احتجاجات البازار الإيراني ومُستقبل الجمهورية الإسلامية
الثلاثاء 03/يوليو/2018 - 02:55 م

احتجاجات البازار الإيراني
مرﭬت زكريا
في صباح يوم 24 يونيو 2018 اندلعت تظاهرات عنيفة في طهران؛ احتجاجًا على الوضع الاقتصادي السيئ، وانهيار العملة الإيرانية في مقابل الدولار، الذي تخطى نحو 9 آلاف تومان في السوق الإيرانية، على الرغم من تقديرات الحكومة التي تقر بأنه نحو 4200 تومان فقط؛ حيث تدفق مئات الآلاف من المتظاهرين من مختلف المناطق إلى مقرِّ البرلمان الإيراني في منطقة «بهارستان» وسط طهران.

ومن المُلاحظ أن الاحتجاجات التي كانت تتكرر كل عقد تقريبًا في إيران، أصبحت تحدث على فترات متقاربة للغاية وصلت لشهور قليلة، بل ربما أسابيع، ما يشير إلى المخاطر الحقيقية التي أصبحت تحيط بالنظام، وتنبئ بزواله المحتمل، وعلى الرغم من أن نظام الجمهورية الإسلامية كان قادرًا على احتواء مثل هذه الاحتجاجات في معظم الحالات، فإن تكرارها السريع قد يؤدي إلى فشله في التعامل معها.
واختلفت دوافع التظاهرات بشكل عام في إيران فيما بين ما هو سياسي، واقتصادي وثقافي، وربما كان هناك تداخل فيما بين تلك الدوافع، إلا أن المحفز الاقتصادي كان أقوى دائمًا، وهو ما ظهر خلال الاحتجاجات الأخيرة في ما ورد من هتافات تندد بالسياسات الاقتصادية للحكومة الإيرانية، والتدخلات الإقليمية لإيران في منطقة الشرق الأوسط، كما بدأت الاحتجاجات من قبل البازار الإيراني ضد تدهور أوضاع السوق، وارتفاع سعر العملة؛ ما أدى إلى تراجع المبيعات (1).
في الوقت الذي يُقر فيه البعض الآخر، أن السبب الرئيسي لتدهور الأوضاع داخل طهران هو انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي، وإعادة فرض العقوبات الأمريكية مرة أخرى؛ حيث تسعى معظم الشركات العالمية حاليًّا لتصفية أعمالها داخل إيران، قبل دخول العقوبات الأمريكية حيز التنفيذ، بعد مهلة تصفية أعمال تبلغ 90 يومًا للمشروعات العادية، و180 يومًا للمشروعات النفطية (2).

محمد جواد ظريف
في السياق ذاته، حذر وزير الخارجية الإيراني «محمد جواد ظريف» من مخاطر كبيرة ستواجه إيران في حال فشل الاتفاق النووي، مشيرًا إلى أن بلاده ستنسحب من اتفاقية العمل المشتركة الشاملة، إذا ما أجبرت على ذلك، كما اجتمع «روحاني» بأعضاء الغرفة التجارية وعدد من الناشطين الاقتصاديين؛ لبحث المسارات المحتملة لمستقبل الاتفاق النووي، وتداعيات الانسحاب الأمريكي، فضلًا عن عودة العقوبات الأمريكية مرة أخرى على إيران (3).
كما ستهدد الخسائر الاقتصادية النظام الحاكم وتزلزل أركانه، لاسيما بعد انخفاض سعر الصرف، وتعزيز التضخم والإضرار بمستويات المعيشة، فضلًا عن الحدِّ من قدرة الإيرانيين على السفر للخارج، في حين أرجع البعض الآخر أسباب الاحتجاجات لغياب الشفافية والوضوح بين الحكومة والبرلمان من جهة، والشعب من جهة أخرى.
وعلى الصعيد الآخر، يرى مراقبون أن هناك دوافع أخرى لهذه الاحتجاجات، تتمثل في غياب العدالة فيما بين الأقليات داخل إيران، في السياق ذاته، حذر «بزشكيان» رئيس كتلة الترك الأذريين (أكبر عرقية في طهران)، من تعرض القوميات للتهميش وغياب العدالة، قائلًا: «العدالة للجميع وليس لجمع خاص، نحن لا يمكننا أن نتجاهل كردستان ونتوقع من الأكراد دعم الثورة، ولا يمكننا تجاهل العرب ونتوقع منهم أن يدعمونا»، في الوقت الذي تساءل فيه حول ما إذا كانت السلطة الإيرانية لديها القدرة بالفعل على تطبيق العدالة فيما بين العرقيات، في مختلف المناطق الإيرانية وبين الجنسين؟ (4).

وزير التجارة والصناعة محمد شريعتمداري
مُحاولات التعاطي مع الأزمة
أدت الاحتجاجات المتكررة في إيران إلى عجز الدولة عن توليد سياسات جديدة للتعامل مع الأزمات المتلاحقة، ولكن كانت هناك بعض السياسات التي انتهجتها إيران لمحاولة احتواء هذه الأحداث، والتي تتمثل فيما يلي:-
1- توحيد سعر الصرف، حيث أعلنت السلطات الإيرانية توحيد سعر الدولار في السوقين الرسمية والسوداء عند 42 ألف ريال، مع حظر التداول بأي سعر آخر، ومعاقبة مَن يخالف ذلك، لكن فشلت هذه الخطة؛ لأن الدولة كانت تتيح مبالغ أقل بكثير عبر القنوات الرسمية، وكل ما حدث هو أن السوق الحرة أصبحت سرية، كما أعلنت البنوك المركزية فيما بين السياسات الحمائية للأزمة الحالية بتحديد سعر الدولار بنحو 4200 تومان، ولكنه تخطى 9000 تومان؛ وهو ما تسبب في إرباك الاقتصاد الإيراني، وتوقف المبيعات في الأسواق؛ نتيجة لتذبذب الأسعار.
في السياق ذاته، حظرت وزارة التجارة والصناعة الإيرانية استيراد أكثر من 1400 سلعة، أبرزها السيارات، كما أرسل وزير التجارة والصناعة «محمد شريعتمداري» قائمة بالبضائع المحظورة، إلى منظمة تنمية التجارة الإيرانية، التي تعمل بما يُعرف بـ«نظرية الاقتصاد المقاوم» برعاية المرشد الأعلى «علي خامنئي»، وتقوم على دعم البضائع المحلية، ومنع الاستيراد من الخارج (5).

نائب الرئيس الإيراني إسحاق جهانجغيري
2- تعديل التشكيل الوزاري، حيث أكد نائب الرئيس الإيراني «إسحاق جهانجغيري» ضرورة تعديل التشكيل الحكومي الحالي، وإنشاء وزارات تتناسب مع التحديات الجديدة التي تواجه إيران، كما دعا «روحاني» للتنسيق بين السلطات الثلاث؛ (التشريعية، والقضائية، والتنفيذية)؛ لمواجهة تداعيات الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، وإعادة فرض العقوبات مرة أخرى.
في الوقت الذي دعا فيه روحاني إلى ضرورة الوحدة فيما بين مؤسسات الدولة في إيران، لمواجهة الضغوط الأمريكية المتلاحقة، مؤكدًا أن غاية واشنطن من هذه الحرب، هي عرقلة الاقتصاد الإيراني؛ حتى تعود طهران لطاولة المفاوضات، وترضخ للشروط الأمريكية فيما يتعلق بالاتفاق النووي (6).
3- توفير الحاجات الأساسية للمواطنين، فقد أفاد عضو لجنة الميزانية في البرلمان «شهباز حسن بور» بأن هناك خطة حكومية شاملة لمواجهة غلاء الأسعار، مشيرًا إلى أنه لا مجال للقلق حول القضايا الاقتصادية والوضع المعيشي للناس، فالحكومة لديها خطة شاملة لتوفير السلع الأساسية للمواطنين، وقال في ذلك «لدينا ما يكفي من السكر، القمح وزيت الطهي ... والعملة الصعبة لضخها في السوق». (7).

روحاني
من ناحية أخرى، وعد «روحاني» بتوفير فرص عمل للشباب الإيراني؛ للقضاء على أزمة البطالة الحالية الموجودة في طهران، بعد تطبيق نظرية «الاقتصاد المقاوم» التي دعا إليها المرشد الأعلى «علي خامنئي»، والاعتماد على الذات في تصنيع معظم السلع المحلية التي يحتاجها المواطنون، استعدادًا لمرحلة ما بعد إعادة فرض العقوبات الأمريكية (8).
4- التأكيد على التمسك بالاتفاق النووي، فإنه على الرغم من الضغوط الداخلية التي تواجه «روحاني»؛ بسبب المخاوف من فشل الحكومة في إقناع الدول الأوروبية بتقديم مقترحات تضمن بقاءها في الاتفاق النووي، فإنه أفاد بضرورة عدم الانزلاق وراء الحرب النفسية الاقتصادية من قبل واشنطن لإخضاع الإيرانيين لشروطها، من ناحية أخرى، دافع روحاني عن مكاسب الاتفاق النووي، الذي اعترف بحق إيران في تخصيب اليورانيوم وفقًا للقرار رقم (2231).
كما رفض «روحاني» النظرة الأمنية للاتفاق النووي، مؤكدًا أن الهدف الأساسي من عقده مع مجموعة (5+1) كان يتمحور حول خروج إيران من الفصل السابع لمجلس الأمن، وهو الهدف ذاته الذي انسحب ترامب لأجله؛ حيث ترتكز غاية ترامب على تكثيف الضغوط حول نظام الجمهورية الإسلامية؛ حتى يتم إجبار طهران على الخروج من الاتفاق النووي، ومن ثم يتم فرض كل العقوبات مجددًا، ويتحول الملف النووي الإيراني لملف أمني بالأساس، ومن ثم ستخسر طهران مشروعية برنامجها النووي (9).
ختامًا.. تشير الاحتجاجات المتواصلة خلال السنوات الأخيرة لأزمات شديدة تلاحق النظام الإيراني، لكن يظل الدافع الاقتصادي هو المحرك الأساسي لكل هذه الأحداث، بدايةً من الثورة الاسلامية لعام 1979 وانتهاءً باحتجاجات يونيو 2018، ومن الواضح أن النظام فشل في التعامل مع هذه الاحتجاجات؛ نتيجة للفساد والتهميش الطبقي والعرقي، فضلًا عن استحداث نظام الملالي سببًا آخر للفشل الاقتصادي، يتمثل في تكلفة التدخلات الخارجية.
في النهاية ستشهد الأيام القليلة المقبلة تطوراتٍ كبيرةً فيما يتعلق بمستقبل نظام الجمهورية الإسلامية في إيران؛ بسبب حالة التخبط الشديدة التي يوجد عليها حاليًّا، لاسيما بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، وغموض مستقبل النظام في ظل التردي الواضح لصحة المرشد الأعلى «علي خامنئي»، وعدم التوافق حول شخصية خليفته، فضلًا عن تشتت الجهود؛ نتيجة التدخلات الإيرانية في كثير من دول المنطقة.
الهوامش:
1. مظاهرات وسط طهران ضد تدهور الوضع الاقتصادي، الشرق الأوسط، 25/6/2018، الرابط.
2. شبح الاحتجاجات يعود إلى طهران مع استمرار انهيار الريال، الشرق الأوسط، 25/6/2018، الرابط.
3. ظريف يحذر من مخاطر فشل الاتفاق النووي علي إيران، الشرق الأوسط، 25/6/2018، الرابط.
4. حكومة روحاني تدعو لوحدة الإيرانيين ضد الحرب الاقتصادية، الشرق الأوسط، 25/8/2018، الرابط.
5. إيران توقف استيراد السيارات وآلاف السلع بسبب نقص الدولار، أخبارك، 26/6/2018، الرابط.
6. Iranian take to streets of Tehran in biggest protests since 2012, 27/6/2018, The Independent.
7. Iran economic protests enter second day amid rial’s collapse, 26/6/2018, The Times Of Israel.
8. Ray Takeyh, Iran resistance economy debate,7/4/2016, council on foreign relations.
9. protests in Iran as Rouhani says “ U.S wants economic war “, 26/6/2018, The Washington Post.