«الخرباوي»: للإخوان خمس رسائل سرية لا يعرفها أحد
الأربعاء 27/يونيو/2018 - 12:28 م

حوار: دعاء إمام
يُنقِّب ثروت الخرباوي، القيادي السابق المنشق عن جماعة الإخوان (أسست عام 1928 على يد حسن البنّا)، في خبايا جماعات الإسلام الحركي، التي تشكلت في الثُّلث الأول للقرن العشرين، فيجد أن تلك الجماعات لم تنتج بضاعة من تلقاء نفسها، بل كشفت الغبار عن معانٍ كانت مُخَبَّأة في بعض كتب التراث، ولم يكن بإمكان العامة الوصول إلى محتواها أو دراستها، وهذه المعاني قدمتها الجماعات المتشددة للعامة، فشغلتهم على سبيل المثال بمفاهيم الحاكمية والخلافة، وحتمية الصدام مع المجتمع الجاهلي، وعقوبات الرِدَّة، وقتل تارك الصلاة.. وغير ذلك.

«الخرباوي» الذي انشق عن الإخوان عام 2002، رفض تعميم مصطلح «الانشقاق» على كلِّ من خرج من الجماعة؛ إذ قال في حواره مع «المرجع»: «إن البعض اختلفوا مع فكر الجماعة في أمور حركية؛ ما أدى لقيام مكتب إرشاد الجماعة بفصلهم، إلا أنه بعد وصول الجماعة للحكم عام 2012، رموا هؤلاء بأنفسهم في أحضانها مرة أخرى، أما المنشقون الفعليون فلم يعودوا، وغَيَّروا أفكارهم».
وتحدث «الخرباوي» عن طرق تفكيك الفكر المتطرف، قائلًا: «علم الحديث يحتاج إعادة ترتيب وجدولة؛ لأن هناك جماعات أُسست على مفاهيم بعينها، مثل الجزية (ضريبة كانت تُفرض على غير المسلمين)، إضافةً للاستناد إلى أحاديث تتناقض مع ما ورد في القرآن الكريم».
ويُعدِّد بعضًا من تلك الأحاديث، مثل: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألَّا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم»، مؤكدًا أنه يتنافى مع قول الله تعالى في الآية (256)، من سورة البقرة: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، وقوله تعالى في الآية 99، من سورة يونس: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ).
فوضى التأويل
ولفت «الخرباوي» إلى أن طريقة التأويل النمطية للآيات والأحاديث، وفق ما استقر عليه السابقون، تؤدي لارتكاب مخالفات دينية؛ فالأولون كانوا يفسرون وفق ثقافتهم وعلومهم وقتذاك، أما في زماننا هذا فأصبحت لدينا خبرة تراكمية، وعارٌ علينا أن نظل أسرى لتفكير الأولين.
ويقترح القيادي المنشق أن يجمع الأزهر الشريف (أكبر مؤسسة دينية إسلامية في العالم)، الأحاديث الصحيحة، تحت عنوان: «صحيح الأزهر الشريف»؛ وذلك للحدِّ من فوضى التأويل، والتخلص من رسائل التكفير، ضاربًا المثل برواية الصحابي أنس بن مالك، عن الرسول (صلى الله عليه وسلم)، أنه كان يأتي زوجاته في ساعة واحدة من الليل (إشارة إلى عملية الجماع بين الرجل والمرأة)، وورد حديث في هذا الأمر في صحيح البخاري (أبرز كتاب جامع لأحاديث الرسول).
وعقب على هذا بالقول: «حاشا لله أن يُخرِج النبي أسرار بيته، هم بذلك يسيؤون له، ووجهوا إليه إهانات في أفعال لا يمكن أن تصدر عن الرسول».
ويمضي «الخرباوي» ساردًا: «جماعة الإخوان مثل القمر، من يراه من أسفل يُفتن به، ومن يصعد إليه يجده جسمًا معتمًا، وحينما كنت فردًا في هذه الجماعة انتظرت إقامة الخلافة، وكل من انضم إلى الجماعات التي وسمت نفسها بالإسلامية؛ دخلها طمعًا في الخلافة، لكن الخلافة ليست أصلًا في الدين ولا فرعًا، هي طريقة حكم وضعها الصحابة، واهتدوا إليها بعد وفاة الرسول».
رسائل سرية
ويكشف «الخرباوي»، عن 5 رسائل سرية وضعها «البنّا» لعناصر النظام الخاص للجماعة (أسس عام 1940)، لا يعرفها أحد، وهي ليست كرسائل التعاليم والجهاد التي تتضمن أفكاره، لكنها خطط ومراحل للوصول إلى الخلافة الإسلامية، وأستاذية العالم، وفي هذه الرسائل السرية، التي تُدَرَّس لعناصر النظام الخاص، وأصبحت عقيدة لدى أفراده، وصف «البنّا»، المملكة العربية السعودية بـ«الجائزة الكبرى»، وكتب عن الولايات المتحدة الأمريكية أنها ستصبح دولة تابعة للإخوان، وسيطلق عليها «الولايات المتحدة الإسلامية».
أما فيما يتعلق بالمرجعية التاريخية للجماعة، فيرى «الخرباوي» أن هناك توأمة تاريخية بين الإخوان، ومرشدهم الأول حسن البنا، وجماعة الإخوة (أسست في نهاية القرن الخامس الهجري) ومؤسسها حسن الصباح؛ إذ يقول «الخرباوي»: «الصبَّاح في مرحلة الدعوة أرسل رجاله لنشر أفكاره، وبعث لهم رسائل سميت برسائل الإمام حسن الصبَّاح، وكذلك «البنا»، عقد مؤتمرات وهو يواجه الناس، ثم جمع كلامه وأفكاره فيما أطلق عليه رسائل الإمام حسن البنّا، كما أن أركان البيعة للصبَّاح أعلاها السمع والطاعة والثقة في القيادة، نقلها الإخوان عنه أيضًا».
يُنحِّي «الخرباوي» الحديث عن البُعد التاريخي للجماعة، والتطابق بينهم وبين جماعة الإخوة المعروفة بـ«الحشاشين»، جانبًا، لينتقل إلى ما فعله الإخوان في سبعينيات القرن الماضي؛ لكي يصبحوا تيارًا فكريًّا وليس تنظيمًا فقط، فقال: «سنة 1976 بعد تنصيب عمر التلمساني مرشدًا ثالثًا للجماعة، كانت هناك فكرة تؤرقه، وهي عدم خروج أي تظاهرات ترفض قرار حلّ الجماعة للمرة الأولى عام 1948، رغم زعم الإخوان أن لهم دوائر تأثير على نصف مليون مصري آنذاك».
يتابع حديثه بتساؤل: «لماذا لم يحضر الإخوان وتابعوهم جنازة حسن البنّا بعد اغتياله عام 1949؟»، ثم يجيب: «أعضاء الجماعة خافوا أن يحضروا الجنازة، وقالوا: الأمن منعنا، هل يقدر الأمن على منع نصف مليون شخص؟ الحقيقة أن الشعب لم يثر يومًا من أجل الإخوان، ففي عام 1954 صدرت أحكام بالإعدام على الرموز الكبار في الجماعة، ولم يهتم المصريون بهذا».
التمييز العنصري
يضيف القيادي السابق: «لمعت في رأس «التلمساني» فكرة عمل «تيار للأفكار»؛ حتى إذا اختفت الجماعة تبقى أفكارها؛ إذ بدأ هذا التيار بتعليمات للإخوة، أن تتحول تحية الإسلام (السلام عليكم) إلى عقيدة دينية، وعدم إلقاء التحية على غير المسلم، ثم أطلقوا مسمى «نصراني» على المسيحيين، وعدم الترحم على موتاهم، أو السير في مقابرهم؛ فتحولت رسالة الإسلام عند الإخوان، إلى تمييز عنصري.
وأردف: «تحولت الصلاة إلى شعار سياسي، فمَنْ يُصلي خلف مشايخهم يعتبرونه قوة وجيشًا تابعًا لهم»، ولفت إلى أن هناك حالة تنتشر بين المسؤولين الكبار وبعض رجال الدين، سماها بـ«التأخون اللاإرادي»؛ وتعني التأثر والإيمان بأفكار الإخوان دون الانتماء إلى الجماعة».
وعن رأيه في عضو مكتب الإرشاد السابق، «عبدالمنعم أبوالفتوح»، المدرج على قائمة الإرهاب منذ فبراير 2018، يقول: «مازال يتمتع بعلاقات طيبة داخل الجماعة، وهو كبندول الساعة، لا يستقر على حال، مع الشيء ونقيضه دائمًا، حينما دخل الجماعة وجد نفسه قزمًا أمام عمالقة، ولما خرج منها عام 2011، وتعامل مع قوى سياسية أخرى وجد نفسه قزمًا أمام عمالقة».
واستطرد قائلًا: الإخوان لا يهتمون بتثقيف أنفسهم، ويرون في أنفسهم الدُّونية، ودائمًا يصفون قياداتهم: «إخواننا فوق»؛ ولذلك لم ينجح أبوالفتوح خارج الجماعة، ورغم انقطاع الصلات مع مكتب الإرشاد، فإنه متواصل مع قيادات التنظيم الدولي بالخارج، وسافر إلى لندن منذ 5 أشهر، ورتب له التنظيم ندوة بالتعاون مع المعهد الملكي، قال خلالها: إن المصريين يُقتلون في الشوارع، وتحدث عن الاختفاء القسري، وقدم لهم قائمة حالات وهمية.
وكشف «الخرباوي» عن أن «أبوالفتوح» كان يُعدُّ لانتخابات الرئاسة المصرية عام 2022، بدعم مادي من التنظيم الدولي للجماعة، مؤكدًا أن ميزانية التنظيم تبلغ مليارات الدولارات؛ لأنهم يبيحون الاستثمار في أشياء غير مشروعة؛ استنادًا لفتاوى يوسف القرضاوي (الأمين العام للاتحاد العالمي للعلماء المسلمين)، التي أباحت للمسلم التجارة في الخمور لبلاد الغرب، وكانت مقدمة للاستثمار في تجارة المخدرات، إضافة إلى تواصلهم مع العصابات الدولية.
أخطر رجل
يصف «الخرباوي»، المرشد الخامس للجماعة، مصطفى مشهور (1996-2002) بأنه «أخطر رجل في الإخوان»؛ مضيفًا أنه شخص تكفيري دموي، مستغرق في السرية، قليل الثقافة، ليس لديه فكر، يُجيد تجنيد الأفراد، لديه قدرة على وضع قواعد وأسس للتنظيمات السرية، وهو الذي اقترح إنشاء جمعيات بأسماء مختلفة غير الإخوان، وأن يكون بينها وبين الجماعة رابط خفي، حتى تكون بعيدة عن أعين الأمن.
وكشف عن أن «مشهور» هو الذي أنشأ تنظيم القاعدة (منظمة إرهابية متعددة الجنسيات، تدعو إلى الجهاد الدولي)؛ إذ أمر «مناع القطان» (المسؤول عن إخوان السعودية) بأن يجمع الإخواني أسامة بن لادن (زعيم القاعدة فيما بعد)، والطبيب أيمن الظواهري (الزعيم الحالي للقاعدة)، ومعهم الفلسطيني عبدالله عزام؛ لتكوين جيش مدرب على حمل السلاح، تكون له القدرة على الحرب باسم الإخوان كما يحدث الآن، ومن هنا أُسّس تنظيم القاعدة بتوجيه من المرشد الخامس للإخوان.
وكذّب «الخرباوي»، مزاعم جماعة الإخوان، بانتماء الرئيس الراحل جمال عبدالناصر (1956-1970) إليها، قائلًا: «عبدالناصر لم يكن يومًا نبتة إخوانية، وشخصيته لا يمكن أن تقبل شروط البيعة التي تسمح للجماعة بإهدار دمه إن خالف أوامره».
ولفت المحامي والقيادي السابق في جماعة الإخوان، إلى أن الإخوان فرحوا باغتيال الرئيس الراحل أنور السادات (1970-1981)، حتى إن قياداتهم في السجون أقاموا الليل؛ حمدًا لله أنه خلصهم من الرئيس الذي وصفوه بـ«الطاغية».