يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad

إدلب ومصيرها المجهول في قبضة أصحاب المصالح الدولية

الإثنين 27/أغسطس/2018 - 02:19 م
إدلب
إدلب
مصطفى صلاح
طباعة
أضاف تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان -والذي كان مفاده أن قوات من الجيش التركي سوف تدخل إلى إدلب التي تُسيطر عليها الفصائل المسلحة السورية- المزيد من التعقيد للمشهد السوري؛ حيث تُمثل تركيا بجانب إيران وروسيا واحدة أهم القوى الرئيسية في مفاوضات «أستانة» الهادفة لخفض العنف في سوريا.

ودخول تركيا إلى تلك المنطقة سوف يزيد الأمور صعوبة، خاصة أن منطقة إدلب السورية تحتضن العديد من الفصائل والجماعات الإرهابية، والتي تدعمها تركيا في مواجهة النظام السوري بقيادة «بشار الأسد»، تأتي التخوفات التركية من الدخول إلى منطقة إدلب عقب تقديم روسيا 24 أغسطس الحالي، مقترحًا لتسوية الوضع في شمال غربي سوريا، خاصة محافظة إدلب التي لاتزال تخضع لسيطرة الفصائل المسلحة، حسبما أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية، في حين أعرب وزير الخارجية التركي «مولود تشاووش أوغلو» في وقت سابق، من اليوم نفسه عن قلقه من هجوم محتمل تشنه الحكومة السورية على آخر معقل للمعارضة ضد الرئيس بشار الأسد، قد يتسبب بــ«كارثة إنسانية»، على الجانب الآخر، أكدت روسيا أن صبرها نفد حيال المسلحين في إدلب، الذين يتهمهم الكرملين باستهداف المواقع الحكومية، فضلًا عن القاعدة العسكرية الروسية هناك.

إدلب
إدلب
يُذكر أن إدلب تحولت إلى معقل للإرهابيين والمهجرين من المدن الأخرى، بناءً على اتفاقيات لوقف إطلاق النار كانت تركيا شريكًا أساسيًّا فيها، كما أن تركيا تشن حملات عدة؛ من أجل منع التدخل العسكري في المدينة، التي تنشر قواعدها العسكرية على مقربة منها، على نحو يضفي مزيدًا من الغموض على مستقبل تلك التطورات خلال المرحلة القادمة، لاسيما أن ذلك مرتبط بحسابات ومصالح لقوى أخرى معنية بالصراع في سوريا.

 طائرات التحالف الدولي
طائرات التحالف الدولي
صراع القوى الدولية
تأمل أنقرة في الحفاظ في الإبقاء على وضع «الحماية» للمنطقة الحدودية، والذي يسمح لها بتأمين منطقة عازلة ضد قوات الحماية الكردية، وأيضًا لتجنب تدفق جديد للسوريين على أراضيها، ولهذه الغاية، أعلن «أردوغان» عن عقد قمة حول سوريا، في 7 سبتمبر المقبل في أسطنبول، دُعيت إليها روسيا وألمانيا وفرنسا.

في حين تسعى روسيا لمشاركة للدول الغربية وفق سيناريو يتضمن وقف أي عملية عسكرية على إدلب شمال غربي سوريا منعًا لتدفق اللاجئين نحو أوروبا مقابل الإسهام في إعادة إعمار سوريا، وبناء المدن والبنية التحتية المدمرة في سوريا؛ حيث تستغل بذلك «بطاقة التطبيع».

وتشترط الدول الغربية لإعادة الإعمار تحقيق انتقال سياسي ذي مصداقية يُنهي الحرب في سوريا ويمنع انزلاق الأوضاع مجددًا نحو المواجهة، وهو ما ترفضه روسيا، متمسكةً ببقاء الأسد في السلطة.

على الجانب الأمريكي، ومع ازدياد الخلاف بين واشنطن من جانب وأنقره وموسكو من جانب آخر، فإنها ستسعى إلى زيادة نفوذها العسكري في سوريا، خاصةً بعد العقوبات الأمريكية المفروضة على الجانبين، ومحاولة زيادة النفوذ لصالحها من خلال دعم قوات سوريا الديمقراطية الكردية في مواجهة الجماعات الإرهابية المسلحة هناك، خاصةً أن هذه القوات المدعومة من واشنطن بالمعدات والأسلحة تمثل أهم حلفائها.
 
إن الوجود الأمريكي في سوريا يتشابك مع الكثير من الملفات هناك، خاصة فيما يتعلق بمواجهة تنظيم داعش، وكذلك دعم حلفائها من الأكراد والمعارضة المسلحة، ومن قبل ركزت الاستراتيجية الأمريكية جهودها في سوريا نهاية أكتوبر 2015، على تقديم الدعم اللوجستي للقوات الحليفة، سواء الكردية أو قوات المعارضة المسلحة بإمدادات عسكرية أو معلومات استخباراتية وقصف مدفعي أو إسناد جوي من طائرات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، وهي الاستراتيجية ذاتها التي اتبعتها القوات الأمريكية في معارك استعادة المدن في العراق.(1)

على جانب آخر، تستعد الولايات المتحدة لتوجيه ضربة عسكرية جديدة لمنع عملية تحرير إدلب، التي يُمكن أن تكون نهاية لجميع الفصائل المسلحة المتناحرة هناك، حال حسم المعركة لصالح الجيش السوري، والذي أعلنت عنه روسيا بأن واشنطن قد توجه ضربة عسكرية للقوات النظامية تحت مسمى حماية المدنيين، والخوف من استخدام النظام السوري أسلحة كيميائية، ذلك على خلفية الهجوم الثلاثي من جانب القوات الأمريكية والفرنسية والبريطانية يوم 14 أبريل؛ حيث استهدفت عددًا من المواقع في سوريا في عملية قالت إنها جاءت لمعاقبة دمشق على شنها هجومًا كيميائيًّا في دوما بالغوطة الشرقية.

على الجانب الإيراني ستنضم طهران إلى حلفائها الدائمين هناك في مواجهة الجماعات المتطرفة، عوضًا عن مواجهتها قوات المعارضة السورية، في حين يستمر الجيش النظامي السوري بتعزيز قواته التي تستعد لمعركة إدلب، ويستمر توافد القوات بأنواعها وإمكانياتها النارية كافة، توازيًا مع تعزيز الفصائل المسلحة لمواقعها على محاور إدلب.
الجيش السوري
الجيش السوري
إدلب بين الجماعات الإرهابية والمعارضة المسلحة
تبلغ مساحة إدلب نحو 6 آلاف كيلومتر، وتمكن الجيش العربي السوري من تحرير 2000 كيلومتر، فيما تبقى نحو 4000 كيلومتر في إدلب، إلى جانب المساحات الأخرى في حلب وحماة، والتي تُشكل نحو 6000 كيلومتر.

وتُمثل محافظة إدلب بالموقع ذات الأهمية البالغة فيما يتعلق بكونها معركة فاصلة بين الجماعات المسلحة المعارضة وكذلك الإرهابية، في ظل اختلاف الأجندات الخارجية للعديد من الدول المنخرطة في الصراع السوري، وإن كانت تلك الدول مجتمعة على مواجهة الجماعات الإرهابية، فإنها في حالة تناقض في ما يتعلق بالموقف من الجماعات المسلحة المعارضة للنظام السوري، والتي تدعمها الولايات المتحدة وتركيا، وتحاربها روسيا وإيران والنظام السوري بقيادة بشار الأسد، وتكتسب التطورات الميدانية في مدينة إدلب السورية أهميةً خاصةً خلالَ الفترة الحالية، باعتبار أنها باتت المنطقة المركزية المتبقية في نطاق الصراع المستمر بين نظام بشار الأسد من جهة والمعارضة المسلحة والتنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها جبهة النصرة وتنظيم داعش من جهة أخرى، وهيئة تحرير الشام والتي تضم حركة نورالدين الزنكي، ولواء الحق، وجبهة أنصار الدين، وجيش السنة.(2)

وعلى صعيد متصل، تتراوح أعداد العناصر المسلحة في المحافظة بين 80 و100 ألف حسب التقديرات، وهذه الأعداد تشكل رقمًا كبيرًا في العمليات العسكرية؛ حيث إن القوة المهاجمة تحتاج ضعف العدد مرتين؛ من أجل السيطرة على المساحات التي تسيطر عليها، وإنهاء المعركة في فترة قياسية.

وجّه الجيش السوري اليوم 27 من أغسطس، ضربات مركزة على مواقع تنظيم «جبهة النصرة» الإرهابي في قرى الزيارة والزكاة والأربعين وزيزون والجنابرة في ريف حماة الشمالي، وذلك بعد صده هجومًا واسعًا للتنظيم على مواقعه أمس، كما هاجم النظام السوري مسلحي «جيش العزة» - من أبرز الفصائل المسلحة التابعة لتنظيم «جبهة النصرة»- على عدد من البلدات والقرى في ريف حماة الشمالي ومنها الزكاة واللطامنة والصياد وكفرزيتا والأربعين واللحايا ومعركبة؛ حيث تُعتبر هذا القرى والبلدات من أهم مركز تجمع المسلحين في المنطقة. 

«سيرجي ريابكوف»،
«سيرجي ريابكوف»، نائب وزير الخارجية الروسي
سيناريوهات محتملة
تلوّح سيناريوهات عدة متوقعة لعملية إدلب، لتشابك الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة في تلك العملية، فضلًا عن الصراعات الميدانية بين العديد من الجماعات المسلحة المحلية والجماعات الإرهابية الأجنبية.

كما أن ذلك لا ينفصل عن الجدل المستمر بين روسيا والقوى الدولية والإقليمية المعنية بتطورات الصراع في سوريا ومستقبل المواجهة في إدلب، خاصةً بعد التحذيرات التي أطلقتها موسكو من التداعيات المحتملة التي قد يفرضها التدخل العسكري من جانب النظام للسيطرة على المدينة؛ حيث قال «سيرجي ريابكوف»، نائب وزير الخارجية الروسي: «إن روسيا شاهدت تصريحات «جون بولتون»، مستشار الأمن القومي الأمريكي، وأدركت أن «التهديدات» هي اللغة الوحيدة، التي تتحدث بها أمريكا حاليًّا، وهذا لا يؤثر على تصميمنا على مواصلة خطط القضاء التام على المراكز الإرهابية في سوريا، وعودة هذا البلد إلى الحياة الطبيعية؛ حيث أعلن «بولتون»، أن الجانب الأمريكي لديه معلومات تُفيد بأن الجيش السوري سوف يستخدم أسلحة كيميائية في إدلب، وفي حال حدث ذلك، فإن الولايات ستشن ضربةً قويةً على سوريا، وستكون أقوى بكثير من المرة الأخيرة بعد الحادث في مدينة دوما، وفيما يلي أبرز السيناريوهات:

1) توافق تركي أمريكي: يتمثل هذا السيناريو في تحقيق التعاون الأمريكي التركي، خاصةً في أن نقاط الدعم الأمريكية التي تتصل بجماعات المعارضة المسلحة من خلال منطقة لواء الإسكندرونة التابع لتركيا، كما أن تركيا سوف تشترك في هذه العملية عن طريق تقديم الإمدادات العسكرية، أو من خلال العمليات العسكرية المباشرة لخدمة مصالحها، إلا أن هذا التقارب قد يشهد مزيدًا من التوترات على خلفية التوترات الكبيرة المتعلقة بفرض واشنطن عقوبات اقتصادية وسياسية على أنقرة، وهو ما يمكن أن يدفعها إلى تغيير الاستراتيجية وفقًا لعلاقاتها القوية مع الجانب الروسي، الذي أصبح متحكمًا بشكل شبه كلي في تفاصيل التحركات الداخلية السورية.

2) تصعيد روسي سوري إيراني: يتمثل المسار الأول، في التصعيد العسكري، الذي يرى النظام السوري الأداة الأساسية التي تمكنه من توسيع نطاق سيطرته على مزيد من الأراضي، على غرار ما حدث في مناطق أخرى، بما في ذلك استهداف الجماعات المسلحة التي تدعمها الولايات المتحدة وتركيا، وذلك بعد تأمين الحدود في الجنوب مع إسرائيل والأردن، وبمواكبة ترحيل قوات موالية لـما يُسمى «الجيش السوري الحر»، إلى جانب مجموعات إرهابية أخرى، تم نقلها في الفترة الأخيرة إلى إدلب، أغلبها من العناصر التي تنتمي إلى «جبهة النصرة». 

لكن هذا المسار ربما يرتبط بمتغيرات عديدة، يتمثل أبرزها في مستوى التفاهمات التي يمكن أن تصل إليها روسيا وإيران وتركيا خلال الفترة القادمة، خاصةً بعد الإعلان عن لقاء سيعقد بين الرؤساء الروسي فيلاديمير بوتين، والإيراني حسن روحاني، والتركي رجب طيب أردوغان في بداية سبتمبر المقبل؛ حيث سيكون الوضع في إدلب محور المحادثات بينهم.

ووفق هذا السيناريو، يتضح أن هناك ضغوطًا كثيرة يمكن أن تمارسها روسيا وإيران والنظام السوري؛ من أجل إنهاء وجود تلك التنظيمات في إدلب، وتعزيز قدرة النظام على استعادتها من جديد. ويبدو أن هذه الضغوط سوف تتزايد في الفترة القادمة، في ظل اتجاهات عديدة رجحت أن تصر أنقرة على عدم الاستناد إلى الخيار العسكري في التعامل مع إدلب، حتى لو كان ضد التنظيمات الإرهابية.

3) توجس تركي: مع تطورات المعارك الأخيرة في سوريا ومؤشراتها العسكرية، فإنه من المتوقع مشاهدة هروب جماعي للفصائل المسلحة في إدلب عند بدء العملية العسكرية في إدلب، كما حدث مع فصائل الغوطة ودرعا، وقد تكون وجهتها إلى الأراضي التركية.

وفي هذا السياق، من المرجح أن تتجه كل من تركيا وروسيا إلى عقد اتفاق شبيه باتفاق الأخيرة مع إسرائيل في الشهر الماضي حول تمركز القوات التابعة لإيران على الحدود الإسرائيلية؛ ذلك لإعادة صياغة ترتيبات أمن الحدود في تلك المنطقة، وهو ما يمكن أن يعزز من احتمال تحرك قوافل من المدنيين باتجاه الحدود التركية، ومن المتصور أن موسكو قد توافق على تلك الخطوات لاعتبارات ترتبط بتطور علاقاتها مع أنقرة، وقد يتم توسيع هذا الإطار، خاصةً بعد الإعلان عن احتمال عقد لقاء رباعي بين روسيا وفرنسا وتركيا وألمانيا خلال الفترة القادمة.(3) 
الهوامش:
1) مصطفى صلاح، الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في سوريا: انسحاب أم مزيد من الحضور؟، المركز العربي للبحوث والدراسات، بتاريخ 11 أبريل 2018، على الرابط: http:www.acrseg.org40690
2) موسكو: للقضاء على إرهابيي إدلب... والمناوشات بدأت... كم ستصمد الفصائل أمام الجيش السوري، موقع كاتيخون، بتاريخ 5 أغسطس 2018، على الرابط: http:katehon.comararticlemwskw-llqd-l-rhbyy-dlb-wlmnwsht-bdt-km-stsmd-lfsyl-mm-ljysh-lswry
3) المسارات المحتملة للصراع على إدلب، مركز المستقبل للأبحاث الدراسات المتقدمة، بتاريخ 20 أغسطس، 2018، على الرابط: https:futureuae.comar-AEMainpageItem4152
"