أهداف ودلالات زيارة وزير الخارجية الروسي إلى الجزائر
السبت 21/مايو/2022 - 11:08 م
محمود البتاكوشي
حملت زيارة سيرجي لافروف، وزير الخارجية الروسي، إلى الجزائر مطلع مايو الجاري، والتى التقى خلالها الرئيس عبد المجيد تبون ووزير خارجيته رمطان لعمامرة، العديد من الأهداف، إذ تم الاتفاق على إبرام وثيقة استراتيجية جديدة تعكس النوعية الجديدة للعلاقات بين الدولتين، تعزز العلاقات الاستراتيجية بين موسكو وبين الجزائر باعتبارها شريكًا استراتيجيًّا لها في منطقة المغرب العربي وشمال أفريقيا، حيث تدرك موسكو الثقل السياسي للبلد العربي على مستوى القارة الأفريقية.
تعزيز التعاون العسكري التقني
وتأتى زيارة سيرجي لافروف، وزير الخارجية الروسي، التي تُعَدُّ الأولى من نوعها للجزائر بعد تولي الرئيس عبد المجيد تبون السلطة في البلاد، وهي الأولى أيضًا لدولة عربية منذ التدخل الروسي العسكري في أوكرانيا، بالتزامن مع مرور 60 عامًا على تأسيس العلاقات الجزائرية – الروسية، وتهدف إلى تعزيز التعاون العسكري التقني بين الدولتين.
ومن المعروف أن روسيا مصدر رئيسي لتعزيز القدرات العسكرية الجزائرية، حيث تعد البلد العربي الأفريقي ثالث مستورد للسلاح الروسي، وتعتمد على موسكو في تسليح قواتها المسلحة بنسبة تفوق 70%، وأكبر دليل على ذلك إعلان موسكو في أبريل الماضي عزمها إجراء مناورات عسكرية مشتركة مع الجزائر في نوفمبر المقبل، فضلًا عن إجراءات تعزيز التعاون الاقتصادي، حيث كشف «لافروف» عن عقد اجتماع للجنة الحكومية المشتركة لروسيا والجزائر حول التعاون الاقتصادي في الجزائر في غضون أشهر قليلة مقبلة، والتي تأجلت بسبب جائحة كورونا.
زيادة حجم المبادلات التجارية
وتحرص موسكو على زيادة حجم مبادلاتها التجارية مع الجزائر، والتي بلغت حوالي ثلاثة مليارات دولار عام 2021، بعد أن كانت تبلغ حوالي 4.5 مليار دولار عام 2019، وذلك بسبب تداعيات جائحة كورونا، وأيضًا تحرص على التنسيق مع الجزائر داخل منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك» ومنتدى الدول المصدرة للغاز فيما يتعلق بإنتاج النفط والغاز الطبيعي.
وتحمل زيارة لافروف إلى الجزائر العديد من الدلالات، فهي تحاول مواجهة التحركات الأوروبية، بالتصعيد ضد موسكو وفرض عقوبات بسبب تدخلها العسكري في أوكرانيا والتهديد الأوروبي مؤخرًا بتحويل الأموال الروسية المجمدة لدى البنوك الغربية إلى أوكرانيا.
ومع توالي زيارات المسؤولين الأوروبيين للجزائر، أدركت موسكو أهمية الحفاظ على علاقاتها القوية معها بغرض إيصال رسالة إلى الدول الغربية بأن موسكو لا تزال تحتفظ بنفوذها داخل الجزائر، وأن المحاولات الغربية لاستقطاب هذا البلد العربي بعيدًا عن الفلك الروسي لن تنجح، خاصة أن الاتحاد الأوروبي اصطف مؤخرًا وراء المغرب حول قضية الصحراء، وهو الموقف الذي أغضب الجزائر، ولذا امتنعت الجزائر عن التصويت على مشروع قرار لإدانة الحرب الروسية في أوكرانيا، وهو ما دفع سيرجي لافروف خلال هذه الزيارة للإعراب عن تقديره لموقف الجزائر من العملية العسكرية الروسية.
رسالة إلى واشنطن
زيارة لافروف للجزائر في هذا التوقيت تقدم رسالة إلى واشنطن مفادها استمرار العلاقات الجزائرية – الروسية واتجاهها نحو مزيد من التعاون والتنسيق المشترك سياسيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا، ومن ثم فشل المحاولات الأمريكية في التأثير سلبًا على هذه العلاقات، استنادًا على التفاهمات الإقليمية المشتركة، وعلى رأسها الأزمة الليبية التي تلعب الجزائر دورًا كبيرًا فيها، وتعد من أهم الفواعل الداعمة لغرب ليبيا.
وبالتالي، فالجزائر تعد طرفًا لا غنى عنه، لدفع المسار السياسي، وإعادة بناء مؤسسات الدولة الليبية، خاصة أن موسكو تقع في الطرف المقابل الداعم لشرق ليبيا.
ويشار إلى أن موسكو لها وجود ونفوذ في وسط ليبيا عبر قاعدة الجفرة الجوية في وسط ليبيا، إلى جانب إقليم فزان الواقع جنوب غرب البلاد، عبر شركة فاجنر الأمنية، التي نشرت عناصرها في قاعدتي براك الشاطئ وتمنهنت الجويتين.
كما تنسق كل من البلدين في التعامل مع الأزمة في مالي نظرًا لما تتمتع به الجزائر تاريخيًّا من دور وتأثير في البلد الواقع غرب أفريقيا، فإنه كان أحد ملفات التفاهم بين الجانبين.
ولعل ما يؤكد ذلك تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف خلال الزيارة بالتأكيد على ضرورة إجراء حوار وطني بين المكونات كافة داخل مالي لحل أزمتها السياسية الحالية، كما تحرص الجزائر على التنسيق الأمني والاستخباراتي مع روسيا لحماية أمنها القومي ضد التهديدات الإرهابية، خاصة أن شركة فاجنر الروسية طرف رئيسي في مواجهة التنظيمات الإرهابية في مالي.





