ad a b
ad ad ad

أزمة الدولار في إيران وتركيا.. تفسير من الداخل (*)

الجمعة 17/أغسطس/2018 - 08:59 م
المرجع
ترجمة: علي عاطف حسان
طباعة
في ظل الأزمة الاقتصادية التي تشهدها إيران، بالتزامن مع فرض عقوبات أمريكية عليها من جديد، بعد خروج الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي، كتب الخبير الإيراني في الشؤون التركية، محمد علي دستمالى، في صحيفة «اعتماد» الإيرانية الناطقة باللغة الفارسية مقالًا يتحدث فيه عن الأزمة الإيرانية، ويربطها بنظيرتها في تركيا مؤخرًا، محاولًا أن يبرز نقاط الاختلاف في كيفية مواجهة طهران وأنقرة لهذه الأزمة المالية.


أزمة الدولار في إيران
وبالتزامن مع إعادة فرض العقوبات الأمريكية على إيران، وزيادة قيمة الدولار خلال الأشهر الماضية، والذي تسبب في مشاكل جمة للاقتصاد الإيراني، فقدت الليرة التركية شيئًا فشيئًا قيمتها أمام الدولار الأمريكي وازدادت قيمة الدولار يومًا تلو الآخر في تركيا. وهنا، يبرز سؤال حول لماذا تسبب ارتفاع قيمة الدولار في إيران فيما نشاهده الآن من قلاقل وتوترات، رغم أنه وعلى الناحية الأخرى في تركيا لم يتسبب في ذلك حتى الآن؟ 

نظرتنا القومية ونظرة الأتراك القومية 
خلال السنوات وحتى العقود الماضية، وجّهت إلى القومية انتقادات كثيرة إلى حد كبير، وكُتب في ذلك الكثير؛ إلا أنه في الإسلام، ومن خلال الرجوع في الغالب إلى الآيات الشريفة لسورة الحجرات والآيات الأخرى في القرآن، سنجد أن هناك تأكيدًا على مفهوم الأمة الواحدة.

أما في المذاهب الفكرية الجديدة، سنجد أن هناك تأكيدًا من ناحية أخرى على مفهوم العولمة والكونية والانفتاحية وقبل ذلك على الاشتراكية وغير ذلك من المذاهب الأخرى، كما سنرى أن هناك محاولات دائمة لتشبيه ووصف القومية على أنها مرضٌ مهلكٌ وسمٌ خطيرٌ يجب التصدي له.

ولكن يمكن القول إننا في هذا الصدد تصدينا لذلك بشكل مبالغ فيه ومتطرف؛ فخلال العقود الأربعة الماضية في إيران قد هاجمنا بشكل مبالغ فيه النزعة القومية، واعتقدنا أننا يجب أن نركز أكثر على الفكر والتوجه الديني والسلوك الفردي والاجتماعي، مما يمكن أن يعزز من مكانتنا، حتى أننا كنا كمن يبني حائطًا شيئًا فشيئًا. 


أزمة الدولار في إيران
وعلى الجانب الآخر، فإن الدلائل والشواهد تشير إلى أنه وعلى الأقل من الناحية الاقتصادية الوطنية ومن ناحية المشكلات المتعلقة بالاستثمار والمصالح القومية والاجتماعية، فليس فقط الأشخاص، ولكن كذلك المنظمات والمؤسسات كانت ترجح مفهومًا أكبر يُطلق عليه «المصالح القومية» و«المنفعة العامة».

هل تريدون مؤشرًا على ذلك؟ إنها الصفوف الطويلة أمام محلات الصرافة لشراء الدولار! فليست نسبتهم قليلة هؤلاء الذين حولوا أموالهم وثرواتهم إلى الدولار والذهب. 

وهنا، نسأل ماذا يحدث في تركيا؟ هل حدث في تركيا ما حدث في إيران؟ الإجابة لا؛ فالأخبار والأرقام والإحصاءات والتطورات لا تشير إلى ذلك.

فعلى الرغم من أن قيمة الدولار الأمريكي قد زادت كثيرًا خلال العام الماضي في تركيا، فإن المواطنين الأتراك لم يقفوا مثل الشعب الإيراني في صفوف طويلة لشراء الدولار ولم يحولوا ثروتهم إلى ذهب ودولار وعملات أخرى، وحتى لو حدث ما وقع لدينا، فإن الأمر لن يكون مثل ما حدث في إيران من حيث الأرقام.


أزمة الدولار في إيران
أما لماذا حدث ذلك؟ أين في الواقع المشكلة؟ هل القضية متعلقة فقط بالاستقرار الاقتصادي لتركيا، أو الدخل الذي تحصل عليه من السياحة وقيمته 30 مليار دولار، أم من الدخل الكبير الذي تحصل عليه من التجارة؟ وعندما نجيب سنقول لا؛ فكل ذلك يلعب دورًا، ولكن ليس فقط ذلك. فهناك عاملٌ آخر وهو العرق والطائفة والرغبة في التنمية الاقتصادية والرد السلبي على سلوك الرئيس ترامب.

حيث إن الأتراك الذين حاولوا إبراز غضبهم من تهديد وعقوبات الولايات المتحدة الأمريكية أمام الكاميرات ووسائل الإعلام، والذين قاموا بحرق الدولار ليسوا أقلية مرفهة لا تعاني من المشكلات أو منفصلة. وهناك من الأتراك داخل المجتمع من يتبنى نظرة معادية للولايات المتحدة، إلا أن الاختلاف هنا هو أن المواطنين الأتراك لم يقوموا إثر خلافهم، في هذا المنعطف التاريخي والسياسي الحساس، بحرق العلم الأمريكي بل حرقوا الدولار الأمريكي. وكان هذا الحرق الأخير أوج تعبيرهم عن غضبهم.

وعلى النقيض من ذلك في إيران، فإلى جانب الكثيرين الذين ينظرون للقضية من الناحية القومية والعاطفية، فهناك مجموعة أخرى حاولت الاستفادة من هذه الفرصة حتى تزداد أموالهم وثرواتهم ولا تنقص ريالًا واحدًا. فهناك من لا يعاني في إيران من تلك المشكلة ممن هم من أصحاب الأموال في البنوك وغيرهم. إنه من الجدير لنا أن نعلم أن مثل هذه الأفعال المتعددة التي يقوم بها بعض المواطنين ستضر بالتأكيد بإيران. 

إن المواطن الذي يملك هذه الأشياء لن يكون لديه هذه المخاوف الوطنية، ولن تعني لديه الكثير المصالح القومية والمنفعة العامة. وهناك سؤال آخر، ألا وهو: هل يجب أن نلقي المشكلة فقط على هذه الطائفة الانتهازية من المجتمع؟ الإجابة قطعًا لا؛ فنحن في إيران لدينا الملايين من المواطنين الذين يحبون وطنهم ولا يفكرون في استغلال الفرصة والاحتكار وتخزين الأموال. 


أزمة الدولار في إيران
وهناك سؤال آخر، وهو كيف ستتعامل الحكومة الإيرانية والمسؤولون والفريق الاقتصادي مع الأزمة؟ ماذا سيفعل الرئيس روحاني ومستشاروه الاقتصاديون؟ هل سيقوم بدعم القطاع الخاص؟ ماذا ستفعل وسائل إعلامنا وإذاعاتنا حيال الأزمة؟ هل سيستطيعون أن يساعدوا في نشر الأمن والثقة لدى المواطنين؟ الإجابة لا للأسف.

وفي النهاية، بعيدًا عن المواطنين العاديين والأشخاص فإن عشرات الشركات الحكومية والبنوك والمؤسسات الأخرى لدينا عندما قامت بشراء العملة من الدولار واليورو فإنهم ألقوا بالنزين على النيران وفي نفس الوقت حينما قاموا بالإضرار بالعملة الوطنية وواردات الدولة الأساسية، فإن مئات الأفراد والشركات والمؤسسات الاقتصادية في إيران قد تضرروا من ذلك. وعليه، فإنه وقبل كل شيء، على القطاع الإداري في إيران أن يعيد ترميم نفسه وأكثر من ذلك وألا تعتمد إيران على الحظ. 

(*) مقال للكاتب: محمد علي دستمالى، الخبير الإيراني في الشؤون التركية، منشور بصحيفة «اعتماد» الإيرانية الناطقة باللغة الفارسية، بتاريخ: السبت 11 أغسطس 2018.
"