روسيا تتمدد في إفريقيا لتعويض خسائرها من العقوبات الغربية
نجحت روسيا في التمدد والتغلغل داخل قارة إفريقيا وزادت وتيرة محاولاتها لبسط نفوذها في القارة السمراء، عقب تورطها في شن الحرب على أوكرانيا التي بدأت منذ 24 فبراير 2022، ولم تتمكن حتى وقتنا هذا من حسم نتيجتها.
الدب الروسي أصبح يعتمد بشكل كبير على القارة السمراء، ولا سيما بعد العقوبات التي فرضها عليه الغرب، متمثلًا في الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية، إذ تعوض موسكو خسائرها من خلال تعاونها مع الدول الإفريقية.
وأكبر دليل على ذلك بحسب مراقبين، نتائج تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة فى الرابع من مارس 2022 على قرار إدانة العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا، إذ امتنعت 17 دولة إفريقية عن التصويت على القرار فيما اعترضت دولة واحدة هى إريتريا وتغيبت 8 دول عن حضور الجلسة، ما يعني أن نصف دول القارة الإفريقية لم تساند القرار، تمامًا كما فعلت مع قرار عدم الاعتراف بالوضع المستجد فى شبه جزيرة القرم عقب السيطرة الروسية عليها عام 2014، حين امتنعت 27 دولة إفريقية عن التصويت وتغيبت 6 دول عن الحضور واعترضت دولتان هما السودان وزيمباوبوى وهو ما يعنى أن القرار حينها لم يجد سندًا من 35 دولة إفريقية.
توثيق العلاقات
يقول أحمد عسكر، الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية في القاهرة، إنه نظرًا لتزايد الضغوط الغربية على روسيا عقب اندلاع الحرب الأوكرانية، باتت موسكو تعاني الأمرين تحت نير العقوبات الغربية المفروضة على التجارة وسلاسل الإمداد والغذاء، وهو ما سبب أزمة عالمية بالتبعية، وعلى الجانب الآخر، زاد الغرب من عوامل الضغط على الدول الإفريقية بشكل كبير من خلال التهديد بفرض عقوبات ووقف المساعدات المالية والإنسانية، ومنذ بداية الحرب التي أودت بحياة الآلاف وشردت الملايين، لجأت موسكو إلى الصين والهند والدول الإفريقية، في محاولة لتوثيق العلاقات هناك.
وباتت روسيا تسعى على نحو خاص لكسب ود دول إفريقيا بكل السبل وهو ما يتوافق مع إستراتيجية الرئيس فلاديمير بوتين، حتى أن وزير الخارجية، سيرجي لافروف، زار القارة مرتين هذا العام بالفعل، بالإضافة إلى جولته هناك منتصف العام الماضي لتعويض خسائر موسكو الاقتصادية والسياسية التي فقدتها في حربها ضد أوكرانيا، في ظل سعي واشنطن إلى زيادة استثماراتها مع دول المنطقة الغنية بالموارد الطبيعية، وزيادة حجم تجارتها التي تبلغ حاليًا نحو 61 مليار دولار سنويًّا.
كما يستضيف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، القمة الروسية الإفريقية الثانية في يوليو 2023 في مدينة سان بطرسبرج، ما يؤكد سعيه لكسب التأييد في دول إفريقيا.
وأضاف عسكر أنه بات من الضروري أن تبذل روسيا جهودًا سياسية ودبلوماسية أكبر لتسوية النزاعات في القارة الإفريقية إذا كانت ترغب في مزيد من النفوذ ولتقسيم كعكة المصالح على نطاق يعوض خسائرها بفعل الحرب في أوكرانيا، لا سيما وأن هناك عدة حروب تدور بدرجات مختلفة من السخونة على الأراضي السمراء.
التمدد الروسي في القارة السمراء
وأكد الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، أن قدرة روسيا على التمدد داخل القارة السمراء مرتبطة بمعاناة الدول الإفريقية من الاستعمار والذى لا تزال تبعاته مؤثرة حتى الآن، ما يجعل الوجود الروسى مرحبًا به، حيث لم يسبق لها احتلال أي من الدول الإفريقية وكذلك نجاحها فى استغلال تلك المشاعر المعادية للاستعمار للاستفادة من ذلك سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا، الأمر الذي بات يقلق واشنطن فاتساع نفوذ موسكو وتمددها داخل أفريقيا يسحب البساط من تحت أقدامها، وخاصة أن قوات فاجنر الروسية باتت متغلغلة في 4 دول إفريقية بإعداد تزيد على 15 ألف مقاتل.
وأكد الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، أن منطقة الساحل الإفريقي ترحب بالوجود الروسي في بعض دول المنطقة وانتشار قوات فاجنر الأمنية الخاصة من أجل محاربة الإرهاب هناك، خاصة بعد انسحاب فرنسا التدريجي من بعض الدول مثل مالي وبوركينا فاسو.
وتحاول روسيا تقديم مسار بديل للأفارقة معتمدةً في ذلك على حنين قطاع كبير من العالم للحقبة السوفيتية في مواجهة الدول الغربية والولايات المتحدة والمشروطيات السياسية والاقتصادية التي تعتبر ركيزة في علاقات الغرب مع إفريقيا التي باتت تمتعض من هذه السياسة، وبدأت تبحث عن بديل دولي جديد.
وأشار إلى أن الفترة الأخيرة شهدت ظهورًا اقتصاديًّا لافتا لروسيا داخل إفريقيا فقد بلغ حجم التبادل التجاري أكثر من 20 مليار دولار، وألغت نحو 20 مليار دولار من الديون المستحقة على عدد من الدول الإفريقية، تشجيعًا لدخول مرحلة جديدة تتحقق فيها المصالح المشتركة، فهي تدرك جيدًا أهمية دورها في إفريقيا وتخطط لشراكة وامتداد وجود طويل الأمد هناك مع تأثر أدوارها في عدد من مناطق العالم على وقع طبول الحرب التي تخوضها القوات الروسية في كييف ضد الجيش الأوكراني.





