ad a b
ad ad ad

سياسات الاتحاد الأوروبي الأمنية والاستخباراتية لمواجهة التهديدات الإرهابية

الإثنين 08/أكتوبر/2018 - 10:32 م
المرجع
د. مبارك أحمد
طباعة

منذ إعلان تنظيم «داعش» قيام خلافته المزعومة في العراق وسوريا في يوليو 2014، بزعامة «أبوبكر البغدادي»، أضحت الدول الأوروبية تعاني تغيرات ملموسه في إدراكها مصادر تهديد أمنها القومي، في ظلِّ التحاق عدد كبير من الشباب الأوروبي بالتنظيمات الإرهابية في مناطق الصراعات المسلحة، فضلًا عن قيام المنتمين إلى التنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها «داعش» بتنفيذ العديد من العمليات الإرهابية داخل العمق الأوروبي، واستهداف العواصم الأوروبية الكبرى مثل باريس وبروكسل، ولندن، وغيرها، ومن ثم أصبحت المدن الكبرى في مرمى عمليات التنظيم وذئابه المنفردة التي انتشرت في المجتمعات الأوروبية.


سياسات الاتحاد الأوروبي

ومع تزايد مصادر التهديدات للأمن الأوروبي اتجه الاتحاد الأوروبي، من خلال مؤسساته المتنوعة لتعزيز استراتيجياته الأمنية والاستخباراتية؛ لمواجهة التغيرات النوعية في طبيعة العمليات الإرهابية، بعدما نجحت التنظيمات الإرهابية في توظيف وسائل التواصل الاجتماعي لتجنيد الشباب الأوروبي المهمش، والذي يبحث عن بطولات وأمجاد زائفة، أو من خلال استغلال عمليات الهجرة واللجوء للدول الأوروبية، ليتسلل الإرهابيون إلى الداخل الأوروبي، فضلًا عن بروز قضايا ترتبط بالتمويل وتداعيات المقاتلين العائدين من بؤر الصراعات على الأمن الأوروبي، وسياسات الدمج أو الاحتواء والمناصحات الفكرية وحدود تأثيرها على معتنقي الفكر المتطرف والإرهابي في أوروبا.


وتأسيسًا على ما سبق تسعى الدراسة لتحليل سياسات الاتحاد الأوروبي الأمنية والاستخباراتية لمواجهة التهديدات الإرهابية؛ ولذلك تنقسم الدراسة إلى 3 محاور رئيسية، الأول: يتناول التشريعات الأوروبية الأمنية والاستخباراتية في مجال مكافحة الإرهاب، والمحور الثاني: يتناول سياسات الاتحاد الأوروبي الأمنية والاستخباراتية لمواجهة التهديدات الإرهابية، فيما يتناول المحور الثالث والأخير: التحديات التي تواجه الاتحاد الأوروبي وتقوض نتائج سياساته الأمنية والاستخباراتية.


سياسات الاتحاد الأوروبي

أولًا: التشريعات الأوروبية الأمنية والاستخباراتية في مجال مكافحة الإرهاب

تعددت التشريعات الأمنية والاستخباراتية الرامية لمكافحة التهديدات الإرهابية؛ حيث تبرز في هذا المجال الاتفاقية الأوروبية لمكافحة الإرهاب والتي تعود إلى عام 2005، وتمثل الدافع الرئيسي للدول الأعضاء بمجلس أوروبا لإبرام هذه الاتفاقية في السعي نحو اتخاذ تدابير فاعلة لمكافحة الإرهاب والتصدي للاستفزاز العلني، لارتكاب جرائم إرهابية والتجنيد والتدريب من أجل الإرهاب.


وتنص الاتفاقية على أن الهدف من هذه الاتفاقية يرتبط بتعزيز جهود جميع الأطراف؛ من أجل منع الإرهاب وآثاره السلبية على منظومة حقوق الإنسان، لاسيما الحق في الحياة، وذلك باتخاذ التدابير على المستوى الوطني وفقًا للمعاهدات والاتفاقات في هذا الإطار.


كما تلتزم الاتفاقية كل طرف باتخاذ التدابير المناسبة خاصةً في مجال تكوين سلطات تطبيق القانون والهيئات الأخرى وفي مجال العلم والثقافة والإعلام وتحسين الرأي العام؛ من أجل منع الجرائم الإرهابية، وفي ظلِّ احترام حقوق الإنسان.


أما فيما يخص العقوبات والتدابير تنص بنود اتفاقية مجلس أوروبا حول مكافحة الإرهاب على اتخاذ الأطراف المعنية التدابير الضرورية لفرض عقوبات فاعلة ورادعة في الجرائم المنصوص عليها بالاتفاقية، في ظلِّ احترام حقوق الإنسان، لاسيما الحق في حرية التعبير والمعتقد.


وتقضي المادة 13 من هذه الاتفاقية باتخاذ التدابير الضرورية لحماية ضحايا الإرهاب، من خلال خطط وطنية وطبقًا للتشريعات المحلية.


وتنص الاتفاقية أيضًا على واجب التحقيق، واتخاذ الطرف المعني للتدابير الضرورية بموجب قانونه الداخلي للتحقيق في الوقائع التي تتضمنها المعلومات المتوفرة؛ لغرض المتابعة وتسليم الإرهابيين مع السماح بالاتصال بالممثل الأنسب للدولة وفقًا لقوانين وأنظمة الطرف الذي يوجد بإقليمه مرتكب الجريمة([1]).


وفي ظلِّ تزايد التهديدات الإرهابية، وتنامي عمليات الهجرة غير المشروعة للدول الأوروبية بعدما عرف بأحداث الربيع العربي، وافق الاتحاد الأوروبي في أكتوبر 2015 على البروتوكول الإضافي لاتفاقية مجلس أوروبا بشأن مكافحة الإرهاب، والذي يُجرّم الانتساب إلى المجموعات والمنظمات الإرهابية، والسفر لأغراض القتال والمشاركة في معسكرات تدريب وتجنيد وتنظيم سفر المقاتلين ودعمهم ماديًّا.


وبموجب البروتوكول ينبغي على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تبادل المعلومات الاستخباراتية، وإنشاء مراكز اتصال تعمل على مدار الساعة؛ من أجل تحقيق التعاون المنشود.([2])


ويهدف البروتوكول إلى تحقيق توافق بين قوانين الدول الأعضاء في مكافحة الإرهاب والتعاون والتنسيق بينها؛ حيث جرى إعداده على خلفية التهديد الذي يمثله المقاتلون من مواطني أوروبا العائدين إلى بلدانهم، بعد مشاركتهم في العمليات القتالية في صفوف التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق، ومن بينها تنظيم «داعش» الذي مثّل بيئةً حاضنة لهؤلاء المقاتلين وللذئاب المنفردة، التي قامت بتنفيذ عمليات إرهابية داخل العُمق الأوروبي الذي ظلَّ بعيدًا عن الاستهداف الإرهابي المتكرر.


كما أن الموافقة الأوروبية على تدشين البروتوكول تعكس الاستجابة لتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2178 لعام 2014، الذي يحمل عنوان «الأخطار التي تهدد السلم والأمن جراء أعمال الإرهاب الدولي؛ من أجل مكافحة الإرهابيين من المسلحين الأجانب على المستوى الإقليمي»، وذلك بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.


وكان مجلس الأمن الدولي قد تبنّى بالإجماع في سبتمبر 2014 القرار رقم 2178 الذي يدعو لوقف تدفق المقاتلين الأجانب عبر الحدود إلى دول العالم، وخاصةً إلى سوريا والعراق، وشدد القرار على الضرورة الملحة للتنفيذ الكامل والفوري لأحكامه فيما يتعلق بالمقاتلين المرتبطين بتنظيمي «داعش» وجبهة النصرة وغيرهما من خلايا تنظيم «القاعدة»، أو الجماعات المرتبطة به، أو المنشقة عنه.


وعرف مجلس الأمن الدولي في قراره المقاتلين الأجانب على أنهم «أولئك الأفراد الذين يسافرون إلى دولة غير التي يُقيمون فيها، أو يحملون جنسيتها؛ بغرض ارتكاب أعمال إرهابية، أو تدبيرها، أو الإعداد لها، أو المشاركة فيها، أو توفير تدريب على أعمال الإرهاب أو تلقي ذلك التدريب».([3])


وقد صادقت فرنسا على التعديلات التي أدخلت على معاهدة مجلس أوروبا الرامية إلى التصدي إلى المقاتلين الإرهابيين الأجانب في أغسطس 2017، وهي التعديلات التي دخلت حيز التنفيذ رسميًّا في الأول من يوليو 2017.


وتعد باريس هي العاصمة الأوروبية الثامنة -حتى أغسطس 2017- التي صادقت على تلك المعاهدة التي تضيف إلى لائحة الجرائم الإرهابية عددًا آخر منها: تمويل الإرهاب، وتلقي تدريب على الإرهاب، والانتقال إلى الخارج لممارسة الإرهاب.


وكان يتعين أن تصادق 6 دول من المجلس الأوروبي حتى تدخل حيز التطبيق، وهو ما تحقق في الأول من يوليو 2017، وصادقت عليها كل من ألبانيا، والبوسنة، والدنمارك، وإيطاليا، وليتوانيا، وموناكو، ومولدافيا([4]).


أما على مستوى التشريعات الوطنية فإن الدول المحورية داخل الاتحاد الأوروبي اتجهت نحو إقرار تشريعات وطنية تعزز من الإجراءات الأمنية والاستخباراتية؛ لمواجهة التهديدات الإرهابية، وتغيراتها النوعية.


وأقر مجلس الشيوخ الفرنسي مشروع قانون جديد لمكافحة الإرهاب، طرحته الحكومة الفرنسية كبديل لقانون الطوارئ ليصبح ساريًا اعتبارًا من نوفمبر 2018؛ حيث أفادت وكالة «فرانس برس» بأن 229 نائبًا أعربوا عن دعمهم نص مشروع القانون في القراءة الأولى، مقابل 106 معارضين، مضيفةً أن المشروع يحظى بتأييد من أعضاء حزب الجمهوريين، وأحزاب الوسط، وحزب «الجمهورية إلى الأمام» الذي يترأسه رئيس البلاد إيمانويل ماكرون، وكتلة «التجمع الديمقراطي والاجتماعي الأوروبي»، بينما أكد النواب الاشتراكيون والشيوعيون، علاوة على سيدتين عضوين سابقتين في كتلة الحضر التي انحلت، رفضهم للمشروع.


وصادق مجلس الشيوخ الفرنسي في يوليو 2017 على التعديلات التي أجرتها لجنة القوانين وتقضي بتوسيع صلاحيات أجهزة الأمن؛ إذ تسمح لها باتخاذ إجراءات فردية للضبط الإداري، والمراقبة، وتفتيش المنازل، وتنفيذ المصادرات إلى ذلك، كما يثبت المشروع نظامًا لمتابعة بيانات ملفات المسافرين جوًّا، إضافة إلى تحديد إطار قانوني جديد لمراقبة الاتصالات اللاسلكية، وتوسيع إمكانات الضبط في المناطق الحدودية([5])


وفي بريطانيا تبنت الاستراتيجية البريطانية الجديدة لمكافحة الإرهاب التي أعلنها وزير الداخلية البريطاني ساجد جاويد في الرابع من يونيو 2018 الإجراءات المعدلة لمكافحة الإرهاب للتصدي لما وصفه بتغير طبيعة الإرهابيين.


وتشتمل الاستراتيجية على ركائز أساسية، أبرزها التوجه نحو بناء علاقات أقوى مع شركات التكنولوجيا، والتعاون في تبادل المعلومات بين جهاز الأمن «إم أي 5» والشرطة والسلطات المحلية، وكذلك القطاع الخاص، حول 20 ألف مواطن بريطاني مشتبه بميلهم إلى الإرهاب.


وذكر وزير الداخلية البريطاني أن من بين التدابير الهادفة إلى تعزيز الأمن في البلاد وفقًا للاستراتيجية الجديدة ترتبط بزيادة مدة السجن لبعض الجرائم وتوسيع الإجراءات ضد اليمينيين المتطرفين، باعتبار أنهم يشكلون مع المتطرفين الإسلاميين أكبر تهديد، لاسيما أن المخاطر النابعة من ممارساتهما آخذه في التزايد، خاصةً أن «داعش» والجناح اليميني المتطرف أكثر تشابهًا مما يعتقد البعض، فهم يستغلون المظالم ويشوهون الحقيقية، ويقوضون قيم الحرية في بريطانيا.


كما أعلن جاويد عن تخصيص أكثر من 50 مليون جنيه إسترليني ليبلغ إجمالي الميزانية الخاصة بمكافحة الإرهاب 750 مليون جنيه إسترليني.


وتفعيلًا للاستراتيجية الجديدة فإنها سترتكز على تشريع جديد لتمكين الشرطة والمؤسسات الأمنية من إحباط الهجمات الإرهابية مبكرًا؛ حيث سيتضمن ذلك التشريع تحديث قائمة الجرائم المصنفة إرهابية لتتماشى مع العصر الرقمي، وتعكس النماذج الحالية من التطرف، إضافة إلى تشديد العقوبات على الجرائم الإرهابية، والتمكين من التحقيق في الهجمات الإرهابية التي تقع بالخارج في المحاكم البريطانية([6]).


أما في ألمانيا فقد شهدت خلال عام 2016 إقرار مجموعة من القوانين الرامية لمكافحة الإرهاب، والتي تتيح للسلطات الأمنية توجيه ضربات استباقية للشبكات الإرهابية، تضم إجراءات بدس المخبرين السريين في صفوف الجماعات المتشددة والشبكات الإرهابية، ومكافحة الجريمة المنظمة مع التركيز على عصابات تهريب البشر والأسلحة، وكذلك تبادل المعلومات على نطاق واسع مع الوكالات الاستخبارية الحليفة والأجنبية.


وشملت إجراءات مكافحة الإرهاب زيادة سلطات الشرطة لنشر ضباط بملابس مدنية، واعتمدت الاستخبارات الألمانية نظامًا جديدًا لتقييم الخطرين، يُطلق عليه اسم (رادار داعش).([7])


سياسات الاتحاد الأوروبي

ثانيًا: سياسات الاتحاد الأوروبي الأمنية والاستخباراتية لمواجهة الإرهاب

تنوعت سياسات الاتحاد الأوروبي الأمنية والاستخباراتية؛ لمواجهة التهديدات الإرهابية في أوروبا، وذلك من خلال تكاتف وتكامل جهود مؤسساته وأهمها:

1-    المفوضية الأوروبية: كشفت المفوضية الأوروبية خطة أمنية للفترة (2015-2020) لدعم التعاون بين الدول الأوروبية في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والجرائم الإلكترونية، وتقوم الخطة وفقًا للمفوضية على تحديد الأدوات والتدابير الملموسة التي ستستخدم في العمل المشترك لضمان الأمن والتصدي لتلك التهديدات الأكثر إلحاحًا على نحو أكثر فعّالية، كما أنها ستُنشئ مركزًا لجمع ونشر الخبرات حول مكافحة التطرف، وتوفير إطار قانوني للتعامل مع ظاهرة المقاتلين الأجانب، وتكثيف التعاون مع البلدان الأخرى بشأن هذه القضية، كما تتبنى الخطة الأوروبية وضع تشريع جديد لمكافحة تمويل الإرهاب، وتحسين مصادرة الممتلكات الناجمة عن الأنشطة الإجرامية، وتماشيًا مع دعم المفوضية الأوروبية للجهود الأمنية والاستخباراتية للتعامل مع التهديدات الإرهابية اعتمدت المفوضية في يناير 2015 تدابير جديدة، تتعلق بالتعامل في نظام المعلومات لمنطقة شنجن التي يسمح فيها بحرية الحركة للمواطنين الأوروبيين، وتتضمن هذه التدابير السماح بتبادل سريع للمعلومات بين سلطات إنفاذ القانون، وأجهزة أمن الدولة، وحرس الحدود في الدول الأعضاء، خاصةً فيما يتعلق بالأشخاص المشتبه في علاقاتهم بالإرهاب، وتشير المفوضية إلى أن التدابير الجديدة تعزز من جهود الدول الأعضاء لاكتشاف بطاقات الهوية للأشخاص الذين يخططون للانضمام إلى جماعات إرهابية في خارج التكتل الأوروبي الموحد، بما يُسهم إلى حدٍّ كبير في مراقبة الحدود بشكل أكثر فاعلية، وهو ما تسعى المفوضية لتحقيقه بالتعاون مع الدول الأعضاء لتعزيز أمن الحدود في إطار قانوني لمواجهة التهديدات الإرهابية([8]).


2-   البرلمان الأوروبي: وافقت لجنة الحريات والحقوق الأساسية في البرلمان الأوروبي في ديسمبر 2015 على إنشاء قاعدة بيانات للمسافرين جوًّا من وإلى الاتحاد الأوروبي، وذلك عقب فترة من المعارضة والنقاش والخلافات بين ممثلي دول الاتحاد والتي استمرت ما يقرب من 5 سنوات، في ظلِّ تنامي المخاوف بشأن خصوصية البيانات، حتى وقعت هجمات باريس الإرهابية، التي أعطت مبررات لهذه الإجراءات، لاسيما أن عددًا من المؤسسات والحكومات الأوروبية وجدت فيها ضرورة ملحة؛ من أجل تأمين معالجة شاملة وفاعلة لمشكلة تعقب تحركات الإرهابيين، وينص الاتفاق على الاحتفاظ بمعطيات كل المسافرين جوًّا في أوروبا لمدة 6 أشهر، ووضعها في قواعد بيانات يمكن للسلطات المختصة الاطلاع عليها، في إطار تحقيقات تتعلق بالإرهاب والجرائم العابرة للحدود.


وفي فبراير 2018 صوَّت أعضاء البرلمان الأوروبي في لجنة الشؤون الخارجية لصالح مشروع قرار يتضمن طرقًا جديدةً لمنع وصول الأموال إلى الإرهابيين، ويشدد على ضرورة تبادل المعلومات الاستخباراتية بشكل أكثر اتساقًا بين الدول الأعضاء، وأيضًا تتبع المعاملات المالية بشكل أوثق، وصوت 55 عضوًا لصالح المقترحات الجديدة، بينما اعترض برلماني واحد، وامتنع 5 نواب عن التصويت.


وقال البرلماني خافيير نارت، صاحب مشروع القرار: «لقد اعتمدنا نهجًا جديدًا يهدف إلى قطع الطريق على تحويل الأموال إلى الجماعات الإرهابية»، ولعل أبرز المقترحات في هذا الصدد هو وجود منصة معلومات مشتركة، ومركز تنسيق لخدمات الاستخبارات، والتحقق من بطاقات السحب الآلي المجهولة، وتسجيل الحوارات والممارسات المماثلة، ورصد الأموال التي تتلقاها المراكز الثقافية ودور العبادة، وفي يناير 2018 جرى التصويت داخل لجنة الحريات المدنية بالبرلمان الأوروبي، وأسفر عن موافقة 47 عضوًا في مقابل اعتراض 6 أعضاء، حول مقترح يتعلق بالسجلات الجنائية؛ حيث وافقت لجنة الحريات على خطط لإقامة قاعدة بيانات مركزية جديدة للمواطنين الذين ينتمون إلى دول من خارج الاتحاد الأوروبي؛ وذلك بهدف استكمال النظام الأوروبي لمعلومات السجلات الجنائية الذي تستخدمه الدول الأعضاء لتبادل المعلومات حول الإدانات السابقة([9]).


3-   مجلس وزراء الداخلية والعدل في الاتحاد الأوروبي: اتفق وزراء الداخلية والعدل في الاتحاد الأوروبي في نوفمبر 2015 على تعزيز استجابة العدالة الجنائية للتطرف العنيف، الذي يؤدي للإرهاب، وأشار الوزراء -في ختام المناقشات حول هذا الملف جرت في بروكسل- إلى أن التطرف يؤدي إلى الإرهاب؛ ما يثير العديد من التحديات التي يجب أن تعالج على المستوى القضائي من خلال تنسيق مشترك وفقًا للمعاهدات، واتفق الوزراء على ضرورة اتباع نهج متعدد القطاعات والتخصصات للتصدي بفاعلية للتطرف العنيف والإرهاب، مع الأخذ في الاعتبار جميع الجوانب المختلفة، مثل الوقاية، والتحقيق، والمحاكمة، والإدانة، وإعادة التأهيل، وإعادة الدمج، كما اتفق مجلس وزراء الداخلية والعدل، على زيادة التعاون لتعزيز استخدام وسائل مواجهة تهريب الأسلحة النارية لمكافحة الإرهاب([10]).


4-   الشرطة الأوروبية «يورو بول»: تعتبر وكالة يوروبول التي بدأت مهامها في يوليو 1999 من أبرز الوكالات الأوروبية المعنية بتطبيق القوانين وحفظ الأمن في أوروبا، عن طريق تقديم الدعم للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في مجالات مكافحة الجرائم الدولية الكبيرة والإرهاب.


وتعمل بشكل وثيق مع أجهزة أمن دول الاتحاد الأوروبي ودول من خارج الاتحاد منها أستراليا، وكندا، والولايات المتحدة الأمريكية، والنرويج، وتقدم خدمات إلى الوكالات الاستخباراتية؛ لتجنب وقوع الجرائم والتحقيق فيها في حال وقوعها، وتعقب وإلقاء القبض على مرتكبيها.


ويأتي العاملون في اليوروبول من فروع أمنية أوروبية مختلفة، بما في ذلك أجهزة الشرطة العادية، وشرطة الحدود، وشرطة الجمارك([11]).


وتمثلت أحدث العمليات التي نفذتها اليوروبول (هي وكالة تطبيق القانون الأوروبية) في أبريل 2018 من خلال توجيهها ضربة مؤثرة ضد دعاية تنظيم «داعش» على شبكة الإنترنت؛ حيث استهدف المختصون في مجال الإنترنت في مختلف الدول الأوروبية، وكندا، والولايات المتحدة الأمريكية مواقع التنظيم على الإنترنت، بما في ذلك وكالة أخبار أعماق، التي يُنظر إليها على أنها الناطق الرسمي باسم التنظيم.


وقد نسقت يوروبول ضربة متزامنة من قبل الأطراف المشاركة كافة، ونجحت في الاستيلاء على الأدلة والخوادم الرقمية لها، من جانبه قال رئيس يوروبول، روب ويينرايت: إن العملية الأخيرة التي جرت يومي 24،25 أبريل 2018 أحدثت فجوة كبيرة في قدرة تنظيم داعش على نشر دعايته والترويج لنفسه، ودفعه الشباب نحو التطرف، وقادت وحدة التوجيه عبر الإنترنت لمكافحة الإرهاب في بريطانيا عملية تحديد وإعادة توجيه مواقع الإنترنت التي استخدمها جهاديو التنظيم، وذلك حسب بيان يوروبول([12]).


5-   تشكيل قوات الأورورفورس: وهي عبارة عن قوة خاصة يمكنها التدخل برًّا وبحرًا لاعتبارات أمنية وإنسانية تقررها القيادة العامة لهذه القوات التي تشكلت عام 1996 بقرار من الدول الأوروبية الأربع المطلة على حوض البحر الأبيض المتوسط: فرنسا، وإيطاليا، والبرتغال، وإسبانيا، وتتشكل من قوات برية، وأخرى بحرية مهمتها حماية أمن واستقرار الحدود الجنوبية الأوروبية([13]).


6-   إنشاء وكالة فرونتكس: وهي هيئة مستقلة، مكلفة بتنسيق التعاون العملياتي بين الدول الأعضاء في ميدان حماية الحدود، أنشأها الاتحاد الأوروبي في أكتوبر 2004 في إطار تشديد الحراسة على الحدود الأوروبية؛ للحدِّ من الهجرة غير المشروعة.


وتتمثل أبرز مهامها في التنسيق والتعاون العملياتي بين الدول الأعضاء في مجال إدارة الحدود الخارجية، ومساعدة الدول الأعضاء على تدريب حرس الحدود، وتطوير الأبحاث ذات الصلة بالسيطرة على الحدود الخارجية ومراقبتها، ومساعدة الدول الأعضاء في الظروف التي تستدعي زيادة الدعم التقني والعملياتي على الحدود، وتزويد الدول الأعضاء بالدعم اللازم في تنظيم عمليات العودة المشتركة([14]).

 


سياسات الاتحاد الأوروبي

ثالثًا: التحديات التي تواجه الاتحاد الأوروبي

تتنوع التحديات التي تواجه مؤسسات الاتحاد الأوروبي والتي تقوض جهودها الأمنية والاستخباراتية لمواجهة الإرهاب، وهو ما يمكن إجماله في العناصر التالية:


1-   أزمة المقاتلين العائدين: تتعدد الإحصاءات فيما يخص أعداد المقاتلين الأوروبيين في صفوف التنظيمات الإرهابية، أقلها أنهم يقدرون بنحو 4000 مقاتل، موزعين بين روسيا، وفرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، وبلجيكا، والسويد، وغيرها من الدول الأوروبية، في حين تشير تقديرات أخرى إلى أنهم يصلون إلى 90 ألف مقاتل أجنبي في صفوف التنظيمات الإرهابية، غير أن الحقيقة المؤكدة بأن اختلاف الإحصاءات وعدم القدرة على معرفة أعدادهم بشكل دقيق تعكس معضلة حقيقية لكيفية مواجهتهم، والحد من مخاطرهم على الأمن والاستقرار الأوروبي بما يمثل تحدّيًا أمام الجهود الأوروبية الأمنية والاستخباراتية، لاسيما فيما يرتبط بالأجيال الجديدة، أو من وصفهم داعش بـأشبال الخلافة، وهم من أبناء المقاتلين في صفوفه، والذي يراهن عليهم التنظيم كذئاب منفردة حال عودتهم إلى مواطنهم الأصلية.


وهو الأمر الذي أكدته تقارير وكالة الشرطة الأوروبية (يوروبول) الصادرة في يونيو 2018، عندما أشارت إلى أن الهجمات الإرهابية ضد أهداف أوروبية زادت بأكثر من الضعف عام 2017، وحذرت الوكالة من خطر شن تنظيم داعش وتكثيف هجماته على أهداف أوروبية في أعقاب هزيمته في منطقة الشرق الأوسط.


وكشفت تقارير «يوروبول»، أن المزيد من المقاتلين الأجانب سيحاولون العودة إلى أوروبا؛ لذلك تخشى الحكومات الغربية من ارتداد الإرهاب إليها وعودة آلاف الإرهابيين الذين شجعتهم على الذهاب إلى سوريا؛ حيث يطلق الكثير من المسؤولين الأوروبيين تحذيرات لتدارك مخاطر عودة هؤلاء لنشر الفكر المتطرف بين الشباب، وتنفيذ اعتداءات إرهابية وجرائم في المدن الأوروبية التي اعتادت على مساحات حرية واستقرار في طريقهما للتقويض ([15]).


2-   تمايز السياسات الأوروبية في مواجهة الإرهاب والتطرف: تتمايز السياسات الأوروبية الرامية لمواجهة التهديدات الإرهابية، ما بين تشريعات وطنية للدول وأخرى لمؤسسات الاتحاد الأوروبي.


لذلك جاء مشروع القرار الذي طُرح داخل البرلمان الأوروبي في فبراير 2018 فيما يخص الطرق الجديدة لمنع التمويل عن الإرهابيين؛ ليدعو إلى ضرورة أن يتحرك مجلس الاتحاد الأوروبي والمفوضية الأوروبية ولجنة العمل الخارجي الأوروبي على مسارات متعددة ومتكاملة، أبرزها: تعزيز تبادل المعلومات الاستباقية، والتنسيق بين المؤسسات المالية ووكالات إنفاذ القانون، والاستخبارات، والهيئات القضائية من خلال منصة استخباراتية مالية أوروبية لمكافحة الإرهاب، ويمكن أن تديرها وكالة الشرطة الأوروبية «يوروبول».


وتشمل قاعدة بيانات عن المعاملات المشبوهة، ووضع لائحة بالأفراد والكيانات العاملة في ظلِّ أنظمة مبهمة أو معروفة بالمعاملات المشبوهة، وزيادة مراقبة المنظمات التي تمارس التجارة غير المشروعة والتهريب والتزوير والممارسات الاحتيالية، وإلزام البنوك بمراقبة بطاقات السحب الآلي المدفوعة مسبقًا؛ وذلك لضمان عدم إعادة تحميلها إلا عبر التحويلات المصرفية والحسابات الشخصية، ومراقبة أماكن العبادة والتعليم والمراكز والجمعيات الخيرية والثقافية، إذا كان هناك اشتباه معقول في ارتباطها بالجماعات الإرهابية، وأخيرًا تحسين الرقابة على الطرق التقليدية لتحويل الأموال، وأيضًا تقييم ما إذا كانت العملات الافتراضية والتشفيرية وغيرها تساعد في تمويل الإرهاب، وينبغي أن تنظمها قواعد الاتحاد الأوروبي( [16]).


3-   ضعف التنسيق الأمني بين دول الاتحاد الأوروبي: يمثل ضعف التنسيق الأمني بين دول الاتحاد الأوروبي أحد التحديات التي تواجه السياسات الأمنية والاستخباراتية لمؤسسات الاتحاد، فوفقًا لوكالة اليوروبول، فإن الكثير من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لم يتم إيصالها بقواعد البيانات وتبادل المعلومات التي أنشأتها الوكالة، والتي تشير تقديراتها إلى أنه سافر نحو 5000 مواطن من الاتحاد الأوروبي إلى مناطق القتال في سوريا والعراق، لكنّه لم يتم تسجيل سوى 2786 مقاتلًا إرهابيًّا أجنبيًّا في قاعدة بياناتها، كما أن أكثر من 90 في المائة من هؤلاء المقاتلين الذين ينحدرون من دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، ومن ثم تدعو الوكالة إلى ضرورة أن يقوم الاتحاد الأوروبي بتبادل المعلومات الاستخباراتية بصورة أكمل بين جميع أعضائه([17]).


4-   الترابط بين أزمات الشرق الأوسط والتهديدات الإرهابية لأوروبا: يفتقد الاتحاد الأوروبي إلى استراتيجية متكاملة لمواجهة التغيرات التي تحدث في جنوب المتوسط، في ظلِّ تنامي النزاعات الملتهبة من سوريا إلى ليبيا وما يرتبط بها من الحرب ضد الإرهاب، فضلًا عن معضلة اللجوء التي كشفت عن خلل في العمل المؤسسي الأوروبي، ووضعت شعارات منظومة القيم الأوروبية على المحك، فغالبية من خطَّط ونفَّذ اعتداءات باريس وبروكسيل هم من مواليد أوروبا وحملة جنسياتها؛ ولهذا هناك إشكالية مزدوجة في المقاربة تبرز أزمة المواطنة والخلل الذي أصابها بما دفع للانكماش نحو الهوية الحاضنة الدينية أو العرقية بالنسبة إلى الأوروبيين من أصول عربية وأفريقية وآسيوية، ويظهر الفشل الاجتماعي في المدن الأوروبية وضواحيها بالنسبة إلى شريحة من الشباب المهمش وغير المندمج، والذي يأخذ بعضه التدين كوسيلة لطمس الماضي الإجرامي.


لذلك يحدث الانتقال من عالم الجريمة والمخدرات إلى شبكات الإرهاب، ومن هذه الأوساط يتجه الشباب الأوروبي إلى ما يعتبره أراضي الجهاد من أفغانستان إلى البوسنة والجزائر، ثم إلى العراق وسوريا، فقد شكَّل إعلان تنظيم «داعش» للخلافة في 2014 وسيطرته على أراضٍ واسعة ليست بعيدةً عن أوروبا وسيلة لجذب شباب يفتش عن مغامرة أو مؤمن بطرح أيديولوجي عبثي يذهب بعيدًا في عدميته وتفسيراته([18]).


سياسات الاتحاد الأوروبي

الخلاصة:

لاشك أن سياسات الاتحاد الأوروبي الأمنية والاستخباراتية تُسهم في الحدِّ من التهديدات الإرهابية لدول الاتحاد، ومن أبرز هذه الجهود أخيرًا اعتماد البرلمان الأوروبي في أبريل 2018 مقترحًا لمفوضية الاتحاد الأوروبي يتضمن مزيدًا من الشفافية المالية اللازمة لتحسين مكافحة تمويل الإرهاب، وتعطيل تمويل الجماعات الإرهابية، وغسل الأموال والجريمة المنظمة.


كما أعلن المجلس والبرلمان الأوروبي في يونيو 2018 التوصل إلى حلٍّ سياسي حول مقترح المفوضية الأوروبية للعدل والاتحاد الأمني، بشأن تعزيز نظام شنجن لتبادل المعلومات بين الاستخبارات، وحرس الحدود والشرطة؛ ليضمن مراقبة أفضل لمن يعبر حدود الاتحاد الأوروبي، ويساعد قوات الشرطة في القبض على الإرهابيين المرتبطين بتنظيم «داعش».


ورغم تنوع جهود مؤسسات الاتحاد الأوروبي، فإن ثمة تحديات لإزالة تشكل عقبات أمام ترجمة هذه السياسات بين دول الاتحاد، مثل تراجع التنسيق بين الدول الأوروبية، لمواجهة التهديدات الإرهابية، وضعف الرغبة في تطبيق تشريعات الاتحاد، والالتزام بالتشريعات الوطنية.


الهوامش:

1-    اتفاقية مجلس أوروبا حول مكافحة الإرهاب - 12/3/2015، https://bit.ly/2NfsySY

2-       جاسم محمد، مكافحة الإرهاب أمميًّا: قرارات بالجملة وآليات تنفيذ غائبة، 26/10/2015 https://bit.ly/2NdihX8

3-       للرجوع لنص قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2178، والصادر في 24/9/2014 - انظرhttp://www.un.org/ar/documents/viewdoc.asp?docnumber=S/RES/2178(2014

4-    باريس تصادق على معاهدة مجلس أوروبا لمعاقبة المقاتلين الإرهابيين الأجانب -

 10/8/ 2017، https://bit.ly/2Olv3HP

5-    فرنسا: البرلمان يقر بشكل نهائي قانون مكافحة الإرهاب المثير للجدل - 18/10/2017، https://bit.ly/2OA3mLk

6-    د.مبارك أحمد، الاستراتيجية البريطانية الجديدة لمكافحة الإرهاب - 12/8/2018، http://www.almarjie-paris.com/3229

7-    حسن الرماحي، خطة ميركل للقضاء على الإرهاب.. كيف تعاملت برلين مع تنامي المقاتلين الأجانب؟ - 25/8/2018، https://bit.ly/2y7dPUo

8-    عبدالله مصطفى، خطوات أوروبية على طريق مواجهة الإرهاب - 25/8/2017، https://bit.ly/2O18fxu

9-    البرلمان الأوروبي: منصة استخبارات مالية لمكافحة تمويل الإرهاب، 22 فبراير 2018 - https://bit.ly/2IvyIgG

10-                       عبدالله مصطفى، خطوات أوروبية على طريق مواجهة الإرهاب، مرجع سابق.

11-                       تعزيز دور وكالة «اليوروبول» لمكافحة الإرهاب - 2/9/2018 .https://bit.ly/2IymJzf

12-                       الشرطة الأوروبية تنفذ عملية لضرب وسائل إعلام تنظيم الدولة، 27 /4/ 2018 - http://www.bbc.com/arabic/science-and-tech-43925882

13-                       سياسة الاتحاد الأوروبي في مواجهة الهجرة غير الشرعية، 24/4/2017 https://www.politics-dz.com/community/threads/sias-alatxhad-alurubi-fi-muagx-alxgr-ghir-alshryi.6838/

14-                       المرجع السابق.

15-                       جاسم محمد، الإرهاب في أوروبا.. هل حققت استراتيجيات وسياسات المكافحة أهدافها؟ /7/22018، https://bit.ly/2DJ9AVd

16-    عبدالله مصطفى، البرلمان الأوروبي: منصة استخبارات مالية لمكافحة تمويل الإرهاب، مرجع سابق.

17-    الاتحاد الأوروبي.. وجهًا لوجه مع الإرهاب - 27/3/2016، https://bit.ly/2zFqkbE

18- خطار أبودياب، تفجيرات بروكسل: الفشل الأوروبي السياسي والأمني، 26/3/2016 - https://bit.ly/2zVjz5I


"