تجسيد الأنبياء في الدراما.. بين حرية الإبداع والوقوع في المحظور
السبت 07/يوليو/2018 - 01:32 م
هناء قنديل
من جديد تَفجَّر الجدل في الأوساط الدينية والفنية المصرية، حول قضية تجسيد الأنبياء في الأعمال الدرامية، وذلك على خلفية ما أُعلن عن عرض الفيلم الأمريكي «Mary Magdalene»، في أغسطس المقبل، خاصة أن دار الإفتاء المصرية حرمت من قبل، تجسيد الأنبياء في الأعمال الفنية، سواء في الدراما أو المسرح أو السينما.
وتدور قصة الفيلم حول المرأة اليهودية، التي ذكر العهد الجديد (الإنجيل) أنها سافرت بصحبة السيد المسيح عليه السلام، وكانت شاهدة على صلبه، وبعثه من جديد، ويجسد فيه الفنان خواكين فينيكس شخصية المسيح.
ومع تصاعد الاتجاه لمنع عرض الفيلم في مصر فكر عدد من الكتاب والمخرجين، وعلى رأسهم بشير الديك ومجدى أحمد علي، في التقدم بمذكرة للأزهر الشريف وللرقابة على المصنفات الفنية؛ لبحث الأمر من جديد، وعمل حلقات نقاشية للتوصل إلى حل.
وفي 4 يوليو 2018 أصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى جديدة أكدت فيها موقفها السابق بتحريم تجسيد الأنبياء والصحابة في الأعمال الفنية؛ مراعاة لقدسيتهم.
ورغم وجود المؤيدين للتحريم باعتبار أنه لا يمكن السماح لممثلين عاديين يؤدون جميع الأدوار الخيرة والشريرة، أن يجسدوا الذوات المقدسة للأنبياء المعصومين الذين يتلقون الوحي من السماء، فإننا أمام رأي آخر يرى أن منع تجسيد الأنبياء بمثابة «حجر» على الإبداع الفني؛ لاسيما أن التحريم خاص بـ«دار الإفتاء المصرية» فقط، ولم تتفق معها أي من المؤسسات الدينية في معظم البلاد الإسلامية الأخرى.
وتنوعت الآراء الفقهية في تلك المسألة، ما بين مؤيد ورافض، فالرافضون للأمر، يتفقون على التحريم؛ لأن تجسيد البشر العاديين لشخصيات الأنبياء، فيه انتقاص من مكانتهم المقدسة، وشأنهم العالي، كما يرون أنه من غير اللائق أن يُسند الدور إلى ممثل، مشهور بانحراف سلوكه الشخصي، أو سبق له أداء أدوار عصرية تحمل «عريًا أو إدمانًا أو خمورًا»، وغيرها من دواعي أداء الدور.
أما ما اتفقت عليه الآراء المؤيدة فتجيز التجسيد، استنادًا إلى المبدأ الفقهي القائل: «إن الأصل في الأشياء الإباحة، ومادام لا يوجد نص بالقرآن أو السنة يحرم التجسيد، فلا مجال للتحريم»، حسب رأيهم.
رأي وسط
وبين الرأيين السابقين، ظهر رأي وسط، يرى أنه لا مانع من التجسيد؛ شريطةَ الالتزام بالضوابط الأخلاقية في عرض السيرة، وكذلك اختيار الممثلين، ومراعاة قدسية الأنبياء وتعظيمهم، ودعا أصحاب هذا الرأي إلى اتفاق المجامع الفقهية على صيغ لمعايير ثابتة، يراعيها صناع الدراما عندما يقررون تناول السير النبوية في أعمالهم.
النقاد: لابد من مراجعة الموقف
وقد دعا عدد من النقاد الفنيين -في تصريحات صحفية لهم- الأزهر الشريف إلى مراجعة موقفه من عرض الفيلم الأمريكي، واتفق عدد منهم، على أنه لم يعد هناك حجرًا على الإبداع الفني، طالما أنه يمثل أعمالًا راقية، مع منح «الأزهر» سلطة الإشراف عليها، مشيرين إلى ضرورة أن يسعى صناع الدراما؛ لبحث كيفية الوصول إلى حل لهذه المسألة، خاصةً أنه لا يوجد دليل شرعي يمنع تجسيد الأنبياء على الشاشة، وأن كل ما يصدر هو اجتهادات شخصية -بحسب رؤيتهم- داعين إلى فتح حوار مجتمعي موسع حول هذه المسألة.
الأزهر يرفض
ومن جانبه، قال الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر الشريف: إن تجسيد الأنبياء حرام شرعًا، يأثم فيه الممثلون والمنتجون والمصورون، والدعاية، واتفقت المجامع الفقهية، وجمهور العلماء، مع رأي وكيل الأزهر، وأصدر مجمع البحوث الإسلامية فتوى تقضي بتحريم تجسيد الأنبياء والصحابة مطلقًا.
نماذج قليلة
وفي الوقت الذي خلت فيه الدراما العربية -أو كادت- من أعمال تجسد الأنبياء، فإنه تم إنتاج أعمال يظهر فيها بعض الصحابة، مثل: فيلم «الرسالة»، للمنتج والمخرج اللبناني مصطفى العقاد، الذي بقي ممنوعًا من العرض أكثر من عقدين؛ لتجسيده بعض الصحابة، وفي صدارتهم «حمزة بن عبدالمطلب» (عم النبي محمد، صلى الله عليه وسلم).
كما اتجهت الدراما الإيرانية لإنتاج سلسلة طويلة من الأعمال التي تتناول تجسيد الأنبياء، وكذلك كبار الصحابة، أمثال الخلفاء الراشدين «أبي بكر الصديق، عمر بن الخطاب، عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب» رضي الله عنهم، فضلًا عن المسلسل التلفزيوني الشهير «يوسف الصديق» الذي جسد شخصية نبي الله يوسف عليه السلام.





