ad a b
ad ad ad

بحكومة ومتحدث برابطة عنق.. «تحرير الشام» ترتدى حُلّة العمل السياسي

الثلاثاء 16/أكتوبر/2018 - 08:04 م
المرجع
سارة رشاد
طباعة

 ليومين، قضت الأبواق الإعلامية لكبرى الفصائل المسلحة في سوريا والمعروفة بـ«هيئة تحرير الشام» وقتها في التغزل في التجربة السياسية لحركة «طالبان» الأفغانية، متناولة ما اعتبرته «حنكة» تعاملت بها حتى تصل إلى فرض نفسها على صانع القرار العالمي، بحسب ما أوردته تلك الأبواق.


الحديث من هذا النوع لا يمكن اقتطاعه من واقع تعايشه الهيئة في المشهد السوري وانتهى، حتى الآن، بإعلانها، الأحد الماضي، في بيان من صفحتين -وصفته صحف سورية بـ«المعتدل»- موافقتها على بنود اتفاق «سوتشي»، بعدما التزمت الصمت منذ توقيعه بين روسيا وتركيا، بمنتجع سوتشي، 17 من سبتمبر الماضي، حتى اعتقد محللون أن في صمتها رفضًا للاتفاق.

الرئيس الروسي، فلاديمير
الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين

وباعتبار أن الموافقة على الاتفاق تأتي مغايرة تمامًا لخطاب متطرف في الرفض تبنته «الهيئة»، منذ اللحظات الأولى لإعلان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عن بنود الاتفاق، منتصف الشهر الماضي، حتى إنها كفّرت نظيراتها من الفصائل الداعمة لبنود الاتفاق وذهبت لإيجاد الأسانيد الشرعية لإباحة دمهم، ضمّنت الهيئة ببيانها عبارات فضفاضة تخديرية من قبيل التمسك بخيار «الجهاد»، وما اسمته «ثوابت الثورة السورية»، متعمدة في الوقت نفسه، عدم الإقرار بموافقتها بشكل صريح.


وتكشف الصيغة التي كُتب بها البيان، أو ما لحقتها من تعليقات تبريرية لقيادات محسوبين على «الهيئة» عبر قنواتهم على «تيليجرام»، خطرًا تستشعره تجاه أفرادها تحديدًا هؤلاء العاملين داخل صفوفها من جنسيات غير سورية، ما يفسر اهتمامها بتوجيه شكر لهم في البيان، قائلة: «إننا لن ننسى فضل من ساندنا وناصرنا وهاجر إلينا، فهم منا ونحن منهم، لهم ما لنا وعليهم ما علينا».


وبينما تقر «الهيئة» بأن موافقتها على الاتفاق فيها نوع من العمل السياسي الذي دائمًا ما رفضته وأوجدت الأسانيد الشرعية لتحريمه، ذهبت عبر قياداتها ومنابرها لتفسير الموقف الذي قالت إن المشهد السوري يفرضه عليها، واستعانت في ذلك بتجربة حركة «طالبان» الأفغانية التي افتتحت مكتبًا سياسيًّا لها في قطر، في 2013، ورأى محللون وقتها أنه تحول جوهري في مسيرة الحركة، إذ أمكن من خلاله بمقتضاه التحاور مع الحركة والجلوس مع ممثلين سياسيين عنها.


وتعتبر «تحرير الشام» في هذه الخطوة إنجازًا يحسب لـ«طالبان»، إذ نقل القيادي بـ«الهيئة» الأسيف عبدالرحمن، عبر قناته على «تيليجرام»، عن، «أبو قتادة الفلسطيني»، المرجع البارز في الفضاء السلفي الجهادي، والداعم لكل قرارات «الهيئة» من إعلانها لفك ارتباطها عن تنظيم «القاعدة» في 2016، مباركته لتجربة «طالبان».


وفي ذلك قال «الفلسطيني»: «إن يجلس معك خصمك ليحاورك سياسيًّا، فهذا نصر كبير، ذلك لأن كل إنجاز عسكري يجب وضعه في سلة التحصيل السياسي»، متابعًا:« لا بد يومًا أن تجلس مع خصمك، وبمجرد قبوله لك سياسيًّا يعني أنك صرت مؤثرًا، ويمكن حينها بلا تزوير أن تحتج بصلح الحديبية، لا كمن يخنع ويتنازل ثم يبحث عن الدليل، ولا من يتعامل معه الخصم تعاملًا أمنيًّا فقط، من خلال رجل الاستخبارات والمخابرات، غير معترف بك إلا كمارق أو نتوء يجب زواله».

بحكومة ومتحدث برابطة

البحث عن المصلحة

لا يمكن التعامل مع سعي «تحرير الشام» إلى تجربة «طالبان»، كحدث جديد، إذ تعتبر «الهيئة» نموذج الحركة الأفغانية ضامنًا لإرضاء طموحاتها السياسية في المشهد السوري.


ويُستدل على ذلك بالتحولات المتكررة التي أجرتها «الهيئة»، منذ تأسيسها وحتى الآن، إذ استهلت مشوارها بانقلابها على تنظيم «داعش»، وهي التي دخلت إلى سوريا ممثلًا له.


وأعقبت ذلك بانقلاب شبيه على تنظيم «القاعدة»، وهو ما عُرف بـ«فك الارتباط»، وفسّر محللون آنذاك هذه التحولات بطموحات لزعيم «تحرير الشام»، أبومحمد الجولاني، قائلين إنه شخصية تسعى للبقاء وبالنفوذ.


في سياق هذا الرأي، يمكن تفهّم تحول «تحرير الشام» إلى العمل السياسي، متخلية نسبيًّا عن موقفها في حمل السلاح.


ويدعّم هذا السيناريو تحركات أجرتها «الهيئة»، قبل بضعة أشهر وأبدت فيها وجهًا مدنيًّا له، تمثل ذلك في مؤتمرين أحدهما اقتصادي والآخر زراعي عقدتهما في إدلب، قبل ثلاثة أشهر، لاسيما تدشينها لحكومة ومتحدث برابطة عنق، يجري حوارات مع الصحف، يوسف الهجر.

بعد مؤتمر «تحرير الشام» الاقتصادي.. «المدنيّة» ملاذ خاسري معارك التطرف

الباحث في الشأن التركي،
الباحث في الشأن التركي، مصطفى زهران

تداعيات التحول إلى السياسة

تمثل العقبة الأولى بالنسبة لـ«هيئة تحرير الشام»، هؤلاء الوافدين عليها من خارج سوريا، إذ يمثل الخيار العسكري وعقيدة «الجهاد» أكثر إيمانًا لديهم ما يفسر تركهم لبلدانهم والسفر للحرب في دولة أخرى.


 وفي ذلك توقع الباحث في الشأن التركي، مصطفى زهران، في دراسة حديثة له بعنوان: «مخرجات سوتشي وسيناريوهات تعامل تركيا مع التنظيمات الجهادية في إدلب»، نشرها مركز العالم للدراسات، يوم الجمعة الماضي، أن تتسبب موافقة «الهيئة» على الاتفاق في إحراجها أمام عناصرها غير السورية.


ورجّح أن يتسبب ذلك في انتقال جزء منهم للعمل في صفوف «حراس الدين»، ممثل تنظيم «القاعدة» في سوريا، ومن الفصائل القليلة التي أعلنت بشكل صريح رفضها لبنود الاتفاق.


وفسّر هذا الانتقال بــ«التقارب الإيديولوجي، والرباط الفكري كقاعدة أولية لتجميع الأضداد»، مضيفًا: «يكون حراس الدين بذلك قد وجدوا الفرصة سانحة لسحب البساط من تحت أرجل الجولاني ويتحول معها لقوى أكبر تأثيرًا من الهيئة تنفيذًا لأوامر الظواهري».

للمزيد.. «هيئة تحرير الشام».. إرهاب الرمق الأخير قبل النهاية

مؤتمر سوتشي
مؤتمر سوتشي

 ورغم اعتقاد الباحث بأن وزن «حراس الدين» الرافض لبنود «سوتشي» غير مؤثر في تنفيذه الاتفاق على الأرض، حتى لو حدثت انتقالات من «تحرير الشام» إلى «حراس الدين»، فإنه توقّع أن تتحرك تركيا عسكريًّا ضد الفصيل القاعدي لإنهاء وجوده.


وفي حال إجهاض «القاعدة» في سوريا سواء عبر ضرب «حراس الدين»، أو سحب «تحرير الشام»، ذات الفكر القاعدي، ذهب «زهران» إلى أن ذلك قد يصب في صالح تنظيم «داعش» الذي يبحث عن أي فرصة لتقوية وجوده في سوريا، وينحصر نشاطه بشكل كبير منذ فترة في الجنوب السوري.


ويبدو أن المشهد السوري يتجه نحو تصفية حضور الفصائل في مدينة إدلب المتاخمة للحدود التركية، فبخلاف سحب «تحرير الشام» إلى العمل السياسي، فثمة حملة مقامة عبر «التيلجرام» يشارك فيها رموز إرهابية، مثل الداعية السعودي، عبدالله المحيسني، والسوري، عبدالرزاق المهدي، وتطالب بإنقاذ مسلمي الإيغور الذين يسكنون تركستان، وتشهد علاقتهم بالصين توترات.


ويمكن أخذ هذه الحملة كمحاولة لسحب المتطرفين الإيغور العاملين في سوريا تحت راية «الحزب الإسلامي التركستاني» (تأسس في سوريا مطلع 2013)، إلى إقليمهم. وتعتمد الحملة القائمة على ترويج لمعلومات من قبيل أن الصلاة والصيام ممنوعة في تركستان بأمر من الصين، فيما استهل الإعلامي الإخواني، نورالدين عبدالحافظ، قبل يومين، أولى حلقات برنامج تليفزيوني باسم «صوت تركستان الشرقية»، تبثه فضائية «تركستان تي في»، ركز فيه على أوضاع تركستان ومكانها على الخريطة، وقضيتها.


ولا تستبعد أستاذة العلوم السياسية، نورهان الشيخ، مضي تركيا نحو تفريغ إدلب من الإرهابيين، إذ قالت لـ«المرجع» إن تركيا دولة برجماتية، ستتجه في نهاية المطاف إلى التخلي عنهم، طالما اقتنعت أن الرهان عليهم أصبح خاسرًا.

للمزيد.. «أزمة سوتشي».. «تحرير الشام» تضع «أردوغان» في مأزق

"