طقوسًا تنشد تأصيل الالتزام
الشخصي القطعي لتنفيذ المهمة، وتعد نقطة «اللاعودة» عن ما عقد الإرهابي العزم على
تنفيذه، وفي الوقت ذاته، يُطلب من الشخص الذي وقع عليه الاختيار لتنفيذ المهمة
الإرهابية أن يكتب رسالة وداع لعائلته وأصدقائه يحتفظ بها من قِبل الجماعة مع
الشريط لتطلق بعد إتمامه المهمة، وبالتزامه أمام كاميرات تلفزيونية، فإن المرشح لا
يمكنه أن يتراجع بسهولة عن وعده الذي قطعه على نفسه، وتجده يعلن بكل فخر بأنه شهيد
ومن الأحياء، ويلاحظ أن تأثير هذه الآلية لا يقتصر على المجند للإرهاب بل يتعداه،
ليمارس تأثيره على المشاهد؛ حيث تمثل الممارسة للمراهقين وصغار السن من متابعيهم
مصدر إغراء تدفعهم لمحاكاة وتقليد ما تتضمنه الأفلام من أفعال إرهاب، ويزداد
التأثير السلبي لها متى ما كانت مشاهدتهم للأفلام في خلوة وبعيدًا عن مصادر
الرقابة والتوجيه، وقد يعزى السبب في مباشرة الإقدام على الانخراط في جماعات
الإرهاب دون سابق إنذار من قِبل أشخاص لا يُعرف عنهم سابقًا الالتزام الديني، أو
لديهم تدنٍ في مستوى الثقافة والمعرفة أو التعليم إلى هذا النوع من التأثير،
وأمثال هذه الفئات لا قدرة لديها على مواجهة ما تتضمنه الأفلام من محاولات إقناع.[8]
رابعًا- داعش يطور أدواته ويتجه لتيلجرام:
بعد
الضربات الأخيرة التي تلقاها داعش على الأرض في كلٍّ من سوريا والعراق، وفقدانه
عددًا كبيرًا من المناطق التي كان يسيطر عليها، سعى لتعويض ذلك من خلال النشاط
إلكترونيًّا مرة أخرى، ومحاولة استعادة صورته ولو في الفضاء الإلكتروني، وفي ظلِّ
التضييقات التي يواجهها على مواقع التواصل التقليدية كفيسبوك وتوتير، اتجهت خلايا
داعش الإلكترونية في الفترة الأخيرة إلى تطبيق تليجرام.
وتشير إحدى الدراسات التي
نشرها مركز المستقبل للأبحاث إلى تحول «داعش» إلى الاعتماد المتنامي على تطبيق
«تليجرام»؛ نظرًا لما يمتلكه التطبيق من معدلات حماية هائلة قد لا تتوافر في
تطبيقات أخرى، فقد شجع التنظيم أتباعه على «تويتر»، ومواقع التواصل الاجتماعي
الأخرى على التواصل مع منسقي «داعش» ومجنديها على «تليجرام»؛ لمناقشة «مسائل
حساسة»، مثل السفر إلى الأراضي التي يسيطر عليها «داعش»، وأنشأ «داعش» أيضًا قنوات
عامة على «تليجرام»؛ لبث تحديثات إخبارية عن أنشطته، ونشر مواد دعائية أخرى من
خلال وكالات الأنباء التابعة له.
ويتسم هذا التطبيق، الذي
أُطلق في عام 2013 بخاصية تشفير الرسائل من النهاية إلى النهاية، والتي تمنع أي
شخص -باستثناء المرسل والمتلقي- من الوصول إلى الرسائل المتبادلة، وتعتمد تقنية
التشفير الخاصة بالتطبيق على هواتف المستخدمين، وليس عبر خادم وسيط، وهو ما يفرض
صعوبات على إمكانية التجسس على محادثات المستخدمين.
ويوفر التطبيق وسيطًا
آمنًا للتنظيمات الإرهابية؛ لمشاركة وتحميل الملفات الكبيرة مباشرة عن طريق
التطبيق دون الاضطرار إلى فتح وصلات خارجية، علاوة على احتواء التطبيق على خاصية
التدمير الذاتي للرسائل؛ حيث يُمكن للمستخدم قبل أن يرسل الرسالة، تحديد مدة مؤقت
التدمير الذاتي، وهو ما يعني أنه بعد مدة محددة من قراءة الرسالة فإنها تختفي
تلقائيًّا وبشكل دائم من كلا الجهازين، وهكذا فإن الأجهزة الأمنية، حتى في حالة
حصولها على أجهزة التواصل الخاصة بالعناصر الإرهابية، لن تتمكن من الوصول إلى أدلة
يُعتد بها؛ لأنها ستكون قد اختفت بالفعل من الأجهزة.[9]
وهذا يعني أن التنظيم لم
يفقد الأمل حتى الآن، ويحاول تنظيم صفوفه مرة أخرى، وإعادة الكّرة لجذب أعضاء جدد
وخداع مزيد من الشباب الذين يسهل انقيادهم لمثل هذه التنظيمات.
خامسًا- دول عربية تواجه الإرهاب الإلكتروني.. الإمارات نموذجًا
سعت بعض الدول العربية لإصدار تشريعات
متعلقة بمكافحة الإرهاب الإلكتروني ضمن خططها لمكافحة الإرهاب بشكل عام، وجاءت
دولة الإمارات العربية المتحدة على رأس تلك الدول؛ حيث احتضنت أبوظبي في 15 مايو
2017 فعّاليات «المؤتمر الدولي لتجريم الإرهاب الإلكتروني»، برعاية الشيخ عبدالله
بن زايد وزير الخارجية والتعاون الدولي في الإمارات؛ بغية التوصل إلى تعاون دولي،
ووضع آليات ونظم وتشريعات جديدة؛ لمواجهة هذا الخطر، وسعى المؤتمر إلى تطوير عمل
دولي للتوصل الفاعل والتعامل مع هذا الخطر ومكافحته، وكذلك التوصل إلى أرضية
عالمية مشتركة للأنظمة والتشريعات الخاصة بهذه المسألة، والتوصل إلى أنجح السبل
لجسر الهوة القانونية والتشريعية في تنظيم الفضاء الإلكتروني والتي تستغل لتعبئة
وتجنيد الشباب في التنظيمات الإرهابية، والتحريض على العنف، والترويج لخطابات
التطرف والكراهية والتمييز على أسس فكرية أو دينية أو عرقية.
وأكد «إعلان أبوظبي حول تجريم الإرهاب
الإلكتروني» الحاجة الملحة إلى تحرك منسّق وسریع من قِبل الدول الأعضاء في الأمم
المتحدة إزاء المخاطر والتهدیدات الإرهابیة الإلكترونیة، من خلال اعتماد اتفاقیة
دولیة ملزمة تحظر الإرهاب الإلكتروني بكل أشكاله، ودعوة الدول إلى تبني مقتضيات
هذا الاتفاق الملزم وتفاصيل مبادئه وتوضيحها أكثر في قوانينها الداخلية وكذلك
إنشاء هيئات وطنية للمعلوماتية والحريات والأمن الإلكتروني تتولى وضع سياسات
واستراتيجيات في إطار سيادة القانون.[10]
وهذا يعكس سعي دولة الإمارات الحثيث
لمواجهة التطرف بكل أشكاله، خصوصًا بعد اعتماد مجلس الوزراء الإماراتي في نوفمبر
عام 2014 قائمة تضم عدد التنظيمات الإرهابية، تطبيقًا لأحكام القانون الاتحادي رقم
7 لسنة 2014 بشأن مكافحة الجرائم الإرهابية.
الخلاصة
يتضح من العرض السابق قدرة داعش على
تطويع الإنترنت لخدمة مصالحه، وهذا يجعل الأجهزة الأمنية مطالبة بأن تكون على قدر
عالٍ من الحرفية في التعامل مع تلك الوسائل ومجابهة التنظيم إلكترونيًّا بقوته
نفسها، مع العلم أن هذه التنظيمات تمتلك عناصر متخصصة في مجال التكونولوجيا؛ ما
يجعل الأمر خطيرًا خصوصًا مع حدوث هجمات إلكترونية العام الماضي أثرت سلبًا على
العالم كله، مثل فيروس الفدية الخبيثة «رانسوم وير»، الذي ضرب حواسيب عشرات الدول
حول العالم، إضافة إلى ما يُثار حول التخوفات المتعلقة من اختراق أحد أتباع
المتطرفين الشفرات النووية إلكترونيًّا والتحكم فيها؛ ما يجعل أمن العالم كله
مهددًا.
للمزيد: «العالم
السيبراني».. وسيلة التنظيمات الإرهابية لجمع المال وتنفيذ العمليات
ونشير ختاما لبعض الإجراءات التي يجب
اتخاذها لمواجهة الإرهاب الإلكتروني ومنها:-
·
ضرورة وجود تنسيق بين الدول في مجال الأمن المعلوماتي،
وإنشاء خلايا مشتركة تعمل على رصد التهديدات السيبرانية، وتبادل المعلومات بشأنها؛
لأن اختراقات داعش وغيره من التنظيمات لا تستهدف دولة واحدة فقط،، إضافة إلى
عالمية وسيلة الإنترنت التي ساعدتهم على الوصول إلى أي مكان في العالم بسهولة
تامة.
· تسهيل عملية
تسليم المطلوبين في جرائم الإرهاب الإلكتروني، وهذا يحتاج إلى تفعيل الاتفاقات
الدولية المتعلقة بالجرائم المعلوماتية والإرهاب الالكتروني، وإنشاء جهاز دولي
تابع للأمم المتحدة يختص بمكافحة الإرهاب الإلكتروني.
· تطوير تطبيقات أمنية، قادرة على تغطية
أمن الشبكات ورسائل التشفير التي تلجأ إليها هذه الحركات؛ لأن هذا سيساعد على فهم
عملياتهم، ومن ثم يمكن توجيه الضربات الاستباقية لهم والقبض على عناصرهم قبل تنفيذ
الهجمات، وكذلك حماية البيانات الحساسة المتوفرة على الأنظمة الإلكترونية للدول
والمنظمات والأشخاص؛ حتى لا يسهل اختراقها.
· التنسيق مع إدارات مواقع التواصل الاجتماعي؛ لأنها لن تستطيع
بمفردها مواجهة تحركات المتطرفين والاستفادة من خبراتهم في المواجهة الإلكترونية
وملاحقة حسابات المتطرفين، وإلزامهم بتنفيذ التشريعات التي تصدرها الدول ضد
الإرهاب الإلكتروني.
· توعية مستخدمي الإنترنت عن طريق تفنيد
الأفكار التي يروج لها المتطرفون، بحيث لا يقع الشباب فريسة سهلة لدعاياتهم
الإلكترونية، وهذا يحتاج تكاتف الإعلام والتعليم والمؤسسات الدينية، فالمواجهة ليست
أمنية فقط وإنما عن طريق كل مؤسسات المجتمع.
· الوقوف أمام الشائعات التي ينشرها
المتطرفون لحظة بلحظة، والرد على الفيديوهات التي ينشرونها، وقد استطاع جهاز
الشؤون المعنوية التابع للقوات المسلحة المصرية ملاحقة الشائعات التي ينشرها داعش
ولجانه الإلكترونية، وهذا يتطلب أيضًا متابعة الرسائل الإلكترونية، التي
يسعى داعش إلى نشرها وتحليلها؛ لفهم ما الذي يفكر فيه التنظيم، والتمكن من
مواجهته.
ومن ثم فإن العالم كله أمام ظاهرة في غاية الخطورة،
وتطلب مكافحة غير تقليدية وأجهزة تطور نفسها باستمرار للتفوق على هؤلاء المتطرفون،
الذين وجودوا في الفضاء الإلكتروني أرضًا خصبة؛ لنشر أفكارهم وتحقيق أهدافهم.
[1] نورا بنداري عبدالحميد فايد، دور وسائل التواصل الاجتماعي في تجنيد أعضاء التنظيمات الإرهابية دراسة حالة «داعش» (ألمانيا: المركز الديمقراطي العربي للراسات السياسية والاستراتيجية، تاريخ النشر 19 يوليو 2016).
[2] موقع العربية نت «التعبئة والتجنيد يبدآن من تويتر»، تاريخ النشر 25 مايو 2015.
[3] عبدالباري عطوان، «الجذور، التوحش، المستقبل» (بيروت: دار الساقي، الطبعة الأولى، بيروت 2015).
[4] منى علمي، صراع «داعش» ومواقع
التواصل الاجتماعي يتصاعد، صحيفة الشرق الأوسط، تاريخ النشر 7 مارس 2016
[5] نورا بنداري عبدالحميد فايد، مرجع سبق ذكره.
[6]داعش
يستنسخ هوليوود في حربه الدعائية، موقع روسيا اليوم الإخباري، 5
فبراير 2015.
[7]المرجع
السابق.
[8] نايف آل زاحم، «شبكات التواصل ..
معسكرات تجنيد للجماعات الإرهابية»، صحيفة الرياض، تاريخ النشر 23 نوفمبر
2015.
http://www.alriyadh.com/1103104
[9] محمد بسيوني،
«تهديدات مشفرة: لماذا تلجأ التنظيمات الإرهابية لاستخدام تليجرام؟»، في
مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتطورة، تاريخ النشر 11 يناير 2018.
[10] مؤتمر
تجريم الإرهاب الإلكتروني يختتم أعماله بأبوظبي، موقع إيلاف الإلكتروني،
تاريخ النشر 16 مايو 2017
http://elaph.com/Web/News/2017/5/1148632.html





