ad a b
ad ad ad

موسيقى «جمعة».. بين تجديد الخطاب الديني والتحريم

الخميس 26/يوليو/2018 - 01:42 م
المرجع
سارة رشاد
طباعة
تبدو الواقعة غريبة رغم تكرارها؛ فالعادة التي جرت على أن تُحفظ للمساجد هدوءها، اختلفت تمامًا مع هذا المسجد بالذات، هناك حيث مدينة السادس من أكتوبر، جنوبي القاهرة، يستقر مسجد «فاضل» الذي بناه مفتي مصر السابق، الدكتور علي جمعة، على نفقته الخاصة؛ لإلقاء دروسه الصوفية، والالتقاء بأتباعه ومُريديه.
علي جمعة
علي جمعة
خلف مكبرات الصوت اعتاد «جمعة» الجلوس محدثًا زواره عن فضل التصوف ودرجاته، ويسترسل في ذلك إلى أن تبدأ آلات موسيقية في العمل داخل المسجد، استعدادًا لجلسة إنشاد ديني.

في كل مرة يصطحب «جمعة» فرقة إلى مسجده لإحياء مناسبة دينية أو ليلة ذكر، تنقلب الساحة الدينية، مجددة تساؤلات عن مدى شرعية الموسيقى من الأساس، فضلًا عن مدى قبول عملها داخل المساجد.

الرؤية السلفية، بحكم توجهها، ترى الموسيقى حرام، وعليه فعزفها داخل مسجد أمر شديد التجاوز، ومن هنا يمكن فهم السبب الذي يدفعها لانتقاد «جمعة» كلما مرت مناسبة دينية، وأتي بفرقة داخل جدران مسجده.

ويمكن فهم ما يقدم عليه «جمعة» رغم الهجوم المتجدد، إذ ما نظرنا إلى منهجه الصوفي، إذ يتبنى جمعة بحكم هذا المنهج قناعات تدور أغلبها حول حتمية الإقدام على تصحيح المفاهيم التي ساء فهمها، ومن بينها الحكم بحرمة الموسيقى.
صورة تعبيرية
صورة تعبيرية
وبما أن المفتي السابق لا يجد في الاستماع إلى الموسيقى شُبهة، فذهب إلى إعمالها في المسجد لينفي الرؤية السلفية التي حظت بنوع من القبول الشعبي على مدار عقود، وحُرمت بسببها الموسيقى لدى الكثيرين.

وتدخل قناعات «جمعة» ضمن رؤيته لما يُعرف بـ«تجديد الخطاب الديني»، ويقصد به تنقيح التراث، وهي المهمة التي أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسي، في 2014، وحملها المفتي السابق على عاتقه.

وضمن خطواته نحو التجديد وتصحيح المفاهيم، يعكف «جمعة» عبر برنامج تلفزيوني على تقديم رؤية تنويرية، يصفها أحيانًا السلفيين بـ«الشاذة»، لاسيما حصوله على موافقة المجلس الأعلى للطرق الصوفية على إجازة طريقته الصوفية «الصدّيقية الشاذلية»، التي توقع مهتمون بالتصوف أنها ستكون إضافة للحالة الصوفية المنهكة، ومن ثم إضافة للحالة الدينية المصرية.
الصديقية الشاذلية
الصديقية الشاذلية
ومنهج «الصديقية الشاذلية» كما علم «المرجع» استقاه «جمعة» من طريقة صوفية مغربية تُدعى «الغمارية»، وهي طريقة أخذت عن الدرقاوية ( تأسست بالمغرب في القرن 14 الميلادي)، الآخذة من الشاذلية نسبة للقطب الصوفية أبوالحسن الشاذلي، المنحدر من المغرب، وتعلم في تونس وعاش ومات في مصر.

وتعود «الغمارية» لأسرة الصديقين المغربية نسبة لمحمد بن الصديق الغماري، مؤسس الطريقة وأب الأسرة، ليأتي من بعده ابنه الأكبر أحمد بن الصديق، واشتهرت الأسرة ببراعتها في علم الحديث، وعلى هذا النهج كان الشيخ عبدالله الغماري الذي وصل القاهرة في 1930 بعدما قد تعلم علم الحديث بالمغرب.

وجاء عبدالله دارسًا في الأزهر، إذ كانت تلك الفترة عهد نهضة أدبية وفكرية للقاهرة، فجاءها العديد من العلماء الذين حرص الغماري على الاحتكاك بهم والتواصل معهم، ليتحول بعد ذلك إلى داعية ومفتٍ في أمور الناس، ناقلًا فكر أسرته إلى مصر. 

وتحضر «الغمارية» كل ثلاثة أشهر إلى مسجد الحسين الشهير بقلب القاهرة، تقيم لها حضر (حلقة ذكر) ثم تعود.

ورجحت مصادر داخل المجلس أن تكون الطريقة «الصديقية الشاذلية»، خطوة نحو إدخال «جمعة» التصوف بصيغة رسمية، تمهيدًا لتكليفه بإدارة المجلس الأعلى للصوفية، على أن يتفرغ الرئيس الحالي للمجلس ونائب مجلس النواب، الدكتور عبدالهادي القصبي، لعمله السياسي.
المستشار الديني لرئاسة
المستشار الديني لرئاسة الجمهورية الدكتور أسامة الأزهري
كما أشارت مصادر إلى أن طريقة «جمعة» ستضم أعدادًا كبيرة من أزهريين متصوفة معروفين، مثل المستشار الديني لرئاسة الجمهورية الدكتور أسامة الأزهري، ووكيل لجنة الفتوى الدكتور مجدي عاشور، ولاسيما أيضًا أعداد من شباب منشقين منذ 2007 عن جماعة الإخوان، وهو ما يعتبر توجه نحو الوسطية تاركين الفكر المتشدد.

والدكتور علي جمعة (66 عاما) هو أحد أبرز الشخصيات الدينية في مصر، وشغل منصب مفتي الديار المصرية لمدة عشر سنوات (2003: 2013)، وعرف بالفتاوى والآراء المجددة، وبسببها تعرض في الخامس من أغسطس 2016 أثناء ذهابه لأداء صلاة الجمعة بمسجده «فاضل»، لمحاولة اغتيال فاشلة على خلفية هذه الآراء التي اعتبرها قطاع من شباب الإسلامويين مستفزة، ويُعرف «جمعة» كإمام صوفي له آلاف التابعين من بينهم أساتذة بجامعة الأزهر.
"