الهجرة غير الشرعية.. الوجه الآخر لـ«الإرهاب الدولي»
السبت 04/أغسطس/2018 - 01:45 م

د - فريد خان الخبير الاستراتيجي في الشؤون العربي
◄ لم تكن حركة اللاجئين والإرهابيين من تركيا في اتجاه واحد نحو أوروبا، فالجماعات الإرهابية عملت على استغلال طرق الهجرة غير الشرعية في الاتجاهين، وتمكنت من تنظيم هجرات عكسية نقلت خلالها آلاف الإرهابيين من دول أوروبا إلى مناطق القتال في سوريا والعراق.

ويعيش المجتمع الدولي في حيرة من حقيقة ارتباط الإرهاب العابر للقارات والجريمة المنظمة بظاهرة الهجرة غير الشرعية، وربط هذا كله بأمن أوروبا، وقد ازدادت الأمور تشابكًا بعد أن استغلت هذه التنظيمات المتطرفة القضايا الإنسانية، واتخذتها ستارًا لتغطية أعمالها وأهدافها؛ ما أجبر أوروبا على تغيير استراتيجيتها في معالجة ملف الهجرة غير الشرعية، من قضية «اجتماعية- اقتصادية» إلى قضية «سياسية- أمنية» بالدرجة الأولى.
وتفاقمت الأمور في ظل محاولة الدفع بالعناصر الإرهابية وسط المهاجرين غير الشرعيين واللاجئين؛ لزرعهم في بلدان القارة الأوروبية، وهو تخطيط بعيد المدى لتنظيم الإخوان الدولي؛ حيث يسعى هذا الأخير إلى صنع تجمعات ومراكز ضغط ديني في أوروبا عبر توطين عناصره الإرهابية وحصولهم على الجنسيات الأوروبية، والسيطرة على المراكز الإسلامية والمساجد المنتشرة في المدن الأوروبية.
وفي ظل هذه التهديدات تعتبر الهجرة غير الشرعية التحدي الأبرز الذي تواجهه القارة الأوروبية في الوقت الحالي، ويضعه بعض الخبراء على رأس المشكلات التي تهدد وجود الاتحاد الأوروبي نفسه، في ظل الخلافات التي تسيطر على دول الاتحاد بشأن ملف الهجرة غير الشرعية وتوطين المهاجرين.
والمتمعن مليًّا في مفاصل المشهد الأمني العالمي اليوم يجد أن الإرهاب يبحث لنفسه عن موطئ قدم في أوروبا، ليطرح أهدافًا وبرامج لا تتفق ولا تتطابق مع واقع الحياة وتطور الإنسان في المنطقة، وتتعارض كليًّا مع حقوق الإنسان، إضافةً إلى مساهماته غير المباشرة في توطيد وتثبيت مصالح دول ترعى هذه الأفكار المتطرفة، مثل تركيا وقطر، وتنظيمات، مثل جماعة الإخوان في شمال إفريقيا وتنظيم «القاعدة» في بلاد المغرب العربي.
ومع انتشار مفهوم الأمن المجتمعي في أوروبا، في ظل الربط بين الهجرة غير الشرعية والجريمة والإرهاب، يبين «المرجع»، خلال هذه الدراسة، تجذّر رؤية تصدير الإرهاب إلى أوروبا عبر قوافل الهجرة غير الشرعية، التي باتت تتحكم فيها التنظيمات الإرهابية بطريقة مباشرة وغير مباشرة...

◄ مراحل تجريم الهجرة غير الشرعية في أوروبا:
يتسم الوضع العالمي الجديد بالتكتلات والتحالفات، فهو يشهد اليوم متغيرات ومؤثرات ونزاعات متنوعة، تتشابك مع بعضها البعض، وتتعدد أطرافها من دول إلى منظمات وأفراد فاعلين، ولعل من أبرز هذه التغيرات الجديدة التي تؤثر على العلاقات الدولية، والعلاقات الثنائية بصفة خاصة، الإرهاب الدولي وظاهرة الهجرة غير الشرعية.
وتعود الهجرة غير الشرعية إلى القارة الأوروبية، لفترة الثلاثينيات وحتى الستينيات من القرن الماضي(1)؛ حيث كانت القارة العجوز بحاجة إلى الأيدى العاملة؛ لذا لم تكن تُجرّم عملية الهجرة غير الشرعية إلى أراضيها بصورة واضحة ومباشرة، ولكن مع أوائل السبعينيات، شعرت الدول الأوروبية، نسبيًّا، بالاكتفاء من الأيدي العاملة؛ ما جعلها تتبنى إجراءات قانونية تهدف إلى الحد من الهجرة غير الشرعية، وقد ازدادت هذه الإجراءات مع بداية تطبيق اتفاقية «شنجن» التي دخلت حيز التطبيق، بدءًا من يونيو 1985.
وفى عام 1988، سجلت الصحافة الأوروبية أول ضحية للهجرة غير الشرعية غرقًا في البحر المتوسط، ومن هنا بدأت معضلة الهجرة غير الشرعية، ثم توالت الأخبار الدولية تنذر بتوالي المآسي في الضفة الجنوبية لأوروبا، التي تضمّ دولًا صناعية كبرى اعتقد كثيرًا أنها قلعة منيعة ضد الدخول غير القانوني، بعد فرضها التأشيرة على الوافدين إليها من بلدان مغاربية وإفريقية وعربية.
ورغم الإجراءات القانونية التي اتخذتها دول أوروبا للحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية، عادت وازدادت مرة أخرى بعد عام 1990، وهو العام الذي شهد توسيع الاتحاد الأوروبي. (2)
وكان لهذه الإجراءات تأثير سلبي أدى إلى زيادة حركة الهجرة غير الشرعية إلى القارة الأوروبية بشكل كبير، وذلك عبر وجهات أساسية مثل البوابة الشرقية المتمثلة في «بولندا، روسيا، أوكرانيا، وبوابة البلقان»، وصولًا إلى الخيار المفضل لدى العديد من الأفارقة، والمتمثل في البوابة «الإسبانية– المغربية» عبر مضيق جبل طارق.
وبات ملف الهجرة غير الشرعية محل اهتمام على مستوى الدوائر السيادية في أوروبا، لكن السعي إلى إيجاد سياسة أوروبية موحدة بين كل بلدان الاتحاد لم يتضح إلا في قمة «سالونيكي»، التي عقدت في 19 يونيو 2003(3)؛ حيث جاء انعقاد هذه القمة في ضوء التطورات السياسية والاندماجية التي انخرط فيها الاتحاد الأوروبي، بعد التصديق على الدستور الموحد وهياكل الاتحاد الجديدة، واستحقاقات التوسع المستقبلي شرق القارة الأوروبية، وحاولت هذه القمة وضع معايير موحدة لدول الاتحاد؛ من أجل التصدي للهجرة غير الشرعية وتضييق فرص الدخول إلى أوروبا إلا وفق شروط محددة، وقد فشلت القمة في ذلك؛ بسبب الاختلاف بين الأوروبيين في تقييم موضوع الهجرة، وأهميتها بالنسبة للاقتصادات الأوروبية.
وفيما بعد، ارتبطت ظاهرة الهجرة غير الشرعية بالأمن الأوروبي، خاصةً بعد أحداث «11 سبتمبر»؛ حيث تم اعتبار الهجرة تهديدًا للدول الأوروبية، وأصبح الموضوع يدرج كل مرة ضمن السياسة العليا لكل دولة من دول الاتحاد الأوروبي، التي وضعت العديد من الاستراتيجيات والآليات الأمنية والسياسية والاقتصادية التي سعت من خلالها إلى المحافظة على أمنها.
وبسبب تزايد مخاطر ارتباط شبكات الهجرة غير الشرعية بالتنظيمات الإرهابية، وخاصة تنظيم داعش(4)، بادر الاتحاد الأوروبي إلى إطلاق عملية تحت اسم «صوفيا» لمحاربة المراكب التي تقل المهاجرين، تشارك فيها سفن حربية أوروبية، وهي عملية ذات طبيعة عسكرية(5)؛ الهدف منها توقيف المهاجرين وتفتيشهم؛ للتأكد من وجود إرهابيين بينهم.
عملية التأكد من وجود إرهابيين وسط المهاجريين غير الشرعيين جاء بناءً على ما تناولته بعض التقارير التي تشير إلى أن تنظيم «داعش» نسج علاقات قوية مع الشبكات الناشطة في نقل المهاجرين غير الشرعيين، أو ربما نجح في إقامة شبكات للهجرة تابعة له(6)؛ من أجل تحقيق هدفين؛ الأول يرتبط بالبحث عن مصادر للتمويل، والثاني يتعلق بتمكين الأفراد التابعين له من التسلل إلى أوروبا لتنفيذ هجمات إرهابية؛ إذ كلما اشتد الخناق على التنظيم في العراق وسوريا وتقلصت المساحة التي يسيطر عليها في البلدين، لجأ إلى استثمار الهجرة غير الشرعية لتعويض إخفاقاته.
وتخشى الدول الأوروبية من فرضية أن يكون «داعش» قد نجح، حتى اليوم، في تهريب بضعة أشخاص من شأنهم تهديد أمن المجتمعات الأوروبية والقيام بتفجيرات جديدة، وزاد في ترجيح هذا الاحتمال أن الأمن الإسباني اعتقل، بمنطقة «غاليسيا»، شخصين جزائريين تابعين لتنظيم داعش، بعد ثبوت تورطهما في عمليات التهريب، وترجح التحقيقات فرضية أنهما كانا وراء تهريب بعض الأشخاص، الذين نفذوا تفجيرات العاصمة الفرنسية باريس في العام الماضي (2015)، وتقول إسبانيا: إن هناك سوابق لارتباط الهجرة غير الشرعية بالإرهاب والتطرف بالنسبة لأوروبا.
ومع تداول معلومات وأخبار بأن المقاتلين الأجانب بدؤوا في العودة إلى بلدانهم، تعززت مخاوف الدول الأوروبية؛ الأمر الذي يطرح تحديًا أكبر على مصالح الأمن الأوروبي؛ حيث يبلغ عدد المواطنين الأوروبيين الذين توجهوا للقتال إلى جانب التنظيم المتطرف قرابة السبعة آلاف شخص(7)، لكن ليس كل هؤلاء يعودون عبر الطرق القانونية التي تمكن من مراقبتهم، وتتصل المخاوف من العائدين بنوايا التنظيم، الذي يعتقد بأنه قد يعوض عن خسائره بالتوجه، أكثر فأكثر، نحو السرية والانتشار الأفقي على صعيد البلدان الأوروبية.

تركيا وقطر
◄ تركيا وقطر وتنظيم الإخوان.. مخطط نقل الإرهاب إلى أوروبا:
اتخذت التنظيمات الإرهابية والجماعات المتطرفة والدول الراعية للإرهاب طريقًا خاصًّا لها، تمارس خلاله دورها، وتطبق سياستها المتمثلة في سيادة الفكر الواحد غير القابل للنقاش وعدم قبول التحاور؛ وترى هذه المنظمات والمجموعات أنه لا يمكن لها أن تحقق أهدافها وسياستها، ما لم تجنح للقوة والعنف والإرهاب(8)؛ لذا رسمت التنظيمات الإرهابية استراتيجيتها الجديدة التي تحقق لها الهدف الجديد، وهو نقل عناصرها الإرهابية المتطرفة إلى الضفة الأخرى، وأقصد هنا أوروبا.
هذه التنظيمات الإرهابية مثل «داعش» و«القاعدة»، اللذين يعتبران مولودًا لجماعة الإخوان التي تسعى للتوغل والهيمنة على أكبر موانئ انطلاق رحلات الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا؛ حيث نجد ميليشيات الإخوان موجودة في غرب ليبيا، وعلى رأس السلطة في تركيا، ولاشك في أن عدم الاستقرار الأمني في غرب ليبيا -حيث سلطة حكومة الوفاق، برئاسة فائز السراج- جعل بمقدور الميليشيات الإرهابية السيطرة على سوق تهريب البشر إلى أوروبا، وكسب مئات الملايين من الدولارات، هذا غير الدفع بالعناصر الإرهابية وسط اللاجئين، لزرعهم في بلدان القارة العجوز، وهو تخطيط بعيد المدى لتنظيم الإخوان الدولي.
وكشف عن هذا المخطط مختصون بشؤون الإرهاب، خلال ندوة استضافتها العاصمة الإسبانية مدريد، وناقشت مخاطر دعم قطر للإرهاب؛ حيث يسعى الإخوان لصنع تجمعات ومراكز ضغط ديني في أوروبا عبر توطين عناصره المتطرفة وحصولهم على الجنسيات الأوروبية، والسيطرة على المراكز الإسلامية والمساجد المنتشرة في المدن الأوروبية(9).
وبينما تسهل وتشرف سلطات تركيا وميليشيات «الإخوان» على عمليات نقل العناصر الإرهابية إلى أوروبا، يأتي الدور القطري في التكفل بعملية الصرف وضخ ملايين اليوروهات في مجمعات عناصر التنظيمات الإرهابية في أوروبا، وهذه الأموال التي تنفقها قطر أو تركيا تم جني الجزء الأكبر منها من المتاجرة بالبشر، واقتطاع أموال المهاجرين غير الشرعيين.
ولم تكن حركة اللاجئين والإرهابيين من تركيا في اتجاه واحد نحو أوروبا؛ حيث إن جهات تركية نافذة جهزت سوقًا ومعبرًا ونظامًا لهجرة اللاجئين والإرهابيين على حد سواء، تمكنت خلاله من دعم التنظيمات الإرهابية الحليفة لها ولقطر بآلاف المقاتلين، عبر التنظيم المباشر لدخول سوريا أو اتباع سياسة الحدود المفتوحة(10).
وظلت تركيا البوابة لدخول وخروج عشرات الآلاف من الإرهابيين، الذين قاتلوا في صفوف تنظيم «داعش»، وبقيت ممرًّا آمنًا لعودة الإرهابيين الذين نفذوا أو خططوا لبعض الاعتداءات في أوروبا، مثل «حياة بومدين» المتهمة بضلوعها في هجومين إرهابيين في باريس، وهي زوجة الإرهابي «أمدي كوليبالي» منفذ اعتداء المتجر اليهودي في باريس، 2015، والتي خرجت من فرنسا مرورا بتركيا للالتحاق بإرهابيي «داعش» في سوريا.
كل هذا جعل الاتحاد الأوروبي ينتبه للدور التركي الخطير والمركزي في حركة هجرة اللاجئين وتنقلات الإرهابيين، وقام بالضغط على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان؛ من أجل وقف تدفق المهاجرين إلى أوروبا.
ورغم توقيع أنقرة اتفاقًا يحد من الهجرة غير الشرعية بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، فإن أردوغان ظل يهدد أوروبا بفتح الطرق أمام اللاجئين الراغبين في الوصول إلى أوروبا، فيما تبقى تجمعات إرهابيي «داعش» و«القاعدة» و«جبهة النصرة» و«الإخوان» في تركيا قنبلة في يد الرئيس التركي ليهدد بها بلدان أوروبا كل يوم (11).
ورغم الحرب التي يقودها التحالف الدولي ضد تنظيم «داعش» ووقوف كل دول المنطقة في وجه الإرهابيين، فإن الكثير من البلدان واثقة من مساعدة جهات نافذة في تركيا وقطر للإرهابيين على الخروج من سوريا والعراق إلى مناطق تخلو من المخاطر، وسجلت بلدان أوروبية كثيرة عودة إرهابيين عن طريق تركيا، بعد مشاركتهم لفترات طويلة مع «داعش» في سوريا والعراق، فيما باتت ليبيا -بحسب تقارير استخباراتية- الوجهة المفضلة للإرهابيين بعد سوريا والعراق؛ حيث تحدثت بعض التقارير عن تسهيل سلطات قطر خروج الإرهابيين من سوريا والعراق إلى بؤر النمو الجديدة.

داعش
◄ طابور خامس لصالح التنظيمات الإرهابية في أوروبا:
بعد إنحسار «داعش» في بعض المناطق، نجد أن المهاجرين الذين تحولوا إلى إرهابيين، أو على الأقل انضموا إلى منظمات ذات نشاطات متطرفة، بدؤوا في العودة إلى بلدانهم الأصلية في أوروبا وفي اعتقادهم أنها هجرة مشروعة لخدمة دولتهم المزعومة، فهم لم يتركوا بلد «الخلافة» كما يعتقدون وكما يسمونها؛ بسبب خيبة الأمل، وإنما بهدف تنفيذ هجمات في بلدانهم الأصلية، هؤلاء العائدون أصبحوا بمثابة طابور خامس لصالح «داعش» في الغرب (12).
ويصل إلى دول الاتحاد الأوروبي الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين من السوريين والليبيين والأفغان والعراقيين والباكستانيين والنيجيريين، هذه الجنسيات وغيرها بلدانهم ترتبط بالإرهاب، وهذا ليس بالصدفة، وهناك تفسير أكثر شؤمًا يفيد بأن هناك خطة ترعاها تركيا وقطر من خلال أذرعها الإرهابية، وفي مقدمتها تنظيم الإخوان، الذي يسعى إلى استغلال الهجرة غير الشرعية؛ لتكون بمثابة «حصان طروادة» في غزو تشنه التنظيمات الإرهابية على أوروبا (13).
وطيلة العقدين الماضيين، كانت الهجرة غير الشرعية موضوعًا مؤرقًا لبلدان الاتحاد الأوروبي؛ بسبب تدفق الآلاف من المهاجرين الراغبين في الوصول إلى الضفة الشمالية للمتوسط، وكانت تعالج في تلك الفترة من زاوية إنسانية بحتة؛ لما تطرحه من مشكلات داخل البلدان الأوروبية من النواحي الاجتماعية والاقتصادية والقانونية، لكن منذ تفجر المشهد السوري وظهور «داعش» أصبحت الزاوية الأمنية هي الغالبة على نوعية التعاطي مع الهجرة غير القانونية، وزاد من الهواجس الأوروبية سقوط ليبيا في حالة من الفوضى، وسيطرت كل من الميليشيات الإخوانية ومقاتلي «داعش» على مدينة سرت الساحلية، قبالة الشواطئ الإيطالية، التي تشكل أهم المعابر التي يستغلها التنظيم في تهريب الأشخاص.
فالمدينة تطل على شريط ساحلي طوله نحو 150 كيلومترًا، وهي تعد معبرًا مفضلًا لمرشحي الهجرة غير الشرعية منذ التسعينيات من القرن الماضي، عندما بدأت هذه الظاهرة في بلدان جنوب المتوسط، بيد أنها باتت اليوم واحدة من النقاط المحورية في المخطط الإرهابي لـ«داعش» و«الإخوان»، وتعد ليبيا أحد أهم المعابر المفضلة للشبكات العاملة في مجال الهجرة غير المشروعة(14)، عبر زوارق مطاطية تقل العشرات من المهاجرين نحو سواحل إيطاليا ومالطا، إضافةً إلى منطقة غرب المتوسط في اتجاه إسبانيا، والناحية الشرقية من تركيا في اتجاه اليونان.
وتبيّن العمليات الإرهابية التي استهدفت الدول الأوروبية أخيرًا، أن من بين المتورطين فيها مقاتل أجنبي سافر سابقًا إلى الخارج وقاتل مع المنظمات الإرهابية، أو تلقى التدريبات في ملاذ آمن للإرهابيين، فالإرهابيين يزيدون من اتخاذ الاحتياطات اللازمة لإخفاء اتصالاتهم، وفي الحالات الأخيرة لم يُكشف عن تورط الإرهابيين إلا بعد أسابيع أو أشهر من التحقيقات.
وشهدت أوروبا، في الفترة الأخيرة، مجموعة من الهجمات الإرهابية المتتالية، مثل ما حدث في فرنسا عام 2015؛ حيث كانت العاصمة باريس مسرحًا لهجمتين إرهابيتين أدتا إلى مقتل 140 شخصًا؛ الأولى في يناير على صحيفة تشارلي إيبدو، والثّانية في نوفمبر، كما نالت ألمانيا حصتها من الهجمات الإرهابية في العام 2016، وكان منفذ الهجوم الأول مهاجر أفغاني، حين قام بطعن 5 أشخاص على متن قطار، أما الهجوم الثاني فتمثّل بقيام مهاجر سوري بتفجير نفسه؛ ما أدى إلى جرح 12 شخصًا.
وضرب الإرهاب الدانمارك أيضًا، في فبراير 2015، حين قام رجل بإطلاق النار في معرض لحرية التعبير في «كوبنهاجن»؛ ما أدى إلى مقتل شخص وجرح 3 عناصر من الشرطة، ثم هاجم كُنيسًا يهوديًّا وقتل شخصًا وجرح شرطيين.
وقد أفضت التحقيقات إلى أن مرتكبي هذه الجرائم أغلبهم من المهاجرين الذين تسللو إلى أوروبا المهاجرين المقيمين منذ فترة طويلة في أوروبا؛ ما نستنتج من خلاله أن المشكلة تتمثل في عدم اندماج المهاجرين الشرعيين في المجتمعات الأوروبية.

◄ انعكاس الهجرة غير الشرعية على الأمن الأوروبي
تختلف المهددات التي يتعرض لها الأمن بصورة عامة تبعًا للفترة الزمنية والمكانية أو نوعية التهديد ومصدره، كذلك تعددت مهددات الأمن الأوروبي، التي يقسمها كثير من الباحثين إلى قسمين رئيسيين تندرج تحتهما مهددات فرعية أخرى، فالقسم الأول عبارة عن مهددات تختص بالبُعد الداخلي، مثل انتشار الجريمة وتزايد أعمال العنف والكراهية، وتراجع القدرات الأمنية الداخلية، والاختلافات السياسية بين دول الاتحاد والصراعات المجتمعية، وأمن المعلومات، والحرب الإلكترونية، والأزمات الاقتصادية، وتناقص أعداد السكان واختلال الهرم الاجتماعي.
والقسم الثاني هو مهددات خارجية، ولعل أبرزها في الآونة الأخيرة، محاولة التنظيمات الإرهابية نقل إرهابها إلى الضفة الأوروبية، عن طريق الهجرة غير الشرعية.
وترتبط ظاهرة الهجرة غير الشرعية وتأثيراتها المختلفة بقضايا الأمن والأزمات المترتبة من الخلل الناجم عن عدم معالجتها والحد منها، فالهجرة غير الشرعية في هذا المحور قد أثرت على استقرار أوروبا ما ترتب عليه اختلال للأمن الأوروبي.
وفي ظل الربط بين الهجرة، والجريمة، والإرهاب (15)، تعي أوروبا أن هناك تحولًا في ظاهرة الجريمة المنظمة في منطقة المتوسط؛ حيث أصبح الاتجار بالبشر (تهريب المهاجرين غير الشرعيين) أكثر ربحًا وأمنًا من تهريب المخدرات؛ لأن نجاح العملية الأخيرة مرهون بوصول البضاعة إلى أوروبا، أما عملية تهريب المهاجرين، فلا يضمن أصحابها إلا المغادرة، ولا يهمهم الوصول أو حتى الغرق في البحر على الإطلاق.
وهنا، تكمن معضلة أوروبا، فإن لم تتدخل، فإن مهاجرين يلقون حتفهم قرب سواحلها، وإن تدخلت، فهي تدعم عمليًّا شبكات تهريب المهاجرين على الضفة الجنوبية، والذين سيرسلون مزيدًا من قوارب الموت (16).
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن تمدد «داعش» واقترابه من الحدود الأوروبية، يشكل خوفًا إضافيًّا من أن يسهل ذلك لسيطرة التنظيم المتطرف على البحر، ويمهد بذلك للتوغل في أوروبا، أو التعرض لسفنها التي تعبر البحر المتوسط، وهو ما كشفته وثائق صدرت عن مؤسسات دولية، منها «كويليام» البريطانية لمكافحة التطرف، والتي أفادت بأن التنظيم سوف يبحر نحو أوروبا بهدف تنفيذ عمليات في أراضيها، وذلك بإرسال جهاديين له بالقوارب التي تقل مهاجرين غير شرعيين، لاسيما أن المسافة التي تفصل بين ليبيا وجنوب السواحل الإيطالية لا تتجاوز 350 كيلومترًا؛ مما يسهل طريقة الوصول إليها (السياق –المصدر؟)
الخلاصة:
إذا ألقينا نظرة دقيقة على الهجرة غير الشرعية نجدها توظف من قبل تنظيمات إرهابية ودول راعية للإرهاب؛ لنقل الشرور إلى الضفة الأخرى لترويع الإنسان؛ لذلك يجب على دول أوروبا مراقبة الحدود لمنع دخول الإرهابيين إليها، وهذا أمر مشروع، ولكن فاعلية هذه الرقابة تصطدم بحقيقة أن العديد من الإرهابيين، «محليين» أو أجانب، يملكون تصاريح إقامة قانونية؛ حيث يُستورد الإرهاب أحيانًا من الخارج ليس من قبل الأجانب بل من قبل المواطنين، الذين يصبحون أكثر تشددًا عندما يسافرون للخارج؛ الأمر الذي يضع حدودًا لما يمكن لعمليات ضبط الهجرة أن تفعله لوقف الإرهاب، وعلى الرغم من ذلك تزايد استخدام عمليات ضبط الهجرة غير الشرعية مهم في مكافحة الإرهاب.
وفي المقابل، يعد إنشاء رابط مباشر أو غير مباشر، ظاهر أو خفي، بين الهجرة غير الشرعية والإرهاب، يخلق غضبًا وقلقًا في أوساط المهاجرين، ويزيد كذلك من المشاعر العدائية ضد الدولة، في هذه الحالة ترتفع مشاعر العداء للأجانب بالتوازي مع احتمالية وقوع اشتباكات بين قطاعات المجتمع؛ لذلك فإن خلق توازن بين حقوق الإنسان والأمن ليست بالمهمة السهلة بالنسبة للحكومات التي تسعى لمزيد من الأمن.
هناك طرق أخرى لمكافحة انتقال الإرهاب عبر الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، وهي طرق أضرارها الجانبية أقل بكثير؛ ما قد ينتج عن الإجراءات القانونية والحدودية والأمنية التي تتخذها المجموعة الأوروبية، وتتمثل هذه الطرق في مهاجمة أيديولوجيا التنظيمات الإرهابية والبنى التحتية لها، والتضييق على الدول الداعمة للتطرف والإرهاب.
هوامش
1) محمد أزهري سعيد السماك، جغرافيا الوطن العربي من منظور معاصر، دار الأمل، الأردن، ط1، 2000 م، ص 86.
2) علالي حكيمة، «الرهانات الأمنية في المتوسط» المجلة الجزائرية للأمن والتنمية، الجزائر، جامعة باتنة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم العلوم السياسية، العدد 2، 2002.ص42
3) – Thessaloniki، 19 and 20 June 2003- THE EUROPEAN UNION - COUNCIL OF
4) بولعراس بوعلام وجبابلة فريد، «الجريمة المنظمة والإرهاب الدولي» مجلة الجيش، الجزائر، مؤسسة المنشورات العسكرية، 2017. ص23
5) المرجع نفسه،ص45
6) شادي عاكوم، هل تغلق القارة الأوروبية حدودها بوجه اللاجئين؟ العربي الجديد، 4 مارس 2016.
7) هايل عبدالمولي طشطوش، الأمن الوطني وعناصر قوة الدولة في ظل النظام العالمي الجديد، دار الحامد للنشر والتوزيع، عُمان، ط1، 2017 م، ص 155.
8) باتريك ديبيوك، الإتحاد الأوروبي التجربة والتحديات، في ندوة الاتحاد الأوروبي التجربة والتحديات، أكاديمية نايف الأمنية، الرياض،662006م، 10 5 1427 هـ، ص 1، 3
9) ندوة مدريد: قطر دفعت 125 مليون يورو لإخوان أوروبا وساعدت الإرهاب، العرب اللندنية،26 أكتوبر2017
10) ندوة مدريد: المرجع السابق
11) مؤتمر «قطر وكواليس أزمات الشرق الأوسط»، مركز دراسات الشرق الأوسط بباريس،6 أكتوبر 2017
12) حمزاوي جويدة «التصور الأمني الأوروبي: نحو بنية أمنية شاملة وهوية استراتيجية في المتوسط» مذكرة ماجستير في العلوم السياسية، جامعة باتنة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، 2016.ص 121
13) عبدالفتاح عبدالكافي اسماعيل. الإرهاب ومحاربته في العالم المعاصر. دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر، 2016،ص 82
14) ليبيا مركز انطلاق الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، القدس العربي، 22 أبريل 2015.
15) عكروم، ليندة (أم ليندة عكروم) تأثير التهديدات الأمنية الجديدة على العلاقات بين دول الشمال وجنوب المتوسط، جامعة بسكرة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم العلوم السياسية، 2010.ص 43
16) بولعراس بوعلام وجبابلة فريد، «الجريمة المنظمة والإرهاب الدولي..»، مجلة الجيش، الجزائر، مؤسسة المنشورات العسكرية، العدد، 2017.ص 51