موسكو تربح في النهاية.. أسباب تعثر المفاوضات الروسية الأوكرانية
الإثنين 04/أبريل/2022 - 04:36 م

محمود البتاكوشي
تحمل الحرب الروسية الأوكرانية في طياتها العديد من الخيارات الصعبة التي تجعل حل الأزمة عبر الطرق الدبلوماسية أمرًا في غاية الصعوبة والتعقيد، فلكل طرف من طرفي الأزمة رهاناته وخياراته ولا يقبل أن يتنازل عنها أو يتم المساس بها.
فروسيا ترى بتدخلها العسكري بعثت رسالة شديدة الوضوح إلى الدول الأخرى لعدم الانضمام لحلف الناتو، كما أنها تدافع في هذه الحرب عن كبريائها، ولن ترضى أن تخرج بخفي حنين أو بدون تنفيذ مطالبها التي تراها مشروعة لحفظ أمنها القومي، وعلى الجانب اللآخر يحاول الرئيس الأوكراني فولديمير زيلينسكي الضغط على الغرب مستخدمًا فزاعة التمدد الروسي في القارة العجوز، ولكن ما لا يدركه أن الدعم الغربي له سقف يجب أن يقف عنده حتى لا يدخل في حرب مباشرة مع الروس، وهو ما أكده الرئيس الأمريكي جو بايدن أنه لن يدخل في حرب مع روسيا.
وهذا يفسر صعوبة المفاوضات والمحادثات بين روسيا وأوكرانيا بعد مرور نحو شهر على بدء الحرب بينهما، موسكو سقف مطالبها ارتفع عقب العملية العسكرية التي كلفت اقتصادها خسائر كبيرة، إذ تطلب حياد أوكرانيا ونزع سلاحها، والتخلي عن فكرة الانضمام إلى حلف الناتو، وعدم استضافة قواعد عسكرية أو أسلحة أجنبية مقابل ضمانات أمنية بحمياتها من قبل بعض الدول الغربية، وظهر ذلك وفق تصريحات ديميتري بيسكوف، المتحدث باسم الرئاسة الروسية، حيث أكد أن حياد أوكرانيا على أساس وضع شبيه بالنمسا أو السويد أمر محتمل.
كما شددت موسكو على ضرورة حماية حقوق المتحدثين بالروسية، وتكريس حقوق اللغة الروسية في أوكرانيا، حيث يتم التحدث بها على نطاق واسع على الرغم من أن الأوكرانية هي اللغة الرسمية الوحيدة، ولذلك تطالب موسكو بالنص على اللغة الروسية كلغة رسمية ثانية في أوكرانيا، وإلغاء القوانين التي تحظر التحدث بها.
كما تطالب روسيا بحماية المتحدثين بالروسية من النازيين الجدد، بالإضافة إلى حظر الأحزاب والمنظمات القومية المتطرفة في أوكرانيا، وقبل كل ذلك أن تعترف أوكرانيا بضم لشبه جزيرة القرم في عام 2014 واستقلال الدويلتين الانفصاليتين في دونيتسك والدونباس، وخاصة أن القوات الانفصالية في دونباس سيطرت على 90% من مساحة الإقليم، وتقترب قوات دونيتسك الشعبية من إسقاط ماريوبول، وهي المدينة التي تعني في حالة سقوطها فقدان كييف سواحلها على بحر أزوف، لوقف العمل العسكري وتسوية الصراع مع أوكرانيا سلميَّا.
على الجانب الآخر من النهر ترفض أوكرانيا رفع الراية البيضاء والموافقة على جميع المطالب الروسية، وإن كانت أكدت استعدادها للتخلي عن انضمامها لحلف الناتو، وهو الأمر الذي يكشف عن تراجع كبير في الموقف الأوكراني، قبل الحرب، وذلك بالإشارة إلى تصريحات فاديم بريستايكو، السفير الأوكراني لدى المملكة المتحدة، في 14 فبراير، أي قبل بدء الحرب الروسية الأوكرانية، بنحو 10 أيام أن بلاده مستعدة للعديد من التنازلات، لكن ذلك لا علاقة لها بحلف الناتو، كما أبدت أوكرانيا انفتاحها على نزع سلاحها مقابل حصولها على ضمانات أمنية من دول كبرى، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرهما.
كما أبدت كييف استعدادها لحظر بعض الجماعات النازية، أو تغيير أسماء بعض الشوارع الأوكرانية، والتي حملت أسماء أوكرانيين قاتلوا إلى جانب ألمانيا النازية ضد الاتحاد السوفييتي في الحرب العالمية الثانية.
نقطة الخلاف الكبيرة هي رفض الاعتراف بانفصال دونيتسك والدونباس في شرق أوكرانيا، كما تطلب أوكرانيا ضمانات أمنية بعدم احتلالها من جانب موسكو، إذ ما وافقت على الحياد، ونزع سلاحها، أو القبول بوضع قيود على عدد قواتها ونوعية الأسلحة التي تمتلكها، وتعني الضمانات الأمنية أن تقوم دول حليفة لها، مثل الولايات المتحدة وتركيا أو دول أوروبية بضمان أمنها في حالة تعرضت لهجوم من موسكو مستقبلاً.
الأمر الذي يضعف الموقف الأوكراني ضعف الضغوط الأوروبية على روسيا التي لم تعبأ بالعقوبات الإقتصادية، وتواصل حملتها العسكرية بضراوة بل وهدد الرئيس الروسي بالرد الفوري على من يحاول عرقلته في أوكرانيا، وعمد إلى استخدام الأسلحة فرط صوتية، مثل صاروخ كينجال، والذي تبلغ سرعته عشرة أضعاف سرعة الصوت، مما يؤكد أن موسكو لن تسمح لأحد أن يفقدها السيطرة على السماء الأوكرانية، كما ردت موسكو على العقوبات الاقتصادية بعقوبات مماثلة إذ هدد بقطع إمدادات النفط إلى أوروبا كما طالبهم بدفع قيمته بالروبل الروسي.