ad a b
ad ad ad

بين التبعية والتوافق.. كيف تبدو العلاقات التركية القطرية؟

الجمعة 17/أغسطس/2018 - 04:10 م
العلاقات التركية
العلاقات التركية القطرية
مصطفى صلاح
طباعة
تقارب جديد بين الدوحة وأنقره يلقي الضوء على طبيعة العلاقات بين البلدين، عبّرت عنه زيارة حاكم قطر الأمير «تميم بن حمد آل ثاني»، إلى تركيا في منتصف أغسطس 2018، وإعلانه منح تركيا 15 مليار دولار، تُوَجّه بشكل مباشر للاستثمار في المشروعات التركية.

الملمح الأساسي في هذا الأمر، أن هذه الزيارة الأخيرة والاستثمارات الموجهة لدعم العملة التركية تأتي على خلفية توتر العلاقات التركية الأمريكية، وفرض الأخيرة عقوبات اقتصادية وسياسية على أنقره، ما يسلط الضوء على طبيعة ونمط هذه العلاقات، التي وصفها السفير التركي في قطر «فكرت أوزر»، بأن زيارة الأمير تميم بن حمد آل ثاني إلى تركيا، تأتي في إطار علاقات الصداقة بين البلدين، مشددًا على وقوف قطر وتركيا مع بعضهما في مختلف الظروف بما يدعم مسيرة التعاون والصداقة بين البلدين الشقيقين.

فيما ذكرت الرئاسة التركية في بيان لها، أن «أردوغان وآل ثاني» أجريا محادثات في المجمع الرئاسي بعاصمة تركيا أنقرة، موضحةً أنهما «تبادلا الآراء حول العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية».
بين التبعية والتوافق..
تقارب سياسي
كان للتدخل التركي من قبل في الأزمة الخليجية الأثر الأكبر في تحقيق التقارب التركي القطري بصورته الحالية، بعدما أعلنت الدول الأربع العربية (السعودية والإمارات والبحرين ومصر)، في يوم 5 يونيو 2017، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، على الجانب الآخر أعلنت تركيا مساندتها لقطر في مواجهة الحكومات العربية؛ حيث ساندت تركيا الدولة الغنية بالنفط في مواجهة هذه العقوبات التي شملت أيضًا اغلاق المجالات الجوية والبحرية أمام الطائرات القطرية.

كما أكد الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان»، دعم بلاده لقطر من الناحية العسكرية والاقتصادية، وعلى ذلك أرسلت تركيا سفينة محملة بالأغذية بعد نفاد البضائع من المحلات التجارية في الإمارة الصغيرة التي تستورد 80% من احتياجاتها الغذائية.

كما وافق البرلمان التركي على إرسال آلاف من الجنود إلى القاعدة التركية في قطر والمشاركة في تدريبات مع القوات القطرية، ولم تأتِ الموافقة على إرسال القوات التركية إلى قطر، إلا بعد المقاطعة الخليجية مباشرة، علمًا بأن نشر القوات جاء تنفيذًا لاتفاقية بين البلدين تم توقيعها عام 2014، في إشارة إلى التلويح بالقوة عبر نشر قوات عسكرية تركية داخل الأراضي القطرية، عوضًا عن استعداد القطاع الخاص التركي للمشاركة في تنفيذ مشروعات بطولة كأس العالم في كرة القدم في قطر 2022.(1)
بين التبعية والتوافق..
الانقلاب في تركيا
سارعت الدوحة بمساندة أنقره، بعد محاولة الانقلاب مباشرة (محاولة انقلاب عسكري فاشلة لمجموعة من ضباط القوات المسلحة التركية في 15 يوليو 2016)، ففي الساعات الأولى من الانقلاب العسكري في تركيا؛ أصدرت قطر أول موقف عربي يندد بالانقلاب، حتى قبل التأكد من فشله.

وفي اليوم نفسه، تلقى الرئيس التركي أول اتصال هاتفي دولي من أمير قطر، وبعد أسبوعين من الانقلاب زار وزير الخارجية القطري «محمد بن عبدالرحمن آل ثاني» أنقرة؛ لتأكيد وقوف بلاده إلى جانبها.

ويمكن الجزم بأن الموقف القطري سيكون أساسًا لتحالفات تركيا الجديدة في المنطقة، لاسيما في ظل تطابق المواقف في القضايا المتعلقة بالإقليم، بعد أن أشار «أردوغان» إلى أن أول موقف عملي كان من قِبل قطر، التي تعتبر اليوم أقرب حليف لتركيا.

وفي هذا الشأن، تشهد العلاقات التركية القطرية تطورًا في علاقاتهما السياسية والاقتصادية، فضلًا عن تتويج هذا التطور بتكريم السفير القطري في أنقرة، نهاية يوليو 2016؛ وذلك «امتنانًا للموقف القطري تجاه تركيا، ونبل قطر في التعامل مع الأزمة التركية خلال فترة محاولة الانقلاب الفاشلة»؛ حيث دعا «مولود جاويش أوغلو»، وزير الخارجية التركي، «سالم بن مبارك آل شافي»، سفير قطر لدى تركيا، إلى مكتبه في وزارة الخارجية التركية؛ لتكريمه على موقفه وجهوده التي بذلها خلال الانقلاب الفاشل.(2)
بين التبعية والتوافق..
مصالح اقتصادية
تشهد العلاقات الاقتصادية «القطريّة - التركيّة» نموًّا مطردًا في السنوات القليلة الماضية، ورغم التقدم السريع على صعيد زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين وزيادة الاستثمارات، فإن حجم العلاقات الاقتصادية لايزال أقل من المأمول.

ويحاول البلدان منذ عام 2014، استثمار جهودهما المشتركة لرفع حجم التبادل التجاري وزيادة الاستثمارات، بما يتناسب مع العلاقات المتميزة بينهم سياسيًّا، وجرت زيارات متبادلة بين قيادات البلدين والمسؤولين على أعلى مستوى (وزراء الاقتصاد والمالية لدى الطرفين)؛ لتحقيق هذا الهدف.

وعملت العديد من الجهات لدى الطرفين بجهد ونشاط؛ من أجل الدفع قدمًا بالعلاقات الاقتصادية والاستثمارات المشتركة، ومساعدة رجال الأعمال من الجانبين على استغلال الفرص التجارية والاستثمارية القائم.

وتبدي الحكومة التركيّة رغبتها أخيرًا في التوصل إلى اتفاقات بخصوص إمدادات الغاز المسال، وهو مشروع ذو طابع استراتيجي، فكلا الدولتين لديهما إمكانيات أفضل لتوسيع علاقاتهما الاقتصادية في مجالات، مثل: «الطاقة والسياحة والعقارات والأغذية والزراعة»، إضافةً إلى المقاولات وأنشطة البناء والمنتجات الكيماوية والبتروكيماوية.

عسكريًّا.. بلغ مستوى التعاون بين البلدين أعلى مستوى له مع توقيع اتفاقية التعاون العسكري والصناعات الدفاعية عام 2014، التي تنص على إنشاء قاعدة عسكرية تركية على الأراضي القطرية، كما نصت الاتفاقية أيضًا على إمكانية نشر متبادل لقوات تركية في قطر، وقطرية في تركيا، وترتب عليها تأسيس قاعدة عسكرية تركية في قطر، وهي الأولى من نوعها.(3)
بين التبعية والتوافق..
الإخوان.. العمود الأيديولوجي
تمثل جماعة الإخوان (أسسها حسن البنّا في مصر عام 1928) العمود الفقري فكريًّا لمحورية تلك العلاقة بين أنقره والدوحة؛ فالبَلَدَان يتشاركان نفس الرؤية للدول الإسلامية في الشرق الأوسط؛ حيث دعمت أنقرة والدوحة «الإخوان»، الذين وجدوا في الربيع العربي فرصة للانقضاض على الأنظمة الحاكمة في المنطقة، التي لطالما حظرت هذه الحركة.

ودافع «أردوغان» علانيةً عن هذه الحركة في فبراير 2017، مؤكدًا أنها «ليست حركة مسلحة، ولكنها في الحقيقة تنظيم أيديولوجي»، كما استقبلت تركيا وقطر على أراضيها، الكثير من عناصر جماعة الإخوان الفارين من مصر، على رأسهم يوسف القرضاوي، الذي يُنظر له على أنه القائد الروحي لجماعة الإخوان.

وعند حدوث الأزمة الخليجية مع قطر، ازداد قلق الجماعة من فقدان الملاذ الآمن في العاصمة القطرية الدوحة، أو الخشية من تسليم قطر عددًا من عناصر الإخوان، البارزين للأجهزة الأمنية في بلدانهم كـ«كباش فداء»، في محاولة من الحكومة القطرية احتواء غضب مصر والسعودية والإمارات والبحرين، وإنهاء المقاطعة التي فرضتها هذه الدول على الدوحة، إلا أنها سمحت بنقل عناصر الجماعة من قطر إلى تركيا، الملاذ الآمن لهم.

ويمثل الإخوان إحدى الأوراق التي تستثمرها قطر وتركيا لصالحهما في البروز الإقليمي؛ بهدف تحقيق التوازن مع القوى الإقليمية الرئيسية.

إن العلاقة بين تركيا وقطر وجماعة الإخوان، لا تقوم فقط على الروابط القوية التي تجمع النخبة السياسية الحاكمة في تركيا مع مختلف جماعات الإسلام السياسي في المنطقة العربية، وفي مقدمتها جماعة الإخوان، وإنما تؤسس أيضًا على ذلك النمط من الروابط التي تتجاوز الإطار السياسي إلى النسق الأيديولوجي، الذي يجعل الجانبين ينتميان إلى تيار عقائدي واحد، وذلك منذ أن أقدم نجم الدين أربكان على تأسيس الجناح التركي لجماعة الإخوان.(4)

إجمالًا.. تمثل العلاقات التركية القطرية طابعًا مميزًا من العلاقات القائم ليس فقط على المصالح السياسية والاقتصادية والعسكرية، بل إن الدولتين يجمعهما ترابط أيديولوجي داخلي، وعلى مستوى التصورات الخارجية أيضًا، إلا أن هذا التوافق بينهم يعكس ريادة تركيا في التوجهات العامة للعلاقات بينهم؛ لما تمثله من وجهة نظر الدوحة بأن تركيا هي الدولة الإسلامية الوريثة للدولة العثمانية، وما يتعلق برمزيتها الدينية؛ ما يعطي لأنقرة مساحة توجيه الإمارة الصغيرة في المسار الذي يخدم مصالحها في الأساس، وهو ما تؤشر عليه المعطيات السابقة كافة.
المصادر:
(1) مصطفى صلاح، بعد عام من المقاطعة: الأزمة الخليجية وتداعيات التدخل التركي الإيراني، المركز العربي للبحوث والدراسات، بتاريخ 06 يونيو 2018، على الرابط: http:www.acrseg.org40769
(2) هناء الكحلوت، «معادلة المواقف والانقلاب.. قطر حجر الأساس لتحالفات تركيا الجديدة»، الخليج أون لاين، بتاريخ 31-07-2016، على الرابط: http:alkhaleejonline.net%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9%D9%85%D8%B9%D8%A7%D8%AF%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%A7%D9%82%D9%81-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D9%82%D9%84%D8%A7%D8%A8-%D9%82%D8%B7%D8%B1-%D8%AD%D8%AC%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%A7%D8%B3-%D9%84%D8%AA%D8%AD%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%A7%D8%AA-%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D8%A9
(3) العلاقات الاقتصادية، العلاقات القطرية – التركية، سفارة دولة قطر في أنقره، على الرابط: https:ankara.embassy.qa%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B7%D8%B1%D9%8A%D8%A9---%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A9%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D8%A9
(4) عنتر عبداللطيف، لهذه الأسباب تدعم قطر وتركيا الإخوان.. الدوحة تبحث عن دور للخليفة العثماني، صوت الأمة، بتاريخ 23 يونيو 2018، على الرابط: http:www.soutalomma.comArticle817720%D9%84%D9%87%D8%B0%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%A8%D8%A7%D8%A8-%D8%AA%D8%AF%D8%B9%D9%85-%D9%82%D8%B7%D8%B1-%D9%88%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D8%AD%D8%A9-%D8%AA%D8%A8%D8%AD%D8%AB-%D8%B9%D9%86-%D8%AF%D9%88%D8%B1
"