يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad

ما بين «إدلب» و«درعا».. الأزمة السورية تُسطِّر فصولها الأخيرة

الإثنين 16/يوليو/2018 - 02:08 م
المرجع
محمد الدابولي
طباعة
يمكن تلخيص الأزمة السورية في أنها «حرب الكل ضد الكل»، فخلال 7 سنوات متواصلة من عمر الأزمة، شهدت الساحة السورية حروبًا متواصلة بين مختلف الأطراف، ففي البداية اندلعت الاشتباكات المسلحة بين الجيش السوري وميليشيات المعارضة المسلحة، المسماة «الجيش الحر»، وما لبثت أن دخلت الجماعات المتطرفة على خط الأزمة المتصاعدة في عام 2012؛ حيث أعلن فرع «القاعدة» في سوريا «جبهة النصرة» المشاركة في العمليات المسلحة ضد الجيش السوري، وشيئًا فشيئًا اتخذت الأزمة السورية المزيد من التعقيد والضبابية مع دخول أطراف جديدة في حلبة الصراع السوري.

توازيًا مع الدخول الإيراني على خط الأزمة، ظهر تنظيم «داعش»، الذي نجح في إقامة ما يُسمى الخلافة الإسلامية في مدينتي «الرقة» و«دير الزور» السوريتين؛ ما استدعى تدخلًا دوليًّا بقيادة الولايات المتحدة لمحاربة التنظيم، وفي الوقت ذاته تقريبًا، بدأت روسيا تُطور دورها السياسي والعسكري في سوريا بالمشاركة الفعلية في الحرب على الإرهاب، وفي خضم هذا المشهد المتشابك تدخلت تركيا في الشمال السوري؛ من أجل الحيلولة دون ظهور دولة كردية على حدودها الجنوبية، على حد زعمها.

واتضح أن الاستراتيجية الروسية في محاربة الإرهاب في سوريا هي الأنجح في دحر الإرهاب، فخلال 3 سنوات تقريبًا من التدخل العسكري الروسي الذي بدأ في سبتمبر 2015، نجحت موسكو في القضاء على العديد من التنظيمات المتطرفة، وإعادة بسط سيطرة الدولة السورية على معظم الأقاليم السورية، فلم يعد يتبقى سوى بعض المناطق التي مازالت تحت سيطرة الجماعات المتطرفة، سواء في إدلب أو درعا التي تحتل مكانةً رمزيةً في الأزمة السورية، فمن ميادين المحافظة الحدودية اندلعت شرارة الاحتجاجات السورية مارس 2011، التي ما لبثت أن استغلها التيار الإسلاموي لممارسة أنشطته المتطرفة.

ضغوط متوازية
في شهري «أبريل - مايو» من عام 2018، نجحت قوات الجيش السوري في تحرير مدينتي «الغوطة الشرقية» و«الحجر الأسود»، محققةً بذلك استعادة شبه كاملة لمناطق وسط وجنوب سوريا، وتأمين محيط العاصمة «دمشق»، بعد أن ظلت لمدة سنوات مُحاصَرة من قِبَل الجماعات المتطرفة.

وفي الفترة الأخيرة، نجح الجيش السوري المدعوم روسيًّا في دخول مدينة درعا الجنوبية (مهد الثورة السورية)، وذلك بفضل السياسة الروسية تجاه الجماعات المتطرفة القائمة على أسلوب الضغط المتوازي، ففي الوقت الذي تتواصل فيه الهجمات والغارات الجوية على مواقع الميليشيات المتطرفة في درعا، كان المفاوض الروسي يُواصل الضغوط السياسية على الميليشيات المتطرفة، وإقناعهم بالتخلي عن الأسلحة الثقيلة، وتوفير ممرات آمنة، والاتجاه شمالًا باتجاه «إدلب» التي أصبحت خزانًا مثقلًا بالجماعات المتطرفة.

نتيجة الضغوط السياسية والعسكرية، وافقت ميليشيات ما يُسمى تحالف «الجبهة الجنوبية» على الاتفاقية الروسية التي تقضي بتسليم الأسلحة الثقيلة والخروج الآمن باتجاه إدلب، وفي المقابل انسحاب الجيش السوري من أربع بلدات لتأمين الخروج، والأهم من ذلك الحصول على ضمانات روسية بإمكانية إعادة إدماج المسلحين مرة أخرى في المجتمع السوري، وتسوية وضعهم السياسي. 

تحركات مستقبلية
بعد تحرير «درعا» من الميليشيات المسلحة، لم يتبقَّ لدى الجيش السوري، سوى مسارات محدودة، حتى يتمكن من استعادة السيطرة الكاملة على الدولة السورية، ومن أبرز تلك المسارات التوجه جنوبًا نحو مدينة «القنيطرة»، التي مازالت تحت سيطرة الميليشيات المسلحة، إلا أن وضع المدينة الحدودي مع إسرائيل قد يُعطل من إمكانية اجتياح المدينة وتحريرها الكامل من الميليشيات، فإسرائيل مازالت تتخوف من انتشار الميليشيات الشيعية، مثل «حزب الله» في تلك المدينة الحدودية، الأمر الذي يُمكن أن يدفع باحتمال تسوية سياسية فيما يخص «القنيطرة»، على أن يكون لروسيا الدور الأبرز في إتمام تلك التسوية. 

أما في مسارات الجيش السوري في الشمال، فنجدها تتراوح بين جبهتي «إدلب» أو «شرق الفرات»؛ حيث الميليشيات المسلحة التابعة لما يُسمى بـ«الجيش السوري الحر» في منطقة «التنف».

وتُشير الوقائع والدلائل في سوريا إلى أن جبهة «شرق الفرات» باتت هي الأقرب لتحريرها من الميليشيات المعارضة المسلحة، مثل كتائب «أسود الشرقية» و«جيش المغاوير»، المدعومين من قبل الولايات المتحدة الأمريكية؛ وذلك للأسباب التالية:

تواتر الأنباء حول وجود صفقة أمريكية روسية تقضي بانسحاب القوات الأمريكية من قاعدة «التنف» الحدودية، ما يفقد ميليشيات الجيش الحر أهم ركائز قوته ودعمه، خاصة ميليشيات جيش المغاوير المدعومة أمريكيًّا.

وما يُعزز هذا التوجه الأمريكي تصريحات المبعوث الأمريكي للتحالف الدولي ضد «داعش»، «بريت ماكغورك» التي حض فيها أعضاء التحالف على المشاركة في حمل العبء عسكريًّا وماليًّا شمال شرق سوريا، مطالبًا بتوفير نحو 300 مليون دولار أمريكي، ونشر وحدات من القوات الخاصة لملء الفراغ لدى الانسحاب التدريجي للقوات الأمريكية، كما أن تصريحات «ماكغورك» أتت قبيل انعقاد قمة «هلسنكي» بفنلندا يوم 16 يوليو 2018، بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ونظيره الروسي «فلاديمير بوتين».

تحرير البوكمال: باتت الميليشيات المسلحة في شرق الفرات في حالة عزلة بعد نجاح الجيش السوري في تحرير «البوكمال» العام الماضي، ومن ثم أصبحت «البوكمال» ركيزةً محتملةً للانطلاق نحو مواقع التنظيمات المسلحة.

براجماتية كردية: بعد عملية «غصن الزيتون» في فبراير 2018، ودخول القوات التركية مدينة عفرين، لجأت القوى الكردية «قوات سوريا الديمقراطية» المعروفة بـ«قسد»، إلى إجراءات تفاهمات مع الجيش السوري، وبات من المحتمل في المستقبل القريب التنسيق بين الجيش والأكراد فيما يخص إعادة بسط سيطرته مجددًا على ما يُسمى إقليم شرق الفرات. 

«إدلب» خزان الإرهاب والتطرف
نجحت الاستراتيجية «السورية - الروسية» في محاربة التنظيمات المتطرفة في تحرير العديد من المناطق، وتحويل مدينة «إدلب» إلى ما يُشبه السجن الكبير للجماعات الإرهابية، ففي التسويات التي كانت تتم مع الجماعات الإرهابية، سواء في حلب أو الغوطة أو درعا، كان يتم السماح لعناصر الجماعات بالخروج الآمن إلى إدلب، التي أصبحت بؤرة مجمعة للتنظيمات المتطرفة، بعدما كانت منتشرة في مختلف أرجاء القطر السوري، ومن أبرز الجماعات الجهادية المتمركزة حاليًّا في «إدلب»:

تنظيم «حراس الدين»: تشكل في فبراير 2018، ويُعدُّ ذراع القاعدة في سوريا، وتشكل نتيجة دمج تنظيمي «جيش البادية» و«جيش الملاحم»، وفي أبريل 2018 اندمج في فصيل «أنصار التوحيد» تحت اسم «حلف نصرة الإسلام». 

هيئة تحرير الشام: تكونت في يناير 2017 نتيجة اندماج عدد من الجماعات الإرهابية مثل جبهة فتح الشام «جبهة النصرة» سابقًا، و«لواء الحق» و«أنصار الدين». 

جبهة تحرير سوريا: تشكلت في فبراير 2018 نتيجة اندماج عدد من الجماعات والميليشيات المعارضة، مثل «أحرار الشام، وحركة نور الدين زنكي».

المعركة الأخيرة
تشير التوقعات إلى تروي الجيش السوري قليلًا في تحرير إدلب؛ نظرًا للعديد من المعطيات، أولها رغبة الجيش في تأمين منطقة شرق الفرات أولًا، فضلًا عن ذلك ستخضع عملية تحرير إدلب لتوازنات وتفاهمات إقليمية مع الجانب التركي، الذي لوَّح بانهيار اتفاق «آستانة» في حال تقدم الجيش السوري نحو «إدلب»؛ حيث تنشر تركيا بعض القوات هناك، في إطار اتفاق آستانة لخفض التصعيد.

وتوجد دوافع أخرى لتروي الجيش السوري في معركة إدلب، أبرزها حالة الاقتتال المستمر بين الجماعات المتطرفة، ما يعد خصمًا من قوة تلك الجماعات وإنهاكًا لها، فمثلًا في يوليو 2017 اندلعت اشتباكات بين «هيئة تحرير الشام» التي تقودها «جبهة النصرة» من جهة، وجماعة «أحرار الشام» من جهة أخرى؛ وذلك بسبب الخلاف حول السيطرة على الموارد الاقتصادية للمدينة وإدارتها، واتسع الاقتتال مرة أخرى في فبراير 2018 بين «هيئة تحريرِ الشام» و«جبهة تحرير سوريا» المشكّلة من دمج «أحرار الشام» و«حركة نورالدين الزنكي».

وفي الفترة الأخيرة، شهدت إدلب وريفها نشاطًا ملحوظًا لتنظيم «داعش»، من خلال تنشيط العديد من الخلايا النائمة التي نفذت عمليات اغتيال موسعة في صفوف «هيئة تحرير الشام» طالت نحو 230 شخصًا؛ ما أدى إلى حملات أمنية مسعورة للهيئة؛ من أجل تعقب عناصر داعش في المدينة، وإثر تلك الحملة تم اعتقال المسؤول الأمني لداعش بالمدينة، وإعدامه فورًا.

لذا من المحتمل أن تلجأ القوات السورية إلى شن الغارات الخاطفة على مواقع التنظيمات المتطرفة في انتظار تسوية سياسية إقليمية مع تركيا، التي تعارض تحرير «إدلب»، وتهدد بانهيار اتفاق «آستانة»، فضلًا عن انتظار نتيجة عملية الإنهاك التي تقوم بها التنظيمات ضد بعضها البعض.
"