أمريكا اللاتينية.. بين جرائم «حزب الله» وإرهاب «داعش»
تصاعدت موجات الإرهاب في قارة أمريكا اللاتينية خلال السنوات الأخيرة، رغم تمتعها لفترة طويلة بحالة من الاستقرار النسبي؛ فإنه لوحظ في الفترة الأخيرة تمدد العديد من التنظيمات الإرهابية في القارة اللاتينية خاصة في بعض الدول مثل «كولومبيا، وفنزويلا، وترينداد، وتوباجو، والبرازيل...إلخ».
وترجع
خطورة وجود الجماعات الإرهابية في أمريكا اللاتينية إلى ارتباطها بالتنظيمات
الكبرى في دول الشرق الأوسط كداعش وحزب الله؛ حيث حرصت تلك التنظيمات على إيجاد
فروعٍ لها في تلك الدول لتحقيق العديد من الأغراض.
ويعد
حزب الله اللبناني، من أسبق التنظيمات الإرهابية حرصًا على الوجود في الحديقة
الخلفية للولايات المتحدة، وسبق أن نفذت إيران بالتعاون مع هذا الحزب العديد من
العمليات في دول أمريكا اللاتينية.
وعلى
خطى حزب الله لجأ داعش هو الآخر إلى تدعيم وجوده في هذه القارة، لذا سيحاول هذا
التقرير التطرق إلى الأسباب والطرق والأدوات التي انتهجتها التنظيمات الإرهابية في
سبيل تحقيق انتشارها في أمريكا اللاتينية.
أولًا:
أسباب توجه التنظيمات الإرهابية لدول أمريكا اللاتينية
على عكس المتوقع تمثل أمريكا اللاتينية أرضًا خصبة للإرهاب وتنظيماته، ويرجع ذلك إلى أسباب عدة ، من أهمها:
- الأهمية
الاستراتيجية للتيار الشيعي المدعوم إيرانيًّا: في البدء كانت فنزويلا نقطة
انطلاق السياسة الإيرانية خلال حقبة التسعينيات في إنشاء خلايا إرهابية تابعة لها
ثم ازداد دورها في منطقة المثلث الحدودي (باراجواي، والبرازيل، والأرجنتين).
- الديمقراطيات
الهشة: لا تزال أمريكا اللاتينية تتكون من ديمقراطيات هشة غير متكاملة، الأمر
الذي يدفعها لتوثيق علاقتها بنظام الملالي لتحسين صورتها الدولية، وفي المقابل
تستغل طهران تلك العلاقة في إنشاء جماعات موالية لها في تلك الدول.
- الفراغ
الأمني: تُعاني أمريكا اللاتينية في العموم من أزمات اقتصادية وانتشار الفقر
في العديد من دولها، الأمر الذي يسهل من عمل منظمات الجريمة الكاملة التي تستغلها
إيران وحزب الله في تثبيت وجودها، فضلًا عن استغلال دول هذه القارة في عمليات تبييض
الأموال وتجارة المخدرات، كما استغل تنظيم القاعدة العصابات الإجراميَّة في أمريكا
اللاتينية في الحصول على الموارد المالية.
- العداء
الأمريكي: يسود اتجاهٌ عامٌ داخل دول أمريكا اللاتينية رافضًا لهيمنة الولايات
المتحدة عليها، وهو ما يُفسر التقارب «الإيراني - الفنزويلي» المستمر منذ عهد هوغو تشافيز.
ثانيًا:
بؤرة إرهابية
تمكن
تنظيم «داعش» رغم حداثته في تكوين بؤر خاصة به في أمريكا اللاتينية، وهو ما يُثير
حيرة البعض، حول قدرة التنظيم على اختراق دول هذه القارة، التي ظن البعض أنها بعيدة
المنال عن التنظيمات الإرهابية كداعش والقاعدة.
ترينداد..
المعقل الرئيسي
نجح
«داعش»، بالفعل في إيجاد موطئ قدم له داخل القارة الهادئة خاصة في «ترينداد
وتوباجو» التي يُطلق عليهما «بؤرة الإرهاب الداعشي» في «البحر الكاريبي».
وتدفق
منذ عام 2014 وحتى 2018، العديد من أبناء الجزيرة للانضمام إلى صفوف التنظيم؛ إذ بلغ عدد المنضمين حوالي 180 شخصًا من أصل 1.3 مليون هم إجمالي سكان الدولة خلال
أربعة أعوام.
وعلى
الرغم من أن تمثيل المسلمين فيها نسبة قليلة من السكان تبلغ 8% فإن هذا لم يمنع من
تسلل التيار الراديكالي إلى الجزيرة؛ إذ أسست حركة راديكالية تحت اسم «جماعة
المسلمين» بقيادة «ياسين أبوبكر»، وحاولت الانقلاب بمحاولة فاشلة عام 1990، بعد أن نجح الجيش
في التصدي لها، وتم القبض على أحد أعضائها داخل الأراضي الأمريكية عام 2007 بتهمة
تخطيطه لهجوم يستهدف مطار «كينيدي» الدولي، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة.
وتعددت
الأسباب التي تدفع القليل من مسلمي «ترينداد وتوباجو» للانضمام للتنظيم المتطرف
ومنها:
- العوامل
الاقتصادية: ينتشر الفقر في تلك الدولة نتيجة انخفاض سعر النفط الذي يمثل 80%
من اقتصادها؛ ما أدى لتزايد نسب الفقر والبطالة، وهو ما دفع الشباب إلى
اللجوء إلى أموال الجماعات المتطرفة.
- الهروب
من الملاحقات الأمنية: انضم البعض لهذه التنظيمات كوسيلة للهروب من القانون،
فعلى سبيل المثال انضم «أبوسعد الترينيدادي» (شين كروفور سابقًا) لـ«داعش»، حتى
يهرب من العقاب، وذلك بعدما تم اعتقاله عدة مرات بتهم أبرزها الاشتباه بالتخطيط
لاغتيال رئيس الوزراء في البلاد.
وأخيرًا
توجد ملاحظة يجب الركون إليها في التحليلات الخاصة بالمد الإرهابي في «ترينداد
وتوباجو»، وهي أن الحركة الإسلاميَّة في الجزيرة لم تكن وليدة السنوات الأربع الماضية؛ لكنها قديمة؛ حيث تعود إلى عشرينيات القرن الماضي؛ فالجزيرة بها أكثر من 24 مؤسسة
وهيئة إسلامية في 13 مدينة رئيسية، ومنها جمعية «تقوية الإسلام»، التي تعد أول
جمعية إسلامية في ترينيداد ظهرت عام 1923، ثم «أهل السنة والجماعة» عام 1935،
و«الدعاة المسلمين» في 1975، و«الحزب الإسلامي» 1977، وآخر هذه الجمعيات «شبان
ترينيداد وتوباجو لنشر الدعوة».
سورينام
بؤرة بديلة
إضافة
إلى «ترينداد» نجح داعش في إنشاء بؤرة جديدة له في أمريكا اللاتينية وهي «سورينام»، التي تُعْد أصغر دول القارة، وتقع على أطرافها الشمالية، ففي يوليو 2017 تم الكشف عن
مخططٍ داعشي يستهدف أراضيها، كما تمت محاكمة شقيقين بتهمة التخطيط لاغتيال السفير
الأمريكي «إدوين نولان» في البلاد والانتماء لتنظيم داعش الإرهابي.
ويتزعم
الخلية الداعشية، التي حاولت قتل السفير الأمريكي شقيقان هولنديان، وهما «راؤول»
(35 عامًا)، و«ناصر» (31 عامًا)، عملا على تجنيد العناصر السورينامية
وإرسالها لسوريا للقتال في صفوف تنظيم داعش.
وقُبض
على الشقيقين في 23 يوليو عام 2017، وهو ما استفز تنظيم داعش متوعدًا بتنفيذ
عمليات إرهابيَّة تستهدف عددًا من المعاهد التعليمية في حالة عدم الإفراج عنهما، الأمر الذي دفع السلطات لغلق المدارس في سبتمبر 2018 تحسبًا لأي هجوم محتمل.
جدير بالذكر أن سورينام لم تكن بؤرة داعشية فقط؛ حيث سبقه «حزب الله» إليها؛
فقيادات الحزب امتلكت علاقات قوية مع نجل الرئيس السورينامي «ديزي بوترس» الذي سمح
للحزب بإنشاء منصة عسكرية له في أمريكا اللاتينية، وخلال زيارة «دينو» ابن الرئيس
السورينامي للولايات المتحدة في أغسطس 2014 ألقى القبض عليه وقدم للمحكمة التي
أقرت بسجنه 16 عامًا وثلاثة أشهر.
حضور
برازيلي
سعي
داعش وحزب الله لتحقيق وجود في البرازيل، كبرى دول أمريكا اللاتينية؛ ففي
مايو 2018 قبض على 11 شخصًا بتهمة التخطيط لتشكيل خليَّة داعشيَّة على
الأراضي البرازيلية، واتضح أنهم يعتمدون على أسلحة بدائية الصنع، ويسعون إلى تجنيد
متشددين لإرسالهم إلى سوريا، وكُشف أمرهم من خلال عدة رسائل إلكترونية تبادلوا
فيها أنماطًا مختلفة من التدريبات على مواقع التواصل الاجتماعي، كما اتضح أنهم كانوا
يخططون لهجوم مشابه لما حدث في جسر لندن الذي وقع في 2017.
أما
عن دور حزب الله في البرازيل؛ فقد صدرت العديد من التقارير الأمريكية عن نشاط
الحزب هناك، مؤكدةً أنه يتمحور حول تهريب المخدرات وإصدار الجوازات المزيفة، التي
يبرع فيها عضو الحزب «فاروق أميري».
كولومبيا
بين التمرد والإرهاب
تعاني
كولومبيا من انعدام نسبي في الأمن، بسبب وجود الحركات المتمردة وانتشار عصابات
الجريمة المنظمة، الأمر الذي أفسح المجال أمام حزب الله والقاعدة للاستفادة من
الحالة الكولومبية؛ فتنظيم القاعدة على سبيل المثال يرتبط بعلاقات وثيقة مع
العصابات الكولومبية، ويحصل على تمويل منها، في مقابل ضمانه تنظيم سلامة مرور
قوافل الكوكايين التابعة للعصابات عبر صحراء شمال أفريقيا إلى دول الشرق الأوسط
وأوروبا.
حضور
أرجنتيني خافت
في
بداية التسعينيات كانت الأرجنتين مسرحًا للإرهاب الإيراني؛ حيث تم تفجير السفارة
الإسرائيلية في «بوينس آيرس» عام 1992؛ إلا أنه في الوقت الراهن تشهد الأراضي
الأرجنتينية حالة من الجمود العملياتي سواء لحزب الله أو داعش؛ حيث لم ينفذ
التنظيمان أي عملية في البلاد سوى اختراق داعشي للموقع الرسمي للجيش الأرجنتيني.
ثالثًا:
أدوات التغلغل
لم
يأل التنظيمان «داعش، وحزب الله» جهدًا في استخدام كل الأدوات لتحقيق الانتشار في
القارة اللاتينية؛ لأن دولها بالنسبة لهما كالمسرح الخالي الذي يحاولان اكتساب
أكبر قدر من المساحة فيه، وذلك من خلال الاعتماد على العديد من الأدوات، مثل:
- شعبية
كرة القدم: يُعد الولع والشغف الشديد بكرة القدم هو أبرز سمات شعوب
أمريكا اللاتينية، وهو ما عملت التنظيمات الإرهابية على استغلاله، فأثناء فعاليات
كأس العالم الذي أقيم في البرازيل 2014، احتفت بعض المواقع المنسوبة لتنظيم داعش
باللاعب الأرجنتيني «ليونيل ميسي»، ولقبته بـ«أبو مهداف الأرجنتيني».
- عدم
الاشتباه: أصبحت عناصر داعش الشرق أوسطية والآسيوية (باكستان وأفغانستان) محل
اشتباه لدى أجهزة الأمن الأوروبية، وذلك نتيجة العمليات الإرهابية التي ضربت أوروبا
خلال السنوات الأخيرة، وهو الأمر الذي أعاق بعض الشيء خطط الدواعش للانتشار في
القارة العجوز، وحين وجد التنظيم أن العناصر المنتمية لأمريكا اللاتينية بعيدة عن
الاشتباه سارع إلى تجنيد المزيد منهم لتحقيق أغراضه؛ إلا أنه في نوفمبر 2017 ألقت
السلطات السويسرية القبض على مواطن كولومبي بتهمة دعمه لعدة تنظيمات إرهابية، وعلى
رأسها تنظيم داعش، فقد شارك بالتعاون مع زوجته في بث رسائل عديدة ذات أغراض
إرهابية؛ وذلك عبر حساباتهما الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما يبرهن
على أن داعش لجأ إلى مواطني أمريكا اللاتينية البعيدين عن دوائر الاشتباه لتحقيق
أغراضه.
الخاتمة
يظهر
من العرض السابق مدى انتشار الإرهاب داخل قارة أمريكا اللاتينية، وكيف أنها أصبحت
مرتعًا وحاضنة للتنظيمات الإرهابية، ومنطقة لاستقطاب وتدريب الشباب لصالح تلك
التنظيمات وعلى رأسها داعش والقاعدة وحزب الله.
كما
يتضح اتجاه التنظيمات الإرهابية المنتشرة في أمريكا اللاتينية، إلى استخدام
التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل احترافي، وكذلك الاعتماد على
منهجية الاستخبارات حتى تستطيع متابعة أهدافها وبالتالي تتمكن من تحقيق ما تسعى
إليه، كما يظهر مدى ضعف وعجز دول القارة في مواجهة الإرهاب، وتراخي المجتمع الدولي
في مواجهته وذلك على النقيض من الشعارات التي يتغنى بها ليلًا نهارًا، وهو ما يؤكد
الحقيقة الأبدية أن «قانون القوة» يفوق «قوة القانون»، وكذلك أن اللغة المنتصرة
دائمًا هي المصالح وفقط.
للمزيد: المنظمات
المسلحة تمهد الطريق للراديكالية بـ«كولومبيا»
للمزيد: سورينام
.. طريق «داعش» و«حزب الله» إلي أمريكا اللاتينية





