نرفض المقايضة.. النخبة التونسية تعترض على ربط الدعم الاقتصادي الأوروبي بملف الهجرة
اتسعت مساحة التحذيرات التونسية مما اعتبرته منظمات وشخصيات في تونس، مساومات أوروبية لبلدهم مقابل الدعم الاقتصادي، وتعود تلك التحذيرات إلى تكثيف التحرك الأوروبي خلال الشهور الأخيرة لدعم الدولة التونسية في أزمتها الاقتصادية الطاحنة، وربط هذا الدعم بدور يرسمه الاتحاد الأوروبي لتونس للحد من الهجرة غير الشرعية.
رفض المقايضة
ورفضت منظمات وأحزاب وشخصيات تونسية متعددة التوجهات السياسية، مثل "ائتلاف صمود"، و"مرصد الدفاع عن مدنية الدولة"، و"الحزب الاشتراكي"، و"حزب آفاق تونس"، أي اتفاق بين تونس والاتحاد الأوروبي بشأن الهجرة غير النظامية، "يقايض" وضع البلاد الاقتصادي والاجتماعي بحزمة من المقترحات الاقتصادية.
وأوضحت القوى السياسية أنهم "يرفضون أي اتفاق بين تونس والاتحاد الأوروبي، قوامه مقايضة وضعها الاقتصادي والاجتماعي الصعب بحزمة من المقترحات المذلة والمهينة، مقابل ترحيل اللاجئين من جنوب الصحراء لأوروبا لتوطينهم بمحتشدات (تجمعات) على أرض تونس وإرجاع التونسيين الذين دخلوا أوروبا عن طريق الهجرة غير النظامية رغم استقبالهم للخبرات والأدمغة"، مطالبين السلطات التونسية "بكشف فحوى المحادثات التي تمت مع الجانب الأوروبي، وإطلاع الرأي العام على ما تعتزم إبرامه من اتفاقات باسم الدولة التونسية".
سلسلة زيارات
جاء ذلك ردًّا على سلسلة زيارات قام بها مسؤولون أوروبيون إلى تونس، لبحث مشكلة الهجرة غير الشرعية، وكما تنقل صحف تونسية فالزيارات المتكررة تنم عن رفض تونسي لتصور الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بدور تونس في الحدِّ من الهجرة غير الشرعية، إذ تتصور أن أوروبا ترغب من تونس لعب دور غير أخلاقي تجاه المهاجرين غير الشرعيين مقابل إنقاذ اقتصادها.
وكانت زيارة وزيرا داخلية فرنسا وألمانيا جيرالد دارمانان ونانسي فيزر، في يونيو الماضي تتضمن إعلانهما تقديم بلديهما مساعدة بقيمة نحو 26 مليون يورو (28.5 مليون دولار) لدعم تونس في خفض منحى الهجرة غير النظامية.
ولا يعتبر هذا المبلغ الوحيد الذي أعلنت أوروبا عن منحه لتونس، إذ سبق ذلك إعلان في 11 يونيو الماضي، عندما قالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، في زيارة لها لتونس، إن الاتحاد الأوروبي مستعد لتقديم ما يصل إلى 900 مليون يورو مدعومًا بمساعدة إضافية بقيمة 150 مليون يورو يتم ضخها في الميزانية بشكل "فوري".
وفي لقائها مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قالت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجا ميلوني، إن باريس وروما اتفقتا على ضرورة أن يعمل الاتحاد الأوروبي "بشكل عملي وجاد" على مساعدة تونس اقتصاديًّا، فيما قال الرئيس الفرنسي إنه يشارك إيطاليا وجهة نظرها بشأن الحاجة الماسة لتقديم مساعدة اقتصادية لتونس.
تباعد وجهات النظر
ربما يشير حديث الرئيس الفرنسي ورئيسة الوزراء الإيطالية عما اعتبروه جدية المساعدات وعمليتها، إلى تباعد وجهات النظر بين أوروبا وتونس فيما يخص الهجرة غير الشرعية، ويوحي التصريح بأن التلويح بالمساعدات تكرر لأكثر من مرة دون تنفيذ على الأرض لدرجة أفقدته جديته، ويعتبر مراقبون تونسيون أن عدم تنفيذ الوعود الأوروبية عائد لعدم التوافق بين تونس وأوروبا، ففيما ترغب أوروبا في تحويل تونس إلى أرض خلفية يجتمع بها المهاجرون غير الشرعيين، بحسب تلميحات رسمية تونسية، تتحدث تونس على لسان رئيسها عن حلول بعيدة عن التعامل الأمني والعنصرية بين شمال المتوسط وجنوبه.
ويصبح الوضع صعبًا لتونس أمام اقتراب مواعيد سداد الديون المقرر لها هذا العام والإغراءات الأوروبية من دعم مشروط.
وفي وقت سابق من يونيو 2023 خفَّضت وكالة التصنيف الائتماني فيتش تصنيف تونس الائتماني، واعتمدت في ذلك على حالة عدم التيقن بشأن قدرة البلاد على جمع الأموال الكافية لتلبية احتياجاتها التمويلية، وتراهن أوروبا على استجابة تونس للتصور الأوروبي، مقابل الدعم الاقتصادي.
وشهدت معدلات الهجرة غير الشرعية قفزات لافتة أدت لتضاعف الأعداد وتراكم الجثث على الشواطئ التونسية، فضلًا عن وصول أعداد ضخمة من المهاجرين إلى الدول الأوروبية، خلال العام الأخير، ويعود سبب تضاعف أعداد المهاجرين إلى الأوضاع غير الأمنة والأزمات الاقتصادية الطاحنة التي تضرب دول القارة الإفريقية، مع انتشار الجماعات المتطرفة.
للمزيد.. الدعم الإيطالي لتونس.. مسؤوليات مبطنة في ملف الهجرة غير الشرعية





