«الاتجار بالبشر».. آفة تتنامى في ليبيا
الثلاثاء 17/يوليو/2018 - 09:39 م

آية عبدالعزيز
تشهد ليبيا حالة من عدم الاستقرار والفوضى بعد أحداث 2011، وما أعقبها من تداعيات أثرت بشكل كبير على سيادة الدولة الوطنية وأركانها، علاوة على تنامي الفاعلين ورغبتهم في استغلال الأوضاع؛ لتحقيق أهدافهم التي تتمثل في الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين، وتزايد العمليات الإرهابية لزعزعة الاستقرار الإقليمي والدولي، خاصة على طول الحدود الليبية الجنوبية والغربية، لاسيما في المناطق الواقعة على الحدود مع تونس والنيجر وتشاد والسودان.
وبرهن تقرير مرسل إلى مجلس الأمن من لجنة الخبراء بالأمم المتحدة، عن تنامي عمليات الاتجار بالبشر في ليبيا؛ ولذلك جاء قرار «مجلس الأمن» بفرض عقوبات دولية على 6 أشخاص يترأسون شبكات للاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين في ليبيا، في خطوة غير مسبوقة في تاريخ الأمم المتحدة، وتأخر هذا القرار بسبب طلب موسكو إجراء مزيد من التدقيق(1)، إلا أنه جاء للتصدي للأزمة التي تمثل تهديدًا مباشرًا للأمن الإقليمي في منطقة شمال أفريقيا.

مسارات عمليات التهريب
وأشارت تقارير الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى أن ليبيا أصبحت من أهم دول المعبر أمام مافيا الاتجار بالبشر؛ حيث يتم تهريب الأفارقة إلى السواحل الأوروبية بعد احتجازهم وبيعهم في «أسواق العبيد»، علاوة على معانتهم من أعمال السخرة.
ومن هنا أشير إلى نقطة مهمة، وهي ما تتعرض له النساء والفتيات المهاجرات من انتهاكات ومعاناة إبان عملية التهريب التي أصبحت تأخذ منحًى آخر بعيدًا عن الاختطاف والاحتجاز، من خلال إقناعهم بأنهم سيحصلون على وظائف ومساعدات؛ ما يجعل الأمر قانونيًّا، وذلك وفقًا لوكالة مكافحة الاتجار NAPTIP)2).
وتعرض عصابات التهريب نساء جنوب الصحراء الكبرى للبيع والعمل في بيوت الدعارة، لاسيما في جنوب ليبيا، بينما تتعرض النيجيريات لخطر الإكراه على ممارسة البغاء، في حين يتعرض الإرتيريون والسودانيون والصوماليون لخطر التعرض للسخرة.
وتنطلق عمليات التهريب للمهاجرين الأفارقة بعد دخولهم ليبيا من مدينة «سبها»، التي تقع على بعد 650 كيلومترًا جنوب العاصمة طرابلس، ثم يتم توزيعهم على 3 اتجاهات؛ الأول إلى مدينة مصراتة، والثاني إلى الخمس، والثالث نحو مصراتة وزوارة المطلة على شواطئ البحر المتوسط، كما تقع بالقرب من العاصمة «طرابلس».
كما يعد إقليم «فزان» من أكثر الأقاليم شهرة بتهريب المهاجرين والمخدرات والأسلحة؛ لذا حاولت بعض الجماعات المسلحة في الداخل الليبي السيطرة على المنافذ الحدودية؛ ما أدى إلى صراع مسلح بين الكفرة وسبها.

احتواء الأزمة
ولم تكن عمليات الاتجار بالبشر جديدة على الساحة الليبية، وقد تزايدت نتيجة انهيار السيادة الوطنية، وعدم التوافق بين القوى الداخلية على التسوية السياسية لعودة الاستقرار إلى الداخل، وعليه فقد تمثلت الجهود التي قامت بها الحكومة المعترف بها دوليًّا من قبل الأمم المتحدة بقيادة «فايز السراج» في احتواء الأزمة على النحو التالي:
1- داخليًّا
حاولت الحكومة بالتصدي للأزمة عبر عمليات عسكرية في 2017؛ لمكافحة عصابات التهريب والجماعات الإرهابية والمهربين، خاصة في منطقة غرب ليبيا؛ ما أسهم في انخفاض عدد من المهاجرين، وتحولت عمليات التهريب إلى مناطق أخرى بعيدة عن المنطقة الغربية(3).
كما أنشأت الحكومة الليبية جهازًا لمكافحة عمليات التهرب غير النظامية، مسؤولًا عن 24 مركزًا للاحتجاز، إلا أنه لم يتمكن من السيطرة عليهم؛ نتيجة أن الجماعات المسلحة كانت أقوى من القوات التابعة للحكومة في التعاطي مع موجات تدفق المهاجرين غير النظاميين.
بجانب عودة نفوذ تنظيم «داعش» للعمل في وسط وجنوب ليبيا، بالرغم من هزيمته في مدينة «سرت»، والتواصل مع المهربين لنقل المهاجرين(4)، فمنذ منتصف 2015 اختطف التنظيم ما لا يقل عن 540 مهاجرًا ولاجئًا وقام باحتجازهم، بما في ذلك 63 امرأة، كما قام بتجنيد عدد من الأطفال، ففي ديسمبر 2015 حضر 85 طفلًا دون سن 16 عامًا حفل تخرج لمعسكر تدريبي للتنظيم جنوب مدينة «سرت».
2- خارجيًّا
سعت حكومة الوفاق إلى تأمين الحدود الجنوبية، من خلال إبرام عدد من الاتفاقيات مع عدد من الدول الأفريقية مثل السودان وتشاد والنيجر، بجانب بعض الدول الغربية، مثل الولايات المتحدة وإيطاليا، التي وقعت على مذكرة تفاهم مع الجانب الليبي للحدِّ من تدفق المهاجرين.
في المقابل تعهدت روما بتقديم دورات تدريبية للقوات الشرطة الليبية، وتمويل البرامج التنموية في المناطق المتضررة من مكافحة الهجرة غير النظامية، فضلًا عن تشكيل مراكز إيواء للمهاجرين.
كما قام الاتحاد الأوروبي بتوسيع نطاق عملياته التدريبية لخفر السواحل الليبي، مع رفع جاهزية مراكز الاحتجاز الخاصة بالمهاجرين الليبيين(5).
وتعد روما من أكثر الدول المتعاونة مع السلطات الليبية فيما يتعلق بملف الهجرة والاتجار بالبشر؛ حيث أصبحت طرابلس نقطة إطلاق للمهاجرين عبر البحر المتوسط نحو أوروبا بصفة عامة وروما بصفة خاصة؛ لذا فأول مرة ترفض الموانئ الإيطالية استقبال سفينة المهاجرين في بداية يونيو 2018(6).

الجهود المضادة
افتقرت الحكومة الليبية إلى سياسات موحدة في التعامل مع التهديدات الأمنية مثل «الاتجار بالبشر»، ومافيا تهريب المهاجرين غير النظاميين بشكل حاسم وفاعل تجلى على النحو التالي:
1- عدم تفعيل القانون؛ لم يحظر القانون الليبي جميع أشكال الاتجار بالبشر، بالرغم من أن قانون العقوبات حظر الاتجار بالنساء لأغراض الدعارة والاستغلال الجنسي، ولكنها لم تتناول العمل القسري بشكل مباشر.
2- تراجع النهج الاستباقي؛ تفتقد السلطات الليبية لهياكل وموارد سياسية واقتصادية وأمنية دفاعية تمكنها من حماية ضحايا الاتجار بشكل استباقي، فهي دائمًا في موقع المفعول به وليس الفاعل وخاصةً مع المهاجرين من الأطفال والنساء، الذين تعرضوا لانتهاكات واستغلال قسري، علاوة على الذين تم تجنيدهم من قبل الجماعات الإرهابية.
3- التعامل التعسفي؛ عاقبت الحكومة الضحايا على الأفعال غير القانونية التي تمت في إطار عمليات التهريب والاتجار بصفتهم مهاجرين غير نظاميين، وعليه فقد تم احتجازهم واعتقالهم، في مراكز احتجاز رسمية وغير رسمية للاحتجاز لفترات غير محددة من الزمن دون الحصول على مساعدة قانونية، وخلال مدة الاحتجاز لم تتمكن الحكومة من حمايتهم.
4- تراجع جهود التوعية؛ تخاذلت الحكومة في القيام بدورها التوعي تجاه ضحايا الهجرة وعمليات التهريب تمثلت في عدم وجود هيئة تنسيق وطنية مسؤولة عن مكافحة الاتجار بالبشر، كما لم تتخذ إجراءات لتقليل الطلب على أعمال الجنس التجاري، أو العمل القسري، أو أي خطوات لمنع تجنيد الأطفال واستخدامهم من قبل الجماعات التابعة للحكومة أو المرتبطة بها، وغيرها من الجماعات المسلحة التي تعمل في جميع أنحاء ليبيا(7).

الوصول إلى أوروبا
أصحبت ليبيا بوابة العبور إلى أوروبا، ومقصد المهاجرين من غانا ونيجيريا والسنغال والكاميرون وغامبيا والسودان، بواسطة عصابات التهريب؛ حيث عبر أكثر من 600 ألف مهاجرٍ من البحر المتوسط إلى إيطاليا خلال 4 سنوات الماضية، علاوة على موت الآلاف.
ففي هذا الصدد ووفقًا المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، شهد الثلث الأول من عام 2018 موت ما يقرب من 559 شخصًا إبان عبورهم البحر، كما دخل 18.575 مهاجرًا إلى أوروبا، مقارنة بأكثر من 1000 حالة وفاة في الوقت نفسه من عام 2017 وسط ما يقرب من 44.000 مهاجر(8).
وختامًا.. أصبحت حالة الفوضى وعدم الاستقرار في ليبيا السبب الرئيسي في ازدهار الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين، ومن المحتمل أن تظل الأوضاع بهذا السوء نتيجة عدد من العوامل تعد أبرزها عدم الوفاق السياسي بين قائد الجيش الوطني المشير "خليفة حفتر" وحكومة الوفاق المعترف بها دوليًّا، الأمر الذي سبب حالة من الانقسام الداخلي، بجانب تنامي الولاءات والانتماءات الأولية التي دعمت حالة الفوضى خاصة بين قبائل الجنوب الليبي، بالإضافة إلى الجهود الدولية الفردية في التعاطي مع الأزمة بما يتوافق مع مصالحها الوطنية وليس للحدِّ منها، لذا فقد تزايدت عمليات الاتجار بما يمثل تهديدًا للأمن الإنساني العالمي.
الهوامش:
1- "للمرة الأولى.. عقوبات دولية على مافيا المهاجرين بليبيا"، سكاي نيوز عربي، 862018. الرابط
2- Kieran Guilbert، "Exclusive: Women most at risk from traffickers in India، Libya، Myanmar – poll"، 2662018، Reuters.
3- روعة قاسم، «ليبيا: تصاعد ظاهرة الاتجار بالبشر وانتهاكات كبرى تطال المهاجرين»، القدس العربي، 2362018. الرابط
4- "تقرير أممي: «الاتجار بالبشر في ليبيا آخذ بالازدياد وتواطؤ محتمل لقوات الأمن»، فرانس 24، 622018. الرابط
5- زينب حسني عزالدين، «مافيا الاتجار بالبشر في ليبيا.. المخاطر والتحديات»، الشروق، 13 يناير 2018. الرابط
6- Li Xia، " Libya، Italy discuss cooperation against illegal immigration، human trafficking"، 2562018، Xinhua.
7- "OFFICE TO MONITOR AND COMBAT TRAFFICKING IN PERSONS 2017 Trafficking in Persons Report"، U.S. State Department.
8- Belinda Goldsmith، " European nations urged to stop Libya's trafficking gangs"، 2442018، Reuters.