بعد عام من تحريرها.. «داعش» ترك الرقة السورية «مدينة أشباح»
في 20 من أكتوبر عام 2017، أعلن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية عن تحرير مدينة الرقة السورية من قبضة «داعش»، ودحر التنظيم الإرهابي الذي اتخذ من المدينة عاصمة له في سوريا لـ3 سنوات.
فقدان «داعش» لـ«الرقة» السورية، كان مؤشرًا لبداية تقلص دور التنظيم الإرهابي، وتراجعه للخلف؛ ليفقد عقبها مدينة الموصل، التي كان يتخذها عاصمة له في العراق.
وعقب تحرير الرقة من فلول «داعش»، انتقلت السلطة في المدينة لقوات سوريا الديمقراطية الكردية، التي رفعت عقب النص صورة «عبدالله أوجلان»، الزعيم الكردي بحزب العمل الكردستاني، المعتقل في السجون التركية منذ عام 1999 بعد الحكم عليه بالسجن مدى الحياة لاتهامه بالخيانة، وهذا الأمر أزعج السلطات التركية، وجعلها تتهم الولايات المتحدة بمساندة التنظيمات الإرهابية في الرقة، وذلك لأن أنقرة تعتبر حزب العمل الكردستاني منظمة إرهابية.
الرقة.. مدينة أشباح
ترك تنظيم داعش الرقة وهي «مدينة أشباح»؛ فلا كهرباء، ولا مباني قائمة، ولا مستشفيات أو أي خدمات، وبتعبير أدق: «تركها غير صالحة للحياة».
استمر رجال «البغدادي» في الرقة 3 سنوات، وحين طردوا منها بقيت المدينة مجرد أطلال، فكل شيء فيها كان مدمرًا بالكامل، خاصة أن التنظيم الإرهابي زرع بها عدد كبير من الألغام والمتفجرات قبل أن يتركها، الأمر الذي تسبب في تدمير ما يقرب من 80% من منازلها ومؤسساتها، وبحسب تقرير صدر مؤخرًا عن منظمة العفو الدولية؛ فإن 30 ألف منزل مدمر بالكامل، و25 ألف منزل آخر شبه مدمر.
وأشارت «العفو الدولية» في تقريرها، إلى أن هناك 5 آلاف مواطن من أبناء الرقة مازال مصيرهم مجهولًا حتى هذه اللحظة، وأن ما يقرب من 150 ألف مواطن آخرين عادوا خلال الشهور السابقة لمنازلهم المدمرة هربًا من قسوة العيش في المخيمات.
أمراض متفشية.. ومستشفيات مدمرة
لم يقتصر إرهاب «داعش» على تدمير المنازل فقط، بل طال أيضًا المؤسسات الصحية بالرقة؛ حيث أصدرت منظمة «أطباء بلا حدود» تقريرًا حديثًا أكدت فيه أن جميع المستشفيات الموجودة في المدينة أصبحت غير صالحة، لأن التنظيم كان يتخذها قلاعًا يتحصن بها عناصره، ومخازن لحفظ السلاح.
وأشارت المنظمة في تقريرها، إلى أنها بدأت في الوقت الحالي، وبمساعدة مركز الهلال الأحمر الكردي، في ترميم المستشفيات، مركزةً في هذا الجانب على العيادات الخاصة المعنية بعلاج الأطفال والنساء، مضيفة أن «مستشفى الرقة الوطني» (أكبر المستشفيات في المدينة)، يعمل بأجهزة محطمة وكراسي متهالكة، ولا يوجد به أدوية كافية للعلاج، وبالأحرى هو لا يصلح لاستقبال أي مريض.
وأكدت «أطباء بلا حدود» في تقريرها، أن الأمراض الوبائية أصبحت منتشرة في الرقة عقب طرد عناصر «داعش»؛ بسبب تكاثر عدد الفئران ذات الأنواع الخطرة، وعلى سبيل المثال أصبح مرض التيفود خطرًا يهدد سكان المدينة، إضافة إلى الأمراض الأخرى مثل: الكوليرا، والزحار الأميبي، والتهاب السحايا.
وأوضحت المنظمة، أن سكان الرقة يحاولون مواجهة خطر انتشار الفئران الناقلة للعدوى بطرق عشوائية وغير صحيحة، مثل اللجوء إلى القطط، ووضع السم في الطعام، ونشر المصايد الخشبية، وكل هذه الطرق لا تقضي على هذا الخطر، خاصة أنهم يتكاثرون بشكل مخيف، ففي شهري أكتوبر وأبريل تلد أنثى الفأر «14 فأرًا صغيرًا» بعد 21 يومًا من الحمل فقط.
معاناة الأطفال
وبحسب تقرير صادر مؤخرًا من منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)؛ فإن الأوضاع المعيشية لأطفال الرقة في الوقت الحالي متردية للغاية؛ فهؤلاء الصغار محرومون من أبسط حقوقهم وهو «التعليم»؛ لأن تنظيم داعش دمر 70% من البنية التعليمية فور احتلاله للمدينة، وقبل أن يتم تحريرها في 20 أكتوبر 2017 هدم عناصر التنظيم المدارس المتبقية، وهذا الأمر تسبب في تخلف مئات الأطفال عن التعليم.
وتقول وكالة «سانا» السورية: إن طلاب الرقة بمختلف مراحلهم التعليمية لا يستطيعون الالتحاق بأي مرحلة من مراحل التعليم؛ بسبب عدم وجود مدارس صالحة؛ فأغلب المدارس مازالت عمليات ترميمها لم تنتهِ بعد، والمؤسسات التعليمية التي تم إصلاحها الفصول الدراسية بها لا تكفي عدد الطلاب.
الأمر الثاني الذي أشارت إليه الوكالة السورية، هو أن عددًا كبيرًا من فتيات الرقة مُنعوا من التعليم خلال الفترة التي احتل فيها «داعش» المدينة؛ لأن التنظيم كان يحرم أي أنثى من الحصول على حقها في التعليم، وهؤلاء الفتيات لديهن الآن إشكالية كبرى، وهي أنهن مكثن في المنازل دون تعليم لمدة 3 سنوات، وهذا الأمر تسبب في إحداث بطء استيعاب لديهن.
بعد تحريرها.. من يحكم الرقة؟
وبحسب دراسة جديدة أعدتها شبكة «النبأ المعلوماتية» العراقية، والمختصة بنشر الأخبار اليومية ومحاربة التطرف والإرهاب، فإن الرقة من الممكن أن تنتقل من التشدد السلفي المتطرف الذي زرعه تنظيم «داعش» بداخلها إلى تشدد ديني وسياسي أكثر تطرفًا؛ لأن الوحدات الكردية الموجودة في المدينة تريد أن تُعمم عقيدة حزب العمل الكردستاني في جميع المناطق، خاصة أنها لجأت لاستغلال الحالة المادية السيئة للغاية التي يعاني منها السكان لصالحها، وبدأت بالفعل الضغط عليهم لتنفيذ سياستها.
ومن جانبه، قال هشام النجار، الباحث في شؤون الحركات الإسلامية: إن سيطرة أطراف أيديولوجية على مدن ومناطق بسوريا لا يبشر بمستقبل مستقر، ولا بعودة الدولة السورية لما كانت عليه قبل الحرب، كمظلة ووطن تعددي يجمع ويصهر كل المكونات والتيارات والمذاهب؛ فذهاب إدلب إلى تنظيمات قاعدية متطرفة وسيطرة قوات كردية على الرقة، ينذر بتقسيم سوريا، وهذا الأمر سيخدم الأطراف والقوى الخارجية الداعمة لهذه المكونات المسيطرة بالسلاح على الأرض.
وأكد «النجار»، في تصريحات خاصة لـ«المرجع»، أن مدينة الرقة لن تستعيد عافيتها وتستقر إلا في حالة واحدة فقط، وهي عودتها لقوات الجيش السوري والرئيس بشار الأسد؛ لأنه حينها لن يكون هُناك سلاح إلا مع الجيش الوطني.
وأشار الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، إلى أن وجود المكون الكردي في الرقة الذي ترعاه واشنطن، يُهدد المدينة بالعودة مجددًا للصراعات على خلفية الثأر؛ فـ«داعش» يسعى للثأر لنفسه من الأكراد، ويتحين فرصة العودة للمدن الرئيسية التي كان يحكم سيطرته عليها؛ لأنه مادامت هناك سيطرة لأطراف وتيارات ليست شرعية فسيجد التنظيم الإرهابي وغيره المبرر الذي يدفعه لقتال هذه الكيانات.





