عسكرة السياسة الخارجية القطرية: دوافع وأبعاد تسليح الجماعات المتطرفة (1)
الإثنين 13/أغسطس/2018 - 12:26 م
السياسة الخارجية القطرية
محمود رشدي
إن السياسة الخارجية لأى دولة تعني بمفهومها العام مجموعة من الأفعال وردود الأفعال، التي تقوم بها الدولة في البيئة الخارجية بكافة مستوياتها المختلفة، سعيًا لتحقيق أهدافها والتكيف مع متغيرات البيئة، وهي سياسة لها وجهان جزء معلن أمام المجتمع الدولي، وجزء خفي تلجأ له عندما تسعى الدولة لتحقيق أهدافًا غير معلنة.
وتبحث الدولة القطرية عن دور إقليمي لها، ولذلك تنتهج سياسة توسعية وبراجماتية. وفي إطار دأبها في الحصول على هذا الدور، راهنت قطر على علاقاتها مع دول الجوار الجغرافي في محاولة لتغيير مجريات الأحداث السياسية لصالحها ولصالح حلفائها، والانخراط مع جهات متباينة، وركزت الدوحة في سياستها على تشكيل ودعم الميليشيات المسلحة.
جبهة النصرة في سوريا
ولفهم أكثر للسلوك الخارجي القطري، التي تحتضن كل المفارقات في الشرق الأوسط من إيران والولايات المتحدة وإسرائيل، وقوميين، وإسلامويين، لابد من إدراك الأهداف التي تسعى لها.
وتلعب الحالة الجيوسياسية لدولة قطر دورًا في تناقضاتها السياسة، كما لا تملك الدول الصغيرة حجمًا (وفقًا لنظريات العلوم السياسية) خيارات كثيرة لحماية أمنها القومي فإما الارتباط بدول كبرى أو الموازنة بين عدد من الدول، عبر انتهاج سياسات متقلبة حيال هذه الدول لخلق هامش مناورتها الخاص، وواجهت السياسة القطرية عدد من التحديات في تحركها المليشوي في سياستها الخارجية، إذ عارضت الدول المجاورة سياستها، التي تهدد الأمن القومي لبعض الدول، فقد دعمت جماعة الإخوان في مصر، في ظل قيام الجماعة بعدد من العمليات الإرهابية ضد المؤسسات الحكومية بالدولة، كما دعمت الجماعات المتطرفة كجبهة النصرة في سوريا، وحكومة المؤتمر الوطني في ليبيا، وتسعى قطر في الآونة الأخيرة إلى البحث عن دور لها في منطقة القرن الأفريقي ولاسيما الصومال من خلال دعم جماعة شباب المجاهدين. وعليه، فتتناول الدراسة عسكرة السياسة الخارجية القطرية إبان الحراك العربي لعام 2011 في منطقة الشرق الأوسط.
الرئيس الراحل جمال عبدالناصر
أولا: دوافع العسكرة
تنوعت دوافع السياسة القطرية بين عدة اتجاهات في دعمها للميليشيات المسلحة، ويتجلى لنا في هذا المحور سؤالًا محوريًا يتركز حول: لماذا تدعم قطر المليشيات المتطرفة في منطقة الشرق الأوسط؟ وتكمن الإجابة في الثلاثة عوامل التالية:
(1) اتجاه فكري (دعم الإسلام الحركي)
إن حضور قيادات الجماعات الإرهابية في قطر يتضح جليًا من الوجود المكثف للإخوان، وذلك منذ النصف الأخير للقرن العشرين، بعدما وصلت موجة الإخوان الأولى من مصر عام 1954، بعد صراعها مع نظام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، حيث وجد أعضاء الإخوان ملجًا وملاذًا آمنًا في دول الخليج ومن بينها قطر، فكان إن وصل كل من يوسف القرضاوي، وعبدالمعز عبدالستار، وأحمد العسال، وكمال ناجي وغيرهم (1).
وقد تم حل تنظيم الإخوان في قطر عام 1999 (2) من قبل قيادته هناك، زاعمين عدم جدواه، لأن الدولة تقوم بواجباتها الدينية، وغياب السياسة بمعناها التنافسي، وبالتالي يصبح التنظيم في هذه الحالة نوعًا من تحميل الواقع ما لا يحتمل، وهنا لابد أن نتساءل هل قرار الإخوان في قطر نتج عن بقناعات داخلية، أم كان صفقة لدور إخواني أكبر على الساحة العربية والإقليمية بدعم قطري لا محدود ماليًا وإعلاميًّا وسياسيًّا ؟
انتهى وجود الإخوان بالساحة القطرية كتنظيم، ولكن قطر أصبحت مركزًا للنشاط الإخواني خارج حدودها، فأصبح دورهم أكبر وأكثر تنسيقًا وترابطًا مع السلطات السياسية الحاكمة بقطر التي فطنت إلى الاستفادة منها؛ كأداة من أدوات تنفيذ سياستها الخارجية(3).
وإذا كانت قطر تقدم دعمها لجماعات الإسلام الحركي وخاصة جماعة الإخوان، وكل الجماعات التي تتخذ من الأفكار الإخوانية ومدرسة سيد قطب، منصة انطلاق نحو إنشاء جماعات متطرفة، ولذا ارتكز الدعم القطري للإسلام الحركي نحو تأييد فكري له من قبل توغل الأفكار الإخوانية في عقيدة النظام الحاكم القطري، ناهيك عن اتخاذها كأداة للتوغل وإيجاد نوع من النفوذ داخل المنطقة العربية، نظرًا لما مثلته الجماعة كمنصة معارضة للجماعات الليبرالية والعلمانية وكانوا ذوي شعبية كبرى.
قناة الجزيرة وأمير قطر
(2) البحث عن دور إقليمي مناهض
تتسم السياسة القطرية باختلاف سلوكها في عدة مسارات متباينة، فقد تكون متناقضة في كثير من الأحيان، ولعل ذلك عائد إلى ضعف مؤسسة آلية صنع السياسة الخارجية، وارتباطها بشكل مباشر بالسلطة الأميرية، سواء كان بشكل شخصي، أو بتوجيه عبر رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية، ما يجعل السياسة الخارجية القطرية، رهنًا بالعلاقات الشخصية والمزاجات المسيطرة على المؤسسة الأميرية في الدولة (4).
إن ضعف المؤسسة واقتران السياسة بالعلاقات الشخصية، صفة غالبة على كثير من السياسات القطرية، واتخاذها مواقف متناقضة تجاه قضية معينة بحد ذاتها (5).
وبالنظر إلى السياسة الخارجية لقطر قبل اندلاع الثورات العربية داخل عدد من الدول العربية؛ حيث يتم تقييم البعد العام لهذه السياسة، من خلال تحليل السلوك الخارجي لدولة قطر في تنفيذ استراتيجيتها، في لعب دور يناهض الأدوار الإقليمية التقليدية، معاكس للتوجهات العربية ومجلس التعاون الخليجي، حيث سعت الدوحة (من أجل حصولها على دور إقليمي) لبناء علاقات مع الدول التي تمثل تهديدًا مباشرًا للأمن العربي عامة والأمن الخليجي خاصة، ودعمها المباشر لعدد من الجماعات المسلحة(6).
وفي هذا السياق، اتخذت سياسة المعارضة ضد سياسات دول المنطقة، وتحركها على مستوى إعلامي (قناة الجزيرة الإعلامية) ضد توجهات دول المنطقة، على نهج براجماتي فج، فقط لأجل سعيها لدور منافس بدون الانسجام في سياسات المنطقة والتوحد ضد التهديدات، الأمر الذي تمخض عنه مقاطعة الدول العربية.
وبينما كانت تتسع الهوة بين الدول العربية وقطر، عمدت إلى بناء شبكة من الحلفاء في الشرق الأوسط جميعهم تقريبًا على خلاف مع النظامين المصري والسعودي، مثل إيران، وليبيا ( طرابلس)، وحماس، وحزب الله.
أما عن وسيلتها الإعلامية متمثلة في قناة الجزيرة التي اصطدمت بعدد من النظم العربية، حسب طبيعة العلاقة بدولة قطر الحاضنة للقناة، ولم تكن محايدة في طرحها، فكثير من برامجها كانت موجهة عمدًا ضد أنظمة بعينها، وكانت لا تغطي النقاط المضيئة بها، بل تتربص وتبحث عن النقاط السلبية، وتعمل على تضخيمها وتهويلها، بينما قد تكون هناك موضوعات في دول أخرى توازيها أو أكثر منها أهمية تهملها، لأن دولها ليست محل الاستهداف القطري أو على علاقة صداقة مع النظام القطري(7).
واهتمت القناة بالتركيز أثناء تغطيتها الإخبارية للمنطقة العربية، نحو دول بعينها دون غيرها، وهذ محل تساؤل؛ لماذا يتم التركيز على دول على خلاف سياسي مع قطر؟ بحيث يتم منح الخبر مساحة واسعة من التغطية بالجانب السلبي (8).
وتستخدم قطر قناتها الإعلامية، كورقة مساومة فى مفاوضاتها الخارجية من خلال تطويعها لتناسب الأهواء الشخصية للعائلة المالكة، فقد كشفت إحدى الوثاق الأمريكية السرية التي سربها موقع «ويكليكس» الإلكتروني والتي نشرتها صحيفة الجارديان البريطانية، عن استخدام قطر قناة الجزيرة وعرضها تخفيف وطأة تقاريرها التي تنطوي على الكثير من الانتقادات مقابل الحصول على تنازلات كبيرة، فقد عرض رئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم على الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك، التخفيف من حدة انتقادات القناة، مقابل أن تعدل مصر عن موقفها إزاء المفاوضات «الفلسطينية - الإسرائيلية» (9).
الإخوان
(3) محدودية قدراتها العسكرية
إن الدول الصغيرة عادة ما تصادف صعوبات أمام تحقيق سياساتها الخارجية، لأنها في الغالب تكون متواضعة في القدرات العسكرية، لذلك تلجأ إلى وسائل أخرى لتحقيق أهداف سياستها الخارجية، ومن بين تلك قطر، فهي دولة صغيرة بل متناهية في الصغر من حيث المساحة الجغرافية والقوة العسكرية والديمغرافية.
واستخدمت قطر الفائض الاقتصادي والمالي لديها في تعويض محدودية قدراتها من أجل الحصول على مكانة إقليمية، فقطر أصبحت من أكثر الدول توظيفًا للمال السياسي في شكل قروض ومساعدات للدول والجماعات المستهدفة لتحقيق مصالحها الإقليمية، وذلك كتمويل العديد التنظيمات السياسية وبعض الشخصيات الاجتماعية في الدول المستهدفة. فالدوحة مثلًا تحدد دعمها الأكبر لفلسطين لصالح حكومة غزة وتتجاهل الضفة الغربية والقدس، وذلك لارتباطها بعلاقات وطيدة مع حركة حماس المسيطرة على غزة، وخلافها مع السلطة الفلسطينية برام الله.
لقد كان المال القطري بكافة أشكاله سواء الاستثمارية أو المنح والهبات، أداة ضغط على الخصوم وتدعيم الحلفاء، وبدا ذلك واضحًا في الدول العربية التي تعرضت لموجة المظاهرات والاحتجاجات، التي أسفر بعضها عن زوال نظم وظهور نظم سياسية جديدة، وقد كان للمال القطري دور في تحقيق أهدافها، حيث كان لشراء وكسب ود دول وأشخاص نافذة بالعالم.
وفي الشأن المصري، ضخ النظام القطري الأموال والاستثمارات في الاقتصاد المصري، بعد وصول جماعة الإخوان إلى الحكم إبان ثورة 25 يناير لعام 2011، ولكنه عاد للتراجع بعد الإطاحة بالجماعة في 30 يونيو لعام 2013 عقب احتجاجات شعبية واسعة ضدها، ومعارضة قطر لذلك.
المراجع
1- الإخوان المسلمين والسلفيون في الخليج، مركز المسبار للدراسات والبحوث، ط2،دبي،2011، ص192.
2- محمد عبدالوهاب دياب، دولة قطر دراسة لظروف البيئة الطبيعية وعلاقاتها، دار الفكر العربي، القاهرة، 2001،ص36.
3- مرجع سابق، محمد عبدالوهاب، ص 37.
4- أثير ناظم عبدالواحد، "دور السياسة الخارجية القطرية في ظل األزمات العربية واإلقليمية"، مجلة دراسات، مركز الدراسات الدولية، العدد 43، متاح على الشبكة العنكبوتية.
5- Michael Curtis، "Qatar. the New Player in the Middle East"، American thinker، 18 May 2013 available on https:www.americanthinker.comarticles201305qatar_the_new_player_in_the_middle_east.html
6- إيمان رجب، "التناقض: كيف يمكن فهم سياسات قطر تجاه الثورات العربية؟"، السياسة الدولية، العدد 187،يناير 2012.
7- مصطفى اللباد، " قطر: أحالم كبيرة وقدرات محدودة، 182012، متوفر على الرابط التالي http:middle-east-online.com?id=136217
8- سامية بيبرس، الدور القطري في تسوية الأزمات، مجلة شؤون عربية، العدد 149، 2012
9- US embassy cables: Qatar using al-Jazeera as bargaining tool، claims US، The Guardian، available https:www.theguardian.comworldus-embassy-cables-documents235574





