أسباب الرفض الروسي الأمريكي لمبادرة الصين لحل أزمة أوكرانيا

قوبلت المبادرة الصينية لوضع حدٍّ للحرب الروسية الأوكرانية بالرفض التام من الجانب الأمريكي، ودول حلف شمال الأطلسي "ناتو"، وفتور روسي تجاه مقترح بكين المكون من 12 بندًا لتحقيق السلام في كييف، بالتزامن مع الذكرى الأولى لاندلاع الحرب.
أبرز نقاط المبادرة الصينية
ومن أبرز نقاط المبادرة الصينية لوضع حدٍّ للحرب الروسية الأوكرانية احترام سيادة جميع الدول، وعدم تعزيز أو توسيع الكتل العسكرية، ووقف القتال ومنع الأزمة من الخروج عن السيطرة، وتعزيز خفض التصعيد بشكل تدريجي، والوصول إلى وقف شامل ونهائي لإطلاق النار، وأن الحوار والتفاوض هما السبيل الوحيد القابل للتطبيق، فضلًا عن ضرورة تجنب الأزمات النووية، وعدم استخدام أسلحة بيولوجية وكيميائية، ورفض أي عقوبات أحادية غير مصرح بها من قبل مجلس الأمن، وذلك حسب ما جاء على لسان تشين جانج وزير الخارجية الصيني في 24 فبراير 2023.
ويؤكد محمود الأفندي، الباحث المختص في العلاقات الدولية، أن المقترح الصيني لحل الأزمة الأوكرانية لم يلق القبول الأمريكي الأوروبي لكونه ضد التدخل الأمريكي، فهو يضمن رفض الحرب الباردة، أو تسليح الدول في مواجهة دول أخرى، أو عدم دخول دولة في حلف عسكري لتهدد دولة أخرى، وهي نفس مبادئ منظمة الأمن والسلام في أوروبا.
كما أن المقترح الصيني يؤكد موقف الصين الثابت من الحرب التي تنظر إليها باعتبارها نتيجة لتوسع حلف الناتو، فقد سبق وأكد رئيس البرلمان الصيني لي كه تشيانغ، لنظيره الروسي فياتشيسلاف فولودين، مشروعية الحرب الروسية في ظل استمرار استفزازات الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك من خلال محاولة ضم أوكرانيا إلى حلف الناتو، كما رفضت العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، ولا ترى لها أي نتيجة غير الإضرار بالاقتصاد العالمي.
مبادرة مكتملة
وأشار الباحث المختص في العلاقات الدولية، إلى أن المبادرة الصينية تعد مكتملة ووثيقة مهمة لإنهاء الصراعات في العالم، فالصين تعلم جيدًا أن الحرب الأوكرانية إذا انتهت بهزيمة روسيا، أو إذا تخلصت واشنطن من روسيا، فإن الهدف التالي سيكون بكين نفسها، كما أنها جاءت لتؤكد علنًا احترام وحدة أراضي الدول، وهو ما يعني ضمنًا انتقاد روسيا على ضمها أراضٍ أوكرانية، وانتقاد واشنطن، والتي تعمل على دعم النوازع الانفصالية لتايوان عسكريًّا عن الصين.
ولعل ذلك سبب التحفظ والفتور الروسي ــ بحسب الباحث ــ ، رفض الصين تقديم أي تصور محدد للسلام لأن ذلك الأمر يعني ضمنًا التسليم بضم روسيا لأراضٍ أوكرانية، وهو أمر ترغب بكين في تحاشيه، إذ إنه ليس من المتصور في ضوء الوضع الميداني الحالي أن تتراجع روسيا عن سيطرتها على مناطق أوكرانية، وهو أمر يُدركه الغرب جيدًا، غير أن إعلان الصين مثل هذا الموقف يعرضها لانتقادات غربية كاسحة.
ويختم الباحث بأن نائبة الرئيس الأمريكي، كاميلا هاريس، أكدت شكوك واشنطن تجاه الحياد الصيني مع وجود علامات استفهام حول سبب تطور العلاقات بين البلدين السريع منذ بدء الأزمة مع وجود شبهات بخطط صينية لتصدير أسلحة لروسيا.
موسكو منفتحة على تحقيق أهداف العملية
على الجانب الآخر أكدت وزارة الخارجية الروسية ضرورة اعتراف كييف بالحقائق الجديدة المتصلة بالأراضي الأوكرانية التي أعلنت موسكو ضمها، في مؤشر على رفضها لما أشارت إليه الوثيقة الصينية من الحفاظ على وحدة أراضي كل الدول.
كما أكدت الخارجية الروسية أن موسكو منفتحة على تحقيق أهداف العملية العسكرية بالوسائل السياسية والدبلوماسية، أي أنها على استعداد لوقف العمليات العسكرية إذا ما انسحبت كييف من الأقاليم الأربعة التي ضمتها روسيا.
وبحسب مراقبين فإن جوزيب بوريل مفوض السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، أعلن في 24 فبراير أنّه لا يلمس في مبادرة الصين للتسوية خطة ناجعة للسلام في أوكرانيا، وذلك بالرغم من أن المسؤولين الأمريكيين أكدوا في وقت سابق لنظرائهم الأوكرانيين، في الخفاء أن الدعم الغربي له سقف، وأن الأمر يجب أن يعتمد على قيام أوكرانيا بتغيير الواقع الميداني الحالي، والذي يشهد تفوقًا روسيًّا.
ولا شك أن عجز أوكرانيا عن القيام بذلك يفتح الباب أمام تسوية سلمية تتضمن التسليم ببعض المطالب الروسية الإقليمية في أوكرانيا، لذا فقد عاد بوريل وأكد، في 26 فبراير، أن الاتحاد بصدد بحث مقترحات الصين للتسوية في أوكرانيا.
سباق تسلح مدمر
وأكد الخبراء أنه رغم وجود مؤشرات على إمكانية تراجع الدعم الأمريكي لأوكرانيا، فإن الدول الغربية كانت حريصة على تأكيد أن هذا الدعم لن يتراجع، على الأقل، في الفترة الحالية، خاصة في ظل المخاوف من قيام روسيا بشن هجوم واسع خلال الأسابيع المقبلة، إذ أكد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون في 18 فبراير 2023، استمرار بلاده في دعم أوكرانيا وأن الخطر الرئيسي على أوروبا الآن هو روسيا، ولذلك شدد على أنه يريد أن تهزم روسيا في حربها على أوكرانيا، لكن دون سحقها، وهو ما يُمثل تراجعًا عن مواقف سابقة لماكرون في مايو 2022، أكد خلالها أنه يريد تسوية لا تتسبب في إذلال أي طرف.
ولا شك أن تلك المواقف الغربية تهدف بالأساس إلى تأكيد دعم أوكرانيا، خاصة أن روسيا تمكنت من تحقيق انتصارات عسكرية على طول الجبهة مع أوكرانيا، خلال الشهرين الماضيين.
وأكد مراقبون أن الغرب اعتاد تحقيق السلام من خلال التدخل بتوفير المعدات الحربية، والاستخبارات، وإرسال قوات قتالية جوية، كل ذلك سيؤدي إلى سباق تسلح مدمر، لذا فإن الغرب ليس سعيدًا برؤيته الصين وهي تلعب دورًا أكبر بشكل متزايد على الساحة العالمية.