تأخر الحسم.. البادية السورية حصن «داعش» وعقدة التحالف
لا يزال تنظيم «داعش» الإرهابي، يعيث فسادًا في الصحراء السورية المعروفة بـ«البادية السورية»، بعد دحره وهزيمته من قبل «التحالف الدولي» و«قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) منتصف عام 2019، ولا يزال مصير حسم وجوده من قبل التحالف الدولي غير معلوم، نظرًا لأن القضاء على التنظيم في المساحات المفتوحة مثل البادية السورية صعب، فالتنظيم وخلاياه لديهم القدرة على التخفي والتحصين، كما أنه لم يصل بعد إلى درجة متأخرة من الوهن، ولديه خلايا ومجموعات تتحرك وتشن عمليات وتستهدف مصالح لعدة أطراف.
تخوف التحالف من البادية
يواصل التنظيم الإرهابي، تنفيذ عملياته الإرهابية في البادية السورية، التي باتت موقعًا استراتيجيًّا له بعد أن فقد آخر معاقله في بلدة الباغوز في 2019، والابتعاد عن إيجاد مناطق سيطرة واضحة في المناطق المأهولة بالسكان في القرى والبلدات والمدن، وتجنب وجود خطوط مواجهة فعلية تجعله تحت ضربات القوى المعادية له بشكل مباشر، كما أن عمليات التحرك المستمر في البوادي الشاسعة، وأسلوب حرب العصابات الذي يتقنه التنظيم، وقدرة عناصره على التخفي ضمن الطبيعة الجغرافية في البادية، تشكل عوامل إضافية تساعده على البقاء وتُصَعب من عملية ملاحقته.
وعلى الرغم من عدم وجود قوة حقيقة للتنظيم الإرهابي، فإن المحاربة الإعلامية له قد توحي بقوته على المقاومة والاستمرار، الأمر الذي يؤدي إلى وجود تساؤلات عدة أبرزها إمكانية تدخل التحالف الدولي في الفترة المقبلة في حرب نهائية وشاملة ضد التنظيم الإرهابي وخلاياه في البادية السورية رغم عدم توفر العوامل اللوجستية المناسبة لهزيمته هناك.
الهدف الأبرز
وبات «داعش» الهدف الأبرز للقوة المختلفة في العالم وخاصة في سوريا، فعلى الرغم من تقهقره وهزيمته رسميًّا في آخر بقاعه في الباغوز السورية 2019، فإن المواجهات لا تزال مستمرة بشكل خاص بين قوات الجيش السوري والميليشيات الإيرانية والطيران الروسي ضد التنظيم الإرهابي دون حسم لتلك المواجهات حتى الآن، مستفيدًا من البادية الواسعة التي تمكنه من الاختفاء حيث لم يعد يشكل أي قوة حقيقية كما يحاول البعض إظهاره.
مغاوير الثورة
فصيل ما يسمى بـ«مغاوير الثورة»، أكد أن مهمته هي حماية منطقة الـ55 كم، والمدنيين الذين يسكنون فيها، وليس له مهام خارجها، مضيفًا أن المنطقة آمنة من الهجمات الإرهابية، في إشارة منه إلى عدم وجود نية للتدخل من قبل الفصيل في البادية السورية.
خلال اجتماع لوزراء التحالف الدولي في مايو 2022، الذي عقد في مدينة مراكش المغربية، أكدوا في بيان لهم أنه لضمان الهزيمة الدائمة لـ«داعش» في العراق وسوريا يظل الأولوية الأولى لهزيمته، مشيرين إلى أنه على الرغم من الانتكاسات الكبيرة التي عانت منها قيادة التنظيم خلال الماضي القريب، فإن التنظيم يواصل شن هجمات في العراق وسوريا، ويمثل تهديدًا مستمرًا، كما يتضح من الهجوم الواسع على معتقل الصناعة في شمال شرق سوريا في يناير 2022.
ولكن في مقابل ذلك، وفي منطقة البادية السورية بشكل خاص، فإن إيران وميليشياتها، والقوات السورية، تتعرض بشكل مستمر لهجمات معظمها على شكل كمائن في البادية من قبل التنظيم الإرهابي، وهي غير قادرة على حسم المواجهات مع التنظيم في هذه المنطقة.
ويوجد تخوّف ملحوظ من قبل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة من هجوم لخلايا التنظيم واسع النطاق شنّه على سجن الحسكة في الشهر الأول من العام الحالي، على مواقع في منطقة شرق الفرات، والخاضعة لقوات سوريا الديمقراطية «قسد»، إذ كان الهجوم على سجن الحسكة في يناير 2022، أكبر عمليات التنظيم في المنطقة الخاضعة لـ«قسد»، التي كانت حذرت من تخطيط هذا التنظيم لهجوم ربما يطال مخيم الهول في ريف الحسكة الذي يضم عائلات مسلحين من التنظيم إما قتلوا وإما أُسروا، أو أنهم موجودون في البادية.
وفي أبريل 2022، استقدم الجيش السوري تعزيزات عسكرية إلى بادية المسرب الواقعة جنوب غرب مدينة دير الزور، بهدف استئناف عمليات التمشيط التي تستهدف خلايا «داعش» في المنطقة، وذلك في وقت عاود الطيران الروسي بمساندة القوات السورية حملة جديدة ضد تنظيم «داعش» في البادية السورية، لوقف خطره، حيث شن الطيران الروسي ما يقرب من 240 غارة جوية مستهدفًا تمركزات خلايا التنظيم الإرهابي، لا سيما في بادية السخنة، وبادية الرصافة الواقعة في الجنوب الغربي من مدينة الرقة، حيث تراجع خلال مارس الماضي، نشاط الطيران الروسي في البادية على مواقع التنظيم، بسبب انشغال روسيا بغزو أوكرانيا.
تأخر الحسم
وعن الأسباب التي تحول دون القضاء على التنظيم في سوريا على الرغم من الحملات والقصف الجوي، يرى مراقبون، أن دخول «التحالف الدولي»، أو فصائل تتبع له لمواجهة «داعش»، أمر غير ممكن، فذلك يحتاج لعمل غير متوافر حاليًّا، حتى لو رغب التحالف بذلك، فأعداد قوات التحالف محدودة، ومحددة بنطاق معين، والبادية شاسعة جدا، وتتطلب قوات وموارد كبيرة، موضحين أن التحالف لا يعتقد أن يدخل على خط المواجهات مع التنظيم، على اعتبار أن روسيا وإيران تتناوبان على قيادة العمليات ضد التنظيم في البادية منذ العام 2020، بالإضافة إلى التنسيق بين واشنطن وموسكو حاليًّا الذي هو في أدنى مستوياته على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا، مؤكدين أن الميلشيات الإيرانية هي من تدير العمليات العسكرية حاليًّا ضد التنظيم في البادية، وليس هناك أي مصلحة لـ«التحالف الدولي» في دعم جهود إيران وميليشياتها، التي أخذت في التوسع منذ فبراير الماضي، لأن تمددها محاولة لفرض أمر واقع، ولم يتم بالتنسيق مع القوى الدولية بموجب تفاهمات تحقق مصالح مختلف الأطراف.
للمزيد: البادية السورية.. أرض خصبة لمعارك وحرب عصابات «داعش»





