دور الاستخبارات الأوروبية في مكافحة تسلل الإرهابيين لمخيمات اللاجئين (1 - 2)
تواجه الدول الأوروبية أزمةً مازالت مستمرةً حتى التوقيت الحالي، متمثلة في تسلل الجماعات الإرهابية إلى مخيمات ومواقع اللاجئين، للعمل على تجنيد واستقطاب أعداد لا بأس بها منهم، مستغلةً أوضاعهم السيئة؛ ما يؤدي إلى ارتكاب جرائمَ جمة تؤثر على أمن واستقرار هذه الدول؛ الأمر الذي دفع بعضها في أحيان كثيرة إلى اتخاذ إجراءات لمواجهة هذه الظاهرة، منها منع استقبالها اللاجئين؛ خوفًا، فوفقًا لإحصاءات المفوضية العليا لشؤون المهاجرين التابعة للأمم المتحدة، وصل عدد اللاجئين بين عامي 2014-2016 نحو 1.6 مليون لاجئ ومهاجر لشواطئ أوروبا.
وهذا ما يخيف دول أوروبا؛ لاعتقادها أن تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين إليها، يُعدّ عملية ممنهجة لأسلمتها؛ الأمر الذي يدعوهم إلى تحديد العدد المسموح به في إطار لا يشكل خطورة على كيان دولهم، ليس ذلك فقط، بل إن خوف دول أوروبا من شبح الإرهاب النابع من المخيمات يجعلها ترفضهم؛ حيث أثبتت بعض السلطات في أوروبا، أن كثيرًا من الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها في السنوات القليلة الماضية، كان مرتكبوها من اللاجئين.
لللمزيد.. «الاستخبارات العراقية» .. ميلاد ميتور وتحديات راهنة
يدعونا هذا إلى فحص هذه الظاهرة، من خلال طرح
تساؤلات عدة عن أبرز العمليات الإرهابية التي ارتكبها اللاجئون في دول أوروبية، والتنظيمات
الإرهابية التي خرجت من رحم مخيمات اللاجئين، وستركز الدراسة بشكل رئيسي على دور
الأجهزة الاستخباراتية في هذه الدول في التصدي لذلك الخطر، خاصة مكتب «حماية
الدستور الألماني» (وكالة المخابرات الداخلية بألمانيا)؛ إذ إن ألمانيا هي من أكثر
الدول استقبالًا للاجئين، كما أنها من أكثر الدول التي عانت من شبح الإرهابين
الخارج من هذه المخيمات، هذه إضافة إلى بعض الدول الأوروبية التي واجهت ذلك.
أولًا: دلالات التغلغل الإرهابي إلى مخيمات اللاجئين
في أوروبا
توجد مخيمات للاجئين في أكثر من 125 دولة حول
العالم، وهناك اعتقاد سائد أن هذه هياكل مؤقتة، كما أن هناك اعتقادًا آخرَ أن
مخيمات اللاجئين هي أماكن آمنة؛ حيث يمكن للذين نجوا من تجربة العنف أو التهديد
بالاضطهاد أن ينتعشوا وينتظروا انتهاء الأعمال العدائية، ويخططوا لكيفية
إرجاع حياتهم؛ لأنه غالبًا ما تكون مخيمات اللاجئين مرادفًا للبؤس، فهي يمكن
أن تصبح أرضًا خصبة للإرهاب؛ لأن أكثر قليلًا من نصف عدد اللاجئين في العالم هم
أصغر من 18 عامًا، وهؤلاء هم أكثر عُرضةً للانضمام إلى الجماعات الإرهابية من كبار
السن، كما أن الإقامة المفتوحة في هذه المخيمات توفر فرصًا لتجنيد للإرهابيين ومقاتلي
العصابات (1).
للمزيد.. سياسات الاتحاد الأوروبي الأمنية والاستخباراتية لمواجهة
التهديدات الإرهابية
هناك عدد من الأسباب يجعل طريقة تجنيد التنظيمات
الإرهابية للاجئين أمرًا ممكن حدوثه، منها أن أغلب اللاجئين جاؤوا من مناطق تشهد
صراعًا مثل سوريا والعراق وأفغانستان؛ لذلك فهم يعانون من ويلات الحرب والمجاعات
والفقر.
كما تعمل الجماعات الإرهابية أيضًا في نشر أفكارها
ومخططاتها داخل صفوف اللاجئين، على استغلال البعد الإنساني؛ بسبب حالة اليأس وخيبة
الأمل التي واجهت هؤلاء الفارين من بلدانهم خلال الحرب ورحلة اللجوء، ووفقًا
للدراسة التي نشرها مرصد الإفتاء والفتاوى التكفيرية، فإن «داعش» يستفيد من كون
اللاجئين أشخاصًا غير معروفين لدى أجهزة الأمن؛ ليدس عناصره بينهم دون أن تكون لأيٍّ
منهم معلومات مسبقة، أو سجل إرهابي حول طبيعة نشاط هذه الخلايا المتناهية الصغر
المندسة بين اللاجئين (2).
وأدى ضعف الرقابة على الحدود الأمنية سواء برًّا
أو بحرًا لبعض دول الاتحاد الأوروبي إلى تزايد ظاهرة اندساس الإرهابين في صفوف
اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين، ويلجأ بعض الإرهابيين أيضًا إلى شراء تذكرة سفر
على الخطوط الجوية باستخدام وثائق مزورة أو مسروقة، باعتبار أنهم للاجئين، وهذا
أدى إلى انتشارهم في البلدان الأوروبية التي فتحت أذرعها لاستقبال طالبي اللجوء.
ومن الأدلة التي تشير إلى علامات إرهابية موجودة
بين اللاجئين الذين انتقلوا إلى دول أوروبية، أن الشرطة اليونانية كشفت في أكتوبر
2018، ما لا يقل عن 120 متطرفًا ضمن المهاجرين الجدد يتمركز غالبيتهم في معسكر
«موريا» بجزيرة «ليسبوس» (جزيرة يونانية بشمال بحر إيجه)، ورغم عدم إدراج أسمائهم
من قبل على لائحة الإرهاب التي وضعها الاتحاد الأوروبي، فإن شكوى رفقائهم هي التي
كشفتهم (3).
وفي 3 أكتوبر 2015 استقرت سفينة تركية على جزيرة
«ليروس» اليونانية، واحتوت على ما يقارب من 200 لاجئ كان من بينهم عنصران داعشيان،
يحملان جوازات سفر سورية بأسماء وهمية، ثبت فيما بعد قيامهما بالتفجير الانتحاري
الذي استهدف ملعبًا فرنسيًّا، ضمن سلسلة الأحداث الدموية التي ضربت العاصمة باريس
في نوفمبر 2015، وشهدت الجزيرة اليونانية هبوط عدد من العناصر الذين تورطوا بعد
ذلك في عمليات إرهابية في أوروبا، ومنهم «عبدالحميد أباعود» المتورط بكونه العقل
المدبر لهجمات نوفمبر في باريس، والتي راح ضحيتها 137 شخصًا، والداعشي السويدي «أسامة
كريم»، والذي يعد المتهم الثاني في التفجير الذي ضرب محطة مترو «مالبيك» بالعاصمة
البلجيكية «بروكسل» في 22 مارس 2016.
وأعلنت الشرطة الأوروبية «اليوروبول» في يناير
2016، أن تنظيم «داعش» أنشأ مخيمات تدريب قريبة من دول الاتحاد الأوروبي والبلقان؛
لإعداد مقاتلين على غرار القوات الخاصة؛ من أجل تنفيذ هجمات في المملكة المتحدة أو
بلدان أخرى، موضحةً أنه يمكن لتلك المجموعات أن تستهدف اللاجئين الحقيقيين، الذين
فروا إلى أوروبا، وتجندَهم وتحولَهم إلى «ذئاب منفردة»؛ بسبب حالة اليأس وخيبة
الأمل، التي أصيبوا بها خلال الحرب ورحلة اللجوء، إضافة لذلك كشفت السلطات
الألمانية وجود نحو 300 محاولة مسجلة لتجنيد اللاجئين(4).
وعند النظر مرة أخرى إلى مخيمات اليونان تحديدًا
«مخيم موريا» الذي يقع على جزيرة «ليسبوس» اليونانية، نجد أن هناك أفرادًا تابعين
لـ«داعش» عملوا على نشر أفكارهم المتطرفة في أواخر شهر مايو 2018، وتم العلم عن
ذلك من خلال الأكراد القانتين بهذا المخيم(5).
ويرجع هذا إلى أن مخيم «موريا» تحديدًا ينتشر بها
عناصر داعشية؛ لأن اللاجئين الموجودين به قادمون من مدينة «دير الزور» (آخر معاقل
داعش في سوريا) وهم من المؤيدين لـ«داعش»، وصل عددهم على مدار الشهور الأخيرة نحو
600 شخص، وهو ما بعث القلق في نفوس لاجئي مخيم «موريا»، خاصة الأكراد منهم.
وأعلنت الشرطة النرويجية أيضًا في يونيو 2015، أن
1% من طالبي اللجوء المتدفقين إلى شمال أوروبا لهم صلات بالإرهاب؛ حيث اتضح أن 10
أشخاص على الأقل من مجموعة تضم 1000 شخص أوصت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين
النرويج باستقبالهم، كانوا مرتبطين ارتباطًا وثيقًا بجهات إرهابية(6).
وفي سبتمبر 2015، تمكن أكثر من 4000 من مقاتلي «داعش»
من التسلل إلى دول الاتحاد الأوروبي في شكل لاجئين، وأكد ذلك الأمر عضو في التنظيم
الإرهابي، قائلًا : إن مقاتلي داعش انضموا إلى جموع اللاجئين المتزاحمة في
مينائي مدينتي أزمير ومرسين؛ بحيث ينطلقون عبر المتوسط إلى إيطاليا، وبعد ذلك
يتوجه مقاتلو التنظيم إلى دول أخرى، خاصة إلى السويد وألمانيا، وأوضح
المقاتل الداعشي، أن تسلل المقاتلين بين صفوف اللاجئين هدفه الأول بداية الانتقام
من الضربات الجوية التي يقوم بها الائتلاف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، ثم عمل
التنظيم على إقامة الخلافة(7).
للمزيد.. الاستخبارات ومكافحة الإرهاب .. الفاعلية وإعادة الهيكلة
وحذر الأمين العام لحلف الناتو «ينس شتولتنبرغ» من
خطر تمدد «داعش» عن طريق تسلل أفراده إلى أوروبا من خلال الهجرة غير الشرعية، وعبر
التخفي وسط جموع اللاجئين الغفيرة، موضحًا أن ذلك الأمر هو أشبه بهجرة عكسية الآن
من الشرق الأوسط إلى أوروبا؛ للقيام بهجمات أكثر تركيزًا وكثافة من ذي قبل، وهذا
الأمر يتطلب يقظةً استثنائيةً من كل الأجهزة الأمنية والاستخبارية وحتى العسكرية؛
لأن وصول الإرهابيين مع اللاجئين إلى الاتحاد الأوروبي أمر خطير للغاية؛ نظرًا
لصعوبة التثبت من انتماء الأشخاص الوافدين إلى تنظيمات إرهابية، ومثل هذه المهمة
تتطلب «قدرات استخبارية عالية جدًّا، أو مستحيلة».
[1]( Alex P. Schmid, Links between Terrorism
and Migration, international center for counter terrorism, may 2016, p32,
linked in:https://icct.nl/wp-content/uploads/2016/05/Alex-P.-Schmid-Links-between-Terrorism-and-Migration.pdf
2) مرصد الإفتاء في دراسة جديدة: الأوضاع الإنسانية الصعبة
للاجئين تدفعهم نحو «داعش»، موقع دار الإفتاء المصرية، 31 يوليو 2018، متاح على:http://www.dar-alifta.org/ar/Viewstatement.aspx?sec=media&ID=5945
3( Anoosha Boralessa, Greece detects the
massive arrival of jihadists, VOLTAIRE NETWORK | 14 OCTOBER 2018, linked at: http://www.voltairenet.org/article203458.html
4)10.000 refugee children are missing, says
Europol, the gurdian site, 30 jan2016, linked at:https://www.theguardian.com/world/2016/jan/30/fears-for-missing-child-refugees
5 (Anna Lekas Miller, Salem Rizk, ATTACKS ON KURDS IN A GREEK
CAMP RAISE FEARS THAT CONFLICT
IN SYRIA HAS FOLLOWED
REFUGEES ABROAD, the intercept site,
July 25 2018, linked
at: https://theintercept.com/2018/07/25/lesbos-moria-kurdish-refugees-isis/
6) «داعش» يستغل أزمة اللاجئين للتسلل إلى الدول الإسكندنافية، موقع
روسيا اليوم، يونيو 2015، متاح على: https://goo.gl/vX4k74
7 (AARON BROWN, 'Just wait…' Islamic State reveals it has
smuggled THOUSANDS of extremists into Europe, sunday express site, Nov 19,
2015, linked at: https://www.express.co.uk/news/world/555434/Islamic-State-ISIS-Smuggler-THOUSANDS-Extremists-into-Europe-Refugees





