الألعاب الإلكترونية.. من أداة ترفيه إلى سلاح إرهابي قاتل! (1-2)
الأربعاء 01/أغسطس/2018 - 07:51 م
صورة تعبيرية
أحمد سامي عبدالفتاح
نتيجة الرقابة الأمنية المكثفة المبذولة من دول العالم، بهدف تقييد عمليات التواصل بين أعضاء الجماعات المتطرفة، لجأت الأخيرة إلى استحداث وسائل جديدة بهدف ضمان فعالية أدواتها التواصلية، وتضمنت الوسائل المستحدثة استخدام مواقع التواصل الإجتماعي، مثل فيس بوك وتويتر، من أجل القيام بدور ترويجي لأفعالها العنيفة.
ولم يستغرق الأمر كثيرًا، قبل أن تدرك الفواعل الدولية سلبية الدور الذي يلعبه العالم الافتراضي، من خلال توفيره ممرات تواصلية آمنة للعناصر المتطرفة، التي تتحصن بفكرة الخصوصية، التي ينتهجها العالم الافتراضي كوسيلة لبقائه، علاوة على توفيره لمحادثات ثنائية أو جماعية وفق معدلات عالية من الأمان يصعب اختراقها أو تجاوزها دون موافقة الشركة المالكة للعالم الافتراضي.
ومن الأهمية هنا أن نشير إلى أن العالم الإفتراضي يجمع بين ثنائية «الخصوصية والأمان»، ما يعني أن فقدان أحدهما سيؤدي بالضرورة لانهيار ثقة المستخدمين فيه، ومن ثم خروجهم الحتمي منه، ويفسر ذلك حرص الشركات التى تدير خصوصية العالم الافتراضي على الإبقاء على سرية بيانات مستخدميها.
وحتى يتغلب الفاعلون الدوليون على هذا، وجهوا أدواتهم الرقابية، للإنطلاق نحو العالم الافتراضي بهدف تصيّد عناصره المتطرفة، إضافة إلى ممارسة دور ترويجي مضاد بهدف الحد من قدرة الفكر المتطرف على استقطاب الأفراد.
ولهذا لم تقف التنظيمات المتطرفة مكتوفة الأيدي أمام تلك الإجراءات، بل تشير الاحتمالات إلى لجوئها للألعاب الإلكترونية، واستخدامها كوسيلة فاعلة في التواصل، مستغلة بذلك خدمة المحادثة التي توفرها الألعاب بين مستخدميها، أيضًا تستخدم العناصر المتطرفة الألعاب الإلكترونية بهدف التخفي بين أعداد المشتركين الكبيرة التي تقدر في بعض الألعاب بعشرات الملايين، ما يسهل عليهم التواصل البيني بسرية تامة، بعيدًا عن الرقابة الدولية.
وبصفة عامة، يمكننا تلخيص أغراض استخدمات التنظيمات المتطرفة للألعاب الإلكترونية على النحو التالي:
1) تعبئة النزعة الجهادية
تواجه التنظيمات المتطرفة إشكالية إبقاء المعنويات مرتفعة لدي مقاتليها، خاصة مع عجزها عن تحقيق المثاليات الدينية- المتمثلة في إقامة ما يعرف بـ «دولة إسلامية».
وبسبب انتهاج التنظيمات سياسة «الهجمات المتقطعة» فتهاجم في أماكن متباعدة جغرافيًّا بهدف تشتيت الخصم، إضافة إلى سياسة القتال البعيد، وهى أن تقوم بشن الهجمات في أماكن بعيدة عن موطن نفوذها، مستخدمة عددًا محدودًا من مقاتليها، وأضحت معارك هذه التنظيمات تتم وفق أطر زمنية متباعدة، ما يفسر بروز ظاهرة «الفراغ الجهادي» والتى يقصد بها الفترات الزمنية الطويلة التي لا تستطيع فيها التنظيمات القيام بأي أعمال قتالية، الأمر الذي ربما يدفع مقاتلي هذه التنظيمات إلى القيام بانقلابات داخلية، أو الهروب من معسكرات الجهاد، وربما أيضًا الانضمام إلى جماعات متطرفة أخري ذات قوة عسكرية أكبر.
ومن هنا باتت الحاجة ضرورية لوسيلة افتراضية يتم من خلالها تفريغ الطاقات الجهادية للمتطرفين، ولهذا لجأت بعض التنظيمات المتطرفة إلى استحداث ألعاب قتالية جديدة، إضافة لتطوير أخرى موجودة بالفعل، بهدف الحفاظ على عزيمة مقاتليها من خلال محاكاة الهجمات التي ينوون تنفيذها بالفعل، ما يصب لاحقًا في صالح ترسيخ الولاء التنظيمي.
كما تهدف الألعاب لترسيخ الأهداف التي تضعها التنظيمات المتطرفة نصب عينيها من أجل تدميرها، فعلى سبيل المثال، تعبّر لعبة «Quest for Bush»، عن أهداف تنظيم القاعدة طويلة الأمد، والطامح إلى تدمير الولايات المتحدة كلية، وينعكس ذلك من خلال قيام اللاعب نفسه بقتل الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش في نهاية اللعبة.
كما تساهم اللعبة في تنامي الشعور العدواني تجاه الولايات المتحدة، ما يجعل من استقطاب الأفراد الراغبين في ممارسة نشاط عدواني ضد المصالح الأمريكية أمرًا سهلًا.
وفي السياق نفسه، أطلق تنظيم «القاعدة» في سبتمبر 2009، لعبة الكترونية تحاكي هجمات 11 سبتمبر، بهدف ترسيخ إرثه التاريخي، وتدعيم وجوده كقوة مناوئة للغرب، وقادرة على تمثيل أكبر التهديدات للولايات المتحدة.
الرسالة الأخري من اللعبة التي أراد تنظيم «القاعدة» إيصالها للجميع، بمن فيهم مقاتلوه، أنه مازال موجودًا على الأرض، رغم الضربات المتلاحقة التي تعرض لها بعد غزو الولايات المتحدة لأفغانستان في 2001، وهو ما يصب في صالح زيادة التكاتف والرغبة القتالية لدي أفراده.
ولم يغفل تنظيم «داعش» أهمية الألعاب الإلكترونية، حيث أطلق لعبته «صليل الصوارم» في سبتمبر 2014، وفي الفيديو الترويجي للعبة، يقوم اللاعب بشن هجمات بشكل منفرد تحت عنوان «دق اللطمة»- يقصد منها قتل أبناء الطائفة الشيعية- قبل أن يدخل إلى غرفة مغلقة ويقوم بقطع رأس شخص يرتدي الزي البرتقالي بالسيف.
ويتضح من هذا الفيديو تركيز «داعش» على تعبئة النزعة الجهادية ليس فقط لدي مقاتليه، ولكن أيضًا لدي الفئة التي تتخذ من إيران عدوًا لها.
وقد أدرك «حزب الله» اللبنانى أيضًا، دور الألعاب القتالية في تحقيز مقاتليه على التضحية، فلجأ لابتكار لعبة ثلاثية الأبعاد تحت اسم «الدفاع المقدس..حماية الوطن والمقدسات»، وهدف بالأساس من هذه اللعبة لتعبئة النزعة الجهادية لدي اللاعبين، بوضعهم في معارك قتالية تحت مبررات دينية؛ حيث تبدأ اللعبة بقيام شخص بزيارة مقام «السيدة زينب» في دمشق- برر الحزب دخوله الحرب من أجل الدفاع عنه- قبل أن يتعرض المقام للقصف، ما يجبر بطل اللعبة على الانضمام إلى القتال ضد من تطلق عليهم اللعبة «التكفيرين».
ويعد اختيار المبررات الدينية في الألعاب القتالية أمرًا في غاية الأهمية من وجهة نظر التنظيمات، حيث يساعد هذا النوع على تفعيل النزعة العدوانية بسهولة وتوجيهها ضد فئة محددة.
وقد استمدت التنظيمات المتطرفة فكرة التعبئة الإلكترونية للنزعة الجهادية من الألعاب العديدة التي أطلقتها الولايات المتحدة، مثل (Freedom Fighter) بهدف ترسيخ دورها كمدافع عن الحرية والديمقراطية في العالم، مقابل الإرهاب والتهديد الذي يمثله الطرف الآخر ممثلًا في الاتحاد السوفييتي.
2) أداة للاستقطاب
لكي تنجح التنظيمات المتطرفة في استقطاب شخص ما، فإنها تبدأ أولا بالتأثير على أفكاره واقناعه بأهدافها، وهنا يجب أن نشير إلى أن الغرب ابتكر العديد من الألعاب الإلكترونية التي يقوم فيها اللاعب بممارسة العنف وفقا لأهداف قومية- مثل لعبة Call of duty.
ورغم ذلك، لا توجد علاقة واضحة تربط بين هذه الألعاب ولجوء لاعبيها للعنف خارج نطاق عالمهم الإفتراضي، وتكمن إشكالية الألعاب الجهادية في الافتراضات التي تطلب من اللاعبين تكوينها من أجل المرور قدمًا في مراحل اللعبة المختلفة، وهنا يجب أن نشير إلى أن هذه الافتراضات دومًا ما تدور حول ترسيخ أفكار عدوانية ضد المجتمع، مع تقديم تبريرات منطقية لأفعال التطرف العنيفة.
بمعني آخر، تستغل التنظيمات المتطرفة الألعاب الإلكترونية لتقديم وجهة نظرها التي دفعتها لإنتهاج العنف كوسيلة لتحقيق أهدافها المتمثلة في مثاليات دينية عليا، قبل أن تطالب الطرف الآخر بتبني الفكر نفسه، وفي هذا الشأن، تدرك التنظيمات المتطرفة الميول العنيفة لدي بعض الأطراف المخاطبة، ما يزيد فرصة كسب ميولهم وتعاطفهم معها.
وفي الوقت نفسه، تراهن قوي التطرف على مقدرة البعض-ممن لديهم نزعة فطرية عنيفة- في التقاط المعاني المختلفة التي يريد التنظيم إرسالها من خلال اللعبة؛ حيث إن لون الملابس وهوية الأعداء وأماكن القتال، إضافة إلى خلفيات الشاشة لا يكون عشوائيًا، وإنما صيغ بطريقة سهلة بهدف التشويش على عقلية اللاعب.
فعلى سبيل المثال، في الفيديو الترويجي للعبة «صليل الصوارم» التي أنتجها «داعش» في سبتمبر 2014، يقوم اللاعب بذبح أحدهم في زي برتقالي، وهي الطريقة نفسها التي اعتاد بها التنظيم تنفيذ إعداماته الميدانية، ما يعني أن اللاعب سوف يكون أكثر تقبلًا عند رؤيته لحوادث مماثلة على أرض الواقع، أو عند مشاهدتها على التلفاز.
وعلى صعيد آخر، تستخدم التنظيمات الإسلاموية المتطرفة الألعاب الإلكترونية بهدف دحض الإدعاءات الغربية الخاصة بعدم قدرة هذه التنظيمات على التعايش السلمي مع غيرهم.
وفي ذلك، تستدعي التنظيمات المتطرفة شعارًا دينيًا مسالمًا بعيدًا عن العمل المسلح، بمعني أوضح، تعمد الألعاب إلى إظهار تجمع من المسلمين بصفته ضحية لاعتداءات عسكرية غربية أو احتلال، قبل أن يقوم اللاعب بشن المعارك من أجل التحرير، ما يعني أن التنظيمات المتطرفة قد خاطبت الجوانب القومية والإنسانية لدي اللاعب بغض النظر عن معتقداته الفكرية التي ربما لا تتعارض مع تقديم العون للطرف الآخر حتى وإن كان يناقضه الفكر.
وعلى سبيل المثال، تفترض لعبة (Umma Defense) إقامة خلافة إسلامية عالمية في العام 2114 على كوكب الأرض كله، قبل أن يتعرض الكوكب لهجوم فضائي بهدف إسقاط دولة الخلافة نفسها.
ويعني ذلك أن اللعبة صيغت بطريقة فعالة بهدف التأثير على عواطف اللاعب جميعها؛ حيث إن جانبه الإنساني يحتم عليه الدفاع عن الأبرياء، في حين أن نزعته الدينيه تلزمه بقتال الغزاة، علاوة على إظهار السلام الذي يعيشه العالم كله أسفل حكم الدين الواحد، ما يعني أن اللعبة تعمدت تقديم رؤية مغايرة لأوضاع الأماكن التي تحكمها التنظيمات الإسلاموية والتي تتسم دومًا بحالة من الاقتتال الداخلي، استنادًا إلى نظرية العدو القريب التي تطبقها التنظيمات المتطرفة مع تعاملها مع أخري تناقضها بعض الأفكار الجوهرية.
وتحمل اللعبة فكرة غير مرئية، مفادها أن الإسلامويين بشر عاديون يطمحون لتكوين دولتهم وفق أنماطهم الفكرية الخاصة، ما يعني أن اللعبة تستهدف التأثير على اللاعبين وجعلهم أكثر تقبلًا لفكرة شن التنظمات لهجمات بهدف تحقيق غايات دينية تم استعراضها في اللعبة (تكوين دولة إسلامية تحكم العالم).
ولم تغفل اللعبة عن الطرف الآخر المندمج في قتال التنظيمات المتطرفة، فقد أظهرته بصفته المعتدي الذي يقوم بتنفيذ أنشطة عدوانية من أجل تدمير دولتهم المبنية على أسس دينية، ما يخولهم الحق في استخدام أي وسيلة من أجل الرد.
وبعد أن تؤدي اللعبة وظيفة «ترسيخ الفكرة الايجابية»، تبدأ مرحلة الاستقطاب من خلال الأحاديث الثنائية التي يقوم بها أعضاء مندسون للتنظيمات المتطرفة مع لاعبين لديهم الرغبة بتحويل واقعهم الافتراضي وشعورهم اللامتناهي بالعنف إلى حقيقة ملموسة.
ويستغل أعضاء التنظيمات المتطرفة سرية الأحاديث الثنائية التي توفرها الألعاب من خلال قيام أحدهم بانشاء جروب خاص لمن يريد خوض نزال معه، ثم يبدأ باستقبال الطلبات، ما يتيح له فرصة اختيار الأشخاص الذين يستشعر حرصهم على المرور قدمًا في مراحل اللعبة المتقدمة، قبل أن يحاول اغراءهم بتحويل واقعهم الافتراضي إلى حقيقة.
ومن الأهمية بمكان أن نشير هنا إلى أن التنظيمات المتطرفة لا تتبع نهجًا موحدًا في استقطابها للأفراد، حيث إن كل متحادث يتبع أنماطًا تواصلية تختلف وفقا لسياق التفاعل الذي يختلف من شخص لآخر، ما يعني أن التنظيمات المتطرفة تنتهج سياسية تواصلية مرنة بهدف استيعاب كل الفروقات الفكرية بين المجموعات التي تسعى لاستقطابهم.
وبمعنى آخر، تدرك التنظيمات المتطرفة أن الفكرة التي ربما تدفع شخصًا نحو التطرف قد لا تنجح في تحقيق التأثير نفسه مع شخص آخر، فعلى سبيل المثال، قد ينضم شخص للتنظيمات المتطرفة بسبب رغبته في تحويل واقعه الافتراضي إلي حقيقة ملموسة، خاصة بعد أن نجحت التكنولوجيا في دحض الجمودية وإضفاء الشعورية، والإحساس اللحظي على الألعاب، من خلال النظارات الذكية وأجهزة الاستشعار اللحظي.
وفي حالات أخرى، يضطر العنصر المتطرف إلى الإندماج في أحاديث فكرية مع العنصر الراغب في استقطابه من أجل اقناعه بالانضمام إليه أو ربما العمل لصالحه عن بعد، على عكس بعض الحالات الأخرى التي يخاطب فيها العنصر المتطرف الطرف الآخر محاولًا استثارة نزعته الإنسانية من خلال إخباره عن الأوضاع المأساوية التي تعيشها أقاليم مسلمة بسبب التدخل الغربي فيها.
ويلعب الفضول دورًا في دفع بعض الأفراد لإكمال أحاديثهم مع العنصر المتطرف، وربما يكون اهتمام البعض بالنزاعات المسلحة في العالم دافعًا للتواصل مع شخص من بؤرة الحدث نفسها، قبل أن يتم التأثير عليه فكريًّا أو إغرائه بالمال.
1- Pagal Patrakar، Al Qaida lunches video game to celebrate 8th anniversary of 119، Faking News، http:www.fakingnews.firstpost.comworldal-qaida-launches-video-game-to-celebrate-8th-anniversary-of-911-159
2- الجزيرة نت، الدفاع المقدس لعبة حزب الله في سوريا، http:www.aljazeera.netnewsreportsandinterviews2018228%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%81%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%AF%D8%B3-%D9%84%D8%B9%D8%A8%D8%A9-%D8%AD%D8%B2%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D9%81%D9%8A-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7
3- Jarret M Branchman، High Tech Terror: Al Qaeda’S use of new technology، http:www.dtic.mildtictrfulltextu2a458499.pdf
4- Independent، Jihad: play the game، https:www.independent.co.uknewssciencejihad-play-the-game-5347294.html
5- الخليج أونلاين، جيش داعش الالكتروني، هكذا يسخر التنظيم ألعاب الانترنت للتجنيد، http:alkhaleejonline.netarticles1436178093992500200%D8%AC%D9%8A%D8%B4-%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D8%B4-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%B1%D9%88%D9%86%D9%8A-%D9%87%D9%83%D8%B0%D8%A7-%D9%8A%D8%B3%D8%AE%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D8%B8%D9%8A%D9%85-%D8%A3%D9%84%D8%B9%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%86%D8%AA%D8%B1%D9%86%D8%AA-%D9%84%D9%84%D8%AA%D8%AC%D9%86%D9%8A%D8%AF





