«اقتصاد الحرب».. تداعيات زيادة الميزانية العسكرية في فرنسا
في العشرين من يناير الماضي، كشف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ملامح مشروع قانون البرمجة العسكرية 2024-2030 الجديد، والذي من المقرر أن يناقشه البرلمان في مارس المقبل، مبيّنًا أن الميزانية العسكرية للبلاد ستصل إلى 400 مليار يورو؛ بهدف تحديث الجيش وتهيئته لمواجهة التحديات والصراعات المستقبلية شديدة الحدة، وذلك نتيجة للتغيرات التي أحدثتها الحرب الروسية الأوكرانية على الاستراتيجية العسكرية للمنطقة.
ووعد الرئيس الفرنسي بزيادة تقارب 60% في الميزانية المخصصة للمخابرات العسكرية، وأضاف متوجهًا إلى الجنود في قاعدة "مون دو مارسان" الجوية في جنوب غرب فرنسا بأنه مع الحرب الجارية، ستتضاعف ميزانية مديرية المخابرات العسكرية ومديرية استخبارات الدفاع والأمن؛ بهدف شن حرب استباقية، قائلًا: علينا القيام بأداء أفضل ومختلف، وإعطاء الأفضلية لسرعة التحرك وزيادة القوة، لأننا لن نختار النزاعات التي سيتحتم علينا خوضها.
وفي عام 2018، تم تخصيص 295 مليار يورو للموازنة الدفاعية للأعوام السبع (2019-2025)، في زيادة تهدف لرفع النفقات العسكرية للبلاد لتبلغ 2% من إجمالي الناتج المحلي في 2025، وكانت هذه الزيادة المطردة في الإنفاق العسكري تتعارض مع سياسة التقشف المالي التي فرضت طوال عقد من الزمن على الجيش، ما انعكس عليه خفضًا في العدد وتقادمًا في العتاد، قبل أن تعود الأموال لتتدفق إلى خزينة وزارة الدفاع.
وتستهدف الإدارة الفرنسية إقامة دورات إنتاج مُثلى لتلبية احتياجات القوات المسلحة أو الاستجابة لاحتياجات الشركاء الأوروبيين مثل أوكرانيا، فضلًا عن مضاعفة عدد جنود الاحتياط البالغ، وتعزيز الاستعدادات الدفاعية للجيش، وكذلك مضاعفة ميزانية الاستخبارات العسكرية ومديرية الاستخبارات والأمن الدفاعي بنسبة 60% بهدف استباق الصراعات العسكرية، وشن حروب استباقية إذا اقتضت الظروف، وكذلك رفع كفاءة دورها المتعلق بالتوقع وتعزيز جاهزية البلاد للتهديدات غير المتوقعة وجمع المعلومات الاستخبارية، خاصةً أن رئيس الاستخبارات العسكرية الفرنسية، الجنرال إريك فيدو، أُقيل من منصبه، في مارس 2022، على خلفية فشله في توقع الحرب الروسية على أوكرانيا، وعدم تقديم إفادات وافية، والافتقار إلى التمكُّن من الأدوات الاستخبارية.
كما يسعى «ماكرون» لزيادة الإنفاق العسكري؛ لتعزيز أنظمة الدفاع الجوي والأمن السيبراني، وزيادة أسطول الطائرات بدون طيار، وتعزيز مخزون الذخيرة وزيادة الدبابات والطائرات المقاتلة، وتحديث البنية التحتية العسكرية، وتعزيز وتحديث قدرات الردع النووي الذي ستنفق عليه باريس خلال العام الجاري نحو 5.6 مليار يورو.
المزيد من القرارات
وترى باريس أن عدم امتلاك القوات المسلحة الفرنسية الوسائل اللازمة لخوض حرب على مستوى مرتفع من الكثافة والحدة مثل الحرب الأوكرانية، أمر يوجب عليها اتخاذ المزيد من القرارات.
وفي كتاب بعنوان «كلمات الشرف» الصادر في نوفمبر 2022 قال رئيس أركان الجيوش الفرنسية السابق، بيير دو فيلييه، إن ميزانية الدفاع الفرنسية تفتقر إلى الموارد بالشكل الذي يجعل القوات المسلحة الفرنسية غير قادرة على خوض حروب شديدة الكثافة والحدة مثل الحرب الأوكرانية، ما يجعل الجيش الفرنسي في حاجة إلى زيادة الميزانية الدفاعية، من أجل تحديثه وإعادة تأهيل أفراده وتحديث وزيادة المعدات والأسلحة وقطع الغيار والذخيرة.
بدوره، قال عبد المجيد أبو العلا، وهو باحث مساعد بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية في القاهرة، إن فرنسا تشهد كغيرها من الدول الأوروبية تحولاً من سنوات عائد السلام التي انخفضت فيها الميزانيات الدفاعية مقابل تعزيز الإنفاق على البرامج الأخرى، باعتبار أن الصراع العسكري الكبير في القارة قد أصبح شيئًا من الماضي، إلى سنوات اقتصاد الحرب، تحت وطأة صدمة الحرب الأوكرانية، ما يعني زيادة الإنفاق العسكري خلال السنوات المقبلة للاستعداد للصراعات والتهديدات والحروب المحتملة داخل القارة الأوروبية.





