دلالات زيارة الرئيس الأوكراني لواشنطن
تعكس زيارة الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، مؤخرا ولقاءه نظيره الأمريكي، جو بايدن، العديد من الدلالات، إذ تضمنت أيضًا لقاءه أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، الذي أكد أن روسيا لم تظهر أي اهتمام بالانخراط في دبلوماسية جدية لإنهاء الحرب، في تبرير للدعم الأمريكي لأوكرانيا، وتصعيد واشنطن هذا الدعم عبر إرسال نظم الدفاع الجوي الأمريكية من طراز باتريوت.
وأكد الرئيس الأمريكي جو بايدن، مواصلة دعم بلاده لأوكرانيا، عبر تقديم مساعدات بقيمة 1.85 مليار دولار لتوفير ذخائر وأسلحة للحرب، مردفًا أنه لن يسمح للرئيس الروسي فلاديميير بوتين بتحقيق النصر، وذلك ردًّا على مخاوف "زيلنسكي" من محاولة الرئيس الروسي مهاجمة دول أخرى في أوروبا.
وحاول الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، خلال خطابه في الكونجرس الأمريكي، ضمان تأييد واشنطن مستقبلا، خاصة مع سعي الإدارة الأمريكية لتمرير ميزانية تتراوح من 45 إلى 50 مليار دولار لدعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا، وذلك خوفًا من تراجع الدعم الأمريكي عندما يتولى الجمهوريون قيادة مجلس النواب مطلع يناير 2023.
بلورة تصور أوكراني للسلام
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يهدف إلى محاولة بلورة تصور أوكراني للسلام، خاصة بعدما مارست واشنطن ضغوطًا على كييف على مدار الأشهر الأخيرة لإسقاط أحد مطالبها للتفاوض مع روسيا لوضع نهاية للحرب الروسية – الأوكرانية، والتي تتمثل في رحيل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.
وقدم زيلينسكي إلى بايدن خطة سلام مكونة من عشر نقاط، لم يتم الكشف عنها، وإن كان من الملحوظ أن تصريحات الرئيس الأوكراني تعكس تشددًا غير واقعي، إذ اعتبر أن السلام العادل لا يمثل تنازلات فيما يتعلق بسيادة بلدي وحريته وسلامة أراضيه، ولكن تعويض جميع الأضرار التي سببها العدوان الروسي، وهو ما يعني أنه يسعى إلى استعادة السيطرة على الأراضي التي ضمتها روسيا، ومطالبة روسيا بتعويضات، وهي مواقف لن تتجاوب معها موسكو.
أما الإدارة الأمريكية، فقد كان لديها ثلاثة تصورات للسلام في أوكرانيا، ولكل منها أتباع داخل الإدارة الأمريكية.
يتمثل التصور الأول، في الانسحاب الروسي من جميع الأراضي الأوكرانية، بما في ذلك شبه جزيرة القرم ومناطق شرق دونباس التي سيطرت عليها قوات موالية لروسيا منذ 2014.
التصور الثاني، هو انسحاب روسيا إلى خطوط السيطرة في عام 2014، أي التسليم بسيطرتها على القرم وأجزاء من الدونباس، والتي كانت خاضعة للمتمردين الموالين لروسيا.
وأخيرًا التصور الثالث الانسحاب من دونباس، ولكن ليس شبه جزيرة القرم، التي ضمتها روسيا في 2014، فيما رفض زيلينسكي الخيارين الثاني والثالث.
وبطبيعة الحال، فإن التصورين الروسي والأوكراني للسلام يتوقف على نتائج حرب الشتاء، ومدى تمكن روسيا من السيطرة على مناطق إضافية في الأقاليم الأوكرانية الأربعة.
ونجح زيلنسكي في الحصول على وعد أمريكي بتزويد أوكرانيا بنظام الدفاع الجوي باتريوت، بعدما شدد على حاجته الماسة إليه لصد ضربات القوات الروسية على البنية التحتية الحيوية، خاصة محطات الكهرباء، إذ تمكنت موسكو من تدمير أغلب منظومات الدفاع الجوي التي كانت أوكرانيا تمتلكها، خاصة منظومة إس 300، فضلاً عن نفاد ذخيرتها، ما ينذر بتورط الولايات المتحدة أكثر في الصراع الدائر على الأراضي الأوكرانية.
واشنطن طرف في الصراع ضد روسيا
على الجانب الآخر من النهر، استغلت موسكو الدعم الأمريكي لأوكرانيا خلال زيارة زيلينسكي للتأكيد أن واشنطن باتت طرفًا في الصراع ضد روسيا، فقد اعتبر الناطق باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف أن واشنطن تشن حربًا غير مباشرة ضد روسيا.
وفي ضوء ذلك فإن عمليتها العسكرية في أوكرانيا شرعية، لضمان أمنها في مواجهة مساعي الولايات المتحدة لضم أوكرانيا إلى حلف الأطلسي، ومن ثم نشر قواعد الحلف بالقرب من الحدود الروسية، فضلاً عن وقف الإبادة للروس على الأراضي الأوكرانية السابقة.
كما علق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "ساخرا" على نوايا واشنطن نشر صواريخ باتريوت، وذلك عبر تأكيده أن المنظومة الأمريكية قديمة تمامًا، وليست بكفاءة منظومة إس – 00" الروسية، ومؤكدًا أن بلاده ستعمل على تحييدها.
وسعت موسكو إلى التأكيد على نجاحها في تحقيق جانب من أهدافها العسكرية في أوكرانيا، وهو ما لم يقتصر على ضم أراضٍ أوكرانية إليها، ولكن كذلك نزع سلاح أوكرانيا، وهو ما يتم من خلال تدمير البنية التحتية العسكرية الأوكرانية، بالإضافة إلى نفاذ مخزونات أوكرانيا سريعًا من الأسلحة، وهو ما انعكس سلبًا كذلك على الدول الداعمة لها، وذلك وفقا لتقديرات غربية أكدت أن روسيا استخدمت ذخيرة في يومين أكثر من مخزون الجيش البريطاني.
وفي ظل معدلات استهلاك المدفعية الأوكرانية الحالية، فإن المخزونات البريطانية قد تستمر لمدة أسبوع كما أمدت الولايات المتحدة أوكرانيا بحوالي ثلث مخزونها من صواريخ جافلين المضادة للمدرعات، وصواريخ ستنجر المضادة للطائرات، غير أنها لن تكون قادرة على تعويض هذه المخزونات سريعًا، أي أن الحرب لم تمثل استنزافًا عسكريًّا لأوكرانيا، ولكن كذلك للدول الداعمة لها.





