مشاحنات «روسية ـ تركية» حول معركة إدلب القادمة.. الأسباب والتداعيات
الثلاثاء 17/يوليو/2018 - 12:38 ص

نورا بنداري
بعد أن استطاعت القوات السورية خلال الأيام القليلة الماضية، تحرير عشرات المدن والقري في محافظة درعا، نتج عنها استسلام مسلحين إرهابيين ودخول وحدات من الجيش إلي هذه القري، بدأت الانظار تتجه نحو محافظة إدلب التي تعد الملاذ الأخير للمجموعات الهاربة من المناطق التي سيطر عليها الجيش السوري، ما يطرح العديد من التساؤلات حول الدور التركي في معركة إدلب القادمة.

صورة أرشيفية
أهمية إدلب بالنسبة لتركيا
تعد إدلب ثالث كبرى المحافظات السورية، كما أن لها موقعًا جغرافيًّا مميزًا، لذا يتنافس عليها العديد من القوي الإقليمية والدولية، والتي يأتي من أهمها روسيا وتركيا، فبالنسبة لأنقرة تعد إدلب مهمة نظرًا للنواحي التالية:
- من الناحية الاستراتيجية: تمثل إدلب أهمية كبيرة بالنسبة لتركيا، لأن حمايتها والدفاع عنها يعني بالنسبة إلى تركيا قطع الطريق أمام الفصائل الكردية الممثلة في وحدات حماية الشعب الكردية، وحزب الاتحاد الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني، التي تصنفهم أنقرة كمنظمات إرهابية، كما أن إدلب مهمة بالنسبة إلى تركيا لكونها من أولى المناطق التي انخرطت في الثورة السورية، كما أن قرب إدلب من مدينة اللاذقية التي تعد بمثابة القلب بالنسبة إلى النظام، يزيد من أهميتها الاستراتيجية أيضا.
- من الناحية الجغرافية: تتميز محافظة إدلب بموقعها الجغرافي المهم، فتحدّها من الشمال ولاية هطاي التركية ومدينة عفرين السورية التي كانت خاضعة للسيطرة الكردية قبل أن تسيطر عليها تركيا، فإدلب تبعد مسافة 45 كيلو مترا فقط عن مدينة الريحانية التابعة لولاية هاطاي التركية.
- من الناحية الديمغرافية: تأتي أهمية إدلب لكونها مدينة ذات تعداد سكاني كبير، يبلغ ما يقارب مليونين و400 ألف، بالإضافة إلى احتوائها على 1.3 مليون نزحوا إليها من مدن سورية مختلفة، لذلك باتت مركز نزوح للآلاف الذين قدموا إليها من ولايات سورية مختلفة، لذلك فإن تفاقم الأوضاع فيها سيؤدي إلى كارثة إنسانية حقيقية، الأمر الذي يهدد الأراضي التركية بوجود احتمالية تعرضها لعملية نزوح جديدة لأراضيها عبر الحدود التركية السورية؛ لذلك تركيا تدعم قوات المعارضة السورية وداعش، حتى تثبت وجودها وسيطرتها على إدلب وما حولها، ولمنع أي عمليات نزوح جديدة.

صورة أرشيفية
تهديد روسي وتطمينات تركية
تداولت معلومات في الثاني عشر من يوليو الجاري، تتحدث عن نية النظام السوري والروس اقتحام مدينة إدلب وبدء عمل عسكري هناك، بعد الانتهاء من عقد اتفاق التسوية في «درعا»، حيث أفادت الوكالة السورية «سمارت الإخبارية» عن بعض المصادر العسكرية والمدنية في إدلب، أن الروس سيتوجهون بعد السيطرة مع الجيش السوري علي درعا نحو إدلب، وأن المعركة في إدلب ستكون في سبتمبر المقبل، ولكن التهديدات الروسية هذه قوبلت بتطمينات من قبل الجانب التركي، حيث أفاد رئيس المكتب الشرعي لـ«فيلق الشام» التابع للجيش السوري الحر «عمر حذيفة»، أن تركيا أعطت تطمينات للأهالي بحماية أدلب وأنها لن تقف مكتوفة الأيدي حيال أي هجوم من قبل النظام وحلفائه علي المدينة.
وأشار «حسين الدغيم» رئيس المجلس المحلي في بلدة «جرجناز» جنوب إدلب؛ أن القوات التركية المتمركزة في نقطة المراقبة القريبة من البلدة أعطتهم تطمينات بحمايتهم، ونقل «الدغيم» عن القوات التركية تأكيدهم أن روسيا لن تنهي اتفاق تخفيف التصعيد، إضافة إلي أن معاودة الأعمال العسكرية من شمال محافظة حلب إلى إدلب وشمال حماة وريف اللاذقية لا يصب في مصلحتها، موضحًا أن القوات التركية لا ترى في الأصل وجود تهديدات لإدلب وتعتبر أن ذلك لا يمكن حدوثه في وجودها.

بشار الأسد
إعلان روسي حول سحب تركيا لقوتها من إدلب
في هذا السياق؛ ظهرت بعض الأنباء في 14 يوليو الجاري؛ حول موافقة تركيا علي سحب قواتها من إدلب، أتي هذا من خلال نشر صحيفة «سفوبودنايا بريسا» الروسية، مقالًا للكاتب «زاؤور كاراييف»؛ أعلن فيه أن تركيا بدأت بإخلاء مواقعها المُتقدمة في إدلب، بانتظار تقدم الجيش السوري وخوضه معارك عنيفة هناك لتصفية المعارضة.
وردًا علي ذلك الأمر، أوضح الخبير التركي «كرم يلدريم» أن مشكلة تركيا الرئيسية في سوريا هي الجماعات الراديكالية الكردية، وأن روسيا بمساعدة «الأسد» يمكن أن تقلل من تأثير هذه الجماعات في كل شمال سوريا، وأن تركيا كانت بحاجة إلى إدلب فقط لتنظيم إجراءات فعالة ضد هذه القوات، لذا من المنطقي أن تقوم تركيا بسحب قواتها من هناك، وأن موافقة تركيا قد ترجع إلي وجود ضغط من الجيش الروسي، وتوقيع اتفاق بين الجيشين (الروسي والتركي)، قائم علي شروط المنفعة المتبادلة.
فيما أعلن الخبير التركي «إندير عمريق»، أن روسيا احتاجت إلى إزالة المواقع التركية في إدلب، لأن هذه المنطقة طالما شكلت خطرًا كبيرًا على دمشق وبالتالي، يتوقع، في الأشهر المقبلة، استيلاء قوات النظام على الأرض هناك.

أردوغان وبوتين
تهديد تركي بالانسحاب من «الأستانة»
خلال مباحثات هاتفية أجريت بين الرئيسين الروسي والتركي في 14 يوليو الجاري، أبلغ «أردوغان» «بوتين» أن اتفاق «استانا» يمكن أن ينهار في حال استهدفت قوات النظام السوري محافظة إدلب، وأكد الرئيس التركي خلال المباحثات أن استهداف المدنيين في درعا كان مقلقًا، مشددًا علي أنه إذا استهدف النظام في دمشق إدلب بنفس الطريقة فإن جوهر اتفاق «أستانة» قد ينهار تمامًا، إضافة إلي أنه يجب تجنب التطورات السلبية في إدلب لتشجيع جماعات المعارضة على حضور اجتماع في أستانة من المزمع عقده يومي 30 و31 يوليو المقبل.
ومن الجدير بالذكر؛ أن تركيا نشرت في الأشهر الماضية 12 نقطة مراقبة توزعت على كامل الشريط الشرقي والغربي لمحافظة أدلب بموجب اتفاق «أستانة» الذي جعل من المحافظة منطقة خفض تصعيد، باستثناء المناطق التي تسيطر عليها «هيئة تحرير الشام».
وفي هذا الإطار؛ فإنه إذا نفذ «أردوغان» تهديداته بشأن إنهاء اتفاق أستانا، فإن «بوتين» قد يلجأ في هذه الحالة إلي إخراج تركيا من عفرين ومناطق في إدلب، حيث إن تركيا دخلت عفرين وغيرها من الأراضي السورية واحتلتها ضمن اتفاقات أستانة وبموافقة روسية، ومن ثم فإن «أردوغان» قد لا يخرج جيشه والعناصر الإرهابية التي يدعمها من الأراضي السورية بهذه السهولة، وقد تنشب اشتباكات مع قوات النظام السوري والقوات الموالية له في الأيام القليلة القادمة.
خيارات تركية في حال التدخل في إدلب
بالتزامن مع الحديث حول قرب بدء العملية العسكرية في إدلب، يجب التوضيح أن تركيا أمامها عدة خيارات من الممكن أن تتجه إلي أي منها خلال الفترة المقبلة لتحديد مصير إدلب، وهما كالتالي:
- الخيار الأول: التوصل إلى تفاهمات نهائية مع روسيا حول وضع إدلب، علي الرغم من أن توافقات في المرحلة المقبلة بين تركيا وروسيا في إدلب غير واضحة أو معلنة، إلا أنه يمكن أن يصل الطرفان إلي وضع اتفاق من شأنه أن يتم التنسيق فيما بينهما لتجنب أي مواجهة عسكرية في إدلب.
- الخيار الثاني: أن تقوم تركيا بمواجهة هجوم عسكري من قبل قوات النظام السوري والقوات الروسية، قد يؤدي إلى مذابح ومئات القتلى، إلى جانب خطر هروب أكثر من ثلاثة ملايين مدني إلى الشريط الحدودي، وهو أسوأ السيناريوهات الذي لا ترغب فيه تركيا إطلاقًا، أو أن تتخذ أنقرة خطوات لإجراء عملية عسكرية على الأرض لمحاربة «هيئة تحرير الشام».
- الخيار الثالث: أمريكا من الممكن أن تضغط علي تركيا لسحب يدها من المحافظة، بموجب توافق روسي، وفي هذه الحال فإن الجانب التركي لا يمكنه الوقوف بوجه الروس والأمريكيين في حال توصلا لأي اتفاق قد يفضي لعمل عسكري، من شأنه إنهاء نفوذ المعارضة، للتجهيز لمرحلة الحل السياسي التي يتم الترويج لها، منذ مطلع العام الحالي.