يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad

انشقاقات الإخوان.. خلافات هيكلية ومراوغات سياسية

الثلاثاء 14/أغسطس/2018 - 12:06 ص
الإخوان - أرشيفية
الإخوان - أرشيفية
حامد المسلمي
طباعة
تعد طبيعة الانشقاقات داخل التنظيمات والحركات الإسلاموية أمرًا شبه طبيعي، خصوصًا تلك الجماعات التي تعتمد تنظيميًا على الرابط الأيديولوجي ذاته، وذلك لطبيعة الحياة السياسية الديناميكية التي يطرأ عليها العديد من المستجدات، ما يستتبعها العديد من الاختلافات بين قادة وأفراد التنظيم.

بجانب العديد من الأسباب الأخرى، مثل الأسباب الأيديولوجية كالخلاف حول العديد من القضايا الفقهية الجهادية المستجدة وأولويات القتال، والمراجعات الفكرية لبعض أعضاء التنظيم.

 الإخوان
الإخوان
كما أن هناك مجموعة من الأسباب السياسية كالرغبة في الزعامة السياسية للحركة، والتنافس حول السيطرة على السلطة والثروة، وبعض الأعضاء يسعون للانشقاق للجلوس على طاولة المفاوضات واقتسام «كعكة السلطة والثورة»، أو يكون الانشقاق لبقاء فكرة الجهاد على قيد الحياة في حالة ضعف ووهن التنظيم، وذلك بالإعلان عن تنظيم جديد يجذب الكثير من الضوء، أو يكون الانشقاق بغرض الدعاية وجذب التغطية الإعلامية، أو بغرض المعارضة من الداخل. بالإضافة إلى الانشقاقات المدفوعة حكوميًّا وذلك بالترغيب لتيار داخل حركة أو جماعة بمزايا إعادة الإدماج مع المواطنين والترغيب بإجراءات العفو عن المنشقين عن هذه التنظيمات.

وكذلك هناك أسباب تكتيكية آخري كالانشقاق لمبايعة تنظيم إرهابي آخر، كما يحدث بين فروع تنظيمي «القاعدة» و«داعش».
ولكن مع كل هذه الأسباب، تبقى جماعة الإخوان متفردة في الإطار الجامع لأفرادها، فهي جماعة لا تقوم فقط على الرابط الأيديولوجي، ولكن هناك الرابط الأهم بالنسبة للتنظيم وهو مبدأ السمع والطاعة من جانب، بالإضافة إلى الجيتو الاجتماعي عند جماعة الإخوان، والذي ينتج عناصر تنضم للتنظيم بحكم الميلاد في أسرة إخوانية بالكامل، والتي تعطي للمنضم العديد من الفوائد التي يتحصل عليها من التنظيم مثل تكفل التنظيم بأفراده، ومساعدتهم ماديًّا ومعنويًّا والعمل على ترقيتهم وظيفيًّا.

وقد شهدت جماعة الإخوان العديد من الانشقاقات بدأت بعد عقد واحد من تأسيس الجماعة، وتوالت بعض الانشقاقات القليلة على استحياء، حتى بدأت الانشقاقات تظهر إعلاميًا بوضوح قبيل ثورة يناير 2011، وأثناء فعالياتها وعقب ثورة 30 يونيو 2013. 

وشهدت الفترة الأخيرة عقب ثورة 30 يونيو والإطاحة بجماعة الإخوان من حكم مصر ظاهرة غريبة، وهي تصاعد الانشقاقات من جانب، وعودة التعاطف والانضمام من قبل بعض التيارات والعناصر التي انشقت عن الجماعة سواء قبل ثورة يناير أو أثناءها وخلال فترة سيطرة الإخوان على البلاد (2012-2013) من جانب آخر.
صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
وفي هذا السياق تأتي أهمية الدراسة حول ظاهرة الانشقاق عند الإخوان وذلك بمحاولة فهم أسباب هذه الظاهرة، ومعرفة اتجاهات العناصر المنشقة عن الجماعة ومعرفة مآل الجماعة في حالة تواصل الانشقاقات أو العودة لبعض المنشقين السابقين.

أولًا- تطور ظاهرة المنشقين عند الجماعة تاريخيًّا
يقصد بمفهوم الانشقاق الذي تناقشه الدراسة، هو انفصال فرد أو مجموعة عن التنظيم بشكل عضوي، رغم أنه لا يزال يحمل الأفكار نفسها، ولكنه يختلف حول طريقة الإدارة الحالية لهذا التنظيم. وبهذا يختلف الانشقاق عن المراجعات الفكرية أو الخلاف الأيديولوجي بين الأفراد، والذي يؤدي بالتبعية إلى الانشقاق، سواء لاعتزال العمل التنظيمي بسبب المراجعات الفكرية، أو لتأسيس تنظيم آخر عبر أيديولوجية المنشقين الجدد.

وتمر ظاهرة الانشقاق داخل التنظيمات بعدة مراحل، أولها الاعتراض على القرارات المركزية، ونقد هيمنة تيار معين على التنظيم، حتى يصل الأمر للصدام المباشر والانشقاق عن التنظيم.
البنا
البنا
1- المرحلة الأولى (ديكتاتورية البنا والانشقاقات) 
أ‌- الانشقاق الأول، هناك بعض المراجع التي تُرجع الانشقاق الأول إلى عام 1937، وانشقاق مجموعة اعتراضًا على تلقى البنا تمويلًا قدره (500 جنية مصري) من شركة هيئة قناة السويس لبناء مسجد، إلا أن الانشقاق الأول الموثق كان للمحامي (محمد عطية خميس) الذي أسس حركة شباب محمد عام 1940.

ب‌- شهد مايو 1946 استقالات جماعية من شعبة الإخوان في زفتى (مدينة بمحافظة الغربية بدلتا النيل)، وفي الشهر نفسه استقالت مجموعات أخرى من بلبيس (بالشرقية، شرق دلتا النيل) ومحرم بك (بالإسكندرية) والعريش (شمال سيناء) والسويس، بالإضافة إلى مجموعات من طلاب كلية الحقوق جامعة فاروق الأول، وكانت كلها لأسباب سياسية، نتيجة تأييد البنا لحكومات غير مؤيدة شعبيًا.

ت‌-عام 1947 كان الانشقاق الأهم في عهد مؤسس الجماعة حسن البنا(1928-1949)، وذلك على خلفية قضية أخلاقية تورط فيها عبدالحكيم عابدين صهر البنا (زوج أخت حسن البنا)، حيث اتهم بانتهاك حرمات بيوت الإخوان، وكان هذا الاتهام تقويضًا لأهم دعائم الإخوان كجماعة تدعي الفضيلة والأخلاق، وطالبت أصوات من الجماعة بفصل عابدين، إلا أن البنا رفض وشكل لجنة لتقصي الحقائق، فُطرح الأمر على مكتب الإرشاد الذي صوت بأغلبية ثمانية أصوات لصالح قرار الفصل، مقابل صوت واحد، لكن البنا لم يرضخ للديمقراطية والأغلبية، وإنما فاجأ الجميع بإيقاف أبرز المعترضين على قراراته، فخرج من الجماعة أحمد السكري (أحد أبرز المؤسسين والوكيل الأول لمكتب الإرشاد) وكذلك خرج الدكتور إبراهيم حسن، وكمال عبدالنبي.
حسن الهضيبي
حسن الهضيبي
2- المرحلة الثانية (الانشقاقات بين الصدامات والمواءمات)
تنوعت حركة الانشقاقات في الفترة التي تلت حسن البنا، حيث دخلت جماعة الإخوان في العديد من المواءمات العلنية والسرية مع الأنظمة الحاكمة في الدولة المصرية وصولًا إلى الصدامات العنيفة مع النظام.

أ‌- الانشقاق الأبرز في عهد حسن الهضيبي (المرشد الثاني للجماعة (1949-1973) كان بانشقاق 1953، وذلك عبر مجموعة عبدالرحمن السندي رئيس التنظيم الخاص بجماعة الإخوان والمسؤول عن الاغتيالات والعنف بالجماعة، حيث انشق السندي ومجموعة من زملائه عقب محاولة الهضيبي عزله من منصبه وتعيين المهندس «سيد فايز» بديلًا عنه، فقرر السندي قتله عبر علبة حلوى مفخخة، وقامت الجماعة بفصله هو ومجموعة من التنظيم الخاص أبرزهم أحمد عادل كمال، ومحمود الصباغ وأحمد زكي، وتعاطف معهم أربعة أخرون وهم صالح عشماوي والشيخ محمد الغزالي وعبدالعزيز جلال، والشيخ السيد سابق، ليقوم أعضاء التنظيم السري بانقلاب على المرشد ويحتلوا المركز العام للإخوان، وحصل صدام بينهما، وانفرد الهضيبي بقيادة الجماعة، وعمل النظام على استمالة بعض المفصولين بعد ذلك.
عمر التلسماني
عمر التلسماني
ب‌- مع تولي الرئيس محمد أنور السادات الحكم، حدثت الانفراجة بين الجماعة والنظام في السبعينيات، وبدأت مرحلة عمر التلسماني (المرشد الثالث للجماعة 1973-1986) في إعادة بناء الإخوان، ولم تكن هناك انشقاقات كبيرة على المستويات التنظيمية.

إلا إذا أُخذ في الاعتبار أن التيارات الجهادية في سبعينيات القرن العشرين خرجت من داخل جماعة الإخوان (من بينها تنظيم الفنية العسكرية، وتنظيم الجهاد، والجماعة المسلمة التي عرفت إعلاميًّا بالتكفير والهجرة، وغيرها). وجاء تصريح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لجريدة التايمز الأمريكية ليؤيد ذات المعنى.

انشقاق جماعة القطبيين عام 1975 بقيادة عبدالمجيد الشاذلي، على ضوء الخلافات التي حدثت بين الإخوان في السجن عقب القبض عليهم في قضية تنظيم 1965 (الذين كانوا يخططون للانقلاب على حكم جمال عبدالناصر بقيادة سيد قطب)، وكان سبب الخلاف الرئيسي هو كتاب الهضيبي (دعاة لا قضاة)، فبعد الإفراج عن الشاذلي قام بتأسيس جماعة «دعوة أهل السنة والجماعة» والتي عرفت أمنيًّا بجماعة القطبيين.
محمد حامد أبو النصر
محمد حامد أبو النصر
ث‌- عهد محمد حامد أبوالنصر (المرشد الرابع للجماعة 1986-1996)
شهد عهد المرشد الربع حادثة انشقاق بارزة، وهي بخروج مجموعة تزيد على المائة شخص بقيادة محمد رشدي، من إخوان جامعة الأزهر، وكان سبب الانشقاق هو «خروج الجماعة عن الخط الإسلامي الملتزم»، وذلك بالإضافة إلى انشقاق بعض القيادات الفردية مثل الدكتور فريد عبدالخالق الذي استقال من مكتب الإرشاد اعتراضًا على سيطرة التنظيم الخاص على الجماعة، والشيخ عبدالستار فتح الله سعيد الذي استقال أيضًا من مكتب الإرشاد احتجاجًا على موافقة الإخوان من التجديد لمبارك.

مصطفى مشهور
مصطفى مشهور
ج‌- عهد مصطفى مشهور (المرشد الخامس للجماعة 1996-2002)
أحد أهم الانشقاقات في التاريخ الحديث في عهد الإخوان كان مع تولي مصطفى مشهور منصب المرشد للجماعة، وذلك بخروج مجموعة بقيادة أبوالعلا ماضي وعصام سلطان ومحمد عبداللطيف وصلاح عبدالكريم، وتبني هذه المجموعة منهج الاندماج في الحياة السياسية بالأدوات الحديثة وأسسوا حزب الوسط.

وكذلك شهدت انشقاق القيادي ثروت الخرباوي على خلفية ترشيحه لسامح عاشور كنقيب للمحامين بخلاف رأي الجماعة مع مطلع الألفية الجديدة.
مأمون الهضيبي
مأمون الهضيبي
ح‌- عهد مأمون الهضيبي (المرشد السادس للجماعة 2002-2004)
لم تشهد الفترة القصيرة التي قضاها مأمون الهضيبي انشقاقات كثيرة، وإنما بعض الحالات الفردية مثل انشقاق القيادي مختار نوح (عضو البرلمان السابق عن جماعة الإخوان).
 محمد مهدي عاكف
محمد مهدي عاكف
خ‌- عهد محمد مهدي عاكف (المرشد السابع للجماعة 2004-2010)
شهدت هذه الفترة مواءمات بين جماعة الإخوان والنظام السياسي في مصر، وحصلت الإخوان على ما يقرب من 20% من مقاعد البرلمان في سابقة هي الأولى للجماعة، وبدت الجماعة أكثر تنظيمًا، حتى أصبحت التيار السياسي الثاني المنظم في البلاد بعد الحزب الوطني الحاكم.
محمد بديع
محمد بديع
3- المرحلة الثالثة: الانشقاقات التكتيكية مع ثورة يناير 2011 (عهد محمد بديع المرشد الثامن للجماعة منذ 2010 حتى الآن)
منذ تولي بديع منصب مرشد الجماعة حتى بدأت حركة انشقاقات مستمرة إلى الآن، شهدت خروج مجموعات وفرادى، بعضهم اعتزل العمل، وآخرون انشقوا لتأسيس أحزاب سياسية، وكان أبرز هذه الانشقاقات، والتي يمكن أن تنقسم لتيارين.
أ‌-الأول: انشقاقات قيادات فردية 
(1) استقالة محمد حبيب من منصبه كنائب أول للمرشد العام في 2010، وذلك احتجاجًا على نتائج الانتخابات التي أتت بمحمد بديع مرشدًا للجماعة، واكتفى بموقعه كعضو في مجلس شورى الجماعة، ثم طالب مجددًا بعد ثورة يناير بالتحقيق في نتائج الانتخابات ومع عدم الاستجابة استقال بشكل نهائي من الجماعة في 2012.
 القيادي هيثم أبو
القيادي هيثم أبو خليل
(2) استقالة القيادي هيثم أبوخليل بالإسكندرية، وذلك اعتراضًا منه على دخول الجماعة في مفاوضات سرية مع اللواء عمر سليمان (نائب الرئيس الأسبق حسني مبارك) أثناء ثورة يناير، وذلك في محاولة لعقد صفقة سياسية بعيدًا عن القوى الوطنية المشاركة في الثورة.
 القيادي إبراهيم
القيادي إبراهيم الزعفراني
(3) استقالة القيادي إبراهيم الزعفراني عضو مجلس شورى الجماعة احتجاجًا منه على رفض الجماعة الفصل بين العملين الدعوي والسياسي في أبريل 2011، واعتراضًا منه على نتائج انتخابات 2010 والتي أتت بالمرشد محمد بديع.
صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
(4) استقالة الشيخ محمد سعيد البر (المسؤول عن الملف التربوي بالجماعة) والذي نشر استقالته على صفحته على موقع «فيس بوك» متبوعة بالأسباب التي دفعته لذلك، وهي انحراف الجماعة، وعدم الرغبة في تعديل المسار.
 القيادي كمال الهلباوي
القيادي كمال الهلباوي
(5) استقالة القيادي كمال الهلباوي (المتحدث السابق باسم التنظيم الدولي في أوروبا)، وقد استقال على خلفية نكوص الجماعة على قرارها بعدم ترشيح أحد إلى انتخابات الرئاسة، وذلك بترشيح نائب المرشد (خيرت الشاطر) ومع استبعاده رشحت الجماعة محمد مرسي، الذي أصبح رئيسًا لمصر 2012-2013 حتى الإطاحة به عقب ثورة الشعب المصري في 30 يونيو 2013.
عبدالمنعم أبوالفتوح
عبدالمنعم أبوالفتوح
ب‌- الثاني: انشقاق مجموعات
(1) فصل الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح وذلك على خلفية إعلانه ترشحه لانتخابات الرئاسة بالمخالفة لقرار الجماعة بعدم ترشيح أي من أعضائها للرئاسة، قبل رجوعها في قرارها بعد ذلك، حيث أسس حزب مصر القوية وخاض انتخابات الرئاسة في 2012.

(2) انشقاق مجموعة حزب التيار المصري، وهم مجموعة من الشباب بدأت خلافاتهم مع الجماعة ورفضها المشاركة في ثورة يناير 2011، وتطورت الخلافات مع إحجام الجماعة عن المشاركة في العديد من الفعاليات الثورية، وصولًا إلى قرار الجماعة بإنشاء حزب واحد (كذراع سياسية للجماعة) وهو حزب الحرية والعدالة، وفصلت الجماعة هذه المجموعة بقيادة إسلام لطفي والذي عمل على تأسيس حزب التيار المصري.
صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
ثانيًا- اتجاهات المنشقين عن الجماعة
تعددت أسباب ودوافع الانشقاقات داخل جماعة الإخوان، ومع ذلك فكانت الجماعة السياسية الأكثر تماسكًا في مصر، وذلك لصعوبة الدخول فيها من الأساس، ومرور العضو بها بمراحل متعددة وهي «محب» إلي «مؤيد» ثم «منتسب» وصولًا إلى «منتظم» وأخيرًا «عضو عامل بالجماعة»، وهي المراحل التي تأخذ سنوات عديدة ربما تصل إلى سبع سنوات يخضع فيها العضو لاختبارات عدة للتأكد من عنصري «الولاء الكامل للجماعة» و«السمع والطاعة»، وذلك بالإضافة إلى «الجيتو الاجتماعي» عند الإخوان، وأن كثيرًا من الأجيال الحالية للإخوان هم أبناء لإخوان سابقين ومنتمين لعائلات إخوانية بالكامل.

وفي هذا السياق فقد اتخذت المجموعات المنشقة عن الجماعة العديد من الاتجاهات المتباينة أحيانًا والمتقاطعة أحيانًا أخرى؛
القيادي الإخواني
القيادي الإخواني محمد كمال عضو مكتب الإرشاد
الاتجاه الأول: منشق عن التنظيم لتكوين تنظيم آخر
تنشق هذه العناصر عن التنظيم لاختلاف حول طريقة إدارة التنظيم، وسعي هذه المجموعات لعمل الفصل بين الدعوي والسياسي ظاهريًا، وفي الوقت نفسه تسعى هذه العناصر إلى إنشاء تنظيم آخر ويحمل الأفكار نفسها، ويمكن إدراج المجموعات المنشقة والتي أنشأت أحزابًا سياسية مثل قيادات حزب الوسط، ومجموعة أبوالفتوح وحزب مصر القوية، ومجموعة إسلام لطفي وحزب التيار المصري.
ًِ
الاتجاه الثاني: منشق عن الجماعة لخلاف حول الإدارة 
تنشق هذه العناصر لخلاف حول طريقة إدارة التنظيم، وهيمنة تيار معين على التنظيم، فيعمل المنشقون على نقد طريقة إدارة الجماعة وفضح التيار المعارض المسيطر عليها، مثل العديد من القيادات الإخوانية المنشقة الذين يهاجمون التيار القطبي- نسبة إلى سيد قطب-، أو يهاجمون سيطرة أعضاء التنظيم الخاص على الجماعة، ويقدسون أفكار حسن البنا (مؤسس الجماعة)، وهذا يعني بأن هؤلاء المنشقين مازالوا إخوانًا فكرًا، ويدافعون عن أفكارهم وإن كانوا خارج التنظيم، وهناك العديد من الأمثلة على هذا الاتجاه، أبرزهم محمد حبيب، وفريد عبدالخالق، ومحمد سعيد عبدالبر وغيرهم.

الاتجاه الثالث: منشق عن الجماعة نتيجة مواءمات سياسية 
تنشق هذه العناصر عن الحزب في ظروف معينة وتعمل على قيادة معارضة «ظاهرية» ضد الجماعة، وعملت على اجتذاب تيارات أخرى لها، فتهاجم التنظيم تارة، وتارة أخرى تدافع عنه فتحوز على مصداقية عند البعض، وفي لحظات معينة عملت هذه العناصر على تبرير أفعال الجماعة، وعقب الثورة المصرية في 30 يونيو عملت هذه الفئة باستماتة في الدفاع عن جماعة الإخوان، وأطلقت بعض وسائل الإعلام الإخوانية عليهم «التائبون عن الاشتراك في ثورة يونيو 2013»، ومن بينهم مجموعة إسلام لطفي وحزب «التيار المصري» ومجموعة عبدالمنعم أبوالفتوح وحزب مصر القوية، وكذلك عدد من القيادات الذين خرجوا عن الجماعة مثل هيثم أبوخليل، الذي تحول من معارض للجماعة منذ الثورة، إلى مؤيد لها عقب الإطاحة بهم من السلطة في 2013.

الاتجاه الرابع: خلافات أيديولوجية
هي مجموعات تبنت أفكارًا وآليات مختلفة، مثل بعض المنضمين إلى تنظيم الجهاد في السبعينيات، أو تحول بعض المجموعات إلى السلفية عقب خروجهم من الجماعة مثل: «مجموعة القطبيون» وتأسيسهم جماعة «دعوة أهل السنة والجماعة» 

الاتجاه الخامس: مراجعات فكرية
هذا التيار هو أقل الاتجاهات شهرة، وهم الذين طرحوا مراجعات فكرية لأفكار تنظيم الإخوان كافة، وتبين لهم فساد التنظيم، وقرروا ترك هذا التنظيم مطلقًا وتحولوا إلى نقد التنظيم وأفكاره، وهم كثيرون ولكنهم ليسوا بنفس القدر من الشهرة، مثل المفكر السيد يسين، الذي انضم للإخوان في شبابه، ثم تفرغ إلى نقد أفكارهم، وكذلك مؤمن سلام (وكيل مؤسسي الحزب العلماني المصري- تحت التأسيس-)، وغيرهم الكثيرون.

الاتجاه السادس: الانشقاق لمواءمات سياسية وتأسيس حركات إرهابية 
وهي الحركات التي تأسست عقب الإطاحة بحكم الإخوان في مصر عام 2013، وذلك في مواءمات سياسية حتى تستطيع الجماعة نفي صفة العنف عنها، وهناك العديد من الحركات الإرهابية المنبثقة من رحم الجماعة، مثل حركة سواعد مصر «حسم»، وحركة «لواء الثورة»، وكان القيادي الإخواني محمد كمال عضو مكتب الإرشاد هو المخطط لحركة حسم والذي قتل في مواجهات مع الشرطة المصرية عام 2016 حسب بيان وزارة الداخلية المصرية آنذاك.
صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
ثالثًا- تأثير ظاهرة المنشقين على تنظيم الإخوان
إن طبيعة تكوين جماعة الإخوان السالف ذكرها، وبالاسترشاد بالضربات السابقة لجماعة الإخوان في عهد عبدالناصر، وانشقاق عدد من العناصر البارزة في التنظيم آنذاك، وقدرة التنظيم على بناء نفسه مرة أخرى في السبعينيات، ومع الأخذ في الاعتبار أن كثيرًا من هذه الانشقاقات تكتيكية نتيجة مواءمات ومناورات سياسية للجماعة في التعاطي مع الحياة السياسية في مصر، وكذلك نظرًا لطبيعة عضوية الجماعة بالغة السرية سواء داخل مصر أو خارجها،- والتي تتشابه بجبال الجليد في المحيطات لا يظهر منها إلا قمة صغيرة جدًا فوق سطح المياه، أما أكثر الجبل فإنه يقبع في المحيط لا يُرى للعابرين- ولذلك فإن الباحث يرى أن ظاهرة المنشقين لن تؤثر تأثيرًا جوهريًا على قوام الجماعة الرئيسي التي اعتادت العمل في الخفاء (تحت الأرض)، وأنه بمجرد حدوث تهيئة الظروف سواء بمصالحة مع النظام السياسي أو مراجعات ظاهرية، فإنها ستعود إلى سيرتها الأولى في إعادة بناء التنظيم مرة أخرى.

كما أن العديد من المنشقين سيعملون على محاولات الترويج لمصالحات بين التنظيم والنظام السياسي في مصر، وذلك رغبة منها في عودة الجماعة كما كانت عليه قبل 2011، مثل الجهود التي يبذلها القيادي الإخواني «المنشق» كمال الهلباوي للترويج لمصالحة بين النظام والجماعة
وكذلك يمكن أن تلعب بعض العناصر التي أعلنت انشقاقها من جماعة الإخوان دورًا سياسيًا سريًا، بشكله الظاهري ضد الجماعة، ولكنها في نفس الوقت تعمل على تمهيد الأرضية انتظارًا إلى اللحظة المناسبة للإعلان عن عودة تحالفها مع الإخوان.

وختامًا، في ظل استقراء ما سبق حول ظاهرة المنشقين تاريخيًا في جماعة الإخوان، واستعراض أهم المراحل التي مرت بها ظاهرة المنشقين عن الجماعة في العصور المختلفة، وأن ذلك لم يؤثر تاريخيًا على الجماعة وقوامها الرئيسي، وفي إطار أن ظاهرة المنشقين لم تؤثر على تنظيم الإخوان بشكل جوهري، وذلك لهروب عدد من قيادات الجماعة وقدرتهم علي قيادة الجماعة سرًا من الخارج مستغلين كل وسائل التواصل التكنولوجية الحديثة في إدارة الجماعة من الخارج، والتخطيط للعديد من الهجمات التي استهدفت الدولة المصرية الموثقة باعترافات مرتكبيها في تحقيقات النيابة والمؤيد بعضها بأحكام قضائية باتة ونهائية، فإن هذه الضربات لن تؤثر على الجماعة تأثيرًا حقيقيًا يقضي على الفكرة نهائيًا، وفي سبيل القضاء نهائيًا على مثل هذا التنظيم السري، الذي يعمل دائمًا على التغلغل في مؤسسات الدولة للانقضاض عليها في اللحظة المناسبة وإحكام السيطرة عليها، فيجب على الدولة اتباع الآليتين الآتيتين؛

الأولى: هي الضربات المستمرة وطويلة الأمد والممتدة لعقود من الزمان، تتخذ فيها الحكومات المتعاقبةالنهج نفسه في استهداف التنظيمات السرية والإرهابية بشكل لا يسمح للتنظيم مطلقًا بالعودة.

الثانية: هي تطوير الثقافية السياسية في مصر بشكل كامل، يفصل فيها كل ما هو سياسي عن ما هو ديني، مع تطوير المناهج التعليمية التي تؤسس للمواطنة الحقيقية، وتخلق مواطنًا يرفض التداخل بين الدين والسياسة او استخدام الدين في المجال السياسي، بالإضافة إلى استمرار الإصلاح الاقتصادي والذي يحول دون قدرة هذه التنظيمات على تجنيد عناصر جديدة، بالإضافة لاستخدام كل الوسائل الأخرى الداعمة للحرب ضد الأفكار والتنظيمات الظلامية كإطلاق دور المؤسسات الفنية والثقافية في مواجهة هذه الأفكار المتطرفة، وكل هذا لن يحدث بمعزل عن ثورة دينية حقيقية تقودها مؤسسات الدولة المصرية لتجديد الخطاب الديني لمواجهة هذه الأفكار المتطرفة، فضلًا عن المبادرات المستقلة من المؤسسات والأفراد التي تعمل على خلق تيار تنويري ثقافي حقيقي يساعد المواطنين على نبذ مثل هذه التنظيمات السرية وأفكارها المتطرفة وأفعالها الإرهابية. 
هوامش
 باحث في الشئون السياسية والحركات الإرهابية.
- ساسه بوست، أبرز الانشقاقات في تاريخ الإخوان المسلمين، 29 مارس 2015.
https:www.sasapost.commuslim-brotherhood
- عبدالرحيم علي، الإخوان المسلمون: قراءة في الملفات السرية (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2013) ص 104. 
- المرجع السابق، ص ص 104-106.
- ساسه بوست، مرجع سبق ذكره.
- محمد آل الشيخ، "من هم السروريون أخطر الحركات المتأسلمة؟"، صحيفة الجزيرة (الرياض: مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة، العدد 16630، 10 ابريل 2018)
- الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، (القاهرة: تصدر عن البوابة العربية لحقوق الإنسان)
http:www.anhri.netreportsislamic-mapmap08.shtml
- حسام تمام، الإخوان المسلمون: سنوات ما قبل الثورة (القاهرة: دار الشروق، 2012) 
https:books.google.com.egbooks?id=hqQrDAAAQBAJ&pg=PT51&lpg=PT51&dq=%D8%A7%D9%86%D8%B4%D9%82%D8%A7%D9%82%D8%A7%D8%AA+%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86+%D9%81%D9%8A+%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A7%D8%AA&source=bl&ots=1xiek2oFZ3&sig=KEHPRh0oiXQsgXDLMwmwMDyqEBU&hl=ar&sa=X&ved=0ahUKEwisktWQu-naAhUJUhQKHeiPCV0Q6AEIUzAI#v=onepage&q=%D8%A7%D9%86%D8%B4%D9%82%D8%A7%D9%82%D8%A7%D8%AA%20%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86%20%D9%81%D9%8A%20%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A7%D8%AA&f=false
- نفسه.
- محمد حجاج، انشقاقات هزت الإخوان، التنظيم السري في عهد البنا وخصام الخمسينيات، ومجموعة الوسط بالتسعينيات وانقلاب المجموعة المسلحة على محمود عزب، في صحيفة صوت الأمة (الجيزة: إعلام المصريين، 19 ابريل 2017)
http:www.soutalomma.comArticle542892%D8%A7%D9%86%D8%B4%D9%82%D8%A7%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D9%87%D8%B2%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D8%B8%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B1%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%B9%D9%87%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7-%D9%88%D8%AE%D8%B5%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%85%D8%B3%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A7%D8%AA
- أحمد الفخراني، المنشقون عن طاعة الإخوان من عصر البنا إلى حكم بديع: ملف خاص، جريدة المصري اليوم (القاهرة: مؤسسة المصري اليوم، 7 ابريل 2012)
https:dbonfrdgauzmg.cloudfront.netnewsdetails170571
- نفسه.
- هاجر إسماعيل، كيف تصبح عضوًا في جماعة الإخوان المسلمين، بوابة الشباب (القاهرة: مرسسة الأهرام، 29 يونيو 2012)
http:shabab.ahram.org.egNews4093.aspx

- إبراهيم يحيى، "النادمون على 30 يونيو في مصر"، في العربي الجديد (لندن: 2 يوليو 2014)
https:www.alaraby.co.ukpolitics5e0745f6-a1e1-472d-9a92-4ce3cf9ff2a2

"