تأمين المصالح الأمريكية.. كلمة السر في مكافحة التنظيمات الإرهابية بإفريقيا
الجمعة 19/مايو/2023 - 03:03 م
أحمد عادل
دلالات كثيرة حملها تعيين أمريكا لسفير جديد لواشنطن في الصومال، والذي يدعى الدبلوماسي ريتشارد رايلي،خلفًا للسفير لاري أندريه، فهل تغيرت الإستراتيجية الأمريكية نحو القارة السمراء، وخاصًة بعد قدوم حسن شيخ محمود كرئيس للصومال، وكذلك اختيار بولا تينوبو، في نيجيريا.
آلية أمنية وعسكرية
من جانبها، قالت نورهان شرارة، الباحثة في الشأن الأفريقي، إن الولايات المتحدة الأمريكية صورت للعالم؛ وخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر أن اهتمامها بالقارة الإفريقية هو نتيجة فقط للتهديدات الأمنية التي تشهدها أفريقيا.
وأكدت نورهان في تصريح خاص لـ«المرجع»، أن أمريكا اعتمدت في اهتمامها بالقارة على آلية أمنية وعسكرية تشمل القارة كلها، ويتضح ذلك في حديث سابق في 2003 للجنرال جونز قائد قوات الأطلسي في أوروبا أنه لم يعد بمقدور الولايات المتحدة الأمريكية أن تبقى بعيدة عما يحدث في أفريقيا، وليس بوسعها أن تظل تراقب الوضع من البحر، وحان الوقت لأن تحط في اليابسة في تلك المناطق الشاسعة من الصحراء التي أصبحت مرتعًا للجريمة والاتجار بالأسلحة.
وأضافت الباحثة في الشأن الإفريقي، أن جورج بوش الابن أعلن بعدها بنحو أربع سنوات عن إنشاء قيادة عسكرية موحدة خاصة بإفريقيا تشمل كل الدول الأفريقية عدا مصر، وجاءت هذه القيادة لتسهيل التعاون العسكري بين الولايات المتحدة الأمريكية وباقي دول القارة، ولعل ما ساعد في هذه الخطوة هو خلو التاريخ الأمريكي من أي سابقة استعمارية في القارة السمراء فكسبت أمريكا ثقة الأفارقة بسهولة، وخطت بقدمها عسكريًّا إلي أن جاء الرئيس باراك أوباما وأعاد النظر في إستراتيجية الولايات المتحدة اتجاه دول إفريقيا وأجرى تغييرا أساسيًّا في السياسة الخارجية الذي قدم الدبلوماسية على حساب العمل العسكري.
وتابعت، في عهد الرئيس السابق ترامب شهدت العلاقات الأمريكية الإفريقية أسوأ مايمكن أن تمر به، وهذا ما أفسح المجال لدخول القوى العظمي الأخرى للقارة مثل الصين وروسيا، واللتان لعبتا دورًا مهمًّا في إقصاء الوجود الأمريكي واستغناء القارة الأفريقية عن الولايات المتحدة الأمريكية بهما وهذا ما أدركته القيادة الأمريكية برئاسة جو بايدن مؤخرًا، والتي أظهرت نوايا جيدة تجاه القارة الأفريقية خلال القمة الأمريكية الإفريقية المنعقدة في العاصمة واشنطن في نهاية العام المنصرم، وتقديم الوعود بالدعم الأمريكي لإفريقيا في قضايا السلام والأمن، والأمن الغذائي والاقتصاد وغيرها من الملفات التي من شأنها دعم النمو والاستدامة بالقارة السمراء .
وقالت إن خطاب بايدن لإفريقيا يتسم بالايجابية ويوضح الاستعداد لإقامة علاقات قائمة على الاحترام المتبادل، واتضح ذلك مؤخرًا خلال مراقبة واشنطن للتحولات السياسية ومساهمتها في الاستقرار ومكاسب الديمقراطية في إفريقيا من خلال إستراتيجية تؤكد دعم إدارة بايدن للمؤسسات الديموقراطية في إفريقيا.
واستكملت أن واشنطن لن تتراجع عن لعب دور رئيسي في تأمين المناطق الجيوستراتيجية الرئيسية في القارة الأفريقية، فهناك أكثر من 6 آلاف جندي أمريكي في نحو 12 موقعًا عسكريًّا في أنحاء القارة مما قد يدفع نحو المزيد من الانخراط الأمريكي في دعم الأمن الأفريقي، خاصة أن تلك التهديدات لا تزال قائمة، حتى لو تحول تركيز بايدن على التهديدات الأمنية الأخرى بما في ذلك الأوبئة والتهديدات السيبرانية وتغير المناخ فيما يتوقع أن تركز واشنطن بشكل أكبر على إستراتيجية مكافحة الإرهاب التي تعتمد على العمليات الخاصة وتبادل المعلومات الاستخباراتية مع الدول الأفريقية والأوروبية، والغارات الجوية بدلًا من نشر قوات برية مثلما هو الحال في الصومال .
وأشارت إلى أن الولايات المتحدة ستعزز علاقاتها مع بعض الدول الإفريقية المتضررة بشكل كبير من الإرهاب مثل نيجيريا التي تعاني من إرهاب بوكو حرام، ودولة مالي التي تحتل أهمية خاصة في منطقة الساحل والصحراء، أما عن الصومال فنجد الولايات المتحدة بقيادة جو بايدن تنكث بوعودها من جديد حول الوجود العسكري في الصومال، عبر إعادة نشر قوات عسكرية أمريكية في مايو من العام الماضي، في إعلان واضح للرئيس بايدن بالموافقة على شن هجمات عسكرية على الصومال، وغاية ما فعلته إدارة بايدن في هذا الشأن هو صياغة مجموعة من القوانين والإجراءات الجديدة التي تزعم تقديم ضمانات بعدم قتل المدنيين من غير ذوي الصلة وتوفير الحماية للمدنيين، وهذا القرار ذاته يحمل بين طياته النوايا الأمريكية في استمرار وجودها العسكري واستمرار الهجمات العسكرية في الصومال، وهو ما يعكس تصرفًا مغايرًا تمامًا للتوجه الأمريكي الجديد.
وفي ذات السياق، قال ناصر مأمون عيسي، الباحث في الشأن الإفريقي، إن جنحت الولايات المتحدة الأمريكية إلى إستراتيجية جديدة في تعاطيها مع إفريقيا تحت ضغط المتغيرات الدولية الحادثة الآن، والتي أعلنها بلينكن قبيل انعقاد القمة الأفروأمريكية الثانية 2022 والتي تأخرت ثماني سنوات.
وأكد ناصر في تصريح خاص لـ«المرجع»، أن من أهم الضغوط التي عجلت بخروج تلك الإستراتيجية هو ما تفاجئت به واشنطن من رأي عام إفريقي متجاوب مع المعسكر الشرقي؛ خصوصًا الموقف الروسي من الحرب الأوكرانية، حتي أن وزير خارجيتها لم يستطع تطويع ذلك التجاذب بجولات عديدة في أنحاء القارة فأعلنت عن إستراتيجية تقوم علي الشراكة وليس علي سلطة أبوية مشروطة، كما تعودت دومًا أن تتعامل مع الأفارقة.
المصالح الأمريكية
وأضاف الباحثة في الشأن الأفريقي ، أن من أهم الضغوط التي مُورست علي واشنطن الاختراق الصيني الممنهج لإفريقيا، وخاصة في مناطق نفوذ واشنطن، فقدمت القروض الميسرة بفوائد رمزية والمساعدات غير المشروطه فنجحت في اختراق الدول سواء على النطاق الرسمي أو الشعبوي.
وأشار إلى أن، ذلك لا يعني أن واشنطن سوف تستغني تمامًا عن أدواتها القديمة، بل علي العكس، حيث من المتوقع أن تسير في الاتجاهين بالتوازي بحيث إنها ستحتفظ ببعض القيادات التي تسير دومًا في ركابها، وأيضًا ستتخذ بعض التدابير التي قد تحقق قدرًا من الديمقراطية المشروطة المرتبطة بالمصالح الأمريكية، كما هو الحال في الصومال، فهي تساعد شيخ محمود عسكريًّا في سبيل استتباب الحكم الديمقراطي، وفي نفس الوقت تحمي موسيفيني، بمعني ستسعى لتحقيق التوازن بين المسارين، الدعم الديمقراطي ودعم بعض الأنظمة الاستبدادية بشرط تحقيق مصالحها.





