ad a b
ad ad ad

تكتيكات التحالف والانشقاق عند تنظيم القاعدة

السبت 11/أغسطس/2018 - 11:06 ص
المرجع
حامد المسلمي
طباعة
إن دراسة طبيعة تكتيكات التحالفات والانشقاقات في التنظيمات الإرهابية من الموضوعات التي تحظى بأهمية بالغة لمعرفة أسباب هذه التحالفات والانشقاقات، التي تتعدد أسبابها بين أيديولوجية وأخرى تنافسية سياسية على النفوذ والسلطة والأرض والثروة، وبعضها تكيتيكيًا سياسيًا بما يضمن قوة التنظيم أو بقاءه.


تكتيكات التحالف والانشقاق
فعلى سبيل المثال وجدنا تنظيم الإخوان (باعتباره الجماعة الأم التي انشطرت منها أيديولوجيًا وحركيًا غالبية الجماعات الإسلاموية في العالم) فقد شهدت فترة السبعينيات في مصر انشقاقات عدة، بين تيارات اختارت الموائمة السياسية مع النظام السياسي، وعملت على اجتذاب العديد من الاتباع لحين لحظة التمكين ومثلها في هذا التكنيك التنظيم الأم (جماعة الإخوان)، وجماعات أخرى تبنت المواجهات المباشرة مع النظام مثل تنظيم الجهاد أو جماعة التكفير والهجرة وغيرها من التنظيمات.

وقد شهد تنظيم القاعدة عددًا كبيرًا من التحالفات مع جماعات أخرى متفرقة في العالم أعلنت البيعة لأمير التنظيم سواء للمؤسس الأول أسامة بن لادن، أو أيمن الظواهري زعيم التنظيم الحالي، واستطاع تنظيم القاعدة أن يقدم نفسه بأنه رائد العمل الجهادي المسلح في العالم وأنه التنظيم الأكثر انتشارًا وتأثيرًا في العالم، وبخاصةً بعد أحداث 11 سبتمبر 2001.
تكتيكات التحالف والانشقاق
كما شهد التنظيم العديد من الانشقاقات والانقسامات في الآونة الأخيرة، وبخاصةً منذ 2013 مع الانشقاق الكبير لتنظيم داعش، والذي تبعه انشقاقات أخرى أعلنت خروجها على تنظيم القاعدة ومبايعة تنظيم داعش الصاعد بقوة في العالم كمنافس للعمل الجهادي.

وفي هذا الإطار تسعى الدراسة إلى بحث الطبيعة التكتيكية لهذه التحالفات والانشقاقات في التنظيمات الإرهابية، والبحث في أسبابها، وستركز هذه الدراسة على تنظيم القاعدة باعتباره التنظيم الذي عمل على تطوير العمل الجهادي والإرهابي في العالم منذ 2001.
أسامة بن لادن
أسامة بن لادن
وفي هذا السياق تتناول الدراسة هذه التكتيكات المختلفة عبر المحاور الآتية:

المحور الأول: خلفية عن نشأة تنظيم القاعدة
تتعدد أسباب ودوافع التحالفات مع تنظيم القاعدة، ويكمن حجر الزاوية في هذه التحالفات في البدايات الأولى لنشأة هذا التنظيم وروافده المتعددة؛ حيث شكلت طريقة التكوين الأولى للتنظيم عقب التدخل السوفييتي في أفغانستان 1979 (الذي تدخل لدعم الانقلاب الشيوعي الذي وصل للسلطة في 1978)، لتبدأ المعركة الأمريكية والحرب بالوكالة ضد القوات السوفييتية المنغمسة في الداخل الأفغاني، وقد تعاونت العديد من الدول العربية والإسلامية مع أمريكا سواء بإرسال المقاتلين أو الدعم المادي أو اللوجستي بالأسلحة والعتاد، وفي هذه الأثناء برزت ظاهرة الأفغان العرب؛ وهم المجاهدون والمتطوعون الذين ذهبوا للقتال (الجهاد) في أفغانستان ضد القوات السوفييتية، لينهك الاتحاد السوفييتي وينسحب من أفغانستان في 1989 (وكانت هذه المعارك مقدمة لتفكك الاتحاد السوفييتي تمامًا) ثم سقطت الحكومة المدعومة منه في 1992.

ومع اندلاع الحرب الأهلية بين الحركات الأفغانية (التي كانت تقاتل صفًا وحدًا ضد قوات الاتحاد السوفييتي وضد الحكومة المدعومة منه)، صاحب هذا إحجام العديد من المقاتلين الأجانب (وبخاصةً الأفغان العرب) عن الاشتراك في هذه المعارك لإنها فتنة بين المسلمين حسب تصورهم، وبدأت محاولات رجوعهم إلى أوطانهم، ليظهر مصطلح آخر «العائدون من أفغانستان».

صاحب رجوع العائدين من أفغانستان ملاحقات أمنية من الحكومات المختلفة في معظم دول العالم، واعتقالات ومحاكمات، حتى من الدول التي شجعت بعض مواطنيها «المتطرفين» للسفر إلى أفغانستان.

توجه أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، إلى القرن الأفريقي عام 1993 بهدف إنشاء معسكرات بديلة لأفغانستان في الصومال بالتنسيق مع الاتحاد الإسلامي هناك، للقتال ضد القوات الأمريكية خلال عملية «إعادة الأمل» التي نفذتها بالصومال بين عامي 1992 و1994 وشارك العائدون من أفغانستان من رفاق بن لادن في جهود طرد أمريكا من الصومال.

كما نجح بعض المتطرفين «الأفغان العرب» العائدين من أفغانستان في تأسيس عدد من الجماعات في دولهم، على سبيل المثال عمل أبو مصعب الزرقاوي على تأسيس تنظيم جهادي عرف باسم «بيعة الإمام» أو «جماعة التوحيد والجهاد» عام 1993 في الأردن، ما أدى إلى سجن العديد من قيادات التنظيم في السجون الأردنية، ثم خرجوا بعفو ملكي في نهاية تسعينيات القرن الماضي، وفضل «الزرقاوي» الرجوع إلى أفغانستان، وأنشأ معسكرًا تدريبًا هناك، كما تمكن من إنشاء شبكة جهادية عالمية مستقلة تستند إلى دعم من تنظيم القاعدة.

وقد مثل الإعلان عن «الجبهة الإسلامية العالمية لجهاد اليهود والصليبيين»، في 22 فبراير 1998 بداية الظهور الفعلي والإعلامي للتنظيم الذي عرف إعلاميًا وأمنيًا باسم (القاعدة).
تكتيكات التحالف والانشقاق
المحور الثاني: أسباب ودوافع التحالفات في تنظيم القاعدة
يعتمد تنظيم القاعدة في عمله على طريقة لا مركزية تربط المركز بالفروع، وغالبًا ما يكون الأعضاء المؤسسين للفرع الجديد (الذين يريدون مبايعة تنظيم القاعدة) سافروا إلى أفغانستان ولهم علاقات وثيقة بقادة تنظيم القاعدة.

كما يعتمد طريقة إعلان الأمير الجديد للفرع عن مبايعة أمير تنظيم القاعدة، ثم يُصدر تنظيم القاعدة عبر أمير التنظيم بيان أو رسالة صوتية أو فيديو يؤكد فيه تبعية هذا الفرع إلى تنظيم القاعدة.

حيث لا يشترط تنظيم القاعدة أن يكون على علم بكل التفاصيل والعمليات التي يخطط لها هذا الفرع أو ذاك، وأكثر ما يهمه هو التزامهم بالمنهج الفكري والعقائدي للتنظيم، ومعرفة العدو المشترك (المصالح الأمريكية والصهيونية في العالم) بينهما في أي مكان يتواجد فيه.

وكما بينا في المحور الأول أن ظاهرة «الأفغان العرب» من أكثر العوامل التي ساعدت على تمدد التنظيم في العديد من دول العالم، وبخاصة مع اشتداد الحرب الأهلية الأفغانية في تسعينيات القرن العشرين، لتبرز ظاهرة «العائدين من أفغانستان».

تكتيكات التحالف والانشقاق
وتتعدد الأسباب ودوافع التحالف بين التنظيمات الإرهابية بشكل عام، بين أسباب ودوافع أيديولوجية وسياسية وتكتيكية:

(1) الأسباب الأيديولوجية 
تُعد الأسباب الأيديولوجية والتقارب الفكري، هي الركيزة والدافع الأساسي لتحالف التنظيمات المختلفة، حيث تشكل الأرضية المشتركة التي ينبني عليها صيغة إلزامية للتعاون والتحالف، وبحسب طريقة عمل تنظيم القاعدة «اللامركزية»، فإن الإطار الأيديولوجي يعد الدافع الأكبر لعمل تحالف مع تنظيم آخر يعمل في منطقة جغرافية مختلفة، ويكون هذا التحالف مبني على مفهوم «البيعة» الواضح لدى الطرفين وهي: «إعطاء العهد من المبايع على السمع والطاعة للإمام في غير معصية الله، في المنشط والمكره، والعسر واليسر، وعدم منازعته الأمر– أي الحكم-، وتفويض الأمور إليه».

وهناك مستويان من البيعة يجب التفريق بينهما؛ الأول: هو مبايعة الأفراد أو المستقطبين إلى أمير التنظيم، وهي البيعة التي يصعب الفكاك منها، لأن التنظيمات تستهدف الخارجين عن التنظيم، بوصفهم مرتدين سواء عن أفكار الجماعة بنقض البيعة أو بالارتداد عن الإسلام ويجب قتلهم.

والثاني: هو مبايعة تنظيم لتنظيم آخر، ويكون عبر أمير التنظيم الذي يعلن مبايعته وتبعيته لأمير تنظيم أخر أو لدولة معينة، مثل إعلان أسامه بن لادن البيعة للملا عمر زعيم حركة طالبان بصفته أميرًا للمؤمنين والحاكم لأفغانستان، وتبعه الظواهري (أمير تنظيم القاعدة الحالي) في بيعته للملا عمر، ثم للملا أختر منصور، ثم للملا «هبة الله آخوند زادة» الزعيم الحالي لحركة طالبان، أو مثل إعلان أبو مصعب الزرقاوي عن إنشاء تنظيم «قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين»، ثم مبايعته لأسامة بن لادن أمير تنظيم القاعدة. 

وبهذا يقوم أمير التنظيم الجديد (نيابة عن تنظيمه) بمبايعة أمير تنظيم القاعدة وإعلان تبعيته له، والالتزام بشروط البيعة وأفكار الحركة؛ إلا أن هذه البيعة أحيانًا ما نجد انشقاقات كثيرة ونقض للبيعة وهو ما سنبينه لاحقًأ.
تكتيكات التحالف والانشقاق
(2) الأسباب السياسية والتكتيكية 
كما تُعد الأسباب والدوافع السياسية من أهم عوامل التحالف بين التنظيمات، ويمكن أن تنقسم إلى نوعين من العوامل؛ أولهما: عوامل تخص تنظيم القاعدة (الرغبة في عولمة الجهاد)، وكانت هناك رغبة من تنظيم القاعدة وبخاصةً أيمن الظواهري في عولمة الحركة الجهادية ومواجهة المصالح الأمريكية في أي مكان، وعلى هذا الأساس ساهم تنظيم القاعدة في إنشاء العديد من الأذرع للتنظيم في الدول العربية والأفريقية المختلفة، والتي يمكن أن تشكل تهديدا للمصالح الأمريكية.
تكتيكات التحالف والانشقاق
ثاني العوامل: يخص التنظيمات المتحالفة معها؛ فهناك العديد من العوامل التي دفعت التنظيمات الإرهابية الناشئة في إعلان بيعتها وتبعيتها لتنظيم القاعدة، أهمها:
(1) ينظر لتنظيم القاعدة بأنه رائد العمل الجهادي في العالم، وأن له السبق والتاريخ مما يعطي له سلطة روحية وفكرية على التنظيمات الناشئة الجديدة. مثل جبهة النصرة في سوريا.
(2) تستخدم بعض الجماعات تنظيم القاعدة كمرتكز للصعود وجذب الأنظار إليها وإلى مطالبها، مثل داعش في العراق.
(3) استخدام اسم تنظيم القاعدة في الترويج الإعلامي وصناعة هالة إعلامية حول التنظيم الناشئ، وأن توجده يعني بالضرورة الفزع والخوف من أقل عملياته وتهديداته، ومحاولة تجنب أخطاره.
(4) استخدام الاسم في التجنيد الديني والسياسي للأفراد الجدد، وذلك لأنه رائد للعمل الجهادي في العالم.
(5) استخدام الاسم في جلب التمويل من بعض الأشخاص والدول سواء المتعاطفة مع تنظيم القاعدة، أو التي تسهل عمل تنظيم القاعدة وتربطهم مصالح سياسية وتكتيكية.
(6) استخدام تنظيم القاعدة في جلب تضامن الجماعات الجهادية الأخرى، والأفراد المعتنقين لأفكار القاعدة دون الانخراط تنظيميًا معهم.
ثالث العوامل: عوامل تكتيكية 

وهذه العوامل تعود لاشتداد الضربات الحكومية ضد التنظيمات الإرهابية والمتمردة، في هذه الحالة يعتمد التحالف على فكرة «العدو المشترك»، وهنا يمكن الاستدلال بالتحالف بين فروع فرقاء الأمس (داعش والقاعدة) حيث أعلن «تنظيم الدولة في الصحراء» بقيادة «عدنان أبو وليد الصحراوي» التابع لداعش في 14 يناير 2018 عن تشكيل ما أسماه تحالفًا جهاديًّا، ضد القوة العسكرية المشتركة، التي تشكلت مؤخرًا من خمس دول في منطقة الساحل الأفريقي، وهي: «مالي، والنيجر، وبوركينا فاسو، وموريتانيا، وتشاد»، وتدعمها فرنسا، ودول غربية أخرى؛ حيث ذكر المتحدث الإعلامي باسم المجموعة «عمار»، لوكالة «فرانس برس»، إنهم «سيقومون بكل ما في وسعهم، لمنع تمركز قوة دول الساحل الخمس»، وأن جماعته قررت التحالف مع جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين»، التابعة لتنظيم القاعدة، مبررًا هذه الخطوة بما سماه «التعاون لمكافحة الكفار».

تكتيكات التحالف والانشقاق
المحور الثالث: أسباب ودوافع الانشقاقات في تنظيم القاعدة
هناك العديد من الدوافع والأسباب التي تؤدي إلى انشقاقات التنظيمات الإرهابية، وتأتي الأسباب الأيديولوجية من أهم هذه الأسباب، ثم الأسباب السياسية والتكتيكية.

وإذا ما أخذنا أسباب الانشقاقات من الناحية النظرية لدراسة التنظيمات السياسية، فإن الهدف الأساسي لأي تنظيم سياسي هو البقاء على قيد الحياة، وإنما تسعى كل مجموعة إلى الانشقاق للبقاء على قيد الحياة حسب منظورها (الوجود الحقيقي في الخريطة السياسية حسب ما يرى من يريدون الانشقاق)، وذلك بسعي هذه الجماعة إلى المضي قدمًا تجاه الأهداف الأساسية التي انضمت من أجلها لهذا التنظيم أو ذاك، وأن تحقيق هذه الأهداف يتوقف على المحافظة على هوية التنظيم.
تكتيكات التحالف والانشقاق
(1) الأسباب الأيديولوجية 
تأتي الخلافات الأيديولوجية والمنطلقات الفكرية من أهم العوامل المؤدية إلى انشقاقات التنظيمات الإرهابية، ويمكن هنا أن تنقسم لنوعين من الانشقاقات:

أولًا: الاختلافات العقائدية
ويمكن الاستدلال بالانشقاق الكبير لتنظيم داعش عن تنظيم القاعدة، والذي تبعه تراشق أيديولوجي وسجالات فكرية بين التنظيمين، وسرعان ما تطورت إلى مواجهات مسلحة في سوريا.

ثانيًا: المراجعات الفكرية
وهنا يمكن الاستدلال بالمراجعات الفكرية التي أعلنها أعضاء تنظيم الجهاد والجماعة الإسلامية في مصر في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين «التائبين إلى الوطن»، ونبذهم للأعمال الإرهابية والعنيفة كوسيلة لتغير المجتمع والحكومة حسب رأيهم.

(2) الأسباب السياسية 

هناك العديد من الأسباب السياسية التي تدفع التنظيمات إلى الانشقاق والانقسامات، أهمها:
أ‌- الرغبة في الزعامة السياسية: تأتي الرغبة في الزعامة في مقدمة الأسباب والدوافع السياسية لانشقاق التنظيمات والإعلان عن تنظيم جديد.

ب‌- التنافس حول السيطرة على الموارد والثروة: نظرًا لطبيعة تكوين التنظيمات الإرهابية من روافد متعددة، يجمعها رابط أيديولوجي وسياسي، إلا أنهم عادةً ما ينحدرون من روافد إثنية واقتصادية وثقافية واجتماعية متعددة، فتسعى بعض الجبهات داخل التنظيم للانشقاق رغبة في الاستئثار بنصيب من الثروة والموارد والهيمنة على الأرض.

ت‌- المشاركة في مؤتمرات الصلح: عادة ما تسعى بعض الجبهات داخل التنظيمات المتمردة والإرهابية قبيل انعقاد مؤتمر صلح في مكان ما، إلى الإعلان عن انشقاقها وميلاد تنظيم جديد له مطالب محددة، رغبة منها في الجلوس على طاولة المفاوضات والمشاركة في تقسيم السلطة والثروة.

ث‌- انشقاقات مدفوعة حكوميًا: هناك نوع آخر من الانشقاقات المدفوعة حكوميًا، وذلك عبر عدة طرق منها:
- قيام الحكومات والأنظمة بزراعة عناصر لها داخل التنظيمات الإرهابية والمتمردة، تكون مهمتهم الأساسية هي شق صف التنظيم والعمل على تفتيته، على سبيل المثال ما ذُكر في الوثائق البريطانية المُفرج عنها مؤخرًا؛ أنه في 18 مايو 1942 عُقد اجتماع في السفارة البريطانية مع أمين عثمان باشا رئيس وزراء مصر ونوقشت العلاقة مع الإخوان وفيه اتفقا على أن تتولى الحكومة المصرية سرًا دعم جماعة الإخوان، وأنها ستحتاج في هذا الدعم البريطاني، كما أن الحكومة المصرية ستدخل عملاء موثوق بهم في صفوف الإخوان لتراقب الأنشطة عن كثب، ويعملون لتفتيت الجماعة من الداخل وقت الحاجة، كما ستتعاون الحكومة البريطانية بالمعلومات مع الحكومة المصرية في هذا الشأن.

- قيام الحكومة بترغيب التنظيم وتقديم الضمانات والوعود بإعادة دمجهم في المجتمع، في مقابل التخلي عن العنف، فعلى سبيل المثال يتبنى الرئيس الصومالي الجديد محمد عبدالله فرماجو، استراتيجية لتفكيك التنظيمات الإرهابية وبخاصة حركة الشباب المجاهدين (الموالية للقاعدة، وهناك فصيل آخر منها أعلن انشقاقه وبايع داعش)، وذلك عبر ترغيب أعضائها في إجراءات إعادة الدمج والعفو، وبدأت هذه الاستراتيجية في الإتيان بثمارها، حيث انشق «أبو منصور» القيادي السابق في حركة الشباب المجاهدين في أغسطس 2017، وسلم نفسه للحكومة، ثم شارك هو ومجموعته المسلحة مع القوات الحكومية في مواجهة اندلعت مع حركة الشباب المجاهدين في مدينة «حدر»، وقدمت الحكومة الصومالية مساعدات عسكرية له في هذا الشأن.

- اشتداد ضربات الحكومة للتنظيم، وسريان شعور لدى التنظيمات بعدم جدوى استكمال محاربة الحكومات، فيعمل فصيل من داخل التنظيم على التعاون مع الحكومة وعقد اتفاقية بالتخلي عن العنف مقابل الأمان والعفو، على سبيل المثال هناك المئات من المراجعات التي أجراها بعض أعضاء الجماعة الإسلامية في مصر، عقب الضربات الأمنية التي تلقتها في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، وقد عمل العديد من هذه العناصر مع الدولة بعد ذلك للمواجهات الفكرية مع المتطرفين، ومن بينهم الشيخ نبيل نعيم، وناجح إبراهيم، وكرم زهدي، وغيرهم الكثيرون.
تكتيكات التحالف والانشقاق
(3) الأسباب التكتيكية

هناك بعض الأسباب التكتيكية لانشقاق التنظيمات، وهي تعود بشكل أساسي إلى أذرع التنظيم الأساسية، منها:
أ‌- بقاء التنظيم: مع اشتداد الضربات الحكومية وانحسار نطاق عمل التنظيم الأم، تسعى بعض الفصائل (تأكيدًا منها على وجودها واستمرار فاعليتها) إلى الانشقاق عن التنظيم الأم والإعلان عن تنظيم جديد يجذب معه بعض الأضواء والدعم والتجنيد السياسي للأتباع.

ب‌- مبايعة تنظيم آخر: أحد الأسباب التكتيكية للانشقاقات عن التنظيمات الإرهابية والمتمردة هو الإعلان عن الانضمام لتنظيم آخر، وعلى سبيل المثال نقضت حركة بوكو حرام النيجيرية بيعتها لتنظيم القاعدة وأعلنت عن مبايعتها لأبو بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش، ويأتي الصعود السريع والمدوي لتنظيم داعش وانتشاره وهيمنته على أجزاء واسعة في العراق وسوريا وإعلانه عن إقامة خلافة إسلامية هناك (قبل أن يُهزم ويفقد هذه الأراضي)، من الأسباب الرئيسية التي دفعت بوكو حرام لنقض بيعة القاعدة ومبايعة داعش، والاستفادة من الزخم الإعلامي لتنظيم داعش، ورغبة منها في جلب مزيد من الأنظار.

(4) أسباب أيديولوجية وسياسية (الانشقاق)
في بعض الأوقات تتداخل الأسباب الأيديولوجية والسياسية في الانفصال منها «الانشقاق الكبير» الذي حدث داخل تنظيم القاعدة عام 2013، بانشقاق تنظيم داعش عنه، ويعود ذلك لتداخل عوامل أيديولوجية وسياسية معًا.

وذلك لاختلاف الطابع الديمغرافي والديني وأثره على الإطار الأيديولوجي للتنظيم، ففي كل من «العراق وسوريا» عن «باكستان وأفغانستان»، فالعراق تتسم بأغلبية شيعية سعت للسيطرة على البلاد عقب سقوط نظام صدام حسين في 2003، وسوريا ذات أغلبية سنية مع سيطرة شيعية علوية على نظام الحكم، وهذا الأمر مختلف عن باكستان وأفغانستان ذواتا الأغلبية السنية والمسيطرة على الحكم تاريخيًا.

أي أن الانشقاق الأيديولوجي بين داعش والقاعدة كان مبني على اختلاف بيئة التنظيمين، فلا يوجد تنظيمات شيعية تنازع وتهدد تنظيم القاعدة، لذا رسخت جُل جهودها على استهداف المصالح الأمريكية والصهيونية، على العكس من داعش، التي نبتت في العراق في ظل سيطرة أمريكية ورغبة شيعية في استلام مقاليد الحكم بالبلاد عقب الخروج الأمريكي المرتقب، والعمل على استهداف نظام بشار الأسد في سوريا، أي أن الاختلاف الأيديولوجي بين التنظيمين ظهر بوضوح مع قياس القوى النوعية للعدو المرتقب لكل تنظيم.
خاتمة

بعد الاستعراض للأسباب والدوافع التي تؤدي إلى التحالفات بين التنظيمات الجهادية أو الانشقاقات من تنظيم معين، هناك سمة عامة للتنظيمات الأيديولوجية وبخاصةً الدينية منها، بأن هذه التنظيمات تتحالف في أوقات الضعف واشتداد الضربات الأمنية لمعاقلهم الإرهابية وملاحقة عناصرها، والانقسام والانشقاقات في أوقات الهيمنة والسيطرة على الأرض، وهذه السمة تجمع بين دوافع أيديولوجية وسياسية في آن واحد.

ويجب أن تقوم الحكومات والمجتمع الدولي في إطار مواجهتها لهذه التنظيمات، أن تنتهج وسائل متعددة للمواجهة، في طليعتها المواجهات الأمنية والعسكرية، وقطع طرق الإمداد والتمويل والدعم اللوجستي لهذه الجماعات سواء أكان من دول أو منظمات أو أفراد.

وفي الوقت نفسه أن تقدم المبادرات المتعددة للتسوية التي تشمل إعادة الدمج ونزع السلاح ونبذ العنف، ويمكن في ذلك الاستشهاد بالتجربة المصرية في احتواء العديد من عناصر الجماعة الإسلامية التي مارست العنف في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين.

كما يجب أن تكون المواجهات الفكرية الشاملة التي تعمل على هدم البناء الفكري وتفنيد المرجعيات الإرهابية التي يقوم عليها الإطار الأيديولوجي لهذه التنظيمات.

وكذلك معرفة الأسباب لتحول بعض الجماعات المتمردة حكوميًا إلى تنظيمات إرهابية وتبايع التنظيمات الجهادية، فعلى سبيل المثال نشأت حركة «أنيانيا» المتمردة في جنوب السودان عقب فشل الحكومة السودانية في تسوية مشاكل الجنوب، ومعانته من التهميش وعدم مشاركته في السلطة والثروة، فتحولت المطالب السلمية إلى حركات احتجاج واسعة ثم حرب أهلية، ومع كل تسوية لمشكلة الجنوب ظلت حركة «أنيانيا» المتمردة تمارس العنف وتطالب بالانفصال وتتلقى دعمًا إسرائيليًا وأوغنديًا، حتى تشكلت الحركة الشعبية لتحرير السودان في بداية ثمانينيات القرن العشرين.

وبهذا يجب معالجة الأسباب السياسية والاجتماعية والثقافية التي تؤدي إلى الإرهاب، وذلك بالإضافة إلى المواجهات الفكرية للأيديولوجيات العنيفة والمبنية على العنصرية والعنف واستبعاد الآخر واستحلال دمه.

مع استراتيجيات الحكومات على تفتيت التنظيمات والحركات المتطرفة وشقها من الداخل لتسهيل عمليات المواجهة وإضعافها.
"