مستقبل الصراع في السودان بين الجيش وميليشيات حميدتي
الأربعاء 26/يوليو/2023 - 07:37 م
محمود البتاكوشي
يدفع الشعب السوداني ثمن الصراع الدائر بين الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، ومحمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي قائد قوات الدعم السريع منذ 15 أبريل 2023، وفشلت معه حتى كتابة هذه السطور مساعي مجلس الأمن والسلم التابع للاتحاد الإفريقي للجمع بين طرفي القتال، والتي تدمج بين رؤية منبر جدة الذي تقوده الولايات المتحدة والسعودية وأطراف عربية أخرى، إضافة إلى مقترحات لتسوية الأزمة بصورة سلمية، عبر إجراءات تؤدي لوقف الحرب وإطلاق عملية سياسية تفضي لانتقال السلطة للمدنيين، بسبب قناعة أطراف الصراع بأن حسم الصراع لن يتم سوى بالمواجهة المسلحة فكلاهما يرفض تقديم تنازلات.
بحسب تقارير الأمم المتحدة أسفرت الحرب الأهلية في السودان عن تشريد 3 ملايين، منهم 650 ألفًا لجأوا لدول الجوار، بخلاف 3.7 مليون نازح قبل الحرب، بالإضافة إلى وجود 15.5 مليون في حاجة للمساعدات الإنسانية، بينهم 8.5 مليون طفل، منهم 50 ألفًا يعانون سوء التغذية الحاد ومعرضون للموت.
في هذا السياق أكد الخبير الإستراتيجي اللواء جمال طه، أن الجيش لديه الشرعية، ويمتلك الأسلحة الثقيلة «المدرعات والطيران»، ولكن رغم ادعائه السيطرة على المواقع الحيوية بالعاصمة، وفى المحور الشرقي، شريان الاقتصاد السوداني ومنفذه البحري على الخارج، لكنه عجز عن الحسم، نتيجة نجاح الميليشيات في تحييد قوته الضاربة، بالانتشار داخل المناطق والأهداف المدنية، والسيطرة الفعلية على المواقع العسكرية والإستراتيجية؛ خاصة القصر الرئاسي، والوزارات الأساسية، والقيادة العامة للجيش، ومحاصرة سلاحي المهندسين والمدرعات ومقر شرطة الاحتياطي المركزي والمستشفى العسكري، كما نجحت في اختراق ولاية البحر الأحمر، والوجود بـ «بورتسودان» الإستراتيجية.
وأشار إلى أن المعارك تتركز جنوب الخرطوم وشمال أم درمان وبحري بالعاصمة، حول طرق الإمداد الرئيسية من معاقل الميليشيات غرب السودان، والمواقع العسكرية والإستراتيجية ومعسكرات الاحتياطي المركزي والمناطق الصناعية ومقر الإذاعة والتلفزيون الوطني.. متابعة أداء الجيش تؤكد أنه لم يعد قادرًا على تحقيق مكاسب نوعية، نتيجة تحكم الميليشيات في منافذ العاصمة، وتحييد تفوقه الجوي إبان معارك الشوارع، مما يفسر اضطراره لدفع القوات الخاصة للمعارك، أما متابعة أداء الميليشيات فيؤكد استعانتها بخبرات عسكرية على المستوى الإستراتيجي والتكتيكي، من المرجح أنهم خبراء ينتمون لميليشيات «فاجنر» الروسية.
وأضاف أن الجيش والميليشيات سعيا للحصول على طائرات بيرقدار TB2 التركية، لكن أنقره ماطلت في حسم الأمر، حتى قررت أخيرًا بعد التنسيق مع القاهرة الانحياز للجيش، وسلمته 20 طائرة قيمتها 100 مليون دولار شاملة أجور الخبراء الأتراك لتدريب العاملين بغرف التحكم، الميليشيات أيضًا بدأت في استخدام الطائرات المسيرة في القصف، وهذه مؤشرات على دخول المواجهة مرحلة تصعيد خطيرة خسائرها أضعاف ما سبق.
وأشار إلى أن الحركات المسلحة دخلت على خط الأزمة «الحركة الشعبية- قطاع الشمال» بزعامة عبد العزيز الحلو في ولاية جنوب كردفان، هاجمت لواء الجيش «54 مشاة» بصورة مفاجئة رغم اتفاق وقف إطلاق النار بين الطرفين، وهو تطور بالغ الخطورة يصب لصالح الميليشيات، نظرًا لما يؤدى إليه من تشتيت لجهود الجيش لكن الميليشيات من جانبها اصطدمت مع الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا حركة تحرير السودان جناح مناوي، وحركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم، وتجمع قوى تحرير السودان مما أربك المشهد وعقد الصراع.
وفي دارفور امتدت المواجهات العسكرية إلى معقل حميدتي، لا سيما مدينة «الجنينة» الواقعة في أقصى غرب البلاد، إذ دعا الجيش السوداني الشباب القادرين على حمل السلاح لتسجيل أنفسهم في أقرب قيادة أو وحدة عسكرية للقتال ضد الميليشيات، بينما دعت بعض التيارات المعارضة المواطنين الى حمل السلاح والدفاع عن أنفسهم، وأعلن المكتب التنفيذي للإدارة الأهلية وقبائل جنوب دارفور، مبايعته للميليشيات، ودعي أبناء القبائل داخل الجيش إلى الانضمام لها باعتبارها «خيار الشعب»، وذلك بعد تأييد 22 مكونًا اجتماعيًّا على رأسهم قبائل «البنى هلبة، والترجم، والهبانية، والفلاته، والمسيرية، والرزيقات والتعايشة»، كما سيطرت قوات الميليشيات على عدد من المواقع ذات القيمة العسكرية والأمنية في دارفور، وأصبحت تتحكم في مقار رئاسة الشرطة والجمارك والاحتياطي المركزي وسط دارفور الإقليم وجنوبه وغربه، وركزت حضورها بمدينتي «نيالا» عاصمة جنوب دارفور و«الجنينة» عاصمة الغرب، ولم يعد أمامها سوى «الأبيض» عاصمة الشمال لحسم معركة دارفور الغنية بالثروات المعدنية لصالحها، وهو تطور خطير، ترتب على انحياز قبائل جنوب غربي السودان خاصة العربية للميليشيات.
أكد الخبير الإستراتيجي أن سبب فشل المبادرة السياسية الإفريقية وهي مقترح لتسوية الأزمة، صدرت أواخر يونيو عن الهيئة الحكومية للتنمية «إيجاد IGAD»، بدعم الاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وتضمنت جعل الخرطوم منطقة منزوعة السلاح بخروج القوات العسكرية كليًّا إلى مسافة 50 كيلو مترًا من حدودها، ونشر قوات إفريقية في المراكز الحيوية والإستراتيجية داخلها، مع تحميل الشرطة السودانية مسؤولية تأمين المرافق العمومية، وتبني تسوية سياسية تستند لـ«الاتفاق الإطاري»، وتستهدف تشكيل حكومة مدنية ديمقراطية، أن حكومة البرهان اعتبرتها «مبادرة احتلال»، واتهمت الرئيس الكيني وليام روتو بالانحياز للميليشيات وفقدان دوره كوسيط، مما ينذر بمزيد من الأيام الصعبة والخسائر التي يتعرض لها الشعب السوداني.





