يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad

الإخوان في ألمانيا.. من «النزوح الكبير» إلى «احتراف التخفي»

الأربعاء 27/يونيو/2018 - 07:41 م
المرجع
طه علي
طباعة
• مثَّل عام 1958 نقطة تحول للوجود الإسلامي بألمانيا
• علاقة الإخوان بالمجتمع الألماني مرت بثلاث مراحل أساسية
• الخطاب العام للإخوان اتسم بازدواجية في الشكل والمضمون
• «الإخوان» تمكنوا من التأثير في السياسة الألمانية تجاه مصر بعد ثورة 30 يونيو
• «الإخوان» استخدموا المشروعات الاقتصادية والاجتماعية للتغلغل في المجتمعات
• صحوة ألمانية ضد التيارات المتطرفة
 الرئيس الراحل جمال
الرئيس الراحل جمال عبدالناصر
رغم أن وجود الإخوان في ألمانيا، ارتبط فعليًّا بظروف الحرب العالمية الثانية، ومحاولات استخدام الألمان للإسلام في مواجهة الشيوعية، فإن حقبة الخمسينيات، مثَّلت الرافد الأهم لوجودهم في ألمانيا، وظهر ذلك جليًّا، على خلفية حالة العداء التي نشبت بين الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، والإخوان في مصر عقب ثورة 23 يوليو 1952، وهو ما بلغ ذروته مع «حادث المنشية»، في مارس 1954، حينما ضلع الإخوان في محاولة اغتيال «عبدالناصر».

ودخل الإخوان مرحلة «النزوح الكبير» لأوروبا عامة، وألمانيا على وجه الخصوص، ونجحوا في استغلال حالة العداء بين «عبدالناصر»، وبعض الدول الغربية في تلك الأثناء، فكان من الطبيعي أن يحتلوا مكانةً وظيفيةً في هذا الصراع؛ نتيجة لاشتراك كل من الإسلام الحركي، والغرب الرأسمالي، في عداء عبدالناصر، ذي الميول الاشتراكية.

وارتبط وجود الإسلام الحركي، في المجتمع الألماني بظروف تاريخية، ترجع جذورها إلى مطلع القرن العشرين؛ حيث التقت رغبة الزعيم النازي «أدولف هتلر»، في استخدام وتوظيف «الإسلام الحركي» في مواجهة الشيوعية، مع رغبة قوى «الإسلام الحركي»، بالتوسع والتمدد خارج حدود العالم العربي.

ويرجع تاريخ ميلاد أول تنظيم سياسي إسلامي في ألمانيا، إلى عام 1922، حينما أُسس تنظيم «رابطة المسلمين الألمانية» على يد «الإمام صدر الدين» من الهند، ليتغير اسمه لاحقًا فى عام 1930، إلى «الجمعية الألمانية الإسلامية»، إلى أن جاءت أجواء الحرب العالمية الثانية حيث آثرت آلة الدعاية النازية، استخدام «الإسلام الحركي» ضد الاتحاد السوفييتي، خاصة في مناطق «القوقاز» الغنية بالنفط، فضلًا عن أن تلك المناطق غنية بالشباب المسلم، الذين لعبوا دورًا تلاقى مع الأهداف الألمانية في تلك المرحلة؛ ليقام لهم مسجد في مدينة «ميونخ» (ثالث أكبر مدن ألمانيا، وعاصمة ولاية بافاريا)، مثَّلَ فيما بعد القناة التي تسلل الإخوان من خلالها للمجتمع الألماني. 
الإخوان في ألمانيا..
الاستقطاب 
لعب «أمين الحسيني»، (المفتي العام للقدس، أحد أبرز الشخصيات الفلسطينية في القرن العشرين)، دورًا كبيرًا في استقطاب آلاف الشباب، من دول البلقان (ألبانيا وكوسوفو والهرسك)، كما لعب مسجد «ميونخ» دورًا تجاوز الحدود الدينية إلى السياسية؛ حيث أصبح فيما بعد مقرًّا لـ«التنظيم الدولي للإخوان».

وفي تلك الأجواء اتسم سلوك الإخوان في أوروبا، بالعمل من خلال سلسلة من الكيانات تعمل تحت مظلة واحدة، مع محاولة استغلال المتغيرات كافة، التي تفرضها الظروف التاريخية، فالشباب المسلم بالشيشان، والبوسنة وكوسوفا، مَثَّل الشرارة الأولى لدعم حضور «الإسلاميين» في المراحل الأولى، أثناء الحرب العالمية الثانية

ومع سقوط «النازية» (حركة سياسية أُسست في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى، بزعامة أدولف هتلر)، تمكن الإخوان من استغلال التطورات الجديدة التي طرأت على الساحة الأوروبية، ووفَّرت بيئة حقبة الخمسينيات داعمًا لخروج الإخوان إلى الفضاء الغربي؛ لمواجهة الضغوط التي فرضها عليهم نظام حكم الرئيس جمال عبدالناصر.

ووجد تيار الإسلام الحركي في تلك المرحلة، بيئة صالحةً للاستفادة من متناقضاتها، فاختار الانحياز لـ«الرأسمالية العالمية» بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، ومن يدور في فلكها من الدول الأوروبية، في مواجهة اشتراكية الاتحاد السوفييتي

ومثَّل عام 1958، نقطة تحول للوجود الإسلامي بألمانيا، حيث أُنشئَت فيه أقدمُ وأقوى المؤسسات الإسلامية الأوروبية، وهي «الجمعية الإسلامية في ألمانيا» «IGD»، والتي تمثل الإخوان في ألمانيا، كما أنها عضو في اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا

وهنا يبرز دور العلاقات الشخصية في عملية صناعة القرار داخل تنظيم الإخوان، وهو ما يتضح بالنظر في علاقات المصاهرة بين العديد من أعضاء التنظيم، وليس أدل على ذلك من علاقات المصاهرة بين حسن البنا، مؤسس تنظيم الإخوان، وسكرتيره الشخصي سعيد رمضان، الذي يُعَدّ أيضًا، أول الرواد الأوائل للإخوان في ألمانيا، الذي أسس «الجمعية الإسلامية في أوروبا». 
الإخواني المصري إبراهيم
الإخواني المصري إبراهيم الزيات
الاستراتيجية
استندت استراتيجية الإخوان في تلك المرحلة على 3 أدوات رئيسية، هي: «المجلس المركزي للمسلمين» في ألمانيا، و«المؤسسة الإسلامية لألمانيا» التي تعد صوت مسلمي ألمانيا وتتحكم في نحو 60 مركزًا إسلاميًّا في أنحاء البلاد، ويترأسها الإخواني المصري إبراهيم الزيات، صهر «محمد صبري أربكان»، زعيم جماعة «ميللي جوروس» التركية، و«الجناح التركي» المتمثل في «ميللي جوروس»، الذي يسيطر على قطاعات عريضة من الجالية التركية في ألمانيا.

وينتشر الإخوان في أكثر من 30 مدينة ألمانية، تحت إشراف عدد من المنظمات الشبابية، ففي عام 1994 تجمعت 19 منظمة، بما فيها «التجمع الإسلامي»، و«المركز الإسلامي في ميونخ»، و«المركز الإسلامي في آخن»، تحت مظلة واحدة، هي «المجلس الإسلامي في ألمانيا»، ويخص جماعة الإخوان 9 منظمات على الأقل من الـ19؛ ولهذا مرت علاقة الإخوان بالمجتمع الألماني بمراحل ثلاث، يرصدها الباحث الألماني «جيدو شتاينبرج»، في كتابه «الغرب والإخوان بعد ثورات الربيع العربي»، وهي: 

المرحلة الأولى: أواخر الخمسينيات وحتى عام 1979، واقتصرت فيها العلاقات «الألمانية -الإخوانية» على الاتصالات السرية بين عناصر الجماعة وأجهزة الاستخبارات الألمانية.

المرحلة الثانية: منذ عام 1979، حتى عام 2011، وفيها اكتسبت جماعة الإخوان اهتمامًا متزايدًا من أجهزة الاستخبارات الألمانية، وزاد التعاون الاستخباراتي بصورة كبيرة، خاصةً بعد نشوب الثورة الإسلامية في إيران.

المرحلة الثالثة: مع بداية ما عُرف بثورات الربيع العربي، وفي أعقاب سقوط نظام حكم الجماعة في مصر عام 2013.
وزير خارجية ألمانيا
وزير خارجية ألمانيا آنذاك جيدو فيستر فيله
سمات الخطاب
يتسم الخطاب العام للإخوان بازدواجية في الشكل والمضمون، ففي الوقت الذي يتبنى فيه مفاهيمَ وقيمًا تتنافى مع الديمقراطية الغربية، بداية من رفضه الدولة العلمانية، وتوفير الغطاء السياسي لأعمال العنف والإرهاب في العالم العربي، وصولًا إلى إصدار البيانات الصحفية التي تتشفى في الدولة المصرية وتتعاطف مع الإرهاب.

نجده في الوقت نفسه، يصدر للألمان بلغة سليمة ولهجة معتدلة، تستهدف التأثير في أوساط الرأي العام الألماني، كما ينفي الإخوان دائمًا تمثيلهم أي خطورة بالدول الأوروبية، وأن الكِيانات التابعة لهم هي مجرد لجان تنسيقية بين أفرع جماعة الإخوان، دورها إقناع الغرب بأن الإخوان تطوروا في اتجاه تبني منظومة القيم الحديثة، وأنهم قبلوا بالتعددية الثقافية والديمقراطية وحقوق الإنسان. 

ولم تكن السنوات الطويلة التي تغلغل فيها «الإخوان»، في المجتمع الألماني ببعيدة عن التأثير في السياسة الألمانية، خاصةً بعد تمكُّنهم من تكوين إمبراطورية اقتصادية، وخلق روابط اجتماعية، فضلًا عن الاستفادة من وجود جاليات مرتبطة بهم كالجالية التركية، التي يتجاوز عددها مليوني شخص، إضافةً إلى شبكة الأعمال التجارية التي يمتلكها الإخوان، مثل شركات «الأوف شور» (شركات خارج الحدود)، التي تنشأ بعيدًا عن التضييق الضريبي والرقابة المشددة، وهو ما عززته النظم التشريعية في الولايات الألمانية وتحديدًا ولايتي «بافاريا» و«ساكسونيا».

ونظرًا للنفوذ الذي وصل إليه الإخوان داخل المجتمع الألماني، فقد تمكنوا من التأثير في السياسة الاقتصادية تجاه مصر بعد ثورة 30 يونيو 2013؛ حيث أوقفت ألمانيا نشاط شركة «باسف» الألمانية للصناعات الكيميائية في مدينة السادات (تتبع إدرايًّا محافظة المنوفية في دلتا مصر)، بعد أن ظلت تعمل في مصر لمدة 60 عامًا، كما أرجأ بنك التعمير الألماني «KFW»، توقيع اتفاقية لتمويل مشروع إعادة تأهيل محطة كهرباء «عتاقة» بمحافظة السويس إلى أجل غير مسمى.

امتد نفوذ الإخوان أيضًا، إلى التأثير السياسي في ألمانيا؛ ما دفع وزير خارجية ألمانيا آنذاك «جيدو فيستر فيله» (1961 – 2016)، أثناء مقابلة نظيره المصري «نبيل فهمي» (ظل في المنصب من 16 يوليو 2013 وحتى 8 يونيو 2014)، على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك؛ للمطالبة بدمج الإخوان في العملية السياسية المصرية.
تفجيرآنسباخ في 24
تفجيرآنسباخ في 24 يوليو 2017
لهيب الإرهاب
لم تكن ألمانيا بعيدة عن موجة الإرهاب التي ضربت القارة الأوروبية، وذلك على خلفية التدخل غير المعتدل في شؤون العالم الإسلامي وقضايا منطقة الشرق الأوسط على وجه التحديد -بحسب محللين.

وتمثل ذلك في سلسلة من التفجيرات شهدتها الدول الأوروبية ومن بينها ألمانيا، خلال السنوات الأخيرة، التي كان آخرها تفجير «آنسباخ» في 24 يوليو 2017؛ الذي أسفر عن مقتل منفذه، وإصابة 15 شخصًا، كانوا موجودين في حانة نبيذ، وكان المنفذ قد بايع «أبوبكر البغدادي» زعيم تنظيم داعش، من قبل، كما سبق هذا التفجير 3 هجمات أخرى في ألمانيا في غضون أسبوع، فضلًا عن العديد من العمليات التي أعلنت السلطات الألمانية إحباطها.

وخلال السنوات الأخيرة، ومع تزايد وتيرة الأعمال الإرهابية، التي تتعرض لها أوروبا، بدأ تسليط الضوء على أصول الكيانات المتطرفة المقيمة تاريخيًّا في ألمانيا، والبحث عن علاقتها بتلك العمليات، وهنا بدا من الطبيعي التركيز على شبكة العلاقات الخاصة للتنظيم الدولي للإخوان في أوروبا، وفي ألمانيا على وجه التحديد.

ومن ثم، توالت التقارير الرسمية وغير الرسمية، لتقدير واقع وجود التيارات المتطرفة في ألمانيا، ومن بينها؛ تقرير صادر عن «المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات»، الذي رصد تضاعف عدد المنتمين إلى التيار السلفي والجماعات المتشددة في العاصمة الألمانية، مقارنةً بما كان عليه من قبل، وأوضح التقرير أن عدد المنتمين إلى هذه الجماعات والتنظيمات المتطرفة وصل 950 شخصًا، أي ما يعادل أكثر من ضعف ما كان عليه في عام 2011؛ إذ كانوا 350 شخصًا فقط.

ووفقًا لتقرير آخر، صادر عن وكالة المخابرات الداخلية الألمانية، بشأن أنشطة التنظيمات التي تقع تحت مراقبة الأمن الألماني، فإن المناطق الغربية للبلاد، تزخر بالكثير من المراكز الإسلامية التي تقدم خدماتها للوافدين الجدد من طالبي اللجوء والمهاجرين المسلمين، وهو ما لا يوجد بالمثل في المناطق الشرقية؛ الأمر الذي أسهم في اضطلاع تنظيم الإخوان بتوفير المقار المناسبة، كالمساجد، وتلبية احتياجات هؤلاء الوافدين، 

ووفقًا للتقرير ذاته ينتشر نحو 1000 شخص من العناصر المتشددة في ألمانيا، يعملون في أنشطة متصلة ببناء المساجد بالمدن الرئيسية، مثل «دريسدين»، «ليبزيج»، «مايسين».
زوزانة شروتر
زوزانة شروتر
الحصار
جعل كل هذا، قطاعًا كبيرًا من السلطات الألمانية ينتفض ضد التيارات المتطرفة، واعتُبرت دائرة الأمن في ولاية «بافاريا»، الأكثر حزمًا مع الإخوان؛ حيث سبق أن حظرت نشاط العديد من الجهات التابعة لهم بها، مثل «بيت الثقافات المتعددة»، الذي أُنشئ في مدينة «أولم» (مدينة ألمانية في ولاية بادن) سنة 2005، وحولته إلى بيت لإيواء المتشردين.

ولم تكن ولاية «بافاريا» فقط، هي التي انطلقت منها الصحوة الأمنية ضد وجود القوى المتطرفة على أراضيها؛ حيث أعلنت ولاية شمال الراين (ويستفاليا)، أنها بصدد القيام بخطوات مناوئة للإسلاميين، في مقدمتها حظر عددٍ من المساجد المتطرفة، وتم فعليًّا وضع 19 مسجدًا وجمعيةً تحت المراقبة.

ووفقًا للإحصاءات الرسمية، ارتفع عدد السلفيين في تلك الولاية من 2500 شخص إلى 2900 خلال عامي 2014، 2016؛ الأمر الذي يعزز المخاوف، لدى السلطات بارتباط تلك الزيادة المضطردة للمتطرفين في المجتمع، بتنامي وتيرة العمليات الإرهابية في البلاد، وانطلاقها إلى الفضاء الأوروبي بشكل عام.

ومن ضمن الإجراءات الأخرى على سبيل المثال، دشن وزير الداخلية في بافاريا «جونتر بيكشتاين» حملة ضد «المراكز الإسلامية المتشددة»، موضحًا، في مقابلة تلفزيونية آنذاك، أن لديه أدلة على تورط بعض المراكز الإسلامية في تجنيد المتشددين، واتخاذهم منابر هذه المراكز للتحريض ضد الشعوب الأخرى، وتم أيضًا إصدار قرار بسحب إجازة «المدرسة الألمانية الإسلامية» في ميونخ، باعتبارها واجهةً لتنظيم الإخوان، كما تم ترحيل اثنين من أئمتها إلى مصر، في فبراير ويونيو 2005؛ بتهمة التحريض على الكراهية، وخرق مبادئ الدستور الألماني الخاصة بالتعايش بين الشعوب، ووفقًا لبيكشتاين فإن عددًا من الذين تم ترحيلهم تلقى تدريبات عسكرية في معسكر سري لـتنظيم القاعدة في باكستان.

أساتذة التخفي
تشير «زوزانة شروتر»، الباحثة بمركز الأبحاث الإسلامية في فرانكفورت، إلى أن الإخوان «أساتذة في التخفي»، سواء على صعيد العمل التنظيمي أو الأهداف السياسية، ويصبحون أكثر صراحة في الحديث عن أهدافهم السرية كلما تعزز موقفهم السياسي، لكنهم يفضلون الظهور بمظهر المتسامح والمتفهم، حينما يشعرون بأنفسهم ضعفاء، أو أقلية في مجتمع ما مثل المجتمع الألماني.

ويستخدم «الإخوان» المشروعات الاقتصادية والاجتماعية أيضًا، بهدف التغلغل في المجتمعات والتأثير فيها، وهو ما تعززه أيضًا محاولات التقرب من الأحزاب والشخصيات السياسية الفاعلة في ألمانيا.

ولهذا تذهب البروفيسور «زيجريد هيرمان مارشال»، الخبيرة في الشؤون الإسلامية إلى أن الإخوان يطرحون أنفسهم في الغرب كمعتدلين ومؤيدين للحوار والتفاهم بين الأديان، لكنهم يروجون أهدافهم السياسية بشكل علني في البلدان العربية والإسلامية، ويحاول التنظيم تعزيز نفسه في المجتمعات الإسلامية، من خلال المشروعات الاقتصادية والاجتماعية، وهذا ما يفعلونه في ألمانيا والغرب أيضًا.

وبهذا، ربما يتحدد مستقبل وجود تنظيم الإخوان في ألمانيا، بقدرته على التكيف مع المتغيرات الجديدة، التي تفرض نفسها على صانع القرار بشكل عام، ويقف في مقدمتها، اتساع نطاق العنف الذي يتعرض له المجتمع الألماني، فضلًا عن اتساع نطاق الحديث عن شبكة العلاقات الاقتصادية والسياسية للإخوان في البلاد، ومدى تأثيرها على منظومة المصالح الألمانية داخليًّا وخارجيًّا، إضافة لما كشفت عنه عمليات تضييق الخناق، التي تبنتها السلطات في ولايات كبرى، مثل: بافاريا، ساكسونيا، وشمال الراين (ويستفاليا) وغيرها.

وفي هذا الإطار، فمن المتوقع تزايد عمليات الضغط والحصار، على الكيانات التابعة للإخوان، ويتزامن ذلك، مع الجهود الدبلوماسية الحثيثة التي تبذلها الدولة المصرية منذ ثورة 30 يونيو 2013، على صعيد تطوير العلاقات الرسمية بين القاهرة وبرلين، ويزكي الجهود المصرية فى هذا الصدد، ما تشهده أوروبا خلال الفترة الأخيرة من تصاعد نطاق العمليات الإرهابية، وعودة بعض الأوروبين المقاتلين في صفوف تنظيم «داعش» بسوريا والعراق أخيرًا، وهو ما يفرض إعادة النظر في المنظومة التشريعية الألمانية، للتعامل مع المهاجرين، لاسيما من يرتبطون بتلك الكيانات المتطرفة التي تعمل تحت مظلة التنظيم الدولي للإخوان، فضلًا عن إعادة النظر في السياسة الألمانية تجاه قضايا الإرهاب في العالم، والشرق الأوسط على وجه التحديد.
"