خطوات ليبية جديدة لمواجهة «إرهاب السوشيال ميديا»

في ظل ما تمر به الدولة
الليبية من أحداث مختلفة في الوقت الراهن، نجدها تعمل بكل أجهزتها المختلفة على محاربة
الإرهاب، ليس فقط على أرض الواقع، وإنما أيضًا من خلال مواجهة التنظيمات الإرهابية
المنتشرة علي مواقع التواصل الاجتماعي التي نجحت في تجنيد العديد من الليبيين، خلال
الفترة الماضية.
وفي هذا الإطار، استضافت مدينة بني غازي الليبية مؤتمر «ليبيا الدولي لمكافحة
الإرهاب الإلكتروني»، في دورته الثالثة التي عقدت تحت عنوان «مكافحة الإرهاب السيبراني
ما بعد داعش»، في الفترة من 5 إلى 7 يوليو الجاري، بمشاركة نخبة من الخبراء المتخصصين
في مكافحة الإرهاب من الدول العربية والأجنبية، من بينها، «الأردن، مصر، تونس، المغرب،
الجزائر، تركيا، ألمانيا، وروسيا»، بالإضافة إلى مستشار شؤون الأمن القومي بالمفوضية
الأوروبية.
ومن المعروف أن التنظيمات الجهادية تعمل -في الوقت الحالي- على محاولة
التمدد والانتشار عبر الواقع الافتراضي، المعروف باسم «السوشيال ميديا» أو مواقع التواصل
الاجتماعي، مما خلق نوعًا جديدًا من الإرهاب عرف بمصطلح «الإرهاب الإلكتروني أو السيبراني»،
ومن خلال ذلك، استطاعت هذه التنظيمات أن تمارس أنشطتها الإرهابية لنشر أفكارها المتطرفة،
محاولة العبث في عقول الشباب لتجنيدهم، مما استدعى العديد من الدول لمواجهة هذا النوع
من الإرهاب، الذي تفشى بطريقة كبيرة، خاصة خلال السنوات القليلة الماضية، فعلى سبيل
المثال، قام تنظيما «داعش، والقاعدة» بتجنيد العديد من الليبيين عن طريق مواقع التواصل.

◄ الفراغ سبب تسلل الإرهابيين
لتقنيات ليبيا:
استغلت الجماعات الإرهابية في ليبيا، طوال السنوات الماضية، الفراغ وحالة
الفوضى في النظام الليبي لجذب آلاف المقاتلين من داخل وخارج البلاد عبر الإنترنت، من
خلال الرسائل الدعائية التي يقوم بنشرها عن طريق المنصات الإعلامية التابعة له، في
مواقع التواصل الاجتماعي، فالثورة الليبية في فبراير 2011 أثرت بشكل كبير على هيكل
الدولة الليبية، مما أدي إلى حدوث حالة من الفراغ داخل النظام الليبي، قد نتج عنها
اقتحام التنظيمات الإرهابية لجهاز الأمن الداخلي والمخابرات العامة والاستخبارات العسكرية،
ما مكنهم من السيطرة على النظم التقنية بهذه المؤسسات.
وقام الإرهابيون، مستخدمين هذه التقنيات، ببث الفتاوى الإلكترونية والترويج
لأفكارهم التكفيرية، التي تحض على الجهاد لجذب عددٍ كبيرٍ من الجهاديين، بالإضافة
إلى بث الفيديوهات الخاصة بالعمليات الإرهابية والتدريبات القتالية للعناصر الإرهابية
بغرض النيل من هيبة واستقرار النظام، وبث حالة من الخوف والرعب لدى المواطنين، خاصة
مع قلة اهتمام الحكومات الليبية بإعادة بناء النظام التقني في ليبيا بعد الثورة، الأمر
الذي ساهم بشكل كبيرة في ازدياد ظاهرة الإرهاب الإلكتروني.

◄جهود ليبية لمحاربة الإرهاب
السيبراني:
عملت الدولة الليبية على اتخاذ خطوات عدة لمكافحة الإرهاب الإلكتروني،
وقد كانت البداية عام 2016، عندما تم عقد الدورة الأولى من «مؤتمر ليبيا لمكافحة الإرهاب
الإلكتروني»، في شهر يوليو من هذا العام، وناقش المؤتمر حينها دور شبكات التواصل الاجتماعي
في مكافحة الإرهاب السيبراني، وأوصى بتطوير الإطار التشريعي المتعلق بنشاطات الإرهاب
الإلكتروني في ليبيا، بالإضافة إلى إنشاء مكاتب وأقسام لمكافحة الجريمة الإلكترونية
في عددٍ من الأجهزة الأمنية ذات العلاقة، وتتبع المواقع الإلكترونية التي تمارس أي شكل
من أشكال النشاط الإرهابي الإلكتروني، والعمل على تجفيف منابعها وتقويض نشاطها، وتوفير
الدعم المادي من قبل الحكومة الليبية.
كما تم عقد دورة تدريبية في مدينة البيضاء الليبية؛ بحثت دور التقنيات
في التوعية ومهارات تعامل رجال الأمن مع شبكات التواصل الاجتماعي، للحد من الظواهر
الإرهابية ومكافحة الإرهاب الإلكتروني.
أما الدورة الثانية من هذا المؤتمر، فتم عقدها في أغسطس 2017، وناقشت سبل
مواجهة خطر الكيانات الإرهابية على الإنترنت، ونتج عن ذلك قيام القيادة العامة للقوات
المسلحة الليبية بتدشين فرع غرفة المعلومات ومكافحة الإرهاب الإلكتروني في مدينة بنغازي،
وحذرت الغرفة النشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي بكل مسمياتها، ممن يملكون حسابات
خاصة أو صفحات أو مجموعات بأنها ترصد عن كثب كل ما ينشر، كما أنها باشرت في استدعاء
أي شخص تم رصده يقوم بتشويه الآخرين ونشر معلومات مغلوطة عنهم.
كما تم الإعلان عن إنشاء جهاز أمني جديد، يتبع القيادة العامة للجيش الليبي
الذي يقوده المشير خليفة حفتر، من أجل مكافحة الإرهاب الإلكتروني، وتتمثل مهام هذا
الجهاز في تتبع ورصد كل الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، وتتبع أي أشخاص يتعاملون
مع المنابر الإعلامية للجماعات الإرهابية كـ«داعش» و«القاعدة» وغيرهما من الجماعات
المتطرفة.
وفي سياق ما تقدم؛ يمكن القول أن الدولة الليبية بدأت بخطوات وجهود جادة
نحو مكافحة الإرهاب الإلكتروني إلا أن الطريق مازال في بدايته للقضاء على تلك الظاهرة،
مما يتطلب منها العمل على اتخاذ خطوات أكثر فعالية لمواجهة هذا الفيروس الإرهابي، ويرجع
ذلك إلى أن المواقع الإلكترونية مازالت تمثل عنصرًا جاذبًا للجماعات الإرهابية، نظرًا
لانخفاض تكلفتها، وضعف الرقابة عليها وتنوع وسائلها وانتشارها وتخطيها للحدود وقدرة
الأفراد على التأثير عبرها، ومن ثم يستخدم الإرهابيون الفضاء الإلكتروني في التأثير
على الرأي العام وتجنيد أعضاء جدد من مختلف أنحاء العالم، ونشر أفكارهم للوصول إلى
أكبر عدد ممكن من الجمهور.