يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad

حدود تفعيل الاستراتيجية الأمريكية لمحاربة الإرهاب في النيجر

الجمعة 26/أكتوبر/2018 - 06:54 م
المرجع
مسلم هنيدي
طباعة

لطالما وضعت الاستراتيجية الأمريكية لمحاربة الإرهاب العبء الأكبر على عاتق شركائها المحليين من حكومات وجيوش الدول الأخرى، التي تتعاون معها لمواجهة الظاهرة على أراضيها، مع قيام القوات الأمريكية بدور قتالي محدود، حيث يركز «البنتاجون» على تقديم المعلومات والدعم للقوات الصديقة لمحاربة الجماعات الإرهابية  في مناطق القتال.

ومن ثم يلخص ما سبق عرضه جل مضامين الرؤية الأمريكية لمزاعم محاربتها للإرهاب عن طريق التعاون المحدود مع الشركاء لمواجهة الظاهرة، وفى نفس الوقت صناعتها للظاهرة واستغلالها إياها في تحقيق مآرب وغايات أخرى في الشرق الأوسط في الفترة الماضية.

وفى ذات السياق، لم تأتِ الاستراتيجية الأمريكية لمحاربة الإرهاب في غرب أفريقيا بجديد في هذه المسألة، فما أعلن عنه «البنتاجون»، من إرسال عددٍ من جنوده إلى دولة النيجر بحجة مكافحة الإرهاب مؤخرًا، لتنضم إلى خطة أمريكا للانتشار في وسط أفريقيا يعزز ويؤكد ذات المسألة.

حيث تشكل النيجر في وسط أفريقيا ممرًا صحراويًّا يستخدمه المتشددون لمواجهة السلطات المحلية والأجنبية، وإحداث فوضى أمنية في تلك المنطقة التي تشكل أهمية استراتيجية لأمن الولايات المتحدة القومي ولغيرها من القوى الأخرى، يستهدف هذا التحليل فهم وتحديد غايات وأهداف واشنطن المعلنة وغير المعلنة في سياق هذا التطور، الذى يُنبأ عن موجة جديدة من استغلالها لذريعة الإرهاب في التمدد والانتشار مجدداً في القارة الأفريقية في الفترة المقبلة.

للمزيد: دور المخابرات الكاميرونية في مواجهة الإرهاب.. «بوكو حرام» نموذجًا

حدود تفعيل الاستراتيجية

1ـ أجواء وسياقات الكشف والإعلان:

كشفت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية، في الإثنين 17 سبتمبر 2018، عن تحول «نيامي» إلى مركز دولي لمكافحة التنظيمات الإرهابية وصد موجات الهجرة غير الشرعية في أفريقيا، ولأجل تنفيذ هذا الغرض تدفقت مليارات الدولارات من أوروبا والولايات المتحدة إلي النيجر، إضافة إلى الدعم المالي تعهد كل من الرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون»، والمستشارة الألمانية «أنجيلا ميركل» بتعزيز شراكة بلادهم الاقتصادية والاستثمارية مع نيامي.

ودشنت الدول الغربية (إلي جانب الدعم الاقتصادي) تسعة قواعد عسكرية في النيجر، فمؤخرًا أوشكت واشنطن على الانتهاء من قاعدة جوية كبيرة في «أغادير»، في الوقت الذي تسير طائرات بدون طيار مسلحة من مدرج طائرات على أطراف بلدة «ديركو» لاستهداف إرهابيين ينتمون لتنظيمي «القاعدة» و«داعش» متمركزين في مالي وليبيا.

وظل الوجود الأمريكي في النيجر في طي الكتمان حتي أكتوبر 2015 وفقًا لما عبرت عنه مجلة «الفورين بوليسي» عندما أعلن الجيش الأمريكي عن مقتل 4 من قواته العاملة في صحراء النيجر القاحلة أثناء جولة استطلاعية في قرية «تونغو تونغو» الحدودية مع مالي.

وأزاحت حادثة مقتل الجنود الأمريكيين النقاب عن الوجود الأمريكي في النيجر الذي دام قرابة عقدين من الزمن، وكان له دور في لجم التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء بعض الشيء خاصة في مالي.

نجحت الولايات المتحدة في استغلال البعد الجيوسياسي للنيجر الذي يستغله أيضا الإرهابيون للانطلاق نحو  تنفيذ نشاطاتهم الإرهابية، لذا أصبح الوجود الأمريكي في النيجر من أولويات الأمن القومي الأمريكي في منطقة الساحل القائم على محاربة التنظيمات أولًا وتدعيم العلاقات الأمريكية بدول المنطقة ثانيًا لتأمين مصالحها الحيوية.

وفى هذا الإطار، وقعت الولايات المتحدة والنيجر اتفاقية في يناير 2015 لتنظيم وجود القوات الأمريكية في النيجر فضلًا عن إرسال طائرات استطلاع لدعم المهام الأمنية الإقليمية في محاربة الإرهاب، وتحسين المعلومات الاستخباراتية الخاصة ببوكو حرام والتنظيمات الإرهابية المنتشرة في منطقة الساحل كجماعة نصرة الإسلام والمسلمين.  

للمزيد: «السيسا».. سلاح مواجهة التهديدات الإرهابية بالقارة الأفريقية

حدود تفعيل الاستراتيجية

2ـ دوافع وأهداف الوجود الأمريكي:

تتسم الاستراتيجية الأمريكية بأنها استراتيجية عالمية شاملة، إلا أن بعض المناطق تشكل لها مجالًا حيويًّا لما تتميز به من أبعاد جيوسياسية واقتصادية وهو ما تجلي في منطقة الساحل والصحراء وغرب أفريقيا، الأمر الذي دفع الولايات المتحدة لنشر ما لا يقل عن 6 آلاف جندي أمريكي في أفريقيا متمركزين أغلبهم في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، وتحظى النيجر لوحدها بقوام 900 جندي، ويعود الاهتمام الأمريكي بمنطقة الساحل والصحراء للأسباب التالية:

- تأمين مصادر النفط: يحتل ضمان حماية وتدفق النفط الأفريقي صدارة الأولويات الأمريكية بمنطقة غرب أفريقيا، فالخطة القومية للطاقة الصادرة في عهد الرئيس الأمريكي جورج بوش أكدت أن منطقة  غرب أفريقيا هي المصدر الأسرع تطوراً للنفط والغاز في العالم.

- تعزيز المصالح الاقتصادية: تستهدف الشركات الأمريكية استغلال الوجود العسكري في النيجر للوصول إلى مناجم اليورانيوم، حيث تشكل صادرات اليورانيوم حوالي 72% من حصيلة صادرات النيجر.

- محاصرة النفوذ الأوروبي: يشكل محور الخطة الأمريكية للسيطرة ومنافسة النفوذ السياسي والاقتصادي الأوروبي في القارة من خلال زيادة الصادرات والاستثمارات الموجهة إليها.

- تحجيم الدور الصيني: المتنامي في القارة ذلك الدور الذي شكل إحدى زوايا الرؤية الأمريكية حيال استراتيجيتها هناك، ففي السادس من شهر ديسمبر 2005 أصدر مجلس العلاقات الخارجية تقريرًا حذر فيه الولايات المتحدة من مواجهة منافسة ضارية من الصين على إمدادات النفط من إفريقيا، داعيًا واشنطن إلى انتهاج أسلوب استراتيجي تجاه القارة باستثمار المزيد من الموارد هناك.

- تعزيز الوجود العسكري في الصحراء: تركز العسكرية الأمريكية على بلدين أفريقيين  غالبية سكانهما مسلمين هما جيبوتي والنيجر، فالوجود العسكري في النيجر يجعل من الولايات المتحدة شرطي المنطقة الذي يراقب الأوضاع سواء في منطقة الساحل أو غرب أفريقيا.

لا شك أن الأسباب الحقيقية وراء الوجود الأمريكي في النيجر ذات صلة بموقعها الاستراتيجي وسط الصحراء وتشكيلها جزءًا من الصراع المسلح في غرب أفريقيا الذي يمثل تهديدًا للولايات المتحدة وحلفاءها، إضافة لمجموعة من الأهداف الاستراتيجية الأمريكية الأخرى.

ومن ثم أصبحت أفريقيا تمثل تحديًا، وفرصة لواشنطن في نفس الوقت، فهي تحديًا كون الولايات المتحدة لم تعد اللاعب الوحيد في القارة الأفريقية، وفرصة كونها تريد تعزيز دورها ونفوذها كقوة كبرى لا يستهان بها واسعة النفوذ في القارة الأفريقية، ومن ثم يأتي تصدى أمريكا لخطر الجماعات الإسلامية المسلحة في المنطقة الأفريقية لضمان تحقيق وحماية مصالحها في المقام الأول، وهو ما سيدفع الإدارة الأمريكية لاتخاذ ما يلزم من ضمان حمايتها في تلك المنطقة بشكل متزايد في الفترة المقبلة.

وختامًا؛ نستطيع القول إن الولايات المتحدة زحزحت وجودها العسكري في أفريقيا من مسألة تقديم الدعم اللوجستي والاستخباري إلى الشركاء الإقليميين والدوليين العاملين في أفريقيا إلي التفاعل بشكل رسمي مع الأحداث الجارية في أفريقيا خاصة منطقة الساحل والصحراء، وهو ما كشف عنه هجوم 4 أكتوبر الذي أدى لمصرع 4 من الجنود الأمريكيين، ومؤخرًا قام الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» بإعادة هيكلة الوجود العسكري الأمريكي في أفريقيا ليمتلك زمام المبادرة في التدخل في المناطق الملتهبة دون الاعتماد على بعض القوي الإقليمية والدولية، أي أن أمريكا انتقلت من سياسة  التدخل بالوكالة إلى التدخل المباشر.

الكلمات المفتاحية

"