ad a b
ad ad ad

سيناريوهات حل الأزمة الليبية بعد اشتباكات طرابلس

السبت 10/سبتمبر/2022 - 04:58 م
المرجع
محمود البتاكوشي
طباعة
اشتباكات دامية شهدتها العاصمة الليبية طرابلس، على مدار الأيام الماضية، بين التشكيلات والمجموعات المسلحة التابعة لجبهتي حكومتي عبدالحميد الدبيبة، وفتحي باشاغا، ما يؤكد احتدام الصراع على السلطة التنفيذية، لتمسك كل منهما بالانفراد بها وإزاحة الآخر من المشهد بصورة تامة، وعدم إبداء مرونة لإعادة إنتاج نموذج الحكومات المتوازية التي شهدتها ليبيا في فترات سابقة، فضلا عن حالة التربص المُتبادل بين الحكومتين؛ فبينما يحاول "باشاغا" دخول العاصمة، تارة بالتفاهمات وأخرى بالمواجهة، يسعى "الدبيبة" لإضعاف وإقصاء المجموعات المُسلحة والشخصيات النافذة التي تحمل ولاء لباشاغا، عن طرابلس، بالإضافة إلى تبادل الاتهامات حول أسباب وتداعيات الانسداد السياسي والحشد الميداني الجاري.

تأثيرات الدول الخارجية

وكشفت اشتباكات طرابلس أن ليبيا مازالت خاضعة لتأثيرات الدول الخارجية، فحينما استشعرت بعض الأطراف تراجع القيود الدولية على توظيف القوة لحسم الصراع، بدأت الكتائب المسلحة في استغلال الفرصة لتغيير قواعد الاشتباك، حيث نشر الدبيبة قوات عسكرية جنوب العاصمة بعد تلويح باشاغا مجددا بدخولها، وأعقب ذلك بأقل من 48 ساعة إطلاق الرصاصة الأولى في المواجهات وساهمت القوات التركية في صد الهجوم الذي وقع ضد القوات الموالية لحكومة الدبيبة.

وأظهرت اشتباكات طرابلس مساعي توظيف المواجهات العسكرية لصياغة تفاهمات ضامنة لتثبيت خطوط التماس بين كتائب المنطقة الغربية؛ فمع إدراكهم لتلاشي فرص الحسم، تم التنسيق لوقف المواجهات وتمهيد الطريق للتفاوض بين المتحاربين.

ويأتي ذلك في الوقت الذي سعى في الجيش الوطني الليبي لإظهار حياده عن التوترات الجارية في الغرب، إذ أعلنت القيادة العامة أنها لا تنحاز لأي من أطراف المواجهات، بالرغم من الإشارات السابقة المُتصلة بأن الجيش الوطني داعم لتولي حكومة "باشاغا" المدعومة من مجلس النواب زمام إدارة الدولة في المرحلة الراهنة، ويُفسر ذلك بأن الجيش الوطني الليبي، منذ اتفاق وقف إطلاق النار في أكتوبر 2020، يتبنى اتجاها لتعزيز سيطرته ودوره في المنطقتين الشرقية والجنوبية، بالإضافة إلى دعم أنشطة اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) لتوحيد الجيش.

انسداد الأفق السياسي 

الاشتباكات الأخيرة تشي بانسداد الأفق السياسي للأزمة الليبية، ما يعقد المسار السياسي لتصاعد الاستقطاب والانقسام؛ ما يعني تلاشي فرصة الوصول إلى صيغة حل مقبولة، وانهيار المسار الدستوري، إذ يُرجح أن تنتقل ارتدادات الاشتباكات المسلحة بالعاصمة الليبية إلى أروقة المسار الدستوري، خاصةً بعد إعادة تفعيل الدائرة الدستورية في المحكمة العليا، وكل ذلك يؤدي إلى زيادة الأزمات الإنسانية بين الليبيين عامة، وسكان مناطق الاشتباكات بصورة خاصة، إذ أكدت تقارير هيئات الإغاثة والخدمات الطبية، وجود عالقين في تلك المناطق لا يستطيعون مغادرة منازلهم؛ خشية تجدد المواجهات، فضلاً عن مقتل 32 شخصا وإصابة 159 آخرين ضمن ضحايا الاشتباكات، ونزوح عدد من السكان من بعض المناطق هربا من القتال، وتضرر العديد من المرافق والممتلكات العامة والخاصة.

سيناريوهات محتملة

اشتباكات طرابلس الأخيرة تفرض العديد من السيناريوهات، أولها وقد يكون أقواها وأقربها إلى التحقق على أرض الواقع، تجدد الاشتباكات المسلحة، تمهيدا لشن حرب شاملة، وأن يدخل الفاعلون المسلحون بالمنطقة الغربية في صراع أطول، حيث ينجح أحد التكتلات العسكرية في تحقيق مكتسبات تُضعف مواقع منافسيه، حتى ينتهي الأمر بانتصار معسكر على الآخر، أو الوصول إلى هدنة مؤقتة جديدة لالتقاط الأنفاس وإعادة ترتيب الأوراق، ثم العودة مجددا لخوض مواجهات أكثر شراسة وضراوة.

ومن الممكن أن تنجح جهود الوساطات في عقد هدنة ولو مؤقتة ويعد ذلك السيناريو رهين رغبة الأطراف المتحاربة في الاحتفاظ بالوضع الراهن لأطول مدة ممكنة، وألا تدفع إحداها الأخرى لخوض قتال واسع النطاق كما في السيناريو السابق، ما يعزز فرصة التهدئة وتطوير مستوى التفاهمات بين الفاعلين في الأزمة بشكل عام، والمسلحين بصفة خاصة.

السيناريو الأخير هو أن تكون اشتباكات طرابلس الأخيرة، أسست لنمط جديد من التفاعل بين المتنافسين سياسيًّا وعسكريًّا، وأن الهدوء الحالي وتداعيات المواجهة تدفعهم إلى تلافي الرهان على الدخول في معارك المنتصر فيها خاسر.

الكلمات المفتاحية

"