حكومة «الشاهد» تكشف معالم الرئاسة التونسية القادمة
الأربعاء 01/أغسطس/2018 - 10:33 م
يوسف الشاهد رئيس الحكومة التونسية
هانى دانيال
جاءت موافقة البرلمان التونسي بأغلبية كبيرة على اختيار «هشام الفوراتي» وزيرًا للداخلية خلفًا لــ«لطفي براهم»، الذي أقيل من منصبه قبل نحو شهر ليكسب رئيس الحكومة «يوسف الشاهد» جولة جديدة في مواجهة معارضيه المطالبين باستقالة حكومته، وتمنح البلاد فرصة للهدوء في ظل الهجمة الشرسة التي يتعرض لها «الشاهد»، وتزايد جبهة المطالبة بإقالته في ظل الظروف السياسية والاقتصادية التي تمر بها تونس مؤخرًا.
«هشام الفوراتي»
والتصويت على وزير الداخلية التونسي الجديد في البرلمان، وبمثابة أصعب اختبار مر به «الشاهد» منذ وصوله لهذا المنصب قبل حوالي ثلاث سنوات، خاصة مع تزايد الجبهات الرافضة لبقائه في السلطة، ومن ثم تداعيات ذلك على طموحه السياسي، حيث يرغب في ترشيح نفسه للرئاسة التونسية في الانتخابات المقبلة، وتزعم هذه الجبهة حزب نداء تونس بقيادة حافظ السبسي نجل الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي.
إلا أن «الشاهد» راهن على توافقه مع حركة النهضة التونسية والتي تملك 69 نائبًا في البرلمان وعددًا من ممثلي الأحزاب الأخرى والمستقلين، والإعلان صراحة عن تشاور «الشاهد» مع حركة النهضة (ذراع الإخوان)، بخصوص ترشيح «الفوراتي»، بينما نفى «نداء تونس» تشاور الشاهد معه بهذا الأمر، وهو ما جعله في النهاية يعبر من النفق المظلم من خلال تصويت 148 عضوًا بالبرلمان بالموافقة على وزير الداخلية الجديد، فيما اعترض 13 عضوًا بينما امتنع ثمانية أعضاء عن التصويت.
كانت النية محسومة تجاه الشاهد والمطالبة بإقالته في حال عدم حصوله على تأييد غالبية النصف زائد واحد «109 من أصل 217»، وهو ما دعاه لتعزيز تواصله مع حركة «النهضة» وغيرها من الأحزاب والحركات للحفاظ على موقعه ومستقبله السياسي في الوقت نفسه.
حركة النهضة
الانتخابات الرئاسية
الجديد في الأمر اتضاح معالم الانتخابات الرئاسية التونسية المقبلة، وبالرغم من مطالبة حركة النهضة، شريك الائتلاف الحاكم في تونس، رئيس الوزراء يوسف الشاهد بالالتزام بعدم الترشح للانتخابات الرئاسية المقرر تنظيمها في نهاية 2019، فإن التوافق بين «الشاهد» والحركة مؤخرًا، يكشف تزايد احتمالية التنسيق بينهما في الانتخابات المقبلة، خاصة أن الحركة لا تريد تقديم مرشح لها في الانتخابات الرئاسية، وإنما ركزت على انتخابات البلدية، وتستعد للانتخابات التشريعية، ولكن هذا لا يمنع من التوافق مع المرشح الأكثر حظًا ونفوذًا في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وخلال الفترة الأخيرة قدمت «حركة النهضة» دعمًا للشاهد، ودعته لاستخدام صلاحياته، في مواجهة الانتقادات التي تستهدفه من أطراف سياسية، بعضها كان في الحكومة ثم انسحب منها، وأعلنت صراحة عن رضاها بترشيح «الفوراتي» لوزارة الداخلية رغم انتقادات نداء تونس والأحزاب اليسارية، والشاهد نفسه كان يعلم بخطورة المرحلة التي تمر بها حكومته والاختبار الصعب من ترشيح الفوراتي، وأن الإقالة أو الاستقالة هما الخياران المتاحان أمامه إذا فشل في الحصول على دعم البرلمان، خاصة أنها المرة الأولى التي يتم فيها التصويت على شخص معين دون معرفة النتائج مسبقًا، وهو ما زاد من غموض الموقف.
كما أعلنت الحركة وبقوة عن رفضها لأى محاولات لتغيير رئيس الحكومة والاكتفاء بإجراء تعديل جزئي حفاظا على الاستقرار السياسي في مرحلة تحتاج فيها البلاد لإصلاحات اقتصادية، وهو ما يكشف عن تناغم وتوافق، بل والترتيب المستمر بينهم، حيث تخشي الحركة إعلان موقفها بالانضمام للجبهة الرافضة للشاهد، ما يعني انضمامها لجبهة حافظ السبسي (نجل الرئيس التونسي الحالي الباجي قائد السبسي)، ما يعنى تقوية نفوذه على مؤسسات الحكم التونسية، وبالتالي تحجيم نفوذ «النهضة» مستقبلا، وهى كلها حسابات تضعها حركة النهضة، ويدركها زعيمها راشد الغنوشي.
الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي
حياد السبسي
ورغم موقفه المحايد خلال الفترة الماضية، فإن الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي مال إلى الفريق الذى ينتقد «الشاهد»، معتبرًا أن رئيس الحكومة التونسية عليه الاستقالة من منصبه أو التوجه إلى البرلمان لطرح تجديد الثقة في حكومته إذا استمرت الأزمة السياسية، وهو ما يعد خروجًا عن حياد السبسي طوال الفترة الماضية، وانحيازًا لجبهة نجله حافظ الذى قدم انتقادات عديدة لرئيس الحكومة، ومن ثم لم يعد هناك مزيد من الرفاهية أمام الحكومة التونسية، فإما إصلاحات سياسية واقتصادية حقيقية وإما انتكاسة كبيرة لا يمكن توقع نتائجها.
ورغم موافقة البرلمان التونسي على وزير الداخلية الجديد، فإن الأزمة لن تنتهي، في ظل الأزمات الكبيرة والعميقة التي تمر بها تونس، وهذه التصريحات سيكون لها نتائج مستقبلية أيضًا، وسوف يزيد التوافق والتنسيق بين السبسي ونجله، في إطار تنامى نفوذ حافظ السبسي على مقاليد «نداء تونس»، وهيمنته المطلقة عليها، وهو ما كان سببًا في انشقاق البعض منها، وتحول الأغلبية في البرلمان إلى حركة النهضة.
يوسف الشاهد رئيس الحكومة التونسية
طموح الشاهد
وربما تشهد الفترة المقبلة محاولات أخرى من يوسف الشاهد رئيس الحكومة التونسية لضمان سيطرته على كواليس السياسة وأصحاب المصالح والنفوذ، حيث يخشي إغضاب هؤلاء لأنه يحتاجهم في الانتخابات الرئاسية التونسية المقبلة، وسيكون عدد غير قليل منهم مسؤولا عن الانفاق لحملاته الدعائية، كما أنه سيعمل على توطيد علاقته مع حركة النهضة بشكل موسع، حتى يضمن تزكيتها له في هذه الانتخابات، وألَّا تكتفي بالتشاور أو التنسيق خلف الأبواب، وهو ما سيكون ضربة كبيرة لتحالف حافظ السبسي والأحزاب اليسارية.
وبالتالي ضمان توسيع نفوذه حتى ولو على حساب عدم اتخاذ خطوات عاجلة تنتشل المجتمع التونسي من مشكلاته السياسية والاقتصادية، والتي توسعت في الأسابيع الأخيرة، وزيادة الاحتجاجات والاعتصامات التي ضربت البلاد نتيجة تأزم الوضع الاقتصادي.
بينما يري «الشاهد» أن استمرار وجوده يساعد على تحسن الإصلاحات الاقتصادية التي تعمل على تنفيذها حكومته بالتشاور مع المنظمات الدولية، وخاصة البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، وأن أي محاولات لإبعاده أو إقالته، معناها ضرب المشروع الذى يقوده من أجل إصلاح الوضع الاقتصادي التونسي، وعدم ثقة المجتمع الدولي في الخطوات التونسية والالتزامات التي سبق وأن قدمتها من قبل.
يأتى ذلك في الوقت الذي سبق وطالب فيه البنك الدولي تونس بالدخول في إصلاحات عاجلة جدًا تخص المؤسسات العمومية والتغطية الاجتماعية، وهي ملفات الدولة التونسية على وعي بها، خاصة أن الوضع الاقتصادي التونسي دقيق ولا يتحمل إضاعة الوقت.
وربما كان على الحكومة التونسية أن تثبت أنها موجهة للقيام بالإصلاحات الضرورية، بعد أن سبق وتم دعم الحكومة بـ 500 مليون دولار إضافية لدعم الإصلاحات الرئيسية بهدف تشجيع الاستثمار الخاص وخلق فرص للشركات الصغيرة و130 مليون دولار كمساندة إضافية لتطبيق برنامج اللامركزية وتلبية متطلبات التنمية.
الرئيس الأسبق زين العابدين بن على
ولكن ماذا بعد؟
ربما كان على حكومة «الشاهد» إثبات أنها تنحاز لعموم المواطنين التوانسة، وأنه لا يقوم بخدمة مشروعه الشخصي في الرئاسة، وعلى حكومته كسب ثقة المجتمع الدولي والمؤسسات المانحة، خاصة أن أى تهاون أو تقصير يزيد من المأزق الاقتصادي التونسي، وهو ما ينعكس في احتجاجات واعتصامات عديدة سيدفع الشاهد ثمنها، نتيجة تأزم الوضع الاقتصادي بشكل كبير، وعدم قدرة الحكومة على كسب ثقة الشارع، واتساع الفجوة بين الطرفين بشكل أصبح مكشوفًا للجميع.
الرهان الحقيقي على مدى توافق الأحزاب والحركات المتصارعة سياسيًّا على تنحية هذه الخلافات جانبًا لإنجاح الحكومة فى إنجاز مشروع سياسي واقتصادي وتنموي حقيقي بعيدًا عن الشعارات، ففى ظل الاقتراض المستمر من المؤسسات المانحة، ومع عدم وجود توافق سياسي حول الشاهد، كلها أمور تصب فى النهاية إلى إفشال الحكومة ومحاولة إنقاذ الوضع التونسي، وبالتالي الانفجار هو البديل الوحيد، خاصة أن الشارع التونسي لم يشعر بأى تحسين حقيقي منذ الإطاحة بالرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.
وبالتالي الفرصة مواتية لتحقيق إنجاز حقيقي والتوافق خلف شخصية رئيس الحكومة، أو الإسراع في تغيير الحكومة واختيار شخصية أكثر توافقا قبل الانتخابات الرئاسية القادمة، خاصة أن انتخابات البلدية كشفت عن مدى تزايد حالة اليأس بين الناخبين وخاصة الشباب من العمل السياسي، وأنهم لا يرون أى نتائج إيجابية مبشرة من الحكومة الحالية، أو من النخبة السياسية الحاكمة فى تونس حاليًا، وبالتالي لم تعد هناك خيارات عديدة متاحة، وعلى الساسة في تونس التقاط هذه الرسالة قبل الإعلان عن موعد الانتخابات الرئاسية، وبعدها الانتخابات التشريعية، التى ربما تقود حركة النهضة للفوز بها فى ظل استمرار الأوضاع الحالية بكل أشكالها وغموضها.





