يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad

أبعاد ودوافع الانتشار الداعشي في جنوب ليبيا

الجمعة 10/أغسطس/2018 - 07:17 م
تنظيم داعش الإرهابي
تنظيم داعش الإرهابي
طباعة
شهدت ليبيا خلال الأشهر الأخيرة، عملية إعادة انتشار واسعة لتنظيم داعش الإرهابي في جنوب البلاد، حتى إنه تمكن من السيطرة على الطريق الرئيسي الذي يربط بين مدينة سرت في الشمال، وسبها في أقصى الجنوب، من خلال التنقل المستمر عبر قوافل السيارات التابعة له، خاصةً في الدروب الصحراوية الواقعة شرق طريق «فزان» الرابط بين شمال البلاد وجنوبها.

تحركات التنظيم في الجنوب الليبي أثارت تساؤلات حول دوافع هذا الانتشار، لا سيما أن هناك مخاوفَ من استغلال التنظيم ذلك الانتشار في العودة إلى «سرت» مجددًا، خاصةً بعد إعلان المركز الإعلامي لعمليات «البنيان المرصوص» التابعة للمجلس الرئاسي الليبي، تمكّن قوة حماية وتأمين مدينة سرت، من ضبط كميات كبيرة من الأسلحة، في 18 من مايو 2018، في أحد الأوكار التابعة لعناصر داعش جنوب المدينة.

رغبة التنظيم في العودة إلى «سرت»، واستخدام تلك الأسلحة في تنفيذ عملياته الإرهابية، دفع الجيش الأمريكي في وقت سابق، إلى شن ضربات قوية في 24 سبتمبر 2017، استهدفت معسكرًا لمسلحي التنظيم على مسافة 240 كيلومترًا جنوب شرقي المدينة، كان يستخدمها كقاعدة لتخزين السلاح وتدريب المقاتلين وشن الهجمات الإرهابية.

وكانت حكومة الوفاق الليبية قد أطلقت عملية عسكرية في مايو 2016، حملت اسم «البنيان المرصوص»؛ لتحرر المدينة من قبضة مسلحي «داعش»، بعد سيطرتهم عليها في 2015، كما تم طرد مقاتلي التنظيم من مناطق عدّة أخرى، مثل درنة وبنغازي، خلال الفترة من 2015 إلى 2017؛ ما جعل عناصر داعش يرحلون نحو الجنوب الليبي لتعويض التراجع والانحسار الذي عانى منه طوال الفترة الماضية.
أبعاد ودوافع الانتشار
ملامح الانتشار
بعد طرد تنظيم «داعش»، من معقله في مدينة سرت، مطلع ديسمبر 2016، اضطر مقاتلو التنظيم، إلى اللجوء للوديان الصحراوية، وبعض المناطق النائية، مستفيدين من الصحراء المفتوحة فيها؛ للتنقل تحت جنح الظلام.

ومع مرور الوقت تمكن هؤلاء المقاتلون، من إعادة تنظيم صفوفهم من جديد، من خلال العمل على شكل مجموعات، تستقل عربات الدفع الرباعي، وتسير على شكل قوافل؛ كل قافلة تتكون غالبًا من 5 إلى 7 سيارات، وفي كل سيارة ما لا يقل عن 5 عناصر، وتتحرك في المناطق الهشة، وغير المسيطر عليها أمنيًّا.

قوافل التنظيم أسهمت في تصاعد النشاط الإرهابي وسط الصحراء الليبية خلال الفترة الأخيرة، من خلال شن عدد من الهجمات الإرهابية، على غرار الهجوم الذي استهدف مقر المفوضية العليا للانتخابات في ليبيا، في الثاني من مايو الماضي 2018، والذي نتج عنه مقتل 11 شخصًا، وإصابة آخرين، والذي سبقته هجمات أخرى، مثل الهجوم الذي استهدف بوابة للجيش الوطني (بوابة الفقهاء) التي تقع على مسافة 100 كيلومتر جنوب الجفرة؛ ما أسفر عن مقتل 12 جنديًّا، ثم أتبعه بهجوم آخر، في 31 أغسطس 2017، من خلال سيارة مفخخة تم تفجيرها عند بوابة تفتيش بالنوفلية، جنوب شرق مدينة سرت؛ ما أسفر عن سقوط جرحي وقتلى من رجال القوات المسلحة الليبية.
أبعاد ودوافع الانتشار
دوافع الانتشار
يبدو أن هناك مجموعة من الدوافع تقف وراء إعادة انتشار داعش في الجنوب الليبي، لاسيما أن هذا الانتشار يأتي في سياق تراجع التنظيم، ليس في ليبيا فحسب بل في معقله الأم في العراق وسوريا أيضًا، ورغبته في إعادة حيويته التنظيمية بكل الوسائل، من خلال الاعتماد على فروعه الخارجية، ومنها فرعه في ليبيا، الذي كان ينظر إليه على أنه أحد الفروع المؤهلة ليكون مقر الخلافة الداعشية حال إعلان سقوطها بشكل رسمي في سوريا، ومن ثم  يمكن تحديد أهم أسباب تمدد «داعش» إلى الجنوب في النقاط التالية:

تعويض الانحسار
إعادة انتشار داعش في جنوب ليبيا، تأتي في سياق رغبته في تعويض انحساره على الأراضي الليبية وكذلك في العراق وسوريا، عبر إيجاد معقل جديد، يسمح له بوجود حقيقي ومنظم، يتمتع فيه بالحماية الجغرافية، وعدم وجود سيطرة أمنية، وهو ما يتوفر في الجنوب الليبي حاليًّا، لاسيما أن الجنوب يُعَدّ المنطقة الوحيدة حاليًّا المتاحة أمامه لإعادة إحياء وجوده في البلاد من جديد، بعد أن كاد ينتهي وجوده فيها.

إعادة بناء الصفوف
بعد طرد تنظيم «داعش» من معقله في سرت، مطلع ديسمبر 2016، تمكن مقاتلوه من إعادة انتشارهم في الجنوب الليبي، خاصةً في المناطق النائية، من خلال العمل على شكل مجموعات، تتحرك في المناطق الهَشّة، وغير المسيطر عليها أمنيًّا، وهي المناطق التي تفصل بين قوات «البنيان المرصوص» برئاسة فايز السراج، وقوات «الجيش الوطني»، بقيادة المشير خليفة حفتر؛ نظرًا لعدم وجود تنسيق بين الطرفين في ظل العلاقة العدائية بين الطرفين، وهو ما استفادت منه عناصر التنظيم في الوجود في هذه المناطق.

وتمكّن التنظيم خلال تلك الفترة من إعادة بناء صفوفه من جديد، والاستفادة من الأخطاء التنظيمية السابقة، كما تمكن خلال عملية إعادة الانتشار من تجنيد عناصر جديدة، يعوض بها النقص العددي في صفوفه؛ لذا فإن عملية إعادة الانتشار ساعدت التنظيم في استعادة قوته العسكرية والتنظيمية.
أبعاد ودوافع الانتشار
التمدد عبر الحدود
يهدف تنظيم داعش من الانتشار بالجنوب الليبي، إلى التمدد لدول الجوار (تشاد والنيجر والسودان)، وهو ما يمكّنه من خلق ظهير آمن يمكن اللجوء إليه في وقت الأزمات، خاصةً في ظل تصاعد استهداف الولايات المتحدة الأمريكية للتنظيم، بعد أن أصبح الفرع الأكثر استهدافًا من القوات الأمريكية، هو الفرع الوحيد بعد «ولاية خراسان» في أفغانستان، وربما هذا ما دفع واشنطن للإعلان عن بناء قاعدة عسكرية للطائرات دون طيار في مدينة «أغادير» بالنيجر بقيمة 50 مليون دولار؛ لمراقبة الأوضاع في جنوب ليبيا؛ للقضاء على المجموعات «الداعشية»، التي تدخل وتخرج من ليبيا، طبقًا لما كشفت عنه جريدة «نيويورك تايمز»، فى مارس 2017.

استقطاب مقاتلين جدد
تُعدّ المناطق الجنوبية في ليبيا، تربةً خصبةً لنمو الفكر الداعشي وانتشاره؛ نظرًا لوجود العديد من الموروثات الفكرية المتطرفة، سواء من أفكار «القاعدة»، أو أفكار غيرها من التيارات المتطرفة؛ ما يسهّل على التنظيم تجنيد مقاتلين جدد، سواء من داخل ليبيا أو من دول الجوار.

ويحتاج داعش عناصرَ جديدةً؛ من أجل سد النقص الحاد في صفوفه؛ بسبب الخسائر التي تعرض لها في سرت، وغيرها من المدن الليبية، لاسيما أنه يحتاج أعدادًا كبيرةً تلبي احتياجات التوسع في مناطق جديدة؛ حتى يتمكن من ممارسة نشاطه العملياتي، وتأمين وحماية مناطق نفوذه.

توفير مصادر تمويل
بعد خروج تنظيم داعش من سرت، وبعض المناطق الساحلية التي كان يستفيد منها في التهريب، خاصة تهريب البشر (الهجرة غير الشرعية)، حسب تقرير للأمم المتحدة جرى تقديمه لمجلس الأمن الدولي في فبراير 2018، أصبح التنظيم يعاني من نقص حاد في الموارد الاقتصادية؛ ما دفعه للبحث عن مصادر جديدة، وهو ما يمكن أن يجده في الجنوب الليبي، من خلال المشاركة في أعمال التهريب عبر الحدود التي تشتهر بها هذه المنطقة، مثل تهريب السلع والبضائع والأدخنة والمشتقات النفطية والمخدرات، وهو ما يمكن أن يوفر له موارد مالية، تمكنه من الإنفاق على نشاطه الإرهابي، فضلًا عن رغبته في عدم ترك ساحة التهريب لتنظيم القاعدة، ينفرد بها ويجني أموالًا طائلة.
أبعاد ودوافع الانتشار
المعقل القديم
يسعى تنظيم داعش خلال تلك المرحلة إلى استعادة معقله في سرت؛ نظرًا لأن العودة إلى المعقل القديم تعد أسهل وأيسر من بناء معقل جديد، لا يعرفه ولا توجد فيه عناصر تابعة له.

ويعمل «داعش» على خلق حالة من التوازن مع الوجود القاعدي القوي في ليبيا، ومن جهة أخرى فإن هناك العديد من مقاتلي داعش في سوريا يرغبون في العودة إلى ليبيا، ومن ثم فهم بحاجة إلى معقل آمن يجمعهم، وهو ما يجعل داعش حريصًا على استعادة معقله في سرت.

وربما هذا ما تشير إليه تصريحات المتحدث الرسمي باسم الجيش الليبي العقيد أحمد المسماري، في الثالث من مارس 2018، بأن الهدف من وراء تصاعد نشاط داعش داخل بعض المناطق الصحراوية في الجنوب الليبي وجنوب سرت، هو العودة للمدنية من جديد، لاسيما أنه يتلقى دعمًا من بعض القوى المجهولة تتمثل في التزويد بالوقود والسلاح والغذاء. 

وأخيرًا، وفي ضوء ما سبق يمكن القول: إن إعادة انتشار «داعش» في جنوب ليبيا، تعد محاولةً من التنظيم لإعادة إحياء  وجوده التنظيمي؛ حتى تتسنَّى له العودة من جديد لمدينة سرت، وذلك حتى يضمن وجوده وانتشاره ليس في ليبيا فحسب، وإنما في منطقة الساحل والصحراء أيضًا؛ ما يفرض ضرورة لتكاتف الجهود الإقليمية للقضاء على النشاط الداعشي في ليبيا، قبل أن يستفحل ولا يمكن السيطرة عليه، لاسيما أن بعض القوى يمكن أن تتخذ من ذلك ذريعة للتدخل في المنطقة بحجة محاربة الإرهاب.
"