بإجراءات صارمة.. أوروبا تحصن حدودها من الهجرة والإرهاب

تواجه دول أوروبا العديد من التحديات أمنية وسط ارتفاع كبير في المهاجرين غير الشرعيين، وأزمة اللاجئين، ومخاوف من تسلل عناصر إرهابية وسط المهاجرين القادمين إلى القارة العجوز، خاصة أنّ الإرهابيين يستغلون تدفقات الهجرة غير الشرعية للتسلل إلى القارة، وتجنيد الشباب والنساء، وتنفيذ هجمات إرهابية.
دفعت الزيادة اللافتة من المهاجريين غير الشرعيين زعماء الاتحاد الأوروبي إلى الاتفاق على إجراءات جديدة للتصدي للهجرة غير القانونية، والتي تشمل تشديد مراقبة الحدود بين بلغاريا وتركيا، وزيادة ترحيل طالبي اللجوء المرفوضة طلباتهم؛ بهدف تقليل عدد المهاجرين الذين يصلون إلى دول التكتل بطرق غير شرعية.
وكانت القمة التي استضافتها بروكسيل مطلع الشهر الجاري، قد شهدت اتفاقًا بتعزيز وحماية الحدود، وتدشين مبادرات لمضاعفة البنية التحتية للحماية على الحدود بين بلغاريا وتركيا، بما في ذلك الكاميرات وأبراج المراقبة، وزيادة الترحيلات لكل من يصدر بحقهم قرارات من الاتحاد الأوروبي أو يتم اثبات رفض طلبات اللجوء الخاصة بهم.
كما طالب المستشار النمساوي كارل نيهامر بتخصيص ملياري يورو من ميزانية الاتحاد الأوروبي لتمويل بناء سياج حدودي على حدود بلغاريا مع تركيا.
وأيّد عدد من الدول خطط المفوضية الأوروبية للسماح بالمزيد من الإعانات المرنة للتكنولوجيات الصديقة للمناخ لمساعدة الصناعة الأوروبية على التنافس مع الولايات المتحدة والصين، كما اتفق زعماء الاتحاد الأوروبي على ضرورة بذل المزيد من الجهود لمكافحة النقص في العمالة الماهرة، وأهمية توريد المواد الخام المهمة.
وبحسب وكالة إدارة الحدود التابعة للاتحاد الأوروبي «فرونتكس» ففي عام 2022 سجلت السلطات زيادة بنسبة 64% في عمليات العبور الحدودية غير النظامية مقارنة بالعام السابق، كما ارتفعت طلبات اللجوء بنسبة تقارب 50%، بالإضافة إلى ذلك، فرَّ حوالي 4 ملايين شخص إلى دول الاتحاد الأوروبي من أوكرانيا.
كما لفتت الأورو متوسطية للحقوق، إلى ضرورة عدم تكرار أخطاء السنوات الماضية، إذ شهد عام 2021 زيادة في عدد الوافدين عبر جميع طرق الهجرة عبر البحر الأبيض المتوسط مع زيادة مأساوية مماثلة في عدد الوفيات؛ فلجأ الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه مرارًا وتكرارًا إلى عمليات الصد، والتي شهدت أيضًا ارتفاعًا في عام 2021، بالإضافة إلى السياسات الجديدة التي تقيد الوصول إلى الأراضي الأوروبية.
أدت محاولات الاتحاد والأعضاء فيه لإغلاق بعض الطرق – وبالتحديد طرق شرق ووسط البحر الأبيض المتوسط - إلى دفع الأشخاص الفارين من الفقر والعنف خوض طرق ورحلات أكثر خطورة.
ردًّا على ما أسماه الهجمات الهجينة قرر الاتحاد الأوروبي أن يحصن نفسه ضد المهاجرين واللاجئين، بمقترحات مثل قرار المجلس بشأن تدابير الطوارئ المؤقتة لصالح لاتفيا وليتوانيا وبولندا، واتفاقية شنجن المعدلة أو مدونة الحدود والاقتراح الخاص بـلائحة استغلال الهجرة، وتثير هذه المقترحات العديد من المخاوف من حيث الحد من الوصول إلى اللجوء ، وزيادة الإجراءات الحدودية المتسارعة مع ضمان حقوق أقل للاجئين، وزيادة الاحتجاز، وظروف الاستقبال الأساسية، وزيادة مراقبة الحدود.
الهجرة والإرهاب
غالبًا ما تفضي التحقيقات الأمنية في أوروبا إلى أن مرتكبي الجرائم بأنواعها أغلبهم من المهاجرين الذين تسللوا إلى أوروبا في فترة ما، وتبين أيضًا أن من بين مرتكبي العمليات الإرهابية مهاجرين مقيمين منذ فترة طويلة في أوروبا، مما يعني أن هناك مشكلة تتمثل في عدم اندماج المهاجرين الشرعيين في المجتمعات الأوروبية.
تحولت قضايا الهجرة من كونها قضايا اقتصادية في الماضي إلى قضايا أمنية وسياسية في المقام الأول في الآونة الأخيرة، ويؤثر الطابع غير الحكومي لطريقة اتخاذ القرار الأوروبي في ما يتعلق بقضايا الهجرة واللجوء السياسي، أي سيطرة حكومات الاتحاد الأوروبي ودوله على عملية اتخاذ القرار، خاصة أن الحكومة البريطانية كانت قد ارتكبت خطأً فادحًاً عندما لم تحد من سبل وصول المهاجرين إلى سوق العمل البريطانية في أعقاب دخول دول وسط أوروبا وشرقها في عضوية الاتحاد الأوروبي سنة 2004، وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى تزايد عدد المهاجرين إلى بريطانيا على نحو غير مسبوق وغير متوقع.
بدوره قال محمد زهير عبد الكريم، أستاذ العلوم السياسية بجامعة تكريت، إن أوروبا استقبلت أعدادًا كبيرة من المهاجرين والذين أصبحوا جزءًا من الكيان الاجتماعي والاقتصادي والسياسي فيها، لذا بدأت تعاني من مشكلات وانعكاسات أمنية واقتصادية واجتماعية وسياسية، في ظل التزايد لأعداد المهاجرين، وهو ما جعل الدول الأوروبية منذ ثمانينيات القرن العشرين تغير من سياستها، وتبدأ بتشريع قوانين وإجراءات، وتعقد اتفاقيات مقيدة للهجرة غير الشرعية.
وأضاف أنه مع أحداث 11 سبتمبر عام 2001 أصبحت السياسات الأوروبية أكثر صرامة، لتتطور تلك السياسات بعد ثورات الربيع العربي أواخر عام 2010، وما خلفته من موجات نازحين توجهوا إلى أوروبا، وقد تم استقبال الآلاف منهم، لكن نتيجة للصعوبات الاقتصادية والظروف الأمنية والسياسية، التي تعرضت لها بعض الدول الأوروبية، ظهرت بعض الدعوات الأوروبية للحدِّ من الهجرة غير الشرعية، في ظل وجود خلافات بين دول الاتحاد الأوروبي وعدم وجود سياسة ورؤية موحدة، على الرغم من ذلك كونت الدول الأوروبية بعض الشراكات والاتفاقيات لمكافحة الهجرة غير الشرعية، فضلًا عن القيام بمجموعة من الإجراءات الجماعية والأُحادية المقيدة للهجرة، مما أدى إلى تقلص في أعداد اللاجئين إلى أوروبا.