ad a b
ad ad ad

الدعم الأوروبي يبحث عن مسار في مواجهة «الراديكالية الأفريقية»

الخميس 12/يوليو/2018 - 10:17 م
الاتحاد الأوروبي
الاتحاد الأوروبي
محمود رشدي
طباعة

ينفق الاتحاد الأوروبي مئات الملايين من اليورو سنويًا لمكافحة الإرهاب في أفريقيا ولاسيما بمنطقة الساحل والصحراء، ومنطقة القرن الأفريقي، ولكن هل تم تخصيص هذا الدعم المالي بشكل كفء؟ خاصة وأن ما نشاهده على أرض الميدان يشير إلى حقيقة أخرى مغايرة غير تلك التي تبرزها الأجهزة الأمنية الأوروبية.

 

تكمن المشكلة الأساسية في أن مساعدات الاتحاد الأوروبي عملت على تحسين قدرة أجهزة الأمن الإقليمية والمحلية في محاربة الجماعات الإرهابية، وكذلك الهيئات والمؤسسات غير الحكومية (NGO) التي تتصدى لـ«الراديكالية الأفريقية»، وغالبًا ما تذهب تلك المخصصات المالية للنخب السياسية في الدول الهشة التي تقاوم أية تغييرات من الممكن أن تهدد مواقفهم الحالية ومناصبهم السياسية.

 

وما لم يصبح الموقف الأوروبي أكثر فهمًا لديناميات السياسة المحلية، وتوظيف آليات أكثر كفاءة، لإصلاح القيادات السياسية في الدول الهشة؛ التي تقع في براثن الإرهاب؛ فإن برامج المساعدة والتدريب الفني المكلفة قد لا يكون لها سوى تأثير مؤقت ومحدود.

الدعم الأوروبي يبحث

الدعم الأوروبي للبعثات الأممية

على مدار عقد من الزمان، دعم الاتحاد الأوروبي مختلف جهود مكافحة الإرهاب في أفريقيا، وراح الجزء الأكبر من الدعم لـ«بعثات إنقاذ السلام» الإقليمية والمكلفة بمقاتلة الجماعات المتطرفة، مثل حركة الشباب المجاهدين في الصومال، وبوكو حرام في نيجيريا، وقد ذهب الجزء الأصغر من الدعم لبرامج الدعم اللوجستي والدعم الفني وبناء القدرات.

 

وعلى سبيل المثال، في العام 2016 خصص الاتحاد الأوروبي أكثر من 200 مليون يورو لبعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال (AMISOM) وحوالي 30 مليون أخرى لـ«بناء الدولة وتحقيق السلام»، بالإضافة إلى ذلك، أنفق الاتحاد الأوروبي حوالي 20 مليونًا في كل من بعثة التدريب الأوروبية في الصومال (EUTM وتدريب القوات الصومالية) وبعثة الاتحاد الأوروبي لبناء القدرات في الصومال (تدريب خفر السواحل)، وإجمالًا، ساهم الاتحاد الأوروبي بمبلغ 1.3 مليار يورو في بعثة الاتحاد الأفريقي منذ عام 2007.

الدعم الأوروبي يبحث

الحالة الصومالية

في البداية كان تفويض بعثة الاتحاد الأفريقي هو ببساطة يُمثل حماية الحكومة الوليدة، التي كانت محصورة في ذلك الوقت في جزء صغير من مقديشو، عاصمة الصومال، وبعد عدة سنوات، اعتمدت البعثة وضع خطة سلام أكثر مواجهة مع الجماعات الإرهابية، وقد دفع الجنود البالغ عددهم 22 ألف جندي ببطء حركة الشباب إلى الخروج من مقديشو والمناطق الحضرية الأخرى، وكانت هذه الخطة التي اعتمدتها آنذاك الحكومة الصومالية وقواتها الأمنية لتأمين واستقرار المناطق المحررة.

 

لكن على الرغم من الدعم الثنائي المباشر وبعثات التدريب العسكري المتعددة، بما في ذلك ما مجموعه 5000 جندي تم تدريبهم من قبل EUTM؛ لم يكن الأمر على مستوى المهمة، ويخشى معظم المراقبين أن تستعيد حركة الشباب معظم أراضيها المفقودة، إن لم يكن كلها، هذا وبالموازنة مع خروج بعثة الاتحاد الأفريقي لإنهاء مهمتها في المنطقة.

الدعم الأوروبي يبحث

تحدي الاستراتيجية الأوروبية

تكمن المشكلة في أن معظم القادة في الدول الهشة الأفريقية، الذين تحميهم القوات الإقليمية المدعومة من الاتحاد الأوروبي، لديهم حافز ضئيل لإنفاق رأس المال السياسي لإضفاء الطابع المهني على قوات الأمن، ولذا تفقد الحكومة الصومالية شرعيتها في ممارسة القوة على أراضيها، ويخشى معظم المراقبين أن تستعيد حركة الشباب الأراضي الصومالية مرة أخرى، وإذا ما قورنت البعثات الأفريقية المدعومة من الاتحاد الأوروبي بحجم الدعم المالي والتقني، سنجد أن التقدم في مواجهة الإرهاب ضئيلًا، إذ وضعت كل تلك الإمكانيات على نحو جدي لمواجهته.

 

وإذا تابعنا حركة المراقبة على المنح والهبات الأوروبية للدول التي تعاني من خطر الإرهاب، سنجد أن عددا كبيرا من القادة الأفارقة هم من يعيقون الجهود الرامية لهزيمة الإرهاب، إذ أعلنت حركة الشباب الصومالية أن سوء الإدارة والفساد المستشري في هياكل الدولة، هي من أهم دوافع تمردها على السلطة.

الحكم الرشيد هو الحل

وتشير أول إستراتيجية للاتحاد الأوروبي لمكافحة الإرهاب (2005) إلى أنه «يجب علينا أن نشجع المزيد من الحكم الرشيد، وحقوق الإنسان، والديمقراطية، إضافة إلى التعليم والازدهار الاقتصادي، والانخراط في حل النزاعات».

 

ويمكن العثور على لغة مماثلة في جميع استراتيجيات الاتحاد الأوروبي اللاحقة لمكافحة التطرف، بما في ذلك تلك الموجودة في القرن الأفريقي؛ بيد أن السياسات الرامية إلى النهوض بالحكم الرشيد، ركزت إلى حد كبير على المشاريع التقنية لتحسين العملية الديمقراطية وقدرات كل قطاع إداري لموارد الدولة، وهو أمر مهم ولكنه غير كاف.

 

لكي يكون الاتحاد الأوروبي فعّالًا حقًا، عليه أن يستخدم نفوذه الواسع المحتمل (حيث إن الدول الأعضاء فيه مجتمعة أكبر المانحين للبلاد إلى حد كبير) لتحفيز القادة السياسيين للحكم الجيد واحترام القواعد والتحرك نحو سياسة أكثر تمثيلًا وتمثيلًا.

 

ولا يمكن استدامة أي من برامج الاتحاد الأوروبي ما لم تلتزم الحكومة الصومالية، ودولها الأعضاء الفيدرالية، بنموذج الحكم الرشيد بشكل نسبي وبصورة حاسمة، والبدء في معالجة الفساد التي قوضت كل الجهود المبذولة لإعادة بناء دولة فعالة.

 

وفي شمال الصومال (أرض الصومال أو صومالي لاند)، التي تسعى إلى الاستقلال، وهي دولة اتحادية تتمتع بحكم شبه ذاتي؛ إذ طورت السلطات المحلية بها، وبدعم خارجي أقل بكثير، إدارات تعتبر شرعية نسبيًا من جانب معظم السكان تمكنت من احتواء حركة الشباب إلى حد كبير، (على الرغم من أن هذا قد تم تقويضه في الآونة الأخيرة بسبب الفساد والانقسامات السياسية المتنامية)، وأدرك قادتها أن السلام يتطلب تنازلات والتزام بالقواعد (المكتوبة وغير الرسمية) حول توزيع السلطة والموارد بين مختلف المجتمعات، إن الالتزام بهذه المؤسسات وفاعليتها هو ضمانة حاسمة ضد الجماعات المتطرفة، التي تنبثق عن المجتمعات المحلية المهمّشة والمضطهَدة من قبل السياسيين.

 

وبينما لا يستطيع الاتحاد الأوروبي والجهات الفاعلة الخارجية الأخرى منع انتخاب السياسيين الفاسدين الذين يخدمون أنفسهم، فإن بإمكانهم تطوير الحوافز الصحيحة والمطالبة بالضوابط والتوازنات المناسبة للحد من هذه الدوافع، وللقيام بذلك، يتعين على كبار المسؤولين، ولا سيما المبعوث الخاص للاتحاد الأوروبي للقرن الأفريقي، ورؤساء بعثات الاتحاد الأوروبي، وسفراء الدول الأعضاء، أن ينخرطوا سياسيًا أكثر مع قادة الصومال وأن يتصلوا باستمرار بأن الحكم الجيد يمثل أولوية - لأنه فقط من خلال ذلك يمكن التقدم في هزيمة حركة الشباب.

"