ad a b
ad ad ad

الإسلام السلفي في سوريا.. فشل الدولة وانهيار وهم الخلافة

الإثنين 23/يوليو/2018 - 12:16 م
المرجع
د / فريد خان .. خبير دراسات دول الشرق الأوسط
طباعة
أعاد «الإسلام السلفي» بعث العقيدة والقبيلة والغنيمة، فأصبحت الأولوية للسيف والعصبيات والتطرف على حساب بناء الدولة، ففي المشهد السوري لا تعترف حركات الإسلام السياسي بمبدأ الدولة الوطنية الحديثة، ولا بحدودها الجغرافية، بل تؤمن بفكرة الدولة الإسلامية والخلافة، من خلال الإفراط في تسييس الدين، وتوظيف النصوص الدينية والممارسات التاريخية ابتغاء السيطرة على الحكم، مما يضفي على الصراع صبغته السياسية، بالرغم من محاولة تغليفه بالخصوصية الدينية الأصولية السلفية.


الإسلام السلفي في
اتفقت أفكار القوى الناشئة للتيارات السلفية في سورية على ضرورة دمج الدين بالدولة ومحاربة العلمانية، وتغيير التعليم وإلغاء الثقافة الحديثة وإعادة بلورة وتنميط الثقافة الوطنية وفقًا للقوالب الدينية، إضافة إلى تركيزها على السيطرة على كل مؤسسات الدولة والشرطة والجيش والقضاء، فهي ترفع شعار الدين والعودة للأصول كطريق وحل للتحول المجتمعي، ولكن بالنظر إلى مجمل ممارساتها من حيث المضمون فهي تتنافى مع الأصالة، وليس فيها أي شيء أصيل، فهي ليست إلًّا شكلًا من أشكال التطرف الديني والسياسي.

حيث تنقسم تيارات الإسلام السلفي في سوريا -بحسب معايير التشكل- ونقصد هنا مسألة هوية الدولة والمجتمع، فمنهم من يريد إقامة دولة إسلامية بالحدود السورية الحالية، وهذا ما تسعى إليه السلفية الحركية المحلية والجبهة الإسلامية وجبهة تحرير سورية (1).

أما إقامة الخلافة الإسلامية التي لا تؤمن بالجغرافيا السياسية فهو مبتغى السلفية الجهادية التي تنتمي لـ«القاعدة» سواء في الأصول، أو الفروع مثل «داعش» و«جبهة النصرة» (فتح الشام) (2)، وبالتالي هناك من التيارات الإسلامية من يسعى إلى تحويل الدولة إلى إسلامية بمعايير متطرفة، وهناك من يبحث عن الأصالة من خلال إحياء وهم الخلافة، وبين مسعى التحول ووهم الأصالة لدى تيارات الإسلام السلفي تتمحور دراستنا.


الإسلام السلفي في
تيارات الإسلام السلفي وفشل الدولة
التيارات الإسلاموية تستند إلى مفهوم وحشي لكلمة المواطنة، وهي مختلفة فيما بينها، وتعود الخلافات فيما بينها لطبيعة تكوين هذه الفصائل من الناحية المجتمعية والأيديولوجية والسياسية والعسكرية، ومدى إدراكها لنفسها وللآخر، فنشأت جميع الجماعات الإسلاموية المسلحة في سورية في بيئات فقيرة ومهمشة، وبالتالي استطاعت أن تجذب إليها الشباب اليائس تحت شعار الدين والجهاد لإحياء الخلافة الإسلامية.

هؤلاء الشباب، وإن امتلكوا روح التمرد ضد السلطات المركزية في بلدانهم، لكنهم عديمو المال والخبرة، وليس لهم القدرة على إصدار الفتاوى والتجنيد والحصول على السلاح واستخدامه، لذلك ظهر الدور القذر للأجندات الإقليمية والتي كانت قطر وتركيا ترعيانه وتتحكمان فيه؛ لتحقيق أهداف واستراتيجيات تتجاوز الحدود وبإشراف أجهزة مخابراتها، فأطماع تيارات الإسلام السياسي والسعي وراء وهم الخلافة هو الذي يقود تطور ونشوء الظاهرة الجهادية، أكثر منه الأسباب السياسية. (3)

ورغم أن الجبهة الإسلامية وجبهة تحرير سوريا، تتبنى أجندة لا تتعدى الحدود السورية الحالية، فهي في الوقت نفسه تسعى لتطبيق مفهوم الدولة الإسلامية، لكنها تتجنب إعلان القبول بالنظام المدني الديمقراطي كبديل لنظام الشورى الغامض والمختلف عليه فيما بينهما، والذي يحصر القرار والتشريع في نخبة غير منتخبة تحت مسمى «أهل الحل والعقد أو الولاية»، لذلك نجد أن جل الحركات الإسلاموية السلفية في سوريا ترفض المشاركة في أيّة عملية سياسية لا تعترف بوجوب بناء الدولة الدينية كلبنة أولى نحو إحياء الخلافة الإسلامية. (4)

كما أن هذا الجناح الذي يتبنى بناء الدولة الإسلامية بالحدود الحالية سعى لتغيير المجتمع والعودة به إلى الأصالة الدينية -في رأيهم- من خلال اقتحام الفضاء الخاص الشخصي للمجتمع بإملاء شكل لباس المرأة، وتحديد طبيعة العلاقات، وإلغاء الحرية الشخصية وغيرها.

وكانت الجبهة الإسلامية ومعها عدة فصائل مقاتلة مثل: (الإتحاد الإسلامي لأجناد الشام، فيلق الشام، جيش المجاهدين، ألوية الفرقان)، أعلنت بتاريخ 17 يناير 2014 ما سمي بالميثاق الثوري، والذي أقر فيه أن الجماعات السلفية السورية تلتزم بحقوق الإنسان التي يحث عليها الدين الإسلامي(5).

ولكن عمليًّا فإن القوانين والحريات التي سيقبلون بها هي التي تخدم أجنداتهم وأطماعهم، ويتم من خلال تفسيرهم لنصوصه، ونلاحظ أن الأمر لم يعد التعبير عن الدولة المنشودة دولة إسلامية، بل أصبحت دولة لها قوانين بمعاييرهم ومقاييسهم وتعترف بحقوق الإنسان التي لا تتناقض مع فكرهم وأيديولوجيتهم المتطرفة، لذلك ظهر الفارق طفيفًا، لكنه امتزج بالتحايل في التعبير عن الفكرة نفسها، وهي بناء دولة إسلامية، إلا أن الميثاق يرفض مشاريع إقامة خلافة إسلامية عالمية للتمايز عن جبهة النصرة وداعش. (6)


تيارات الإسلام السلفي ووهم الخلافة 
أما الطرف الآخر الذي يمثله داعش وجبهة النصرة (جبهة فتح الشام)، فهي تضم بشكل عام مقاتلين من جنسيات مختلفة، وتنصب نفسها المرجع الرئيسي لأهل السنة في العالم، على غرار المرجعية الشيعية بإيران، فتمزج بين الأطماع الداخلية المحلية والأهداف الإقليمية والعالمية.

كما أن وضع صبغة عالمية للصراع في سوريا يعد أحد مبادئ هذا التيار المتطرف الذي يرى بأن أصل الصراع هو عالمي بين معسكر الكفر، ومعسكر الإيمان، ومنه، بات الصراع الدائر مع النظام في سوريا ليس هدفًا رئيسيًّا، وإنما تحولت دولة سوريا إلى ساحة للصراع الدولي مثل أفغانستان والعراق ومالي واليمن؛ من أجل تحقيق أهداف استراتيجية بعيدة المدى تتمثل في إقامة الخلافة الإسلامية.

فجبهة النصرة أنشأها تنظيم القاعدة، وقد سيطر على مناطق سورية محلية وتغلغل فيها، لأنه يستمد دعمه من الخارج، ومن المفارقة، أن خطاب هذه التيارات السلفية المعادي للغرب يتعارض مع ممارساتها التي تؤكد وجود مصالح لدول داعمة لهذه الجماعات وداعمة للإرهاب بصفة أعم وعلى رأسها تركيا وقطر.

ومن ثم أصبح صراعها مع الحكومة السورية يعكس توازن المصالح الإقليمية والدولية، وهذا ليس بجديد على أجندة جماعات الإسلام السياسي. (7)

أما تنظيم الدولة الإسلامية، فهو تنظيم دولي يحاكي القاعدة، وتكونت منابعه في الموصل بالعراق وله آليات وجود إقليمية ودولية، ويستقطب عناصر مقاتلة من جنسيات مختلفة موهمًا إياهم بأنه يحمل مفاتيح الجنة عبر الجهاد في سبيل قيام الخلافة الإسلامية التي لا تعترف بالحدود ولا بالهوية الوطنية.

وعلى ضوء ذلك، عمل تنظيم «داعش» على فرض تطبيق الشريعة الإسلامية وفق مفهومه الخاص الذي تشوبه الكثير من الشوائب العقائدية والفقهية على المجتمع وعلى الفصائل الأخرى، كما هو الحال في إمارة الرقة قبل إعلان الخلافة وبعدها وفي المدن والبلدات الأخرى التي سيطر عليها في العراق وسوريا، وكذلك فعلت جبهة النصرة في إدلب وريفها. (8)

مدينة الرقة التي وصفت بعاصمة الخلافة، هي أكثر المدن السورية فقرًا، لكن هذه هي البيئة الملائمة تمامًا لداعش، لكي يتمكن من فرض نظام سلفي -حقيقي- على السكان، فكانت إقامة المحاكم الشرعية، وتوزيع الغذاء هو أهم أسلحة الخلافة المزعومة لإغراء السكان(9)، والهدف هو إظهار أن التنظيم يريد -إعادة العدل والأمن- إلى الفئات التي أهملتها الليبرالية الاقتصادية، ولكن في الحقيقة ركز السلفيّون الجهاديون، خاصة تنظيم داعش، على الإفراط في تسييس الدين، وتوظيف النصوص الدينية والممارسات التاريخية كذريعة لتسويغ ممارسة وشرعنة العنف.

في النهاية فإن إشكاليات الدين والدولة والخصوصية الثقافية وجدلية الأصالة والمعاصرة أو السلفية والحداثة لم تحل، وإنما لا تزال تتحلل وتتغيّر صور مقاربتها بين حقبة وأخرى.

وفي المحصلة النهائية، التيارات الأصولية السلفية لا تعترف بالهوية السورية، لذلك فإن آفاق الاستقرار السياسي في سوريا مرتبط باجتثاث تيارات الإسلام السلفي وبناء دولة مدنية تقبل بالآخر على سبيل المساواة، لا على سبيل التسامح الديني، وبلا شك لن يعفى أي تحول في المرحلة القادمة من مواجهة سؤال الهوية السورية الذي سيشكل المحور الأساسي في التجاذب والصراع على السلطة مع امتداداته الإقليمية والدولية.

المصادر:

(1) جبهة تحرير سوريا: هي جبهة سلفية إخوانية مختلطة، جزء من فصائلها منتمون تحت راية الجيش الحرّ، وأبرز قادتها أحمد عيسى قائد صقور الشام.

(2) تأسّست في شهر يوليو 2012 من أحد عشر فصيلًا وتمثّل السلفية المحلية، مؤسّسها هو محمود الجولاني أحد أبرز كوادر «القاعدة» في بلاد الشام.

(3) Regard Géopolitiques، n° 160-161، La Découverte، 1er et second trimestre 2016، p 137)، «Syrie: de la révolution laïque et démocratique à Daech» Le monde Arabe

(4) عزيز العظمة، هل الإسلاموية قدر العرب؟ ترجمة حمود حمود، 7 أيلول، 2017 http:www.hurriyatsudan.com?p=162835 

(5) موقع الشرق العربي 18 05 2017 انظر الموقعhttp:www.asharqalarabi.org.uk%D8 

(6) لا حلّ إسلامي، صحيفة الحياة 08 11 موقع الرأي http:www.arraee.comarchives1056 

(7) جريدة الإتحاد مؤتمر «الآليات الحديثة في مكافحة الإرهاب» http:www.alittihad.aedetails.php?id=32048&y

(8) انظر التسريبات الصوتية التي نشرتها صحيفة الديار في 6 كانون الأول 2016. انظر رابط الفيديو https:www.youtube.com watch?v=xl_cqsoP-qI 

(9) https:arabi21.comstory. تاريخ مدينة الرقة من الخلافة العباسية إلى داعش.
"