سؤال إجابته صادمة.. هل يضر اللاجئون باقتصاديات القارة العجوز؟
الأحد 24/مارس/2019 - 07:08 م

شيماء حفظي
تعهدت جاسيندا أردرن رئيسة وزراء نيوزيلندا، أن توفر بلادها الأمان لكل من يطلب ملاذًا لديها من الصراعات وأن توفر الأمان لكل المهاجرين واللاجئين الذين يعتبرون نيوزيلندا وطنهم بعيدًا عن عرقهم.

وعلى الرغم من انتقادات تتعرض لها دول أوروبا بشأن فتح حدودها أمام المهاجرين واللاجئين خاصة من الدول الإسلامية، لكن موقف جاسيندا، يلقي ضوءًا على أهمية أولئك الوافدين لهذه البلاد.
وبخلاف ما يتم ترويجه بشأن التأثير السلبي للاجئين والمهاجرين على أوضاع الدول المضيفة الاقتصادية، وبنيتها الثقافية، فإن عددًا من الدراسات والمؤشرات أظهرت أن الدول الأوروبية تحقق مكاسب اقتصادية من هؤلاء اللاجئين.
اللجوء.. أزمة لها مكاسبها
وبدأت أزمة اللجوء والهجرة إلى أوروبا مع سوء الأوضاع في بلاد الشرق الأوسط، واندلاع الحروب الأهلية خاصةً مع توسع سيطرة وبطش تنظيم داعش الإرهابي في سوريا في 2014، إضافة إلى تدهور الأوضاع في العراق، إلى جانب أفغانستان، وليبيا، واليمن، ودول أخرى.
وبحسب تقارير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن هناك نحو 68.5 مليون نازح قسريًّا حول العالم، بين هؤلاء حوالي 25.4 مليون لاجئ، وأكثر من نصفهم دون سن الـ18 عاما، ويقدر عدد طالبي اللجوء حول العالم بنحو 3.1 مليون طلب لجوء.
ووفقًا للمعلومات المنشورة على الموقع الرسمي للمفوضية، في نوفمبر الماضي، فإنه على الرغم من الجدل الكبير حول هجرة ولجوء الأفراد إلى الدول المتقدمة، فإن 85% من المهجرين حول العالم يعيشون في البلدان النامية.
وتأتي الدول الخمس الأكثر استضافة للاجئين، تركيا، وأوغندا، وباكستان، ولبنان وإيران، فيما يأتي الدور الأكبر لدول أوروبا هو تقديم دعم مالي ومنح لمساعدة الأمم المتحدة والبلدان النامية على استضافة اللاجئين.
وتحصل المفوضية على تمويلها بالكامل تقريبًا من المساهمات الطوعية، بينها نحو 86% من الحكومات والاتحاد الأوروبي، فيما تحصل على 6% من التمويل من قبل منظمات حكومية دولية أُخرى وآليات التمويل الجماعي، لتوفير ودعم مساعدات اللاجئين بمزاينة بلغت في 2017 نحو 7.7 مليار دولار.
ووفقًا لتقرير المفوضية فنحن في عالم ينزح فيه قسرًا شخص واحد كل ثانيتين نتيجة النزاعات أو الاضطهاد، ما يعني نحو 44.400 شخص يضطرون للفرار من ديارهم يوميًّا.

ديفيد ليبتون
وفي تصريح له في 2017، قال النائب الأول للمدير الأول لصندوق النقد الدولي، ديفيد ليبتون: إن عددًا من الدول ذات الاقتصادات المتقدمة جنت أرباحًا من وصول المهاجرين إليها، على الرغم من شكواها بشأن أعباء إقامتهم الاقتصادية والأمنية.
وأوضح ليبتون: «خلصنا إلى أن الهجرة أدت بشكل كبير إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي للفرد في الاقتصادات المتقدمة، وساعد تدفق المهاجرين في تعويض نقص العمالة الناتج عن التطورات السكانية».
وتابع ليبتون: «لا نرى آثارًا سلبيةً كبيرةً على المجموعات المتوسطة والمنخفضة الدخل في الدول المستقبلة (للمهاجرين)».
وتبذل الدول الأوروبية جهودًا مكثفة من أجل احتواء أزمة المهاجرين التي بدأت عام 2015، عندما دخل الاتحاد الأوروبي نحو مليون شخص من الشرق الأوسط وأفريقيا بحثًا عن الأمان والاستقرار الاقتصادي.
المهاجرون واليمين المتطرف
وأثارت الهجرة ردة فعل مناهضة بين شعوب الاتحاد الأوروبي أدى إلى صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة والأحزاب ذات النزعة القومية.
وأكد المسؤول الدولي أن الفوائد التي تجنيها الدول من المهاجرين يعتمد على كفاءة دمجهم في المجتمعات الجديدة، التي اعتبرها ضرورية.
وتعد ألمانيا واحدةً من الدول التي تعمل على تسريع إدماج اللاجئين والمهاجرين في سوق العمل لتحقيق الاستفادة من الأيدي العاملة التي تحتاجها، منذ 2015.
وتعتبر ألمانيا الوجهة الأولى لآلاف السوريين والأفغان والإريتريين الذين يصلون إلى أوروبا، والهدف الأول للكوسوفيين والألبان الذين يغادرون بلدانهم، وهو ما جعل المؤسسات التي تعاني من نقص في اليد العاملة، تنظر بمزيد من الاهتمام إلى المرشحين للحصول على اللجوء، وتعتبرهم هبة ثمينة في بلد يميل إلى الشيخوخة.

فرصة المهاجرين.. والانتقال من أجل الرخاء
ويزداد عدد المؤسسات التي تفتح أبوابها للأجانب الذين تشجعهم مبادرات هادفة، وهذا ما ينطبق على منطقة أوغسبورغ في بافاريا (جنوب)؛ حيث لا يهتم «مستشار ثقافي توجيهي» من الغرفة المهنية إلا بهذه المسألة. وقد أرسل منذ بداية السنة 63 شابًا لاجئًا إلى التدرب المهني.
وعلى الرغم من أنه لا يمكن تشغيل لاجئ أو طالب لجوء إلا بعد تقديم الدليل على أن المرشح الألماني لهذا المنصب غير مناسب، لكن وكالة التوظيف تريد إلغاء «امتحان الأسبقية» في أقرب وقت ممكن.
وتطالب الأوساط الاقتصادية المشرع بالاجتهاد في وضع إجراءات سريعة للاعتراف بشهادات وكفاءات الواصلين الجدد فور تسجيلهم، ورصد مزيد من الأموال لتعليمهم اللغة الألمانية.
وقال الأمين العام لاتحاد أرباب المهن هولغر شفانيكي «من أجل دخول سوق العمل أو التدرب، لا تتوافر عمومًا (للمرشحين) المعرفة الضرورية باللغة الألمانية».
لكن تيار اليمين المتطرف وحزب البديل الألماني يتخذ من المخاوف الاقتصادية بشأن سوق العمل ذريعة لحث الألمان على مناهضة اللاجئين وسياسات اللجوء في البلاد.
وفيما يتعلق بالمهاجرين الاقتصاديين، كشف تقرير صادر عن البنك الدولي، في يونيو الماضي، أن الهجرة العالمية انتشلت الملايين من الناس من براثن الفقر وعززت النمو الاقتصادي، إلا أن بلدان المقصد تخاطر بفقدان قدرتها على المنافسة عالميًّا على المواهب وترك فجوات كبيرة في أسواق العمل.
ويقول التقرير، الصادر بعنوان «الانتقال من أجل الرخاء: الهجرة العالمية والعمل»، إن الفوارق الكبيرة والمستمرة في الأجور في جميع أنحاء العالم تمثل الدافع الرئيسي للهجرة الاقتصادية من البلدان منخفضة الدخل إلى البلدان مرتفعة الدخل.
وبالهجرة وفارق الدخول، يساعد ملايين المهاجرين أفنسهم وأقاربهم في بلدانهم الأصلية على الإفلات من براثن الفقر، وغالبًا ما تستفيد بلدان المقصد؛ حيث يقوم المهاجرون بأدوار مهمة، من تطوير أحدث التكنولوجيات في وادي السيليكون إلى بناء ناطحات السحاب في الشرق الأوسط.
ورغم إغراءات الأجور المرتفعة، فقد ظلت أعداد المهاجرين كنسبة من سكان العالم دون تغيير في معظمها لأكثر من خمسة عقود، حتى مع التوسع الكبير في التدفقات العالمية للتجارة والاستثمار بشكل كبير خلال هذه الفترة.
وبين عامي 1960 و 2015، تقلبت نسبة المهاجرين في سكان العالم بشكل محدود بين 2.5% و 3.5%، مع بقاء الحدود الدولية للبلدان، وبعد المسافة، والثقافة، واللغة كعوامل إعاقة قوية، بحسب تقرير البنك الدولي.
وخلص التقرر إلى أن ﺗدﻓﻘﺎت اﻟﮭﺟرة تتركز ﺑدرﺟﺔ ﮐﺑﯾرة حسب المكان واﻟﻣﮭنة، ففي الوقت الحالي، تجذب أكبر 10 بلدان مقصد 60% من حوالي 250 مليون مهاجر على الصعيد العالمي.
ويعيش في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا ثلثا المهاجرين ممن حصلوا على التعليم الجامعي، وفي أعلى قمة المواهب، توجد في الولايات المتحدة نسبة مذهلة تبلغ 85% من جميع الفائزين بجائزة نوبل للعلوم.
سياسات الاندماج في دول المهجر
وتتزايد مستويات التعليم للمرأة بسرعة، لاسيما في البلدان النامية، إلا أن فرص الارتقاء المهني لاتزال محدودة، ونتيجة لذلك، فإن النساء المتعلمات تعليمًا جامعيًّا من البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل يمثلن المجموعة الأسرع نموًا بين المهاجرين إلى البلدان مرتفعة الدخل، من دول المهجر.
وقال شانتايانان ديفاراجان، المدير الأول لاقتصاديات التنمية والقائم بأعمال كبير الخبراء الاقتصاديين في البنك الدولي: إن عدد المهاجرين على الصعيد الدولي لايزال متواضعًا إلى حد ما، ولكن المهاجرين غالبًا ما يصلون في موجات ويتجمعون حول الأماكن نفسها وأنواع الوظائف.
وأشار إلى أنه يمكن للسياسات الأفضل إدارة هذه الانتقالات بطريقة تضمن تحقيق منافع على المدى الطويل لكل من المواطنين والمهاجرين.
وأوصى التقرير باتخاذ تدابير سياسات متنوعة تضمن تقاسم المجتمعات المضيفة والمهاجرين فوائد الهجرة لأجيال كثيرة قادمة، على أن تعمل سياسات الهجرة الفعالة مع قوى سوق العمل وليس ضدها.
كما أوصى التقرير بأنه ينبغي الاستعاضة عن نظام الحصص بالآليات القائمة على السوق لإدارة تدفقات الهجرة، ويمكن لهذه الأدوات أن تتحمل تكلفة مساعدة الحكومة لمساندة العمالة المُستغنى عنها، إضافة إلى ذلك، يمكن تلبية الاحتياجات الأكثر إلحاحا لسوق العمل من خلال التوفيق والربط بين العمال المهاجرين وأصحاب العمل الأكثر احتياجًا لهم.
وكذلك يجب العمل على توفير مسار للحصول على الإقامة الدائمة للمهاجرين ذوي المهارات العالية والوظائف الدائمة على خلق حوافز لهم للاندماج الكامل في أسواق العمل وتقديم مساهمات اقتصادية واجتماعية لبلد المقصد.
وقالت أسلي دميرجوك كونت، مديرة البحوث في البنك الدولي: إن «البحوث حول تأثير الهجرة على سوق العمل قاطعة: الفوائد الاقتصادية كبيرة وطويلة الأمد.. وعلينا أن نطبق سياسات لمعالجة التأثير المرتبط بتوزيع تدفقات الهجرة على المدى القصير للحيلولة دون فرض قيود صارمة على الهجرة تضر بالجميع».
ويري التقرير أن الهجرة ستكون سمة أساسية للعالم في المستقبل المنظور بسبب استمرار فجوات الدخل والفرص، والاختلافات في الخصائص السكانية، وتطلعات الفقراء والفئات المعرضة للمعاناة في العالم.