ad a b
ad ad ad

العملية العسكرية في درنة.. ومستقبل التنظيمات الإرهابية

الخميس 14/يونيو/2018 - 11:20 ص
المرجع
أحمد كامل البحيري
طباعة
تأجلت الخطوة أشهرًا عدة؛ نتيجة مرض المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي، إلى أن أعلن الجنرال حفتر، الإثنين 7 مايو الماضي، البدء في العملية العسكرية الشاملة لتحرير مدينة درنة الليبية الواقعة شرق مدينة بني غازي (مركز القيادة العسكرية للجيش الوطني الليبي) من التنظيمات الإرهابية والمتطرفة، وهذا الإعلان طرح العديد من التساؤلات حول أهداف العملية، أو بمعنى أدق خريطة التنظيمات الإرهابية الموجودة بمدينة درنة، والمسارات المحتملة للتنظيمات المتطرفة المتمركزة بمدينة درنة، وتأثير تلك العملية العسكرية على الأمن القومي المصري.

أولًا: التنظيمات الإرهابية المستهدفة من العملية العسكرية
تُعتبر «درنة» من أهم نقاط التمركز والسيطرة من قِبَل تنظيمات قاعدية في ليبيا، خلال السنوات السبع الماضية، التي أعقبت سقوط نظام معمر القذافي، والتي أخذت العديد من المسميات، من تنظيم أنصار الشريعة، مرورًا بتنظيم «المرابطون»، وصولًا إلى تنظيم مجلس شورى مجاهدي درنة؛ حيث يُعتبر تنظيم القاعدة في ليبيا هو التنظيم المسيطر على أغلب التنظيمات المتطرفة النشطة بالداخل الليبي، ويوجد «القاعدة» في العديد من مدن وأراضي ليبيا، وله العديد من «الأفرع في كلٍّ من درنة ورأس التين والكفرة ورأس الهلال ومرزق والعوينات والأبيار وطرابلس ومصراتة والأديري والنالوت وغدامس والعزيزية والزوارة والزاوية والخمس»، وغيرها من المناطق. 

ويمتلك تنظيم القاعدة في ليبيا العديد من القيادات صاحبة الخبرة القتالية والعسكرية، ومن أهم هذه القيادات «الساعدي النوفلي»، وهو مكلف برئاسة ما يُسَمّى «مجلس تحرير إجدابيا ودعم ثوار بنغازي»، واسمه الحقيقي كاملًا «الساعدي عبدالله إبراهيم أبوخزيم»، من مواليد 1981، وظهر في يونيو 2016 خلال بيانٍ أُعلن خلاله عن تأسيس «سرايا الدفاع عن بنغازي»، التي قيل إنها تتخذ من المفتي الصادق «الغرياني» مرجعيةً لها، وتمَّ القبض عليه في أكتوبر 2016 بمدينة مصراتة الليبية.

وبالتركيز على خريطة التنظيمات الإرهابية القاعدية في «درنة» نجد التالي:

(1) تنظيم أنصار الشريعة: أحد أهم التنظيمات التابعة لتنظيم القاعدة بمناطق شرق ليبيا، المتهم من قِبَل الولايات المتحدة الأمريكية بأنه التنظيم المسؤول عن مقتل السفير الأمريكي ببني غازي، إثر الهجوم على القنصلية الأمريكية في سبتمبر 2012، وقد أعلن تنظيم أنصار الشريعة حلّ نفسه في مايو 2017 في بيانٍ من 3 صفحات، تضمّن أسباب التأسيس في أغسطس 2012 ومسيرة التنظيم، وهو ما نصّ عليه البيان على النحو التالي: «بعد هذه المسيرة الحافلة والتضحيات التي قدمت فيها (أنصار الشريعة) جل قادتها وكوادرها.. ها نحن نُعلن للأمة والمجاهدين عامةً، وأهلنا في ليبيا خاصةً، عن حلّ جماعة أنصار الشريعة بليبيا رسميًّا»، ومع حلِّ التنظيم انتقل أغلب أعضاء التنظيم (أنصار الشريعة) للانخراط في تنظيم مجلس شورى مجاهدي درنة، بجانب انتقال البعض من أعضاء التنظيم المنحل؛ للانضمام إلى تنظيمي «داعش» و«المرابطون».

(2) تنظيم مجلس شورى مجاهدي درنة: التنظيم الأكبر والأكثر تأثيرًا وفاعلية بالمدينة، خصوصًا في أعقاب هزيمة تنظيم «داعش» في «درنة» على يد تنظيم مجلس شورى مجاهدي درنة، تلك الهزيمة التي أقرها «داعش» في تسجيل مُصَوّر مدته 10 دقائق صادر عن ولاية برقة، تحت عنوان (صبرًا صحوات درنة، إنما جئناكم بالذبح)، الذي بُث في 12 يوليو 2015، ومنذ هذا الوقت وتخضع «درنة» لسيطرة كاملة من تنظيم مجلس شورى مجاهدي درنة التابع لتنظيم القاعدة، وهو التنظيم الأول المُسْتَهْدَف من العملية العسكرية، التي بدأها الجيش الوطني الليبي يوم الإثنين 7 مايو 2018.

(3) تنظيم المرابطون: يُعتبر أحد التنظيمات التابعة لتنظيم القاعدة في الشرق الليبي، وتم تأسيسه على يد الإرهابي هشام عشماوي (ضابط مفصول من القوات المسلحة المصرية، مسؤول التدريب بتنظيم بيت المقدس سابقًا)، وهو واحد من أهم العناصر المطلوبة لدى قوات الأمن المصرية، ويضم «المرابطون» بعض العناصر التي تمتلك خبرات قتالية وعسكرية؛ وهو ما يجعل من تنظيم المرابطون، واحدًا من التنظيمات التي تمتلك قدرات قتالية عالية، رغم صغر حجم التنظيم، الذي لا يتجاوز بضع مئات، بناءً على بعض التقديرات الليبية والمصرية.

ثانيًا: مستقبل التنظيمات الإرهابية في درنة وتأثيرها على الأمن القومي المصري 
هناك العديد من المسارات والسيناريوهات التي يُمكن أن تلجأ إليها التنظيمات الإرهابية في مدينة «درنة»، بعد تحريرها من قِبَل الجيش الوطني الليبي، لكن يأتي التساؤل الأهم من حيث تأثير هزيمة تلك التنظيمات الإرهابية، خصوصًا تنظيم «المرابطون» على الأمن القومي المصري.

وسيعمل انتصار الجيش الوطني الليبي على التنظيمات القاعدية في مدينة درنة، وتحرير المدينة على إعادة خريطة تمركز العناصر والتنظيمات الإرهابية في ليبيا، خصوصًا في الشرق والجنوب الليبي؛ ما يدفعنا لوضع مسارين محتملين للعناصر القاعدية وتنظيم «المرابطون» بعد تحرير مدينة درنة:

المسار الأول: انتقال العناصر القاعدية وتنظيم المرابطون إلى الصحراء الغربية المصرية؛ لإعادة بناء وهيكلة التنظيم؛ كون تلك المنطقة هي الأقرب لعناصر التنظيم من ناحية، وخبرة تنظيم «المرابطون» بقيادة هشام عشماوي بتضاريس المنطقة؛ فخبرته بالمنطقة الغربية وطبيعة الأرض الصحراوية، ساعدت «عشماوي» على تشكيل تنظيم (أنصار الإسلام)، الذي تبنى عملية «الواحات» الأخيرة؛ ما يجعل من إمكانية انتقال تلك العناصر للداخل المصري احتمالًا مطروحًا.

المسار الثاني: استمرار وجود تنظيم «المرابطون» والعناصر القاعدية في الداخل الليبي، والانتقال إلى مناطق الوسط والجنوب الليبي، بمحاذاة خط الحدود المصرية الليبية؛ لسهولة عملية الاختباء، والهروب من مدينة «درنة»، ولكن يُواجه هذا المسار العديد من التحديات، أهمها: تمركز ووجود تنظيم وعناصر «داعش» وسط وجنوب شرق ليبيا، بدايةً من جنوب واحة «جغبوب»؛ حيث يتمركز تنظيم «داعش» بتلك المنطقة بعد هزيمة التنظيم في معركة سرت على يد قوات البنيان المرصوص، خلال شهر يوليو من العام الفائت 2017.

وأشارت بعض التقديرات الليبية والدولية إلى انتقال مقاتلي «داعش» إلى جنوب شرق ليبيا على بُعد 35 كيلومترًا من الحدود المصرية، وشكّل «داعش» في تلك المنطقة تنظيمًا تحت مُسَمّى جيش الصحراء، وهو ما أكده المتحدث العسكري باسم الجيش الوطني الليبي أحمد المسماري، عن عودة تنظيم داعش إلى النشاط مجددًا داخل بعض المناطق الصحراوية في الجنوب الشرقي لليبيا، فهل يمكن أن نُشاهد معركةً بين عناصر «داعش» وعناصر تنظيم القاعدة في تلك المنطقة شبيهةً بما حدث في مدينة درنة في 2015؟ تلك المعركة المحتملة ستكون حاسمةً في صياغة خريطة التنظيمات الإرهابية بليبيا.

وفي المجمل؛ تُعتبر معركة تحرير درنة أحد أهم التحديات التي ستواجه الدولة وقوات الأمن المصرية، لمنع حدوث أي اختراقات أمنية من قِبَل العناصر المتطرفة في درنة والهاربة من ضربات وانتصارات الجيش الليبي في مدينة درنة.
"